العدد : ١٧١٧٤ - الاثنين ٣١ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٧٤ - الاثنين ٣١ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

آفاق واعدة لاتفاقات التجارة الحرة الخليجية

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

السبت ٢٩ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

تعد‭ ‬المجموعة‭ ‬الخليجية‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المجموعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬اندماجًا‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬حيث‭ ‬تمثل‭ ‬صادراتها‭ ‬نحو‭ ‬53‭.‬6%‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬الخليجي‭ ‬البالغ‭ ‬نحو‭ ‬2‭.‬2‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬بينما‭ ‬تمثل‭ ‬الواردات‭ ‬منه‭ ‬37‭.‬5%‭.‬

وفي‭ ‬مؤشر‭ ‬حجم‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬السلعي‭ ‬يعد‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬السادس‭ ‬عالميًا،‭ ‬والخامس‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬إجمالي‭ ‬الصادرات‭ ‬السلعية،‭ ‬والتاسع‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬إجمالي‭ ‬الواردات‭ ‬السلعية،‭ ‬فيما‭ ‬غدت‭ ‬الصين‭ ‬تحتل‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬عالميا‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬الشركاء‭ ‬التجاريين‭ ‬الرئيسيين‭ ‬للمجلس‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬السلعي،‭ ‬وتأتي‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬هي‭ ‬الأولى‭ ‬عالميًا‭ ‬بين‭ ‬شركاء‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬حجم‭ ‬الصادرات‭ ‬السلعية‭ ‬وكذلك‭ ‬الواردات‭.‬

ومع‭ ‬تركيز‭ ‬التوجهات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الخليجية‭ ‬نحو‭ ‬تنويع‭ ‬مصادر‭ ‬الدخل،‭ ‬والتحرر‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬النفط‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬صادراتها،‭ ‬واتجاهها‭ ‬لتعزيز‭ ‬القطاعات‭ ‬غير‭ ‬النفطية،‭ ‬ينشط‭ ‬‮«‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‮»‬،‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬أسواق‭ ‬جديدة‭ ‬للصادرات‭ ‬السلعية‭ ‬الخليجية،‭ ‬وكذلك‭ ‬الخدمات‭ ‬كالسياحة،‭ ‬وفي‭ ‬تعزيز‭ ‬الوجود‭ ‬الخليجي‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬القائمة،‭ ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬آلياته‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬عقد‭ ‬اتفاقات‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬ومجموعات‭ ‬اقتصادية،‭ ‬تفتح‭ ‬الطريق‭ ‬لدخول‭ ‬المنتجات‭ ‬الخليجية‭ ‬محررة‭ ‬من‭ ‬الرسوم‭ ‬والقيود‭ ‬الجمركية،‭ ‬فتستطيع‭ ‬المنافسة‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬والمجموعات،‭ ‬كما‭ ‬تعزز‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬لديها،‭ ‬وتحمي‭ ‬حقوق‭ ‬المستثمر‭ ‬الخليجي،‭ ‬وحقوق‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬جاذبية‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬للاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬المباشر‭.‬

وفضلاً‭ ‬عن‭ ‬‮«‬اتفاقية‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‮»‬،‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬المجلس،‭ ‬و«اتفاقية‭ ‬منطقة‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬العربية‭ ‬الكبرى‮»‬،‭ ‬وكلاهما‭ ‬له‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬التجارة‭ ‬والاستثمارات‭ ‬البينية؛‭ ‬عقد‭ ‬المجلس‭ ‬مع‭ ‬سنغافورة‭ ‬اتفاقية‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2008،‭ ‬ومع‭ ‬دول‭ ‬رابطة‭ ‬‮«‬الأفتا‮»‬‭ ‬الأوروبية‭ (‬تضم‭ ‬سويسرا‭ ‬والنرويج‭ ‬وآيسلندا‭ ‬ولختنشاين‭) ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2009،‭ ‬ومع‭ ‬نيوزيلاندا‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2009،‭ ‬ومع‭ ‬باكستان‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2023‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2023،‭ ‬فيما‭ ‬تستمر‭ ‬مفاوضات‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬لعقد‭ ‬اتفاقات‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬والصين،‭ ‬والهند،‭ ‬وتركيا،‭ ‬واليابان،‭ ‬ودول‭ ‬المركوسور‭ (‬الأرجنتين،‭ ‬والبرازيل،‭ ‬وأوراجوي،‭ ‬وبراجوي‭).‬

وقد‭ ‬دخلت‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المفاوضات‭ ‬في‭ ‬مراحلها‭ ‬النهائية،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬جولتها‭ ‬الأولى‭ ‬مع‭ ‬المجموعة‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬2004،‭ ‬وهو‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬التوقيع‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬إطار‭ ‬للتعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاستثماري،‭ ‬وهذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬لا‭ ‬تحرر‭ ‬فقط‭ ‬تجارة‭ ‬السلع‭ ‬من‭ ‬الرسوم‭ ‬والقيود‭ ‬الجمركية،‭ ‬ولكنها‭ ‬تفتح‭ ‬آفاقا‭ ‬جديدة؛‭ ‬كالخدمات،‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والروبوتات،‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬والنقل،‭ ‬والخدمات‭ ‬اللوجستية،‭ ‬والبناء‭ ‬والتصنيع،‭ ‬والسياحة،‭ ‬وعلوم‭ ‬الفضاء،‭ ‬والتصدير‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬أعطت‭ ‬‮«‬القمة‭ ‬الأوروبية‭ ‬الخليجية‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ -‬وهي‭ ‬أول‭ ‬قمة‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬في‭ ‬1989،‭ ‬وشهدت‭ ‬مشاركة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬33‭ ‬رئيس‭ ‬دولة‭ ‬ورئيس‭ ‬وزراء‭ ‬قوة‭ ‬دفع‭ ‬لمفاوضات‭ ‬تحرير‭ ‬التجارة‭ ‬بين‭ ‬الجانبين،‭ ‬أخذًا‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والمجموعة‭ ‬الخليجية‭ ‬يشكلان‭ ‬معًا‭ ‬17‭.‬5%‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬تأمل‭ ‬حكومة‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬البريطاني‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ ‬مع‭ ‬المنظومة‭ ‬الخليجية‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬الحالي‭ ‬2025،‭ ‬فيما‭ ‬يبلغ‭ ‬حجم‭ ‬التجارة‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬نحو‭ ‬73‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬سنويًا،‭ ‬فإنها‭ ‬تتوقع‭ ‬أن‭ ‬تسهم‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬التجارة‭ ‬بينهما‭ ‬بنسبة‭ ‬16‭.‬5%‭.‬

وفي‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬اختُتمت‭ ‬جولة‭ ‬المفاوضات‭ ‬الأولى‭ ‬لاتفاقية‭ ‬تحرير‭ ‬التجارة‭ ‬بين‭ ‬المجموعة‭ ‬الخليجية‭ ‬واليابان،‭ ‬كما‭ ‬شهدت‭ ‬المفاوضات‭ ‬الخليجية‭ ‬التركية،‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬2005،‭ ‬نشاطًا‭ ‬متزايدا،‭ ‬حيث‭ ‬أعطت‭ ‬مشاركة‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬‮«‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‮»‬،‭ ‬في‭ ‬القمة‭ ‬الخليجية‭ ‬الـ44‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2023،‭ ‬قوة‭ ‬دفع‭ ‬لهذه‭ ‬المفاوضات‭. ‬وفيما‭ ‬بلغ‭ ‬حجم‭ ‬التجارة‭ ‬الخليجية‭ ‬التركية‭ ‬31‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬تسعى‭ ‬أنقرة‭ ‬إلى‭ ‬جذب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬خاصة‭ ‬لقطاع‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬لديها‭.‬

وفيما‭ ‬كانت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬أكبر‭ ‬شريك‭ ‬تجاري‭ ‬للهند‭ ‬في‭ ‬2022،‭ ‬بحجم‭ ‬تبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بلغ‭ ‬154‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬ومع‭ ‬وجود‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬8‭.‬5‭ ‬ملايين‭ ‬هندي‭ ‬لدى‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬فقد‭ ‬أخذت‭ ‬تسرع‭ ‬في‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة،‭ ‬والتي‭ ‬بدأت‭ ‬مفاوضاتها‭ ‬في‭ ‬2006،‭ ‬فيما‭ ‬وقعت‭ ‬نيودلهي‭ ‬بالفعل‭ ‬اتفاقية‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ ‬مع‭ ‬الإمارات،‭ ‬واقتربت‭ ‬من‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ ‬مع‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان،‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬خامس‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الهنود‭ ‬العاملين‭ ‬بالخارج،‭ ‬وتسعى‭ ‬السلطنة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬وصولاً‭ ‬أفضل‭ ‬لصادراتها‭ ‬من‭ ‬الأسمدة‭ ‬ومنتجات‭ ‬الحديد‭ ‬والصلب‭ ‬وغيرها،‭ ‬وهي‭ ‬ثالث‭ ‬أكبر‭ ‬شريك‭ ‬تجاري‭ ‬للهند‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬بحجم‭ ‬تجارة‭ ‬يبلغ‭ ‬12‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬سنويًا‭.‬

ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تمنح‭ ‬القمة‭ ‬الخليجية‭-‬الآسيوية،‭ ‬المقرر‭ ‬عقدها‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2025،‭ ‬دفعة‭ ‬قوية‭ ‬للمضي‭ ‬نحو‭ ‬اتفاقية‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ ‬بين‭ ‬الجانبين،‭ ‬وتعزيز‭ ‬الاستثمارات‭ ‬المشتركة،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تجاوز‭ ‬حجم‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بينهما‭ ‬330‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2023‭. ‬وتضم‭ ‬‮«‬رابطة‭ ‬الآسيان‮»‬،‭ ‬دولًا،‭ ‬مثل‭ ‬إندونيسيا،‭ ‬ماليزيا،‭ ‬الفلبين،‭ ‬سنغافورة،‭ ‬وتايلاند،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬بروناي،‭ ‬فيتنام،‭ ‬لاوس،‭ ‬ميانمار،‭ ‬وكمبوديا،‭ ‬بإجمالي‭ ‬سكان‭ ‬يبلغ‭ ‬689‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬وناتج‭ ‬محلي‭ ‬إجمالي‭ ‬يقدر‭ ‬بـ3‭.‬7‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار،‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬سادس‭ ‬أكبر‭ ‬اقتصاد‭ ‬عالميًا‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تعتزم‭ ‬‮«‬ماليزيا‮»‬،‭ ‬بدء‭ ‬المفاوضات‭ ‬الرسمية‭ ‬مع‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬لتوقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬تجارة‭ ‬حرة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اختتمت‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2024،‭ ‬مفاوضات‭ ‬الشراكة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الشاملة‭ ‬مع‭ ‬الإمارات،‭ ‬والتي‭ ‬تضمنت‭ ‬بنودًا‭ ‬خاصة‭ ‬بتحرير‭ ‬التجارة،‭ ‬كما‭ ‬أطلقت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬جولة‭ ‬مفاوضات‭ ‬مع‭ ‬إندونيسيا‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬يُتوقع‭ ‬أن‭ ‬تمتد‭ ‬هذه‭ ‬المباحثات‭ ‬نحو‭ ‬عامين‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬تواصل‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬مفاوضاتها‭ ‬مع‭ ‬تكتل‭ ‬‮«‬الميركوسور‮»‬‭ (‬السوق‭ ‬المشتركة‭ ‬لأمريكا‭ ‬الجنوبية‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬نحو‭ ‬250‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬بناتج‭ ‬محلي‭ ‬إجمالي‭ ‬يقارب‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬نحو‭ ‬76%‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬لأمريكا‭ ‬اللاتينية‭.‬

ويتميز‭ ‬التعدد‭ ‬في‭ ‬اتفاقات‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬الخليجية،‭ ‬بالتوزيع‭ ‬الجغرافي‭ ‬بين‭ ‬مناطق‭ ‬العالم،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬أزمات‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد،‭ ‬ويكسب‭ ‬المستورد‭ ‬الخليجي‭ ‬مرونة‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬أسواق‭ ‬متعددة‭ ‬واختيار‭ ‬الأفضل،‭ ‬كما‭ ‬يتميز‭ ‬هذا‭ ‬التعدد‭ ‬بقدرته‭ ‬على‭ ‬تفعيل‭ ‬تحويل‭ ‬التجارة،‭ ‬فحين‭ ‬يضيق‭ ‬السوق‭ ‬بمنتج‭ ‬معين،‭ ‬أو‭ ‬يصبح‭ ‬هذا‭ ‬المنتج‭ ‬أقل‭ ‬تنافسية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السوق،‭ ‬يستطيع‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬أسواق‭ ‬أخرى‭ ‬يجد‭ ‬فيها‭ ‬تنافسيته‭.‬

في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬تأثرت‭ ‬الصادرات‭ ‬الخليجية‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بفعل‭ ‬السياسة‭ ‬الحمائية‭ ‬التي‭ ‬تبنتها‭ ‬‮«‬إدارة‭ ‬ترامب‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬استهدفت‭ ‬جعل‭ ‬السلع‭ ‬المستوردة‭ ‬أكثر‭ ‬كلفة‭ ‬على‭ ‬المستهلكين‭ ‬والتجار‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬لدفعهم‭ ‬نحو‭ ‬تفضيل‭ ‬المنتجات‭ ‬المحلية،‭ ‬وتحسين‭ ‬ميزان‭ ‬المدفوعات‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬المصدرة،‭ ‬وهي‭ ‬السياسة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تراعِ‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬التجارية‭ ‬الحرة‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ببعض‭ ‬الدول،‭ ‬مثل‭ ‬اتفاقية‭ ‬‮«‬النافتا‮»‬‭ ‬مع‭ ‬كندا‭ ‬والمكسيك‭.‬

وتعتمد‭ ‬واشنطن‭ ‬على‭ ‬الاستيراد‭ ‬لتلبية‭ ‬80%من‭ ‬احتياجاتها‭ ‬من‭ ‬الألومنيوم،‭ ‬حيث‭ ‬تأتي‭ ‬70%‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الواردات‭ ‬من‭ ‬كندا،‭ ‬كما‭ ‬تستورد‭ ‬نحو‭ ‬25%‭ ‬من‭ ‬احتياجاتها‭ ‬من‭ ‬الصلب،‭ ‬ومعظمها‭ ‬من‭ ‬كندا‭ ‬والمكسيك‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬فرضت‭ ‬رسومًا‭ ‬جمركية‭ ‬بنسبة‭ ‬25%‭ ‬على‭ ‬وارداتها‭ ‬من‭ ‬الصلب‭ ‬والألومنيوم،‭ ‬شاملة‭ ‬المنتجات‭ ‬المعدنية‭ ‬النهائية،‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬لأي‭ ‬دولة،‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تربطها‭ ‬اتفاقيات‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ ‬معها‭.‬

وتقدر‭ ‬الصادرات‭ ‬الخليجية‭ ‬من‭ ‬الألومنيوم‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬الأمريكية‭ ‬بنحو‭ ‬600‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬سنويًا،‭ ‬حيث‭ ‬تستحوذ‭ ‬الإمارات،‭ ‬والبحرين‭ ‬على‭ ‬الحصة‭ ‬الأكبر‭. ‬وتحتل‭ ‬الإمارات‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬بين‭ ‬موردي‭ ‬الألومنيوم‭ ‬لها‭ ‬بعد‭ ‬كندا،‭ ‬بينما‭ ‬تأتي‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الخامسة‭. ‬وبلغت‭ ‬قيمة‭ ‬صادرات‭ ‬الإمارات‭ ‬من‭ ‬الألومنيوم‭ ‬إليها‭ ‬نحو1‭.‬1‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬مقابل‭ ‬488‭.‬7‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬لصادرات‭ ‬البحرين‭.‬

وعلى‭ ‬المدى‭ ‬القصير،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتمكن‭ ‬الإنتاج‭ ‬المحلي‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬تعويض‭ ‬غياب‭ ‬الموردين‭ ‬الخليجيين‭ ‬عن‭ ‬السوق‭ ‬الأمريكية،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد،‭ ‬إذا‭ ‬نجحت‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي،‭ ‬فستضطر‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أسواق‭ ‬بديلة‭. ‬وهنا‭ ‬تبرز‭ ‬أهمية‭ ‬اتفاقيات‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬الخليجية،‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬ضمانة‭ ‬لاستمرارية‭ ‬المنتجات‭ ‬الخليجية‭ ‬عالميًا،‭ ‬وتعويض‭ ‬أي‭ ‬تراجع‭ ‬في‭ ‬تنافسيتها‭ ‬داخل‭ ‬السوق‭ ‬الأمريكي‭.‬

ويسهم‭ ‬تنوع‭ ‬اتفاقيات‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرة‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬التحولات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬تفرضها،‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬قرارات‭ ‬ترامب‭ ‬الأخيرة‭. ‬وتتيح‭ ‬هذه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬تحقيق‭ ‬استدامة‭ ‬نمو‭ ‬القطاع‭ ‬غير‭ ‬النفطي،‭ ‬الذي‭ ‬يُعوَّل‭ ‬عليه‭ ‬ليصبح‭ ‬المحرك‭ ‬الأساسي‭ ‬للناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي،‭ ‬خاصة‭ ‬قطاع‭ ‬الصناعة‭ ‬التحويلية‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬تطلع‭ ‬الدول‭ ‬الشريكة‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬الموقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬الخليجي‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬تشكل‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬بوابة‭ ‬لتحويل‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬تجاري‭ ‬واستثماري‭ ‬عالمي،‭ ‬يدعم‭ ‬تجارة‭ ‬إعادة‭ ‬التصدير،‭ ‬إذ‭ ‬ترى‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬نقطة‭ ‬انطلاق‭ ‬نحو‭ ‬الأسواق‭ ‬الأفريقية‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬كثفت‭ ‬البحرين‭ ‬جهودها‭ ‬لتطوير‭ ‬قطاع‭ ‬الخدمات‭ ‬اللوجستية،‭ ‬ليصبح‭ ‬أحد‭ ‬القطاعات‭ ‬ذات‭ ‬الأولوية‭ ‬في‭ ‬اقتصادها‭. ‬فالاستثمار‭ ‬في‭ ‬الموقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬قد‭ ‬يحقق‭ ‬للمنطقة‭ ‬مكاسب‭ ‬تفوق‭ ‬ما‭ ‬يتيحه‭ ‬قطاع‭ ‬النفط،‭ ‬كما‭ ‬يتجلى‭ ‬في‭ ‬نموذج‭ ‬سنغافورة،‭ ‬التي‭ ‬رغم‭ ‬افتقارها‭ ‬للموارد‭ ‬الطبيعية،‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬تجاري‭ ‬عالمي‭ ‬بفضل‭ ‬موقعها‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬على‭ ‬مضيق‭ ‬ملقا‭.‬

وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬الاستثمارات،‭ ‬شهد‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬توسعًا‭ ‬ملحوظًا‭ ‬في‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬الخارجية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الصين،‭ ‬حيث‭ ‬ضخت‭ ‬صناديق‭ ‬الثروة‭ ‬السيادية‭ ‬الخليجية‭ ‬2‭.‬3‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية،‭ ‬بزيادة‭ ‬بلغت‭ ‬22‭ ‬ضعفًا‭ ‬عن‭ ‬مستواها‭ ‬في‭ ‬2022‭. ‬كما‭ ‬ارتفعت‭ ‬عمليات‭ ‬الاستحواذ‭ ‬والاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬بنسبة‭ ‬تفوق‭ ‬1000%،‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬5‭.‬3‭ ‬مليارات‭ ‬دولار،‭ ‬فيما‭ ‬بلغت‭ ‬الحصيلة‭ ‬الاستثمارية‭ ‬لزيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬إلى‭ ‬السعودية‭ ‬نحو‭ ‬50‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭. ‬كما‭ ‬امتد‭ ‬التوسع‭ ‬الخليجي‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الآسيان‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬متنوعة،‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬زيادة‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬إلى‭ ‬الخليج‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬يشكل‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقيات‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭ ‬والآسيان‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬‮«‬تحولًا‭ ‬جوهريًا‮»‬،‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الخليجي،‭ ‬نحو‭ ‬نموذج‭ ‬متنوع‭ ‬وأكثر‭ ‬تحررًا‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفط‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا