القراء الأعزاء،
من أهم المبادئ القضائية تلك التي وردت في قوله تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس، أن تحكموا بالعدل)، والتي حرص دستور مملكة البحرين على إعمالها من خلال بيان بأن (شرف القضاء، ونزاهة القضاة وعدلهم، أساس الحكم وضمان للحقوق والحريات) – الفقرة (أ) المادة 104، وسنتناول هنا بعض الجزئيات المهمة التي تتعلق بالقضاء والوسائل القضائية البديلة، بالإضافة إلى الخبرة كوسيلة مساعدة في تكوين عقيدة القضاة تمهيداً لإصدار أحكام عادلة.
ومن المعلوم بأنه قبل أن يظهر نظام القضاء الرسمي الوطني، كانت القبائل العربية تلتجئ إلى شيخ القبيلة وحكمائها للفصل في النزاعات التي تنشأ بين أفرادها أو إلى شيوخ القبائل إذا ثار النزاع بين قبيلتين أو أكثر، حيث ارتكزت الأعراف القبلية على البدء بالحلول الودّية بالتراضي من خلال اعمال آليات التفاوض وتفعيل القيم والشيم العربية المتعارف عليها والتي تعتبر من صميم عادات وتقاليد العرب.
كما اتخذت الأمم الحلول الوديّة للنزاعات خارطة طريق لخلق عالم ما بعد الحرب بعد أن وضعت الحربان العالميتان أوزارهما، وبدأت الأمم تتطلع إلى السلام الدولي تجنّباً للويلات التي قد تتجرعها البشرية في حال نشوب حرب عالمية ثالثة متزامنة مع التطور التكنلوجي والصناعي والبيولوجي، لذا اتخذت من الحلول الدبلوماسية وسيلة أولى لحل النزاعات تبدأ بالمفاوضات الدولية والتحكيم الدولي والوساطة الدولية والتوفيق الدولي، وتنتهي بالقضاء الدولي كوسيلة نهائية.
وعلى صعيد العلاقات الخاصة فقد لعب القضاء البديل دوراً موازياً للقضاء الرسمي كالتحكيم التجاري مثلاً كوسيلة لفضّ المنازعات التجارية التي تقتضي طبيعتها سرعة الفصل فيها وفق إجراءات أقل تعقيداً ومدّة أكثر قُصراً مما قد يستغرقه نظر المحاكم الاعتيادية للدعوى، كما بدأت وسائل فض المنازعات المُستحدثة في اتخاذ موقعها كمساعدة للقضاء كالوساطة على سبيل المثال، ويبقى دائماً الفصل في النزاعات القضائية رهيناً لإثبات صاحب الحق لحقه بناء على وسائل الاثبات المقررة قانوناً، ومنها تقارير الخبراء في المسائل التي تستوجب رأي متخصص.
وقد واجه التحكيم التجاري منذ بداياته إشكالية تتعلق بوعي أطرف التحكيم والمُحكًّمين بدورهم والمهام الملقاة على عاتقهم، إذ غالباً ما يُساء فهم الدور الواجب القيام به من قبل أطراف عملية التحكيم فيعتقد طرفا الدعوى بأن المُحكّم الذي اختاره ممثلاً لمصالحه في الدعوى، بل وأن الفكرة نفسها قدر تراود المُحكّمين أنفسهم، وهو وعي احتاج إلى زمن حتى آمن الكثير بأن التحكيم هو قضاء اختياري وأن المُحكّمين هم قضاة يتوجب أن تتوافر فيهم جميع مقومات وأخلاقيات القاضي من شرف وأمانة وحياد ونزاهة وعدل وموضوعية ودقة وتمحيص واجتهاد.
وهنا، وبعد انقضاء مدة على تطبيق أحكام المرسوم بقانون رقم 28 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون الاثبات في المواد المدنية والتجارية رقم 14 لسنة 1996، والذي الغى الباب التاسع المتعلق بالخبرة من القانون واستبدله ببعض النصوص التي يرى الكثير بأنها غير ملائمة وغير ناجزة على الصعيد العملي في عملية الاثبات، لاسيما وأن تعديل القانون بالتغيير الذي جاء به قد أثبت بأنه كان تغييراً لمجرد التغيير ذاته وليس تغييراً لضرورة تستوجب ذلك، حيث إن أهمية التعديل تكمل في إضافة جديد مفيد عمليّاً واجرائيّاً للقانون وللتطبيق العملي لأحكامه، بينما لم تأت المادة (131) من القانون بفائدة تُرجى جراء اجازتها للقاضي أن يأمر بتكليف أحد الخصوم بتقديم تقرير خبرة لإثبات حالة الواقعة التي يُخشى ضياع معالمها ثم أتاحت لمن لم يتم تكليفهم من الخصوم بتقديم تقرير خبرة آخر لإثبات ذات الواقعة!، فلم يخلو الأمر من هدر لوقت المحكمة والخصوم ولأموالهم باعتباره أن كل خصم منهم سيلجأ إلى خبير للحصول على تقرير مقابل أجر يُضاف على أعباء الطرفين المالية، والأمر الأهم في ذلك – ووفقاً للواقع العملي- أن بعض الخبراء يصيغون تقاريرهم بحسب طلب الطرف الذي أوكل اليهم المهمة وبما يتلاءم مع مصلحته، الأمر الذي بلا شك سينتهي إلى تضارب تقارير الخبراء.
ومن الملحوظ بأن نصوص القانون المعدل والمتعلقة بالخبرة لم تُسهم في تحقيق أحد الأهداف السامية التي يسعى القضاء في تحقيقها وهي سرعة الفصل في الدعاوى، ونلاحظ ذلك من استدراك نصوص القانون إلى مسألة عدم تعاون الخصم مع الخبير المعين، حيث منحت للقاضي أمر الخصم غير المتعاون بتمكين الخبير من مباشرة عمله، الأمر الذي يعني صعوبة ذلك باعتبار أن قيام أحد الخصوم، تكليف الخبير بمباشرة مهامه في الاطلاع على مستندات وأوراق بقية الخصوم من دون أمر قضائي لا يتمتع بالصفة الإلزامية بالنسبة لهم، وعوداً على بدء يكون أمر القاضي هو الفيصل، وهنا يبدو واضحاً أن الأمر لا يعدو أن يكون كما سبق الإشارة مضيعة لوقت ومال وجهد الخصوم، وتطويلاً في مدة الفصل في النزاع.
وفي رأيي بأن الغاء بعض أحكام القانون المعدل هو الأصلح للخصوم ولتعزيز دور السلطة القضائية.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك