العدد : ١٧١٩٦ - الثلاثاء ٢٢ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٩٦ - الثلاثاء ٢٢ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تطلعات وطموحات ثقافية كبيرة بشأن معرض البحرين للكتاب

بقلم: نبيلة رجب

الثلاثاء ٢٢ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

تخيل‭ ‬أنك‭ ‬تفتح‭ ‬كتابا‭ ‬وتجد‭ ‬نفسك‭ ‬جالسا‭ ‬مع‭ ‬ابن‭ ‬رشد،‭ ‬تتحاور‭ ‬معه‭ ‬حول‭ ‬العقل‭ ‬والنقل،‭ ‬ثم‭ ‬تنعطف‭ ‬الصفحات‭ ‬لتقودك‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الفارابي،‭ ‬يحدثك‭ ‬عن‭ ‬المدينة‭ ‬الفاضلة‭ ‬كما‭ ‬يتصورها‭. ‬وربما‭ ‬تأخذك‭ ‬الكلمات‭ ‬إلى‭ ‬زاوية‭ ‬هادئة‭ ‬في‭ ‬بطرسبرغ،‭ ‬حيث‭ ‬دوستويفسكي‭ ‬يفتش‭ ‬في‭ ‬أغوار‭ ‬النفس،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬شارع‭ ‬فرنسي‭ ‬حيث‭ ‬فيكتور‭ ‬هوغو‭ ‬يسرد‭ ‬حكاياته‭ ‬عن‭ ‬الثورة‭ ‬والعدالة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬قليلا‭ ‬أمام‭ ‬لوحة‭ ‬بيكاسو،‭ ‬وتفكر‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يقال‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬عالم‭ ‬الكتب،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جواز‭ ‬سفر‭ ‬لتنتقل‭ ‬بين‭ ‬العصور‭ ‬والأماكن،‭ ‬وحيث‭ ‬الفكر‭ ‬هو‭ ‬البوصلة‭ ‬الوحيدة‭.‬

الكتب‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلي،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬يوما‭ ‬مجالا‭ ‬للتسلية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬مثل‭ ‬صديق‭ ‬هادئ،‭ ‬دائم‭ ‬الحضور‭. ‬لا‭ ‬أنسى‭ ‬عندما‭ ‬قرأت‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬عالم‭ ‬صوفي‮»‬‭ ‬للكاتب‭ ‬النرويجي‭ ‬جوستاين‭ ‬غاردر،‭ ‬كيف‭ ‬أوقفني‭ ‬السؤال‭ ‬البسيط‭: ‬من‭ ‬أنت؟‭ ‬ظل‭ ‬يتردد‭ ‬داخلي‭ ‬لأيام،‭ ‬كأن‭ ‬الكاتب‭ ‬كان‭ ‬يهمس‭ ‬لي‭ ‬شخصيا‭. ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬لا‭ ‬يغلق‭ ‬بسهولة،‭ ‬بل‭ ‬يترك‭ ‬أبوابه‭ ‬مفتوحة‭ ‬في‭ ‬الذهن‭.‬

في‭ ‬إحدى‭ ‬زياراتي‭ ‬لمعرض‭ ‬القاهرة‭ ‬للكتاب‭ ‬قبل‭ ‬أعوام،‭ ‬كنت‭ ‬أتجول‭ ‬بين‭ ‬الأجنحة‭ ‬حين‭ ‬لفتني‭ ‬جناح‭ ‬دار‭ ‬الشروق‭. ‬توقفت‭ ‬عند‭ ‬رف‭ ‬خاص‭ ‬بإصدارات‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬وسحبت‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬‮«‬أولاد‭ ‬حارتنا‮»‬‭. ‬جلست‭ ‬على‭ ‬طرف‭ ‬أحد‭ ‬المقاعد،‭ ‬وبدأت‭ ‬أقرأ‭. ‬وسط‭ ‬الضجيج‭ ‬والحركة،‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬منغمسة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬آخر‭. ‬كانت‭ ‬لحظة‭ ‬صامتة‭ ‬وسط‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬شعرت‭ ‬فيها‭ ‬أني‭ ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬غرفتي‭ ‬في‭ ‬الفندق‭.‬

لذلك،‭ ‬فإن‭ ‬معارض‭ ‬الكتب‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬أماكن‭ ‬للبيع‭. ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬أماكن‭ ‬تتنفس‭ ‬فيها‭ ‬الكلمة،‭ ‬وتتشكل‭ ‬فيها‭ ‬الصداقات‭ ‬الجديدة،‭ ‬وربما‭ ‬تتغير‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬القناعات‭. ‬وبصراحة،‭ ‬أحيانا‭ ‬لا‭ ‬نذهب‭ ‬للشراء‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬نذهب‭ ‬للتمشي‭ ‬بين‭ ‬الكتب،‭ ‬نستمتع‭ ‬بتقليب‭ ‬العناوين،‭ ‬وربما‭ ‬نلتقي‭ ‬صدفة‭ ‬بكاتب‭ ‬نقرأ‭ ‬له‭.‬

في‭ ‬البحرين،‭ ‬عندنا‭ ‬الرغبة،‭ ‬وعندنا‭ ‬القراء‭ ‬والكُتّاب،‭ ‬لكننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مساحة‭ ‬أكبر‭ ‬للاحتفاء‭ ‬بالكتاب‭ ‬والقراءة‭. ‬معرض‭ ‬يلتفت‭ ‬إلى‭ ‬المحلي‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينغلق،‭ ‬ويستضيف‭ ‬الخارجي‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يذوب‭ ‬فيه‭. ‬معرض‭ ‬يليق‭ ‬بطموح‭ ‬الناس‭ ‬هنا،‭ ‬ويكون‭ ‬على‭ ‬مقاسهم،‭ ‬لا‭ ‬ضخما‭ ‬حد‭ ‬الغرابة،‭ ‬ولا‭ ‬محدودًا‭ ‬حد‭ ‬التكرار‭.‬

والحديث‭ ‬هنا‭ ‬ليس‭ ‬عن‭ ‬تنظيم‭ ‬يشبه‭ ‬المهرجانات‭ ‬الكبرى،‭ ‬بل‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬بسيط‭ ‬يشبهنا‭. ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬العفوية‭ ‬والصدق‭. ‬مكان‭ ‬يجد‭ ‬فيه‭ ‬الطفل‭ ‬ركنا‭ ‬للقراءة‭ ‬واللعب،‭ ‬وتجد‭ ‬فيه‭ ‬الجدة‭ ‬كتابا‭ ‬شعريا‭ ‬باللهجة‭ ‬البحرينية،‭ ‬ويجد‭ ‬فيه‭ ‬الكاتب‭ ‬منصة‭ ‬حقيقية‭ ‬للحديث‭.‬

في‭ ‬تجارب‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬معرض‭ ‬تورينو‭ ‬في‭ ‬إيطاليا،‭ ‬الكتاب‭ ‬هو‭ ‬المحور،‭ ‬لكن‭ ‬الحدث‭ ‬يفتح‭ ‬نوافذه‭ ‬للموسيقى‭ ‬والسينما‭ ‬والناس‭ ‬العاديين‭. ‬أحب‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يضع‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬رسمي،‭ ‬بل‭ ‬يجعلها‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭.‬

أحيانا،‭ ‬لا‭ ‬نذهب‭ ‬إلى‭ ‬الكتاب‭ ‬كي‭ ‬نجد‭ ‬الإجابات،‭ ‬بل‭ ‬لنرتب‭ ‬داخلنا‭ ‬الأسئلة‭. ‬ليس‭ ‬كل‭ ‬كتاب‭ ‬يحكي‭ ‬عن‭ ‬الماضي،‭ ‬بعض‭ ‬الكتب‭ ‬تفتح‭ ‬نوافذ‭ ‬صغيرة‭ ‬على‭ ‬أشياء‭ ‬لم‭ ‬نرها‭ ‬بعد‭. ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يعجبني‭ ‬في‭ ‬المعارض‭ ‬الجيدة‭: ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‭ ‬بعرض‭ ‬ما‭ ‬كتب،‭ ‬بل‭ ‬تلمح‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭. ‬تمر‭ ‬أحيانا‭ ‬على‭ ‬عنوان‭ ‬غريب،‭ ‬أو‭ ‬فقرة‭ ‬مقتطعة‭ ‬على‭ ‬غلاف،‭ ‬فتشعر‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬فكرة‭ ‬ما‭ ‬بدأت‭ ‬تتحرك‭ ‬فيك‭. ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يمليها‭ ‬عليك،‭ ‬لكنك‭ ‬تعرف‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تتركك‭ ‬بسهولة‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬القارئ‭ ‬في‭ ‬المعرض‭ ‬ليس‭ ‬متلقيا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬مشاركا‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬ملامح‭ ‬الطريق‭ ‬القادم،‭ ‬بطريقته‭ ‬الخاصة‭.‬

أتخيل‭ ‬معرض‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬مساحة‭ ‬دافئة،‭ ‬فيها‭ ‬زوايا‭ ‬للقراءة،‭ ‬وطاولات‭ ‬حوار،‭ ‬وربما‭ ‬عربة‭ ‬قهوة‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬الزاوية‭. ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬رسمي‭ ‬جدا‭. ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬معقد‭. ‬فقط‭ ‬كتب‭ ‬وناس‭ ‬وفضول‭ ‬مشترك‭.‬

أحلم‭ ‬أيضا‭ ‬بمسابقة‭ ‬بسيطة‭ ‬للكتابة‭ ‬من‭ ‬واقعنا‭ ‬المحلي،‭ ‬عن‭ ‬قصص‭ ‬البحر،‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬البيوت‭ ‬القديمة،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬المطبخ‭. ‬أن‭ ‬نحكي‭ ‬بلغتنا‭ ‬عن‭ ‬أنفسنا‭. ‬ويمكن‭ ‬حتى‭ ‬دعوة‭ ‬الحرفيين‭ ‬والفنانين‭ ‬المحليين‭ ‬لعرض‭ ‬أعمالهم‭ ‬المستوحاة‭ ‬من‭ ‬كتب،‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬الدمج‭ ‬الجميل‭ ‬بين‭ ‬الكلمة‭ ‬والصورة‭.‬

قد‭ ‬يكون‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬حلما‭. ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬ولا‭ ‬المقبل‭. ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬بأس‭. ‬الفكرة‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬من‭ ‬الآن،‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مكان‭. ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬كتاب،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬اقتراح‭ ‬صغير،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬حديث‭ ‬جانبي‭ ‬عن‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬عائلي‭.‬

والأهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬ألا‭ ‬ننسى‭ ‬بأن‭ ‬الكتاب‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ديكور‭ ‬فاخر،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬نية‭ ‬طيبة،‭ ‬ويد‭ ‬تمتد‭ ‬نحوه‭.‬

أجمل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الفكرة‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬بهرجة‭ ‬كي‭ ‬تترك‭ ‬أثرا،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬روح‭ ‬تؤمن‭ ‬بها،‭ ‬ومساحة‭ ‬تحتضنها‭ ‬بصدق‭. ‬ما‭ ‬نرجوه‭ ‬هو‭ ‬معرض‭ ‬يحمل‭ ‬هذه‭ ‬الروح،‭ ‬ويمنح‭ ‬الناس‭ ‬فرصة‭ ‬للالتقاء‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يجمعهم‭: ‬الكلمة‭.‬

ليس‭ ‬الهدف‭ ‬أن‭ ‬ننافس‭ ‬الآخرين،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬نروي‭ ‬قصتنا‭ ‬بطريقتنا،‭ ‬ونفتح‭ ‬أبوابا‭ ‬لمن‭ ‬يحملون‭ ‬الكلمة‭ ‬حبا‭ ‬وشغفا‭. ‬بعض‭ ‬الأفكار‭ ‬تحتاج‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يؤمن‭ ‬بها،‭ ‬ومن‭ ‬يمنحها‭ ‬الضوء‭ ‬الأول‭. ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬نأمله،‭ ‬أن‭ ‬نمنح‭ ‬هذا‭ ‬الحلم‭ ‬وقتا‭ ‬لينمو،‭ ‬ومساحة‭ ‬ليتحقق،‭ ‬فبعض‭ ‬الأحلام‭ ‬حين‭ ‬تنبت‭ ‬هنا،‭ ‬تزهر‭ ‬أبعد‭ ‬مما‭ ‬نظن‭.‬

 

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا