العدد : ١٧١٩٤ - الأحد ٢٠ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٩٤ - الأحد ٢٠ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الحلقة الأخطر في محاولات تصفية القضية الفلسطينية

بقلم: د. طارق عباس

الاثنين ٢١ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

ما‭ ‬يحدث‭ ‬‭ ‬الآن‭ ‬‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬ليس‭ ‬حربا‭ ‬بين‭ ‬احتلال‭ ‬إسرائيلي‭ ‬غاشم،‭ ‬ومقاومة‭ ‬فلسطينية‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭ ‬والعرض‭ ‬والشرف،‭ ‬لكنه‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬الإنسانية‭ ‬وضدها،‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬المبادئ‭ ‬والأخلاق‭ ‬والقانون‭ ‬والشرائع‭ ‬الدينية،‭ ‬حرب‭ ‬ملوثة‭ ‬بعفن‭ ‬الضمائر‭ ‬الميتة‭ ‬وقسوة‭ ‬وحوش‭ ‬أدمنت‭ ‬سفك‭ ‬الدماء،‭ ‬وخسة‭ ‬محتلين‭ ‬مستعمرين‭ ‬تمكنوا‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬غفلة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬وسعوا‭ ‬إلى‭ ‬إبادة‭ ‬أهلها‭ ‬باسم‭ ‬حماية‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ومنع‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭.‬

في‭ ‬الظاهر‭ ‬إنهم‭ ‬يحاربون‭ ‬حماس‭ ‬والجهاد‭ ‬وفتح‭ ‬وجبهة‭ ‬التحرير‭ ‬الشعبية‭ ‬وعرين‭ ‬الأسود‭ ‬وكتائب‭ ‬جنين،‭ ‬لكنهم‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬يحرقون‭ ‬ويدمرون‭ ‬ويقتلون‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬الحياة‭ ‬وصورها،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يضمن‭ ‬ألا‭ ‬يبقى‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬فوق‭ ‬أرضهم‭ ‬آمنين‭ ‬مستقرين،‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬‭ ‬الآن‭ ‬‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬يمثل‭ ‬الحلقة‭ ‬الأخطر‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬تصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬مستغلة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬ذلك‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬إمكانيات‭ ‬عسكرية‭ ‬وإعلامية‭ ‬وسياسية‭ ‬ودبلوماسية‭.‬

منذ‭ ‬النكبة‭ ‬حين‭ ‬أُجبر‭ ‬أهل‭ ‬القرى‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬الرحيل‭ ‬تحت‭ ‬وابل‭ ‬النار‭ ‬بدأت‭ ‬الحكاية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬فصولها‭ ‬تُكتَب‭ ‬بالدم‭ ‬والحصار،‭ ‬وقتها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تقاتل‭ ‬‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تُمحى‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬الخرائط‭ ‬والعقول‭ ‬والقلوب،‭ ‬لذلك‭ ‬زرعت‭ ‬المستوطنات‭ ‬كأشواك‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬الضفة‭ ‬كما‭ ‬خنقت‭ ‬غزة‭ ‬كمن‭ ‬يلُف‭ ‬الحبل‭ ‬حول‭ ‬عُنُق‭ ‬المدينة،‭ ‬وتحت‭ ‬وطأة‭ ‬الصمت‭ ‬العالمي‭ ‬المقيت،‭ ‬مدت‭ ‬إسرائيل‭ ‬يدها‭ ‬للعواصم‭ ‬العربية‭ ‬كي‭ ‬تصافح‭ ‬علنا‭ ‬قادتها،‭ ‬ثم‭ ‬تبتسم،‭ ‬بينما‭ ‬تواصل‭ ‬البناء‭ ‬فوق‭ ‬ركام‭ ‬البيوت‭ ‬وتوزع‭ ‬الخوف‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يتشبثون‭ ‬بأظافرهم‭ ‬بتراب‭ ‬الوطن‭ ‬كل‭ ‬خطوة‭ ‬كانت‭ ‬نحو‭ ‬نسيان‭ ‬الحق،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هدف‭ ‬إسرائيل‭ ‬أبدا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تُهزَم‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬المعركة،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬تنسى‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭.‬

بعد‭ ‬هجوم‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬سنة‭ ‬2023،‭ ‬قررت‭ ‬الأخيرة‭ ‬أن‭ ‬تُسرع‭ ‬من‭ ‬وتيرة‭ ‬محو‭ ‬خريطة‭ ‬فلسطين‭ ‬وتحويلها‭ ‬لمجرد‭ ‬ذكرى‭ ‬يستعيدها‭ ‬من‭ ‬غضوا‭ ‬الطرف‭ ‬عنها،‭ ‬عندما‭ ‬تركوها‭ ‬تُذبَح‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحركوا‭ ‬ساكنا‭.‬

لقد‭ ‬بدأت‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بعد‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬كتابة‭ ‬سجلها‭ ‬الأسود‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬أنتوني‭ ‬جوتيريش‮»‬‭ ‬‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬قتل‭ ‬مفتوحة،‭ ‬غرق‭ ‬فيها‭ ‬السكان‭ ‬ضحايا‭ ‬لدوامات‭ ‬موت‭ ‬لا‭ ‬تنتهي،‭ ‬وفى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬وسعت‭ ‬دائرة‭ ‬الحرب‭ ‬لتشمل‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬كي‭ ‬تلقى‭ ‬نفس‭ ‬المصير‭.‬

كل‭ ‬المؤشرات‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ماضية‭ ‬في‭ ‬تصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬كامل‭ ‬الأرض،‭ ‬وجعلها‭ ‬ملكا‭ ‬خالصا‭ ‬للصهاينة،‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2025،‭ ‬اقترح‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬دونالد‭ ‬ترامب‮»‬‭ ‬خطة‭ ‬لنقل‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬والأردن،‭ ‬بزعم‭ ‬تطهير‭ ‬المنطقة‭ ‬وتحويل‭ ‬القطاع‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سماه‭ ‬‮«‬ريفيرا‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬تتولى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مسؤولية‭ ‬القطاع‭ ‬وإدارته‭.‬

بالطبع،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬موقف‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬سوى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التماهي‭ ‬مع‭ ‬طموحات‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬وخططهم‭ ‬وتطلعاتهم،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تأكدت‭ ‬من‭ ‬تصريحات‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬مرارا‭ ‬وتكرارا،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬أعلنه‭ ‬وزير‭ ‬المالية‭ ‬‮«‬سموترش‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬دعا‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬الاستيطان‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وبناء‭ ‬المستوطنات‭ ‬اليهودية‭ ‬هناك،‭ ‬وفى‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬تتكرر‭ ‬نفس‭ ‬التصريحات‭ ‬تقريبا،‭ ‬وتتشابه‭ ‬المواقف،‭ ‬حيث‭ ‬صرح‭ ‬وزير‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬‮«‬إيتمار‭ ‬بن‭ ‬غفير‮»‬‭ ‬بضرورة‭ ‬ضم‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وفرض‭ ‬السيادة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬عليها،‭ ‬وإقامة‭ ‬حواجز‭ ‬دائمة‭ ‬على‭ ‬طرق‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬لأن‭ ‬‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬زعمه‭ ‬حق‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬له‭ ‬الأولوية‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬التنقل‭.‬

لم‭ ‬تعد‭ ‬إسرائيل‭ ‬تريد‭ ‬حل‭ ‬الدولتين،‭ ‬ولا‭ ‬تريد‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭ ‬يشاركها‭ ‬فيها‭ ‬الفلسطينيون،‭ ‬هي‭ ‬تريد‭ ‬فلسطين‭ ‬لنفسها‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يُهجر‭ ‬كل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬طوعا‭ ‬أو‭ ‬قصرا،‭ ‬وقد‭ ‬تصبح‭ ‬موافقة‭ ‬الرئيس‭ ‬الإندونيسي‭ ‬على‭ ‬استقبال‭ ‬1000‭ ‬فلسطيني‭ ‬من‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬الهجرة‭ ‬بمثابة‭ ‬مقدمة‭ ‬لانضمام‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬لتلك‭ ‬المؤامرة‭ ‬التي‭ ‬تُنسج‭ ‬خيوطها‭ ‬في‭ ‬الظلام‭ ‬والنور‭ ‬كي‭ ‬تموت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬للأبد‭.‬

إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تصر‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬الدولة‭ ‬الواحدة‭ ‬لأنها‭ ‬تخشى‭ ‬فقدان‭ ‬تفوقها‭ ‬السكاني‭ ‬والسياسي،‭ ‬وترى‭ ‬أن‭ ‬ضم‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إليها‭ ‬يهدد‭ ‬مشروعها‭ ‬القومي‭ ‬ويقوض‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬والقرار‭.‬

 

{‭ ‬كاتب‭ ‬وباحث‭ ‬أكاديمي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا