على الرغم من الزيارة المهمة التي أجراها ستيف ويتكوف المبعوث الرئاسي الأمريكي لروسيا ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الحادي عشر من إبريل 2025 بمدينة سان بطرسبرج فإنها لم تسفر عما يمكن اعتباره انفراجة حقيقية بشأن المحادثات الأمريكية- الروسية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وكان ذلك متوقعا منذ البداية لثلاثة أسباب أولها: ارتباط تلك المحادثات بمصالح أخرى بين الولايات المتحدة وروسيا، ففي تصريحات له أكد ويتكوف أن «هناك إمكانات هائلة للتعاون الاقتصادي الذي يحقق منفعة متبادلة بين الولايات المتحدة وروسيا، وأن هذا التعاون الاقتصادي يمكن أن يلعب دوراً مهماً في استقرار العالم أجمع»، وثانيها: استمرار إعلان الدول الأوروبية تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا الأمر الذي تعتبره روسيا رغبة في استمرار الحرب وهو ما أشار إليه بيتكوف بالقول «أوروبا تعلن بكل قوة نيتها مواصلة دعم أوكرانيا في سعيها لمواصلة الحرب»، وثالثها: الشروط التي وضعتها روسيا من أجل التوصل إلى تسوية مرضية في تلك الحرب وقد حددها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو 2024 وهي: مطالبة أوكرانيا بالتخلي رسميا عن طموحاتها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وسحب كل قواتها من المناطق الأربعة التي ضمتها روسيا عام 2022.
وربما يكون المؤشر الإيجابي المهم للمفاوضات الأمريكية- الروسية بشأن حرب أوكرانيا هو الوقف المؤقت لاستهداف منشآت الطاقة بين روسيا وأوكرانيا مدة شهر ابتداءً من الثامن عشر من مارس 2025م ويجوز تمديده بالاتفاق المتبادل بين الطرفين.
إلا أنه كما يبدو ليس بالأمر السهل الحديث عن وقف قريب لتلك الحرب في ظل التعقيدات التي تحيط بها، فالمسألة بالنسبة إلى روسيا تنطلق من بدايات تلك الحرب ونتائجها على السواء، فبدايات الحرب كانت لسبب رئيسي مؤداه تسارع وتيرة جهود أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو» بما يعني عمليا إنهاء أكبر مساحة عازلة بين روسيا وحلف الناتو، تلك المساحة التي ظلت تحرص عليها روسيا في صراعها مع الدول الغربية وحلف الناتو منذ انتهاء الحرب الباردة، إذ يعني التماس الاستراتيجي المباشر بين روسيا والناتو عبر أوكرانيا الكثير بالنسبة إلى تهديد الأمن القومي الروسي، أما بالنسبة إلى نتائج الحرب فلاشك أن سيطرة روسيا حالياً على ما يقرب من 20% من الأراضي الأوكرانية والتي تتضمن شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014 يعني أنها لديها أوراق تفاوضية مهمة.
ومع أهمية ما سبق، فإن المسألة ليست مجرد حرب تقليدية بين دولتين بينهما نزاع ولكنها الجانب العنيف للصراع الروسي- الغربي، فأوروبا لاتزال تواصل دعمها لأوكرانيا ومن ذلك إعلان وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في 11 إبريل 2025 أن ألمانيا سوف تقدم حزمة دعم إضافية إلى أوكرانيا بأكثر من 11 مليار يورو حتى عام 2029، بالإضافة إلى الأموال التي تعهدت ألمانيا بتقديمها بالفعل، وإعلان بيستوريوس أن ألمانيا ستقوم خلال عام 2025 بتقديم المزيد من أنظمة الدفاع الجوي إلى أوكرانيا، بالإضافة إلى صواريخ موجهة وذخيرة، فضلاً عن الدعم من جانب حلف الناتو الذي عبرت عنه الزيارة التي قام بها مارك روته الأمين العام للحلف لأوكرانيا في الخامس عشر من إبريل 2025 مؤكداً خلال لقائه بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على أن «دعم الحلف لأوكرانيا لا يتزعزع».
وأضاف «سنستمر في مساعدة أوكرانيا حتى تتمكن من الدفاع عن نفسها اليوم وتردع أي عدوان في المستقبل وتحقق سلام عادل ودائم».
ومع أهمية الدعم الأطلسي لأوكرانيا والذي بلغ أكثر من 20 مليار يورو خلال الأشهر الثلاثة المنقضية من عام 2025 على حد وصف الأمين العام للحلف، فإن الحلف ليس بإمكانه التدخل عسكرياً لحماية أوكرانيا بسبب قيود المادة الخامسة من ميثاقه التي تحول دون تدخل الحلف خارج أراضيه ، إلا أن تصريح كايا كالاس مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، في 11 إبريل 2025 بأن «دول الاتحاد وحلف شمال الأطلسي تدرس إرسال قوات إلى أوكرانيا بعد الهدنة»، وقد بدأت الدول الأوروبية بالفعل في حشد التأييد لتلك الفكرة من خلال لقاء وزراء دفاع ما عرف «بتحالف الراغبين» في قيادة فرنسا وبريطانيا بمقر حلف الناتو ببروكسيل في 10 إبريل 2025م يعكس إصراراً أوروبياً على دعم أوكرانيا.
فهل يعني ما سبق أن المواجهة العسكرية المباشرة بين روسيا وحلف الناتو باتت حتمية؟ واقع الأمر أن روسيا تأخذ تحركات الحلف ودعمه لأوكرانيا على محمل الجد، ومن ذلك تصريح سيرجي ناريشكين رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، حيث أكد أنه «في حال تعرض روسيا أو بيلاروسيا لهجوم فإن روسيا سوف ترد على حلف الناتو ككل إلا أن بولندا ودول البلطيق ستعاني أولاً»، إلا أن ذلك لا يعني وقوع مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا وحلف الناتو حيث يبقى الصراع- برغم حدته -منضبطاً.
وفي تقديري أن هناك أربعة عوامل لها تأثير على تلك الحرب أولها: وقف الدعم الأمريكي لأوكرانيا بما يعنيه ذلك أيضاً من تأثير الدور الأمريكي داخل حلف الناتو حال قرر الحلف مواجهة روسيا -وهو أمر مستبعد- سواء من حيث ضعف القدرات بدون الدعم الأمريكي، إذ لا تزال الولايات المتحدة تحث دول الحلف على زيادة نفقاتهم الدفاعية إلى نسبة 5% ، أو عقبة الإجماع، حيث إن رفض دولة واحدة من أعضاء الحلف البالغ عددهم 32 التدخل يعني عملياً استحالة تدخل الحلف عسكرياً بشكل جماعي في أوكرانيا، وثانيها: كما أشرت في مقالات سابقة أن الحرب الأوكرانية كانت كاشفة لمدى ضعف القدرات الدفاعية الأوروبية خارج إطار حلف الناتو على الرغم من المقترحات والمحاولات الأوروبية لتأسيس هوية أمنية أوروبية تتكامل مع حلف الناتو ولا تتعارض معه ولكن الأمر ربما يستغرق وقتاً طويلاً، وثالثها: أن الأهداف الاستراتيجية لروسيا من تلك الحرب تتجاوز التهديدات الآنية، فروسيا لديها إصرار على وجود تعهدات وضمانات حقيقية بألا تكون أوكرانيا يومياً ما أرضاً أطلسية، ناهيك عن المكاسب التي حققتها على الأرض خلال تلك الحرب، ورابعها: أن هناك عدم إجماع أوروبي على إرسال قوات على الأرض في أوكرانيا، الأمر الذي حدا بكل من فرنسا وبريطانيا لمحاولة تأسيس «تحالف الراغبين» والذي يعكس وبوضوح من المسمى أنه تحالف غير إلزامي للدول الأوروبية، ولكن لمن يرغب في إرسال قوات على الأرض في أوكرانيا.
ويعني ما سبق أن الاتفاق الذي من شأنه أن ينهي الحرب في أوكرانيا سيكون محصلة لمصالح الأطراف كافة وبالطبع سوف يعكس توازن القوى وما تحقق من مكاسب أو خسائر لهذا الطرف أو ذاك ضمن صراع روسي- أطلسي يتخذ طابع الهدوء أحياناً والانفجار أحايين أخرى.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك