العدد : ١٧١٨٩ - الثلاثاء ١٥ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٨٩ - الثلاثاء ١٥ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ شوّال ١٤٤٦هـ

مقالات

تقرير الخبير في قانون الإثبات

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ١٣ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

من‭ ‬أهم‭ ‬المبادئ‭ ‬القضائية‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬وإذا‭ ‬حكمتم‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬أن‭ ‬تحكموا‭ ‬بالعدل‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬حرص‭ ‬دستور‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬على‭ ‬إعمالها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بيان‭ ‬بأن‭ (‬شرف‭ ‬القضاء،‭ ‬ونزاهة‭ ‬القضاة‭ ‬وعدلهم،‭ ‬أساس‭ ‬الحكم‭ ‬وضمان‭ ‬للحقوق‭ ‬والحريات‭) ‬‭ ‬الفقرة‭ (‬أ‭) ‬المادة‭ ‬104،‭ ‬وسنتناول‭ ‬هنا‭ ‬بعض‭ ‬الجزئيات‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بالقضاء‭ ‬والوسائل‭ ‬القضائية‭ ‬البديلة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الخبرة‭ ‬كوسيلة‭ ‬مساعدة‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬عقيدة‭ ‬القضاة‭ ‬تمهيداً‭ ‬لإصدار‭ ‬أحكام‭ ‬عادلة‭.  ‬

ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬بأنه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬نظام‭ ‬القضاء‭ ‬الرسمي‭ ‬الوطني،‭ ‬كانت‭ ‬القبائل‭ ‬العربية‭ ‬تلتجئ‭ ‬إلى‭ ‬شيخ‭ ‬القبيلة‭ ‬وحكمائها‭ ‬للفصل‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬التي‭ ‬تنشأ‭ ‬بين‭ ‬أفرادها‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬شيوخ‭ ‬القبائل‭ ‬إذا‭ ‬ثار‭ ‬النزاع‭ ‬بين‭ ‬قبيلتين‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬حيث‭ ‬ارتكزت‭ ‬الأعراف‭ ‬القبلية‭ ‬على‭ ‬البدء‭ ‬بالحلول‭ ‬الودّية‭ ‬بالتراضي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اعمال‭ ‬آليات‭ ‬التفاوض‭ ‬وتفعيل‭ ‬القيم‭ ‬والشيم‭ ‬العربية‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬عادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬العرب‭.‬

كما‭ ‬اتخذت‭ ‬الأمم‭ ‬الحلول‭ ‬الوديّة‭ ‬للنزاعات‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬لخلق‭ ‬عالم‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وضعت‭ ‬الحربان‭ ‬العالميتان‭ ‬أوزارهما،‭ ‬وبدأت‭ ‬الأمم‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬الدولي‭ ‬تجنّباً‭ ‬للويلات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تتجرعها‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬نشوب‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬ثالثة‭ ‬متزامنة‭ ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬التكنلوجي‭ ‬والصناعي‭ ‬والبيولوجي،‭ ‬لذا‭ ‬اتخذت‭ ‬من‭ ‬الحلول‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬وسيلة‭ ‬أولى‭ ‬لحل‭ ‬النزاعات‭ ‬تبدأ‭ ‬بالمفاوضات‭ ‬الدولية‭ ‬والتحكيم‭ ‬الدولي‭ ‬والوساطة‭ ‬الدولية‭ ‬والتوفيق‭ ‬الدولي،‭ ‬وتنتهي‭ ‬بالقضاء‭ ‬الدولي‭ ‬كوسيلة‭ ‬نهائية‭.‬

وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬العلاقات‭ ‬الخاصة‭ ‬فقد‭ ‬لعب‭ ‬القضاء‭ ‬البديل‭ ‬دوراً‭ ‬موازياً‭ ‬للقضاء‭ ‬الرسمي‭ ‬كالتحكيم‭ ‬التجاري‭ ‬مثلاً‭ ‬كوسيلة‭ ‬لفضّ‭ ‬المنازعات‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬تقتضي‭ ‬طبيعتها‭ ‬سرعة‭ ‬الفصل‭ ‬فيها‭ ‬وفق‭ ‬إجراءات‭ ‬أقل‭ ‬تعقيداً‭ ‬ومدّة‭ ‬أكثر‭ ‬قُصراً‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يستغرقه‭ ‬نظر‭ ‬المحاكم‭ ‬الاعتيادية‭ ‬للدعوى،‭ ‬كما‭ ‬بدأت‭ ‬وسائل‭ ‬فض‭ ‬المنازعات‭ ‬المُستحدثة‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬موقعها‭ ‬كمساعدة‭ ‬للقضاء‭ ‬كالوساطة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬ويبقى‭ ‬دائماً‭ ‬الفصل‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬القضائية‭ ‬رهيناً‭ ‬لإثبات‭ ‬صاحب‭ ‬الحق‭ ‬لحقه‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الاثبات‭ ‬المقررة‭ ‬قانوناً،‭ ‬ومنها‭ ‬تقارير‭ ‬الخبراء‭ ‬في‭ ‬المسائل‭ ‬التي‭ ‬تستوجب‭ ‬رأي‭ ‬متخصص‭.‬

وقد‭ ‬واجه‭ ‬التحكيم‭ ‬التجاري‭ ‬منذ‭ ‬بداياته‭ ‬إشكالية‭ ‬تتعلق‭ ‬بوعي‭ ‬أطرف‭ ‬التحكيم‭ ‬والمُحكًّمين‭ ‬بدورهم‭ ‬والمهام‭ ‬الملقاة‭ ‬على‭ ‬عاتقهم،‭ ‬إذ‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يُساء‭ ‬فهم‭ ‬الدور‭ ‬الواجب‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أطراف‭ ‬عملية‭ ‬التحكيم‭ ‬فيعتقد‭  ‬طرفا‭ ‬الدعوى‭ ‬بأن‭ ‬المُحكّم‭ ‬الذي‭ ‬اختاره‭ ‬ممثلاً‭ ‬لمصالحه‭ ‬في‭ ‬الدعوى،‭ ‬بل‭ ‬وأن‭ ‬الفكرة‭ ‬نفسها‭ ‬قدر‭ ‬تراود‭ ‬المُحكّمين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وهو‭ ‬وعي‭ ‬احتاج‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬حتى‭ ‬آمن‭ ‬الكثير‭ ‬بأن‭ ‬التحكيم‭ ‬هو‭ ‬قضاء‭ ‬اختياري‭ ‬وأن‭ ‬المُحكّمين‭ ‬هم‭ ‬قضاة‭ ‬يتوجب‭ ‬أن‭ ‬تتوافر‭ ‬فيهم‭ ‬جميع‭ ‬مقومات‭ ‬وأخلاقيات‭ ‬القاضي‭ ‬من‭ ‬شرف‭ ‬وأمانة‭ ‬وحياد‭ ‬ونزاهة‭ ‬وعدل‭ ‬وموضوعية‭ ‬ودقة‭ ‬وتمحيص‭ ‬واجتهاد‭.‬

وهنا،‭ ‬وبعد‭ ‬انقضاء‭ ‬مدة‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬أحكام‭ ‬المرسوم‭ ‬بقانون‭ ‬رقم‭ ‬28‭ ‬لسنة‭ ‬2021‭ ‬بتعديل‭ ‬بعض‭ ‬أحكام‭ ‬قانون‭ ‬الاثبات‭ ‬في‭ ‬المواد‭ ‬المدنية‭ ‬والتجارية‭ ‬رقم‭ ‬14‭ ‬لسنة‭ ‬1996،‭ ‬والذي‭ ‬الغى‭ ‬الباب‭ ‬التاسع‭ ‬المتعلق‭ ‬بالخبرة‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬واستبدله‭ ‬ببعض‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬يرى‭ ‬الكثير‭ ‬بأنها‭ ‬غير‭ ‬ملائمة‭ ‬وغير‭ ‬ناجزة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العملي‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الاثبات،‭ ‬لاسيما‭ ‬وأن‭ ‬تعديل‭ ‬القانون‭ ‬بالتغيير‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬قد‭ ‬أثبت‭ ‬بأنه‭ ‬كان‭ ‬تغييراً‭ ‬لمجرد‭ ‬التغيير‭ ‬ذاته‭ ‬وليس‭ ‬تغييراً‭ ‬لضرورة‭ ‬تستوجب‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬أهمية‭ ‬التعديل‭ ‬تكمل‭ ‬في‭ ‬إضافة‭ ‬جديد‭ ‬مفيد‭ ‬عمليّاً‭ ‬واجرائيّاً‭ ‬للقانون‭ ‬وللتطبيق‭ ‬العملي‭ ‬لأحكامه،‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬تأت‭ ‬المادة‭ (‬131‭) ‬من‭ ‬القانون‭ ‬بفائدة‭ ‬تُرجى‭ ‬جراء‭ ‬اجازتها‭ ‬للقاضي‭ ‬أن‭ ‬يأمر‭ ‬بتكليف‭ ‬أحد‭ ‬الخصوم‭ ‬بتقديم‭ ‬تقرير‭ ‬خبرة‭ ‬لإثبات‭ ‬حالة‭ ‬الواقعة‭ ‬التي‭ ‬يُخشى‭ ‬ضياع‭ ‬معالمها‭ ‬ثم‭ ‬أتاحت‭ ‬لمن‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تكليفهم‭ ‬من‭ ‬الخصوم‭ ‬بتقديم‭ ‬تقرير‭ ‬خبرة‭ ‬آخر‭ ‬لإثبات‭ ‬ذات‭ ‬الواقعة‭!‬،‭ ‬فلم‭ ‬يخلو‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬هدر‭ ‬لوقت‭ ‬المحكمة‭ ‬والخصوم‭ ‬ولأموالهم‭ ‬باعتباره‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬خصم‭ ‬منهم‭ ‬سيلجأ‭ ‬إلى‭ ‬خبير‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬تقرير‭ ‬مقابل‭ ‬أجر‭ ‬يُضاف‭ ‬على‭ ‬أعباء‭ ‬الطرفين‭ ‬المالية،‭ ‬والأمر‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬‭ ‬ووفقاً‭ ‬للواقع‭ ‬العملي‭- ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الخبراء‭ ‬يصيغون‭ ‬تقاريرهم‭ ‬بحسب‭ ‬طلب‭ ‬الطرف‭ ‬الذي‭ ‬أوكل‭ ‬اليهم‭ ‬المهمة‭ ‬وبما‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬مصلحته،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬سينتهي‭ ‬إلى‭ ‬تضارب‭ ‬تقارير‭ ‬الخبراء‭.‬

ومن‭ ‬الملحوظ‭ ‬بأن‭  ‬نصوص‭ ‬القانون‭ ‬المعدل‭ ‬والمتعلقة‭ ‬بالخبرة‭ ‬لم‭ ‬تُسهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أحد‭ ‬الأهداف‭ ‬السامية‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬القضاء‭ ‬في‭ ‬تحقيقها‭ ‬وهي‭ ‬سرعة‭ ‬الفصل‭ ‬في‭ ‬الدعاوى،‭ ‬ونلاحظ‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬استدراك‭ ‬نصوص‭ ‬القانون‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬عدم‭ ‬تعاون‭ ‬الخصم‭ ‬مع‭ ‬الخبير‭ ‬المعين،‭ ‬حيث‭ ‬منحت‭ ‬للقاضي‭ ‬أمر‭ ‬الخصم‭ ‬غير‭ ‬المتعاون‭ ‬بتمكين‭ ‬الخبير‭ ‬من‭ ‬مباشرة‭ ‬عمله،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬صعوبة‭ ‬ذلك‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬قيام‭ ‬أحد‭ ‬الخصوم،‭ ‬تكليف‭ ‬الخبير‭ ‬بمباشرة‭ ‬مهامه‭ ‬في‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬مستندات‭ ‬وأوراق‭ ‬بقية‭ ‬الخصوم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أمر‭ ‬قضائي‭ ‬لا‭ ‬يتمتع‭ ‬بالصفة‭ ‬الإلزامية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم،‭ ‬وعوداً‭ ‬على‭ ‬بدء‭ ‬يكون‭ ‬أمر‭ ‬القاضي‭ ‬هو‭ ‬الفيصل،‭ ‬وهنا‭ ‬يبدو‭ ‬واضحاً‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يعدو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬الإشارة‭ ‬مضيعة‭ ‬لوقت‭ ‬ومال‭ ‬وجهد‭ ‬الخصوم،‭ ‬وتطويلاً‭ ‬في‭ ‬مدة‭ ‬الفصل‭ ‬في‭ ‬النزاع‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬رأيي‭ ‬بأن‭ ‬الغاء‭ ‬بعض‭ ‬أحكام‭ ‬القانون‭ ‬المعدل‭ ‬هو‭ ‬الأصلح‭ ‬للخصوم‭ ‬ولتعزيز‭ ‬دور‭ ‬السلطة‭ ‬القضائية‭. ‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا