عالم يتغير

فوزية رشيد
مأزق العرب الراهن والمصير المجهول!
{ المنطقة العربية منذ عقود وهي تتدحرج ككرة الثلج من مأزق إلى آخر لأسباب جيواستراتيجية وسياسية متعلقة بالمشاريع الاستعمارية الدولية والمشاريع الإقليمية التوسعية! ليبقى الخيار دائما متأرجحا بين لغة السلام الذي تسعى له دول المنطقة والطموح لديها أن يكون سلاما حقيقيا وبين لغة الصراع والحرب وافتعال الأزمات الذي تعمل عليه مشاريع بعض القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، ومشاريع إقليمية مثل المشروع الإيراني الذي تراجع مرحليا أو لبعض الوقت، والمشروع الصهيوني الذي لدى الكيان الصهيوني ومشاريع الأدوات الإخوانية والمليشياوية الطائفية! وحيث المشروع التركي العثماني قد تراجع بدوره مرحليا، خاصة بعد الضربات التي تلقاها الإخوان في أكثر من بلد عربي بعد انفضاح الأوراق في تلك البلدان!
{ المأزق العربي الحقيقي هو أن ليس لدى العرب حتى الآن مشروع عربي تتوحد فيه القوى العربية باضطرار دفاعي عن النفس، وهي التي واجهت ولاتزال تواجه أكبر تلك المشاريع في الوقت الراهن، وهو المشروع الذي يطرحه الكيان الصهيوني بنوايا توسعية واضحة! وبلغة سلام كاذبة لا تحقق لدول المنطقة العربية سلام الأنداد أو سلاما حقيقيا، لأن المضمر في هذا المشروع بات مكشوفا تماما في هذه المرحلة وعلى لسان القادة الصهاينة الذين يريدون جعل الكيان هو الأقوى والمسيطر في المنطقة كما الحلم الصهيوني!
{ في السنوات الأخيرة ولغياب القوة العربية الفاعلة التي تستطيع مواجهة كل ما يتربص بها من تهديدات ومخاطر وتحديات، خاصة بعد التمزق الذي أصاب العرب في العديد من دوله كالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين المحتلة والسودان وليبيا والصومال إلى جانب تحديات مخاطر الحرب التي تحيط سواء بمصر أو الخليج، فإن دول المنطقة عانت عبث المليشيات بصيغة إرهابية موجهة للداخل العربي، مثلما عانت عبث «الإخوان» التي كادت تبتلع بنهجها المتطرف أيضا العديد من الدول العربية، ولا تزال تعمل لاسترداد قوتها السابقة!
{ حرب المليشيات التابعة لإيران على الداخل العربي في أغلبها وأحدها على الكيان الصهيوني كما في غزة من دون استعداد حقيقي أو تقدير لميزان القوى بينها وبين الكيان أسفر في النهاية الفواجع التي نراها في غزة والضفة في ظل الضعف العربي وتراجعه عن القضية المركزية للعرب وهي فلسطين، ما عدا النشاط الدبلوماسي الذي لا يوازي في النهاية ما يرتكبه الكيان من مجازر يومية منذ أكثر من عام ونصف! وحيث لا ننفي أبدا مشروعية المقاومة كحق شرعي بل نؤكده طالما هناك احتلال! ولكن إيران التي انكشفت أوراقها وقد تخلت عن المليشيات التابعة لها على أرض الواقع، وليس بحسب الخطاب تراجعت أيضا عن مواجهة مباشرة مع الكيان الصهيوني، خاصة حين كانت الحرب محتدمة في غزة وفي لبنان، والاعتداءات متكررة على سوريا مرحلة «الأسد»، ما أدى إلى استفراد الكيان بالمليشيات التابعة لها، وتوجيه ضربات قاسية لأذرعها لتتغنى اليوم بلغة السلام والمفاوضات حماية لنظامها في طهران! وهي اللغة المخادعة التي اغتسلت في برك دماء الأبرياء في غزة ولبنان واليمن والعراق وسوريا فأصبح خلاص نظامها اليوم هو عقد صفقة مع من كانت تسميه حتى وقت قريب الشيطان الأكبر!
{ من جهة أخرى وفي ظل مواجهة عبث تلك المشاريع التي عصفت ولاتزال تعصف بأمن واستقرار المنطقة العربية، كانت لغة السلام العربية التي انبثقت بشكل عربي في بيروت 2002 وهي التي تم توجيهها للكيان الصهيوني بحسب المبادرة العربية ورفضها الكيان ولايزال يرفضها، لأن تلك المبادرة تتناقض مع مشروع احتلاله الكامل لفلسطين ومشروعه التوسعي في دول عربية أخرى، وبدأ بالفعل بترجمة خارطتها في فلسطين وجزء من لبنان وجزء من سوريا، وأنه سيبقى فيها إلى أجل غير مسمى، بحسب تصريح نتنياهو! نقول لغة السلام العربية، رغم حسن النوايا فيها إلا أنها لم تكن ولن تكون كافية وفاعلة طالما لم تستند إلى قوة عربية حقيقية تفرضها على أرض الواقع! الاستعمار الغربي والاستعمار الصهيوني المتجسد في الكيان الصهيوني لا يعرفان إلا لغة القوة والضعف العربي الذي لم يستطع حتى اليوم إيقاف حرب الإبادة والتطهير العرقي والتجويع والتعطيش في غزة هو خير دليل على ذلك! لأن الخلاصة التي وصلنا إليها مرارا هي في النهاية أن هذا الكيان لا يريد سلاما، فما بالنا بسلام حقيقي قائم على حل عادل للقضية الفلسطينية إلى جانب التخلي عن مشروعه الاستعماري التوسعي! إنما يريد استسلاما وهيمنة وسيطرة برعاية أمريكية غربية، وباسم الاتفاقات والتطبيع ليضمن لنفسه المزيد من الاختراق لمن يقبل بالحجج الواهية التي يسوقها طوال الوقت تحت مظلة الخرافات والأساطير «التوراتية المزيفة»! وربما هذا ما يجعل المنطقة العربية لاتزال تعايش مأزقا بعد آخر في ظل مصير مجهول لا يعلمه إلا الله وحده، المحيط والمهيمن على خلقه وعلى كل شيء! والله المستعان.
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك