العدد : ١٧١٩٧ - الأربعاء ٢٣ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٩٧ - الأربعاء ٢٣ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ شوّال ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

مأزق العرب الراهن والمصير المجهول!

{‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬وهي‭ ‬تتدحرج‭ ‬ككرة‭ ‬الثلج‭ ‬من‭ ‬مأزق‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬لأسباب‭ ‬جيواستراتيجية‭ ‬وسياسية‭ ‬متعلقة‭ ‬بالمشاريع‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الدولية‭ ‬والمشاريع‭ ‬الإقليمية‭ ‬التوسعية‭! ‬ليبقى‭ ‬الخيار‭ ‬دائما‭ ‬متأرجحا‭ ‬بين‭ ‬لغة‭ ‬السلام‭ ‬الذي‭ ‬تسعى‭ ‬له‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬والطموح‭ ‬لديها‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سلاما‭ ‬حقيقيا‭ ‬وبين‭ ‬لغة‭ ‬الصراع‭ ‬والحرب‭ ‬وافتعال‭ ‬الأزمات‭ ‬الذي‭ ‬تعمل‭ ‬عليه‭ ‬مشاريع‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬ومشاريع‭ ‬إقليمية‭ ‬مثل‭ ‬المشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬الذي‭ ‬تراجع‭ ‬مرحليا‭ ‬أو‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت،‭ ‬والمشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬لدى‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬ومشاريع‭ ‬الأدوات‭ ‬الإخوانية‭ ‬والمليشياوية‭ ‬الطائفية‭! ‬وحيث‭ ‬المشروع‭ ‬التركي‭ ‬العثماني‭ ‬قد‭ ‬تراجع‭ ‬بدوره‭ ‬مرحليا،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬الضربات‭ ‬التي‭ ‬تلقاها‭ ‬الإخوان‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬بعد‭ ‬انفضاح‭ ‬الأوراق‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭! ‬

{‭ ‬المأزق‭ ‬العربي‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬ليس‭ ‬لدى‭ ‬العرب‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬مشروع‭ ‬عربي‭ ‬تتوحد‭ ‬فيه‭ ‬القوى‭ ‬العربية‭ ‬باضطرار‭ ‬دفاعي‭ ‬عن‭ ‬النفس،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬واجهت‭ ‬ولاتزال‭ ‬تواجه‭ ‬أكبر‭ ‬تلك‭ ‬المشاريع‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن،‭ ‬وهو‭ ‬المشروع‭ ‬الذي‭ ‬يطرحه‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بنوايا‭ ‬توسعية‭ ‬واضحة‭! ‬وبلغة‭ ‬سلام‭ ‬كاذبة‭ ‬لا‭ ‬تحقق‭ ‬لدول‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬سلام‭ ‬الأنداد‭ ‬أو‭ ‬سلاما‭ ‬حقيقيا،‭ ‬لأن‭ ‬المضمر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬بات‭ ‬مكشوفا‭ ‬تماما‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬وعلى‭ ‬لسان‭ ‬القادة‭ ‬الصهاينة‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬جعل‭ ‬الكيان‭ ‬هو‭ ‬الأقوى‭ ‬والمسيطر‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كما‭ ‬الحلم‭ ‬الصهيوني‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬ولغياب‭ ‬القوة‭ ‬العربية‭ ‬الفاعلة‭ ‬التي‭ ‬تستطيع‭ ‬مواجهة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتربص‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬تهديدات‭ ‬ومخاطر‭ ‬وتحديات،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬التمزق‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دوله‭ ‬كالعراق‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬وفلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬والسودان‭ ‬وليبيا‭ ‬والصومال‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تحديات‭ ‬مخاطر‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬سواء‭ ‬بمصر‭ ‬أو‭ ‬الخليج،‭ ‬فإن‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬عانت‭ ‬عبث‭ ‬المليشيات‭ ‬بصيغة‭ ‬إرهابية‭ ‬موجهة‭ ‬للداخل‭ ‬العربي،‭ ‬مثلما‭ ‬عانت‭ ‬عبث‭ ‬‮«‬الإخوان‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كادت‭ ‬تبتلع‭ ‬بنهجها‭ ‬المتطرف‭ ‬أيضا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تعمل‭ ‬لاسترداد‭ ‬قوتها‭ ‬السابقة‭!‬

{‭ ‬حرب‭ ‬المليشيات‭ ‬التابعة‭ ‬لإيران‭ ‬على‭ ‬الداخل‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬أغلبها‭ ‬وأحدها‭ ‬على‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استعداد‭ ‬حقيقي‭ ‬أو‭ ‬تقدير‭ ‬لميزان‭ ‬القوى‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الكيان‭ ‬أسفر‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬الفواجع‭ ‬التي‭ ‬نراها‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الضعف‭ ‬العربي‭ ‬وتراجعه‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬المركزية‭ ‬للعرب‭ ‬وهي‭ ‬فلسطين،‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬النشاط‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يوازي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬ما‭ ‬يرتكبه‭ ‬الكيان‭ ‬من‭ ‬مجازر‭ ‬يومية‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬ونصف‭! ‬وحيث‭ ‬لا‭ ‬ننفي‭ ‬أبدا‭ ‬مشروعية‭ ‬المقاومة‭ ‬كحق‭ ‬شرعي‭ ‬بل‭ ‬نؤكده‭ ‬طالما‭ ‬هناك‭ ‬احتلال‭! ‬ولكن‭ ‬إيران‭ ‬التي‭ ‬انكشفت‭ ‬أوراقها‭ ‬وقد‭ ‬تخلت‭ ‬عن‭ ‬المليشيات‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬وليس‭ ‬بحسب‭ ‬الخطاب‭ ‬تراجعت‭ ‬أيضا‭ ‬عن‭ ‬مواجهة‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬خاصة‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬الحرب‭ ‬محتدمة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وفي‭ ‬لبنان،‭ ‬والاعتداءات‭ ‬متكررة‭ ‬على‭ ‬سوريا‭ ‬مرحلة‭ ‬‮«‬الأسد‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬استفراد‭ ‬الكيان‭ ‬بالمليشيات‭ ‬التابعة‭ ‬لها،‭ ‬وتوجيه‭ ‬ضربات‭ ‬قاسية‭ ‬لأذرعها‭ ‬لتتغنى‭ ‬اليوم‭ ‬بلغة‭ ‬السلام‭ ‬والمفاوضات‭ ‬حماية‭ ‬لنظامها‭ ‬في‭ ‬طهران‭! ‬وهي‭ ‬اللغة‭ ‬المخادعة‭ ‬التي‭ ‬اغتسلت‭ ‬في‭ ‬برك‭ ‬دماء‭ ‬الأبرياء‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ولبنان‭ ‬واليمن‭ ‬والعراق‭ ‬وسوريا‭ ‬فأصبح‭ ‬خلاص‭ ‬نظامها‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬عقد‭ ‬صفقة‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬كانت‭ ‬تسميه‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬الشيطان‭ ‬الأكبر‭!‬

{‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬مواجهة‭ ‬عبث‭ ‬تلك‭ ‬المشاريع‭ ‬التي‭ ‬عصفت‭ ‬ولاتزال‭ ‬تعصف‭ ‬بأمن‭ ‬واستقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬كانت‭ ‬لغة‭ ‬السلام‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬انبثقت‭ ‬بشكل‭ ‬عربي‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬2002‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬توجيهها‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بحسب‭ ‬المبادرة‭ ‬العربية‭ ‬ورفضها‭ ‬الكيان‭ ‬ولايزال‭ ‬يرفضها،‭ ‬لأن‭ ‬تلك‭ ‬المبادرة‭ ‬تتناقض‭ ‬مع‭ ‬مشروع‭ ‬احتلاله‭ ‬الكامل‭ ‬لفلسطين‭ ‬ومشروعه‭ ‬التوسعي‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬أخرى،‭ ‬وبدأ‭ ‬بالفعل‭ ‬بترجمة‭ ‬خارطتها‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وجزء‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬وجزء‭ ‬من‭ ‬سوريا،‭ ‬وأنه‭ ‬سيبقى‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬أجل‭ ‬غير‭ ‬مسمى،‭ ‬بحسب‭ ‬تصريح‭ ‬نتنياهو‭! ‬نقول‭ ‬لغة‭ ‬السلام‭ ‬العربية،‭ ‬رغم‭ ‬حسن‭ ‬النوايا‭ ‬فيها‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬كافية‭ ‬وفاعلة‭ ‬طالما‭ ‬لم‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬عربية‭ ‬حقيقية‭ ‬تفرضها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭! ‬الاستعمار‭ ‬الغربي‭ ‬والاستعمار‭ ‬الصهيوني‭ ‬المتجسد‭ ‬في‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬لا‭ ‬يعرفان‭ ‬إلا‭ ‬لغة‭ ‬القوة‭ ‬والضعف‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬إيقاف‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬والتطهير‭ ‬العرقي‭ ‬والتجويع‭ ‬والتعطيش‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬هو‭ ‬خير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭! ‬لأن‭ ‬الخلاصة‭ ‬التي‭ ‬وصلنا‭ ‬إليها‭ ‬مرارا‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬سلاما،‭ ‬فما‭ ‬بالنا‭ ‬بسلام‭ ‬حقيقي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬عادل‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬مشروعه‭ ‬الاستعماري‭ ‬التوسعي‭! ‬إنما‭ ‬يريد‭ ‬استسلاما‭ ‬وهيمنة‭ ‬وسيطرة‭ ‬برعاية‭ ‬أمريكية‭ ‬غربية،‭ ‬وباسم‭ ‬الاتفاقات‭ ‬والتطبيع‭ ‬ليضمن‭ ‬لنفسه‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الاختراق‭ ‬لمن‭ ‬يقبل‭ ‬بالحجج‭ ‬الواهية‭ ‬التي‭ ‬يسوقها‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬الخرافات‭ ‬والأساطير‭ ‬‮«‬التوراتية‭ ‬المزيفة‮»‬‭! ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬لاتزال‭ ‬تعايش‭ ‬مأزقا‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مصير‭ ‬مجهول‭ ‬لا‭ ‬يعلمه‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬وحده،‭ ‬المحيط‭ ‬والمهيمن‭ ‬على‭ ‬خلقه‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬شيء‭! ‬والله‭ ‬المستعان‭.‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا