إغلاق مكاتب التسليم في بعض المحافظات.. وأجهزة «سهل» فارغة أو معطلة
«بلديون»: شكاوى المواطنين لا تتوقف صباح مساء بسبب ندرة الأكياس
تصوير- عبدالأمير السلاطنة
هل تحولت أكياسُ القمامةِ إلى عبء وهمٍّ شهري يعاني منه المستفيدُ؟ للأسف الواقعُ العمليُّ يثبت هذا الأمر. في السابق كانت أكياسُ القمامة توزع في مكاتب البلديات، ويتسلم المستفيد أكياسا لستة أشهر كاملة، وقلصت المدة إلى ثلاثة أشهر، قبل أن تصبح شهرا واحدا، يتبخر حق المستفيد به إذا لم يتسلمها. وكانت الشكاوى حينها تتلخص في الطوابير الطويلة للسيارات أمام تلك المكاتب.
ثم دشنت خدمة «سهل» التي تعد نقلة نوعية لتسهيل المهمة على المواطنين من خلال اعتماد أجهزة متخصصة لصرف رزم الأكياس آليًّا وبشكل شهري. ولكن يبقى الواقع العملي هو المعيار في إثبات نجاح التجربة أو حاجتها إلى تطوير.
على سبيل المثال، ووفقا لإحصائيات هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية عام 2022، يتجاوز عدد سكان المحافظة الشمالية (396,779) نسمة، وتمتد المحافظة من الدائرة الأولى في جدحفص مرورا بشارع البديع والهملة والجسرة ومدينة حمد والقرى المحاذية لها وصولا إلى الصافرية. وفي جميع هذه المحافظة، لا تتوفر سوى خمسة أجهزة فقط لتوزيع الأكياس، وفي الوقت نفسه اتخذ قرار في هذه المحافظة بإغلاق مكاتب التوزيع تماما. ما يعني أن آلاف الأسر تعتمد على خمسة أجهزة فقط. وهنا ظهرت المشكلة، وتكررت الشكاوى، وتزايدت الملاحظات. فالأجهزة في أغلب الأوقات فارغة أو معطلة. ويضطر المواطن إلى التنقل من منطقة إلى أخرى، ومن جهاز لآخر بحثا عن رزمة أكياس. حتى باتت هذه المشكلة حديث المجالس. ولا تقتصر على قرى ومناطق الشمالية فحسب، بل تتسم بها كثير من مناطق البحرين.
والسؤال هنا: إلى أي مدى باتت هذه المشكلة تؤرق المواطن؟
شكوى المواطن
في جولة قمنا بها، التقينا عددا من المواطنين -كثير منهم من كبار السن- كانوا يحاولون الحصول على أكياس القمامة، وأولهم صلاح علي، الذي كان في طريقه للبحث عن جهاز تسليم الأكياس، سألناه عما إذا كان يواجه مشكلة بهذا الشأن، أجاب على الفور: «مشكلة؟ في الواقع أكثر من كونها مشكلة، فلما أحصل على أي كيس منذ ثلاثة أشهر وتحديدا منذ شهر شعبان على الرغم من أنني أدفع الرسوم. لا ننكر أنه يتم ملء الجهاز بشكل دوري، ولكن وضع 100 أو 150 رزمة أكياس لا تلبي حاجة آلاف الأسر في المنطقة. كما أنه من الصعب على كبار السن والمتقاعدين والمقعدين التنقل والعودة يوميا للبحث عن الأكياس. وبالتالي يخسرون حقهم بها».
وأضاف: «ربما كانت الإشكالية في السابق هي طوابير السيارات التي كانت تنتظر أمام مكاتب التسليم في البلديات، ولكن كان الحصول على الأكياس شبه مضمون، والآن أصبح الوضع أكثر صعوبة».
وهذا ما أيده محمد منصور الهدار الذي أكد أن المشكلة باتت مزعجة، لافتا إلى أن جميع قرى المنطقة الغربية بما في ذلك الهملة تعتمد على جهاز واحد في أسواق الساتر بدمستان، وهذه المناطق تتسم بالكثافة السكانية العالية جدا. وبالتالي كلما ملئ الجهاز بالأكياس تنتهي في سويعات قليلة، ليبقى المواطنون يبحثون هنا وهناك، ويتنقلون أحيانا إلى محافظة أخرى بحثا عن الأكياس ليصدموا بنفاد الكميات من الأجهزة. أضف إلى ذلك أن هذا الضغط المتزايد يتسبب في كثير من الحالات بتعطل الأجهزة، وهذا ما يزيد الأمر سوءا. وكل ذلك جعل من الحصول على أكياس القمامة مصدر إزعاج وعبء على المواطن.
وعلى الوتيرة ذاتها تحدث إلينا طارق الشمري، لافتا إلى أنه يعاني المشكلة منذ أشهر، وتحدث في برنامج صباح الخير يا بحرين، وحصل على وعود، ولكن لم يتغير الوضع. وأضاف: «لكي أحصل على رزمة الأكياس، أحتاج في المتوسط إلى 3-4 محاولات وذهاب إلى الأجهزة. والمشكلة أنه بعد إلغاء تسليم الأكياس عبر المكاتب في محافظتين، وبعد اقتصار تسليم الأكياس على شهر واحد فقط، زاد الضغط على الأجهزة التي لم تعد تلبي حاجة الأعداد الكبيرة من المستفيدين. لذلك وبشكل دائم لا نحصل على الأكياس ونبقى نبحث من منطقة لأخرى ولا نجد سوى أجهزة خالية. أضف إلى ذلك أن الكثير من كبار السن لا يعرفون حتى استخدام هذه الأجهزة، ويعانون في البحث والانتقال من منطقة لأخرى بحثا عن أكياس، فضلا عن أن الكثيرين ليست لديهم مواصلات».
وتستمر المشكلة
نايم فراج، مواطن في السبعينات من عمره، أكد أنه لم يستطع الحصول على أكياس القمامة منذ شهر سبتمبر الماضي. وتابع: «نحن كبار السن لا نستطيع التنقل كثيرا والبحث عن الأكياس. وأنا أسكن في البديع ولا يوجد جهاز في المنطقة أو المناطق القريبة. وفي الوقت نفسه لا يتم توزيع الأكياس في المكاتب كالسابق. لذلك أخسر في كل مرة حقي بالأكياس الشهرية. وفي الوقت نفسه من الصعب عليّ شراء الأكياس من السوبر ماركت وخاصة أنني أدفع الرسوم البلدية بانتظام. وما يزيد الطين بلة هو اقتصار تسليم الأكياس على الشهر الحالي وليس كالسابق حيث يمكن الحصول على أكياس ستة أو ثلاثة أشهر. فهل من المعقول أن يبقى المواطن يلف ويدور من منطقة إلى أخرى بحثا عن رزمة أكياس واحدة، وهي جولة غير مضمونة النتائج».
أما أم خالد، وهي مواطنة كبيرة في السن، فقد أكدت لنا أنه من (المخجل) أن نتحدث عن مثل هذه الأمور، مضيفة: «منذ أشهر طويلة لم أتسلم الأكياس. وشخصيا أضطر إلى الذهاب للبحث عن الأكياس عدة مرات حتى أجدها، لأن الأجهزة إما فارغة وإما معطلة. وأنا سيدة كبيرة في السن ومن الصعب عليّ التنقل، لذلك كثيرا ما أضطر إلى أن أشتريها على الرغم من دفعي للرسوم، وهذا أسهل علي من أن «اتشحطط وأتبهدل» في الشوارع تحت أشعة الشمس من أجل رزمة أكياس».
وأيدتها في ذلك أم عبدالعزيز مؤكدة أن أقرب أجهزة توزيع الأكياس إليها غالبا ما يكون معطلا. وتساءلت: لماذا أخسر حقي في الكيس إذا لم أستطع تسلمه؟ على الرغم من التزامي بدفع رسوم البلدية؟ ألا يتبين لديهم في النظام الإلكتروني أن المواطن لم يتسلم الأكياس؟ هل من الإنصاف والعدل أن يبقى حقه محفوظا في مستحقات الأكياس؟ والأمر الآخر من الأفضل أن يكون للموطن خيار التسلم أو تخفيض رسوم البلدية واعتماده على الشراء. ثم لماذا لا تكون هناك خدمات خاصة لكبار السن والمقعدين الذين يضطرون حاليا للتنقل من منطقة لأخرى بحثا عن رزمة أكياس. لذلك أعتبر ما يحدث هو إهانة للمواطن.
عند أحد الأجهزة، سألنا مواطنا (فضل عدم ذكر اسمه) حالفه الحظ بالحصول على رزمة الأكياس عما إذا كان يواجه مشكلة في هذا الجانب، فأجاب على الفور: «أتيت في الصباح وكان الجهاز فارغا، واضطررت إلى العودة الآن والحمد لله تم ملؤه، وهذه الحالة تتكرر دائما. ولا أدري لماذا نضطر إلى العودة عدة مرات لكي نحصل على رزمة أكياس واحدة».
وخلفه مباشرة كان يقف مواطن كبير في السن مع زوجته، قال لنا إن هذا الجهاز هو الثالث الذي ينتقل إليه في هذا اليوم، حيث ذهب إلى موقعين وكان الجهازان فارغين.
واللافت هنا أن أحد الموطنين أكد أنه قدم شكوى عبر «تواصل» وجاءه الجواب في اليوم الثاني أن الأكياس متوافرة في النقطة التي ذكرها. وكانت المصادفة أنه يقف عند الجهاز وهو فارغ تماما، وصور الشكوى مع الجهاز، فيما أكد لنا مواطن أنه يرى إعلانات تعرض بيع أكياس القمامة الخاصة بالبلدية! وكأنها تحولت إلى سلعة في سوق سوداء!
مشكلة متفاقمة
عقب هذه الجولة مع المواطنين، ناقشنا الموضوع مع عضو المجلس البلدي للمنطقة الشمالية، عبدالله مبارك القبيسي الذي كانت له كثير من تصريحات سابقة تؤكد أن الحلول التي وضعت في هذا الشأن غير مجدية تماما. وسألناه عن السبب، وهذا ما علق عليه بقوله: «المشكلة بدأت عام 2020 عندما اتخذ قرار باعتماد أجهزة لتوفير أكياس القمامة، على أن يتم زيادة أعداد هذه الأجهزة تدريجيا بما يتناسب وعدد السكان في كل محافظة. وكان التأكيد أن هذه الأجهزة ستمثل نقلة نوعية في التسهيل على المواطن في الحصول على الأكياس، ولكن للأسف الواقع أثبت العكس. حيث وصلنا إلى عام 2025 والمشكلة متفاقمة، فمن جانب لم نشهد أي زيادة في عدد أجهزة توزيع الأكياس، ومن جانب آخر يشكو المواطنون من تكرار تعطل الأجهزة. تصور أن المحافظة الشمالية ذات الكثافة السكانية العالية لا تتوفر فيها إلا خمسة أجهزة! بل إن المدينة الشمالية بأكملها لا يوجد بها أي جهاز. لذلك وحتى لو كان الجهاز غير معطل، يتم شحنه في الصباح مثلا، ولكن بعد مدة قليلة جدا تستنفد الأكياس، ويبقى المواطنون في ذهاب وإياب انتظارا لشحنه مرة أخرى. هذا إذا لم يتعطل الجهاز كالعادة. وحتى لو نفذت الكميات، لا يتم شحن الأجهزة يوميا، وإنما يبقى بعضها أياما ليعاد شحنها!
لذلك نتساءل: هل هناك دراسة أو خطة تتعلق بمدى تناسب كمية الأكياس مع عدد السكان في كل منطقة؟. فالوعود كثيرة، ولكن الشكاوى المستمرة والمتزايدة من قبل المراجعين تؤكد عكس هذه الوعود.
والأمر الآخر هو أنه على الرغم من القول إن هذه الأكياس مجانية، إلا أن الواقع عكس ذلك، فالرسوم التي تستقطع للبلدية وفقا لمساحة البيت تشمل التنظيف والأكياس. ووفقا للنظام الجديد، ينتهي حقه في الكيس خلال شهر واحد فقط، وليس كالسابق حيث يحصل المراجع على ستة أكياس لستة أشهر.
ومما ضاعف المشكلة هو إغلاق مكاتب توزيع أكياس القمامة في البلدية في مدينة حمد والبديع وعالي. ولا نعرف ما الأسباب الحقيقية لإغلاق مكاتب التوزيع؟.
* ولكن إغلاق المكاتب جاء بعد توفير الأجهزة، خاصة مع الشكاوى السابقة بسبب طوابير السيارات أمام تلك المكاتب.
** صحيح، ولكن هل أسهمت هذه الخطوة في حل المشكلات السابقة أم فاقمتها؟ الواقع يقول إن المشكلة تفاقمت وأن الوضع السابق كان أفضل للمواطن خاصة عندما كان يتسلم ستة أكياس أو حتى ثلاثة. في حين أنه يضطر حاليا إلى الذهاب مرات ومرات في الشهر الواحد والتنقل بين الأجهزة على أمل أن يحصل على كيس واحد.
نحن مع التطوير، ولكن يجب أن يكون بشكل مدروس يحل المشاكل لا يخلقها، وأن نكون جاهزين لهذا التطور.
والأسوأ أننا لا نجد أي خطة حقيقية لحل المشكلة. لذلك لدي حالات لم تتسلم الأكياس لأكثر من شهرين أو ثلاثة أشهر. وأعرف مواطنين يشترون الأكياس من السوق، ومهما كانت قيمة الأكياس فإنها قد تؤثر في ميزانية العديد من الأفراد من ذوي الدخل المحدود. فضلا عن أنهم يدفعون رسوم البلدية ومن حقهم الحصول على الخدمة الكاملة. هل تعلم أن بعض الأسر تضع القمامة في أكياس عادية، ليس لأنها لا تبالي، بل لأنها لا تحصل على الأكياس الرسمية.
من هنا يمكن أن نخلص إلى أن خطوة اعتماد الأجهزة لتوزيع الأكياس لم تثبت حتى الآن نجاحها، بل خلقت مشاكل كثيرة. ونحن نطالب بإعادة فتح المكاتب لحين حل مشكلة الأجهزة. على الأقل لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والأشخاص الذين لا يعرفون استخدام الأجهزة. كما أنه من الضروري العودة إلى النظام السابق بصرف 3 رزم على الأقل بأثر رجعي للتسهيل على المستفيدين.
عبء على المستفيدين
كما تبين خلال حواراتنا مع المواطنين، فإن المشكلة لا تقتصر على منطقة معينة أو المحافظة الشمالية ذات التعداد السكاني الكبير، بس تمتد إلى كثير من المناطق. وهذا ما يؤكده لنا عضو المجلس البلدي في المنطقة الجنوبية مبارك فرج، لافتا إلى أنه يتلقى شكاوى مستمرة وكثيرة من المواطنين بهذا الشأن خاصة تلك المتعلقة بتعطل الأجهزة مدة طويلة. وأضاف: «بعض المواطنين يبحثون عن الأكياس في الأجهزة ويتنقلون من منطقة إلى أخرى من دون جدوى، والبعض يخسر حقه في الأكياس نظرا لمرور الشهر من دون أن يحصل عليها. حيث هناك ستة أجهزة لتوفير الأكياس في كل المحافظة الجنوبية.
* ولكن مكاتب التسليم مازالت تعمل في المحافظة الجنوبية على عكس الشمالية؟
** صحيح، ولكن هذه الأجهزة وضعت من أجل التسهيل على المستفيدين. وفي السابق كانت الطوابير طويلة على المكاتب، وبنفس الوقت فإن التسليم يكون في ساعات محددة غالبا ما يكون المواطن فيها بالدوام. وبالتالي فإن الأجهزة توفر فرصة الحصول على الأكياس في أي وقت. ولكن هذا ما لم يحدث بالصورة التي وعدنا بها خاصة مع عدم كفاية الأجهزة الستة لخدمة جميع سكان المحافظة، فضلا عن تكرار تعطل هذه الأجهزة.
لذلك لا تتخيل عدد الشكاوى اليومية التي تصلنا بهذا الشأن، وعندما نتواصل مع البلديات يعدوننا بحل المشكلة فورا، ولكن تمر الأسابيع والأشهر من دون حل.
ويمكن القول إن من القرارات التي فاقمت المشكلة هو اقتصار التسليم على شهر واحد فقط. فهذا ما يعني أن المراجع يعيش ذات المعاناة شهريا بحثا عن الأكياس. وفي كثير من الأحيان يخسر المواطن حقه في أكياس الشهر لأسباب لا ذنب له بها كأن يكون الجهاز فارغا أو معطلا مددا طويلة. والسؤال هنا لماذا يخسر حقه؟ لماذا لا يتم تعويضه بأثر رجعي في الشهر التالي طالما أنه ملتزم بدفع الفواتير والرسوم؟. والمشكلة أن البعض يعمد إلى استخدام أكياس عادية لوضع القمامة، في حين أنه وفقا للتصريحات لا يتم جمع هذه الأكياس.
* هل قدمتم شكاوى أو خاطبتم الجهات المعنية؟
** بالتأكيد، ولكن لم يتم حل المشكلة. وفي اعتقادي أنه ليس تقصيرا من قبل هذه الجهات، لأنها لو امتلكت الحل لبادرت إليه. ولكن المشكلة في المنظومة ككل، وهو ما يجب مراجعته بأكمله بما في ذلك الشركات التي تدير العملية. فمثلا من الخدمات المقدمة هو إمكانية التحدث عبر الواتس اب للمساعدة أو التوصيل لكبار السن والمقعدين. ولكن تردنا الكثير والكثير من الملاحظات بأنه لا يتم توفير هذه الخدمة لهم على الرغم من تقديم الطلبات. وبالتالي يفقدون حقهم في كيس الشهر. وعندما يتصلون بالأرقام لا يحصلون على رد. وأمام ذلك باتت أكياس القمامة هما وعبئا على المستفيدين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك