يتعلق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، بتحقيق الوصول الشامل والعادل إلى مياه شرب آمنة، وبأسعار ملائمة للجميع بحلول عام 2030، إلى جانب تحسين كفاءة استخدام المياه لضمان استدامة طويلة الأمد لهذا المورد الطبيعي الحيوي. ومع بقاء خمس سنوات فقط لتحقيق هذه الأهداف، فإن 17% فقط من أهداف التنمية المستدامة تسير على الطريق الصحيح. وفيما يتعلق بالأمن المائي، تُظهر أحدث أرقام منظمة الأمم المُتحدة للطفولة، اليونيسف، أن 2.2 مليار شخص حول العالم مازالوا يعانون من نقص في الحصول على مياه شرب آمنة.
ومع تقدير أن نصف سكان العالم تقريبًا سيعانون من ندرة شديدة في المياه في وقت ما خلال العام الحالي؛ فمن المُرجح أن يزداد الضغط على الموارد الحالية سوءًا. ويشير معهد الموارد العالمية إلى أنه مع استمرار نمو سكان العالم، ستكون هناك حاجة إلى إنتاج 56% من السعرات الحرارية الغذائية الإضافية في عام 2050؛ لإطعام ما يقرب من 10 مليارات شخص إضافي على وجه الأرض.
وتُسجل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كأحد أكثر مناطق العالم معاناة من الإجهاد المائي، إن لم تكن الأكثر، حيث يتأثر 83% من السكان بمحدودية الوصول إلى هذا المورد الضروري. وفي تقييم ناتاشا هول، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن المنطقة تقف الآن عند نقطة تحول، إذ نضبت المياه الجوفية، أو أصبحت ملوثة، وتضاعف عدد السكان بشكل كبير، وأصبحت الحدود أكثر صرامة من أي وقت مضى، مما يجعل إعادة توطين الأفراد أمرًا مستحيلًا، ويجعل من التوصل إلى اتفاقيات دبلوماسية بشأن تقاسم الموارد أمرًا بالغ الصعوبة. وفيما أعربت هول، عن أسفها لأن الحوارات والجهود السابقة للتعاون، قد أولت الاستقرار قصير الأمد أولوية، على حساب الاستدامة طويلة المدى؛ فإن الانحسار المتسارع في مصادر المياه العذبة الطبيعية، عزز بدوره الحاجة إلى تعاون أعمق، وتبني أفكار وتقنيات مبتكرة لتلبية الاحتياجات الراهنة والمستقبلية.
وباعتبارها من أكثر دول منطقة الشرق الأوسط ثراءً، فليس من المستغرب أن تكون دول الخليج في موقع أفضل لمواجهة التحديات المتزايدة لانعدام الأمن المائي. وفي حالة السعودية على وجه الخصوص، كتب جون كالابريس، من معهد دول الخليج العربية، أن الابتكار المستمر، والتنسيق المؤسسي الفعال، وتعزيز التعاون الدولي؛ ستكون عناصر حاسمة لضمان استمرار قوة الأمن المائي للمملكة في مواجهة المتغيرات.
وسجلت شركة رين نتوورك لاستشارات المخاطر، كيف أن تفاقم أزمة المياه، سيجعل الماء موردًا متنازعًا عليه بشكل متزايد؛ وهو ما يضاعف من خطر الاضطرابات الاجتماعية والعنف من جانب الجماعات المسلحة غير الحكومية، والصراعات بين الدول. وعلى الرغم من أن التحليل اللاحق لهذه المنظمة، لديناميكيات الأمن المائي في المنطقة، قد ركز على بؤر التوتر المعروفة، مثل نهري دجلة والفرات، والنزاع بين مصر وإثيوبيا بشأن تأثير سد النهضة الإثيوبي على تدفق مياه نهر النيل؛ فإن المثال الأبرز على كيف يمكن لصعوبة الوصول إلى المياه أن تفاقم المعاناة الإنسانية وتخنق التنمية؛ يتمثل في القيود التي تفرضها إسرائيل على وصول الفلسطينيين إلى المياه العذبة في غزة والضفة الغربية.
وفي غزة، أبدت باولا نافارو، من منظمة أطباء بلا حدود، أسفها لاستخدام إسرائيل للمياه كسلاح حرب، ضد السكان المدنيين الفلسطينيين، حيث أدى قصف البنية التحتية المدنية، بما في ذلك مرافق تحلية المياه والصرف الصحي، إلى جانب الحصار المفروض على وصول المساعدات الإنسانية، إلى إجبار العديد من الأشخاص على شرب مياه غير آمنة، بينما لا يحصل آخرون على ما يكفي.
وعلى نطاق أوسع، أقرت هول، بكيفية تقييد إسرائيل لقدرة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة على زراعة أراضيهم، والوصول إلى موارد المياه العذبة لعقود. ووثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، كيف أن ما لا يقل عن 180 مجتمعًا فلسطينيًا في الضفة الغربية وحدها لا يحصلون على المياه الجارية؛ بسبب قطع إسرائيل المتعمد للمياه، مشيرة إلى أن الأحداث في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة تُعدّ مثالاً صارخاً، لما يحدث عندما تعجز الحكومات والجماعات والوسطاء عن حل التحديات السياسية التي تواجه الأمن المائي، مؤكدة أن قضية استدامة المياه والأمن، لم يعد من الممكن تأجيلها في الشرق الأوسط، حيث إن محاولات التكيف مع الوضع الحالي تصل إلى نقطة الانهيار.
من جانبه، أقر كالابريس، بكيفية مواجهة دول مجلس التعاون الخليجي بعضًا من أكثر تحديات المياه حدة والناجمة عن آثار التمدد الحضري السريع، والتوسع الصناعي والزراعي، فضلًا عن الضغوط البيئية؛ وأنه بسبب احتياطيات المياه السطحية والجوفية المحدودة، فإنهم يعتمدون بشكل كبير على الحلول كثيفة الطاقة مثل تحلية المياه.
ومع استمرار نمو سكان المنطقة -والمتوقع أن يتراوح من 35 مليونًا إلى أكثر من 40 مليونًا بحلول نهاية العِقد الحالي في السعودية، فليس من المستغرب أن يُظهر المسح الذي أجرته شركة إيكولاب، قلقًا متزايدًا بنفس القدر بشأن إدارة الموارد، حيث يشعر ما يقرب من نصف السعوديين (45%) بالقلق الشديد بشأن الوصول إلى المياه خلال السنوات الخمس المقبلة، كما أن سكان الإمارات قلقون بشأن الوصول إلى المياه اليوم (31 %)، و(38 %) في غضون السنوات الخمس المُقبلة.
وعلى المستوى التقني، وبالنظر إلى محدودية موارد المياه العذبة الطبيعية في منطقة الخليج؛ أصبحت تحلية المياه، عنصرًا أساسيًا، في استراتيجيات الأمن المائي في المنطقة. ولذلك، اكتسبت التطورات التكنولوجية في هذا المجال أهمية خاصة، لاسيما تلك التي تهدف إلى تحسين الكفاءة.
وعلى سبيل المثال، يركّز برنامج رؤية السعودية 2030، على التحول نحو إدارة أكثر كفاءة للمياه. وتسعى وزارة البيئة والمياه والزراعة، بالمملكة إلى تلبية 90% من الطلب على المياه بها عبر تحلية المياه بحلول عام 2030. ويعني ذلك في الوقت الراهن، الحاجة إلى سد عجز يبلغ 4.5 ملايين متر مكعب يوميًا. وفي هذا السياق، أشار كالابريس، إلى أن حجم الاستثمار في محطات تحلية المياه مذهل، حيث خصصت الرياض 80 مليار دولار لأكثر من 3300 مشروع مائي في أنحاء المملكة.
ورغم الأهمية المتزايدة لتحلية المياه، إلا أن التحديات المتعلقة بالاعتماد الطويل الأمد عليها ما زالت قائمة، وتشمل (ارتفاع التكاليف، والاستهلاك الكبير للطاقة). وأكد كالابريس، على الدور المحوري للقطاع الخاص في تطوير التكنولوجيا، والبنية التحتية لهذه المحطات. وتُعد محطة الشقيق3، التابعة لشركة أكوا باور جنوب غرب المملكة نموذجًا ناجحًا، حيث تستخدم مزيجًا من تقنية التناضح العكسي والطاقة الشمسية؛ ما يُبرز إمكانات الدمج بين الطاقة المتجددة وإنتاج المياه. كما أن محطة رابغ3، تُظهر كيف يمكن أن يُحسّن التناضح العكسي كفاءة تحلية مياه البحر.
وبالإضافة إلى ذلك، تُعد تحسينات التكنولوجيا عاملًا حيويًا في دعم جهود إعادة استخدام المياه. وقدّرت شركة جلف إستيت أناليتكس، سوق إعادة استخدام المياه في السعودية بـ4.69 مليارات دولار؛ ما يجعلها ثالث أكبر سوق عالميًا بعد الولايات المتحدة والصين. وتسعى الرياض إلى إعادة استخدام 100% من مياه الصرف الصحي المعالجة في المناطق الحضرية بحلول نهاية عام 2025. وأشار كالابريس، إلى أن محطات تحلية المياه تعمل بشكل متزايد بالطاقة المتجددة، حيث تُعد محطة الخفجي، على الساحل الشرقي للسعودية أكبر منشأة لتحلية المياه تعمل بالطاقة الشمسية في العالم، مما يجعلها عنصرًا أساسيًا في استراتيجيتها المائية واستدامتها على المدى الطويل.
وفيما يتعلق بالاستدامة، أكدت إدارة التجارة الدولية الأمريكية، أن أهداف الاستراتيجية الوطنية السعودية للمياه، تتركز حول ضمان الوصول المستمر إلى كميات كافية من المياه الصالحة للشرب في الظروف العادية، وأثناء حالات الطوارئ، وتعزيز إدارة الطلب على المياه، وتقديم خدمات مياه وصرف صحي فعالة من حيث الكلفة وعالية الجودة، وحماية موارد المياه، وتحسين استخدامها، بالإضافة إلى الحفاظ على البيئة المحلية لما فيه المصلحة العامة للمجتمع السعودي.
ولأداء هذه المهمة، أبرز كالابريس، أهمية دور كل من مركز الابتكار السعودي لتقنيات المياه، ومعهد ابتكار تقنيات المياه والأبحاث المتقدمة؛ في تشجيع الابتكار، ودعم الحلول المحلية، التي تعزز استدامة المياه في منطقة الخليج. كما أشار إلى عامل آخر لا يقل أهمية، وهو تشجيع السعودية المتزايد لمشاركة القطاع الخاص في عمليات تحلية المياه، بهدف الوصول إلى مشاركة كاملة لهذا القطاع بحلول عام 2030.
إلى جانب ذلك، يُعد رفع الوعي العام بأهمية ترشيد استهلاك المياه أمرًا محوريًا. وبحسب استطلاع أجرته شركة إيكولاب؛ أظهر60% من المستهلكين السعوديين أنهم توقفوا عن استخدام، أو شراء منتجات تستهلك كميات كبيرة من المياه في تصنيعها، بينما أعرب 76% عن استعدادهم لدفع مبالغ إضافية لضمان استدامة أفضل. أما في الإمارات، فالنسبة ترتفع إلى 70%، و89% على التوالي فيما يتعلق بالتوقف عن استخدام هذه المنتجات.
وبالإضافة إلى تحسين التكنولوجيا، ووضع استراتيجيات وطنية متماسكة بالتعاون مع القطاع الخاص، باتت دول الخليج، محركًا رئيسيًا، للجهود الدبلوماسية الدولية، لتعزيز الأمن المائي عالميًا. وفي هذا الإطار، أشار كالابريس، إلى بروز السعودية، كقائد عالمي في دبلوماسية المياه، مستثمرة خبراتها ومواردها لمعالجة تحديات ندرة المياه محليًا ودوليًا.
وخلال رئاستها لمجموعة العشرين عام 2020، شددت السعودية على قضية الأمن المائي العالمي، من خلال إطلاق حوار المياه، واستضافة قمة جمعت مسؤولين وممثلين عن القطاع الزراعي من مختلف دول العالم؛ لمناقشة خطوات عملية لتحسين الأمنين المائي والغذائي. وتبع ذلك إنشاء المنظمة العالمية للمياه، ومقرها الرياض عام 2023، والتي ذكرت مجلة فوربس، أنها خصصت أكثر من 6 مليارات دولار لمشاريع المياه والصرف الصحي عالميًا. وفي أكتوبر 2024، وقّع الصندوق السعودي للتنمية، مذكرة تعاون مع هذه المنظمة؛ لوضع إطار تمويلي لاستدامة المياه عالميًا.
وفي أبريل 2025، استضافت الرياض، الاجتماع الأول للمنتدى العالمي الحادي عشر للمياه، الذي جمع كبار العلماء والخبراء وصانعي السياسات. وخلال المنتدى، أكد لويك فوشون، رئيس المجلس العالمي للمياه، أنه بعد وضع إطار عمل شامل لإدارة المياه، لا يزال الطريق طويلًا، لكننا واثقون من أننا نسير في الاتجاه الصحيح نحو حلول حقيقية، قادرة على تغيير حياة الناس.
وفي ضوء هذا الدور الرائد للسعودية، سواء كقائد دبلوماسي، أو محرّك للتقدم التكنولوجي، أو مبتكر لاستراتيجية وطنية متكاملة لاستدامة المياه؛ خلص كالابريس، إلى أن النهج السعودي يمهد الطريق لتحسين الأمن المائي في العقود المقبلة، ليس فقط في منطقة الخليج، بل على مستوى العالم، مع تركيزها على الابتكار المستمر، وتعزيز التعاون الدولي؛ ما يُعد أمرًا حاسمًا لضمان أمنها المائي طويل الأمد في مواجهة التحديات المتطورة.
ومع ذلك، وكما أشارت هول، فإن عامل الوقت يظل حاسمًا في الشرق الأوسط، حيث يصبح من الضروري الدفع نحو التغيير بين الجهات المستفيدة من الوضع الراهن غير القابل للاستمرار. ولتحقيق ذلك، ينبغي على الدول أن تحشد المسؤولين الحكوميين والخبراء، إلى جانب المانحين وأصحاب المصلحة الدوليين، لإيجاد الحلول المناسبة في أسرع وقت.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك