العدد : ١٧١٧٤ - الاثنين ٣١ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٧٤ - الاثنين ٣١ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

دراسات حديثة تكشف ظاهرة مستجدة لتلوث الهواء

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الجمعة ٢٨ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

ظاهرة‭ ‬تلوث‭ ‬الهواء‭ ‬يعرفها‭ ‬الإنسان‭ ‬منذ‭ ‬قديم‭ ‬الزمن،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬240‭ ‬عاما،‭ ‬ومع‭ ‬بزوغ‭ ‬فجر‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية،‭ ‬أصبحت‭ ‬مشهودة‭ ‬أكثر‭ ‬لعامة‭ ‬الناس،‭ ‬وملازمة‭ ‬لحياتهم‭ ‬اليومية،‭ ‬فيراها‭ ‬الجميع‭ ‬أمام‭ ‬أعينهم‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬وفي‭ ‬خارج‭ ‬المنزل‭ ‬من‭ ‬الملوثات‭ ‬والأدخنة‭ ‬السوداء‭ ‬التي‭ ‬تنبعث‭ ‬من‭ ‬السيارات،‭ ‬والقطارات،‭ ‬والطائرات،‭ ‬ومحطات‭ ‬توليد‭ ‬الكهرباء،‭ ‬والمصانع‭. ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬طوال‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬مقتصرة‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬السفلي،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بطبقة‭ ‬التروبوسفير‭ ‬من‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬الذي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬الإنسان‭ ‬مباشرة،‭ ‬ويتأثر‭ ‬فورياً‭ ‬عند‭ ‬استنشاق‭ ‬هذا‭ ‬المخلوط‭ ‬المعقد‭ ‬والكبير‭ ‬من‭ ‬الملوثات‭.‬

ومع‭ ‬الزمن‭ ‬تحولت‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬إلى‭ ‬الهواء‭ ‬في‭ ‬طبقات‭ ‬الجو‭ ‬الأعلى‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬الإنسان،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬طبقة‭ ‬الأوزون‭ ‬في‭ ‬الاستراتسفير‭ ‬التي‭ ‬توجد‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬قرابة‭ ‬10‭ ‬إلى‭ ‬40‭ ‬كيلومتراً‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الإنسان‭ ‬يُطلق‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭ ‬بعض‭ ‬المركبات‭ ‬الكيميائية‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬في‭ ‬تطبيقات‭ ‬عملية‭ ‬يومية‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى،‭ ‬مثل‭ ‬غاز‭ ‬التبريد‭ ‬أو‭ ‬الفريون‭ ‬في‭ ‬الثلاجات‭ ‬والمكيفات‭ ‬وغيرهما‭ (‬مركبات‭ ‬عضوية‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬عنصري‭ ‬الكلورين‭ ‬والفلورين‭). ‬وهذه‭ ‬المجموعة‭ ‬من‭ ‬المركبات‭ ‬المستقرة‭ ‬كيميائية‭ ‬والخاملة‭ ‬كانت‭ ‬تتحرك‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬العليا‭ ‬فوقنا،‭ ‬وتنتقل‭ ‬إلى‭ ‬الأعلى‭ ‬سنة‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬مستقرها‭ ‬الأخير‭ ‬وهي‭ ‬طبقة‭ ‬الأوزون‭ ‬العليا‭. ‬وهناك‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬العلو،‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الغازات‭ ‬تلوث‭ ‬بيئة‭ ‬طبقة‭ ‬الأوزون‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬غاز‭ ‬الأوزون‭ ‬الذي‭ ‬يحمي‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬من‭ ‬شر‭ ‬الأشعة‭ ‬فوق‭ ‬البنفسجية‭ ‬القاتلة،‭ ‬فتُحلل‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬هذا‭ ‬الغاز‭ ‬الواقي‭ ‬للإنسان‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬فتسمح‭ ‬بمرو‭ ‬الأشعة‭ ‬فوق‭ ‬البنفسجية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬فتؤثر‭ ‬سلبياً‭ ‬في‭ ‬البشر،‭ ‬والشجر،‭ ‬والحجر‭.‬

واليوم‭ ‬لوِّث‭ ‬الإنسان‭ ‬الهواء‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الأعلى‭ ‬على‭ ‬ارتفاعات‭ ‬ومسافات‭ ‬شاهقة‭ ‬لم‭ ‬تخطر‭ ‬على‭ ‬بال‭ ‬أحد،‭ ‬ولم‭ ‬يتصور‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬بأن‭ ‬يديه‭ ‬الفاسدتين‭ ‬تبلغ‭ ‬تلك‭ ‬البيئات‭ ‬العالية‭ ‬جداً،‭ ‬الفطرية‭ ‬العذراء‭ ‬البكر‭ ‬الخالية‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬شوائب‭ ‬وملوثات‭ ‬بشرية‭.‬

فالإنسان‭ ‬بدأ‭ ‬غزو‭ ‬واستعمار‭ ‬الفضاء‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬أكتوبر‭ ‬1957‭ ‬مع‭ ‬إطلاق‭ ‬أول‭ ‬قمر‭ ‬صناعي‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬الإنسان،‭ ‬ثم‭ ‬بدأت‭ ‬الرحلات‭ ‬الاستكشافية‭ ‬تزيد‭ ‬سنة‭ ‬بعد‭ ‬سنة،‭ ‬وتتنافس‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬السبق‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬العلمي‭ ‬المتقدم،‭ ‬فتمكن‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬القمر،‭ ‬ثم‭ ‬المريخ،‭ ‬وبعدها‭ ‬بدأ‭ ‬بإطلاق‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬الضخمة‭ ‬والصغيرة‭ ‬الحجم‭ ‬لأغراض‭ ‬عسكرية‭ ‬ومدنية‭. ‬وعدد‭ ‬هذه‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحوم‭ ‬حول‭ ‬الأرض،‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬المدار‭ ‬الأرضي‭ ‬المنخفض،‭ ‬لم‭ ‬يزد‭ ‬على‭ ‬ألف‭ ‬قمر‭ ‬صناعي‭ ‬قبل‭ ‬حوالي‭ ‬15‭ ‬عاماً،‭ ‬واليوم‭ ‬تفاقم‭ ‬العدد‭ ‬إلى‭ ‬قرابة‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف،‭ ‬ومع‭ ‬توافر‭ ‬التقنية‭ ‬لجميع‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬ومع‭ ‬صغر‭ ‬حجم‭ ‬ووزن‭ ‬هذه‭ ‬الأقمار‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬كيلوجرامات‭ ‬قليلة‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬العدد‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬ألف‭ ‬قمر‭ ‬صناعي‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2040‭.‬

فكل‭ ‬هذا‭ ‬الغزو‭ ‬الفضائي،‭ ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬الاستكشافات‭ ‬الفريدة‭ ‬والمتطورة‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬الفضاء‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مقابل‭ ‬على‭ ‬البيئات‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬السماء،‭ ‬وفي‭ ‬الفضاء‭ ‬الواسع‭ ‬السحيق‭. ‬ولكن‭ ‬الإنسان‭ ‬كعادته‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬سباقٍ‭ ‬محتدم‭ ‬وشديد‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬فيتجاهل‭ ‬كل‭ ‬القضايا‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬نظره‭ ‬ثانوية‭ ‬وهامشية،‭ ‬فلم‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬عواقب‭ ‬هذا‭ ‬الغزو‭ ‬الفضائي،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لديه‭ ‬الوقت‭ ‬لسبر‭ ‬غور‭ ‬تداعيات‭ ‬هذه‭ ‬الاستكشافات‭ ‬ووجود‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬المهول‭ ‬من‭ ‬الأٌقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬والسفن‭ ‬الفضائية‭ ‬حول‭ ‬الأرض‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬دُهش‭ ‬بحجم‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬الواسع‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينتهي،‭ ‬وظن‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤثر‭ ‬فيه،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يغير‭ ‬من‭ ‬هويته،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يظن‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بأن‭ ‬المحيطات‭ ‬واسعة‭ ‬جداً‭ ‬وعميقة‭ ‬وتستطيع‭ ‬أن‭ ‬تتكيف‭ ‬وتخفف‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬الملوثات‭ ‬التي‭ ‬تُصرف‭ ‬في‭ ‬بطنه،‭ ‬وأن‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬فوقنا‭ ‬مباشرة‭ ‬أيضاً‭ ‬مساحته‭ ‬عظيمة‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬للملوثات‭ ‬التي‭ ‬يُطلقها‭ ‬أن‭ ‬تضر‭ ‬بصحته‭ ‬أو‭ ‬بالإنسان‭ ‬نفسه‭.  ‬

ومن‭ ‬أول‭ ‬هذه‭ ‬الانعكاسات‭ ‬هو‭ ‬اكتظاظ‭ ‬الشارع‭ ‬الفضائي‭ ‬الذي‭ ‬تسير‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬المتزايدة‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬المدار‭ ‬الأرضي‭ ‬المنخفض‭ ‬الذي‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬160‭ ‬إلى‭ ‬2000‭ ‬كيلومتر‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬فحدث‭ ‬اليوم‭ ‬ازدحام‭ ‬مروري‭ ‬شديد‭ ‬كالذي‭ ‬نشهده‭ ‬في‭ ‬شوارعنا‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬فلم‭ ‬يخطر‭ ‬على‭ ‬بال‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬الواسع‭ ‬العميق‭ ‬قد‭ ‬يضيق‭ ‬فيعاني‭ ‬يوماً‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬التي‭ ‬نقاسي‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭. ‬وإضافة‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الأقمار‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬الآن،‭ ‬فهناك‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬فترة‭ ‬صلاحيتها‭ ‬وأصبحت‭ ‬لا‭ ‬تشتغل،‭ ‬ولكنها‭ ‬مازالت‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الأرض‭. ‬فهذا‭ ‬الازدحام‭ ‬المروري‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬بأنه‭ ‬يولد‭ ‬حوادث‭ ‬وكوارث‭ ‬مرورية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬اصطدام‭ ‬هذه‭ ‬الأقمار،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تفتتها‭ ‬إلى‭ ‬أجزاء‭ ‬وجسيمات‭ ‬صغيرة‭ ‬تدور‭ ‬أيضاً‭ ‬حول‭ ‬الأرض،‭ ‬ويُطلق‭ ‬عليها‭ ‬الآن‭ ‬بالمخلفات‭ ‬الفضائية،‭ ‬وهذه‭ ‬المخلفات‭ ‬والجسيمات‭ ‬الصغيرة‭ ‬تصطدم‭ ‬أيضاً‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬فتولد‭ ‬جسيمات‭ ‬أصغر‭ ‬فأصغر‭. ‬فهناك‭ ‬اليوم‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الجسيمات‭ ‬والمخلفات‭ ‬الفضائية‭ ‬بمختلف‭ ‬أحجامها‭ ‬وأوزانها‭ ‬تدور‭ ‬بسرعة‭ ‬فائقة‭ ‬وقد‭ ‬تصطدم‭ ‬بالأقمار‭ ‬والسفن‭ ‬السليمة‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬المدار‭ ‬نفسه‭ ‬فتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تحطيمها‭ ‬وتكبد‭ ‬خسائر‭ ‬مالية‭ ‬وتنموية‭ ‬باهظة‭ ‬للإنسان،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تعريض‭ ‬سلامة‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المخلفات‭ ‬نزلت‭ ‬على‭ ‬منازل‭ ‬الناس‭ (‬مقال‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الطبيعة‮»‬‭ ‬في‭ ‬18‭ ‬مارس‭ ‬2025‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬مخلفات‭ ‬الفضاء‭ ‬تسقط‭ ‬من‭ ‬السماء‮»‬‭).     ‬

ولعلاج‭ ‬ظاهرة‭ ‬المخلفات‭ ‬الفضائية‭ ‬وتراكم‭ ‬أعداد‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬المنتهية‭ ‬الصلاحية،‭ ‬قرر‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يعيدها‭ ‬إلى‭ ‬الأرض،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬إعادة‭ ‬إدخالها‭ ‬في‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اشتعالها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البيئة‭ ‬العليا‭ ‬وسقوطها‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭ ‬زرع‭ ‬مصدراً‭ ‬لتلوث‭ ‬البيئة‭ ‬الفضائية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬البعيدة‭ ‬النائية‭.‬

ولكن‭ ‬حل‭ ‬مشكلة‭ ‬المخلفات‭ ‬الفضائية‭ ‬بحرقها‭ ‬في‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬خلق‭ ‬مشكلة‭ ‬أخرى‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تدهور‭ ‬جودة‭ ‬الهواء‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البيئة‭ ‬البعيدة‭ ‬جداً،‭ ‬وتُغير‭ ‬نوعيتها‭ ‬وهويتها‭ ‬ونظامها‭ ‬الخاص‭ ‬بها،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يسبب‭ ‬عواقب‭ ‬وخيمة‭ ‬مازالت‭ ‬مجهولة‭ ‬للإنسان،‭ ‬ومازال‭ ‬يبحث‭ ‬فيها‭ ‬الآن‭. ‬ولذلك‭ ‬حاول‭ ‬الإنسان‭ ‬علاج‭ ‬المشكلة،‭ ‬فخلق‭ ‬لنفسه‭ ‬مشكلة‭ ‬أخرى‭!‬

وهذه‭ ‬القضية‭ ‬الجديدة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مقصورة‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬العلم‭ ‬والاختصاص،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬سراً‭ ‬يتداوله‭ ‬الخبراء،‭ ‬وإنما‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬عامة‭ ‬الناس‭ ‬وإلى‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬حيث‭ ‬نشرت‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الإيكونومست‮»‬‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العريقة‭ ‬مقالاً‭ ‬في‭ ‬5‭ ‬مارس‭ ‬2025‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬البيئية‭ ‬الخطيرة‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬الأٌقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬تلوث‭ ‬الاستراتسفير‮»‬‭.‬

وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬غزت‭ ‬الفضاء‭ ‬للاستكشاف‭ ‬أيضاً،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬بحثي‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬التعرف‭ ‬من‭ ‬كثب‭ ‬على‭ ‬المردودات‭ ‬السلبية‭ ‬لهذه‭ ‬العمليات‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬ودراسة‭ ‬وجود‭ ‬الملوثات‭ ‬الفضائية‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬إطلاق‭ ‬الصواريخ‭ ‬والأقمار‭ ‬والسفن‭ ‬الصناعية‭ ‬الفضائية‭ ‬على‭ ‬جودة‭ ‬الهواء‭ ‬في‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬في‭ ‬طبقاته‭ ‬الست‭ ‬المعروفة‭ ‬التي‭ ‬يتراوح‭ ‬ارتفاعها‭ ‬عن‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬بين‭ ‬20‭ ‬إلى‭ ‬قرابة‭ ‬600‭ ‬كيلومتر‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬نُشرت‭ ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬البيانات‭ ‬العلمية‮»‬‭ (‬Scientific‭ ‬Data‭) ‬في‭ ‬3‭ ‬أكتوبر‭ ‬2024‭ ‬حول‭ ‬تلوث‭ ‬الهواء‭ ‬من‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬واحتراق‭ ‬الصواريخ،‭ ‬ودراسة‭ ‬ثانية‭ ‬منشورة‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬وقائع‭ ‬الأكاديمية‭ ‬الأمريكية‭ ‬للعلوم‮»‬‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬المعادن‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬دخول‭ ‬سفن‭ ‬الفضاء‭ ‬في‭ ‬طبقة‭ ‬الاستراتسفير‮»‬‭.‬

وهذه‭ ‬الدراسات‭ ‬توصلت‭ ‬إلى‭ ‬النتائج‭ ‬التالية‭:‬

أولاً‭: ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬التي‭ ‬تنتهي‭ ‬صلاحيتها‭ ‬يُعاد‭ ‬إدخالها‭ ‬إلى‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬للتخلص‭ ‬منها‭ ‬لتخفيف‭ ‬الازدحام‭ ‬المروري‭ ‬في‭ ‬مدارات‭ ‬الأرض‭ ‬المنخفضة،‭ ‬فتشتعل‭ ‬وتحترق‭ ‬في‭ ‬الطبقات‭ ‬المختلفة‭ ‬للغلاف‭ ‬الجوي،‭ ‬وتولد‭ ‬أنواعاً‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬الملوثات،‭ ‬حسب‭ ‬نوعية‭ ‬وكمية‭ ‬المعادن‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬القمر‭ ‬الصناعي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬نوعية‭ ‬الوقود‭ ‬المستخدم‭ ‬لإطلاق‭ ‬الصواريخ‭ ‬في‭ ‬مراحله‭ ‬المتعددة‭.‬

ثانياً‭: ‬عملية‭ ‬احتراق‭ ‬القمر‭ ‬الصناعي‭ ‬تَنتج‭ ‬عنها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الملوثات‭ ‬الغازية‭ ‬والصلبة‭ ‬منها‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون،‭ ‬وأول‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون،‭ ‬وجسيمات‭ ‬الكربون‭ ‬الأسود،‭ ‬وأكاسيد‭ ‬النيتروجين،‭ ‬والكلورين،‭ ‬وبخار‭ ‬الماء،‭ ‬والنحاس،‭ ‬والرصاص،‭ ‬والليثيوم،‭ ‬وأكسيد‭ ‬الألمنيوم،‭ ‬وهيدروكسيد‭ ‬الألمنيوم،‭ ‬والصوديم،‭ ‬والمغنيسيوم،‭ ‬والكروميوم،‭ ‬والنيكل،‭ ‬والفضة،‭ ‬والنيوبيوم‭ (‬Niobium‭)‬،‭ ‬والهافنيوم‭ (‬Hafnium‭) ‬والقصدير،‭ ‬وكلوريد‭ ‬الفضة،‭ ‬والفلورين،‭ ‬والحديد،‭ ‬والكادميوم،‭ ‬والبريليوم‭. ‬وجميع‭ ‬هذه‭ ‬الملوثات‭ ‬تفسد‭ ‬هوية‭ ‬ونوعية‭ ‬مكونات‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬وتؤثر‭ ‬في‭ ‬خصائصه‭ ‬الكيميائية،‭ ‬وتضر‭ ‬بالنظام‭ ‬البيئي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭.‬

ثالثاً‭: ‬بعد‭ ‬انبعاث‭ ‬هذه‭ ‬الملوثات‭ ‬تحدث‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬التفاعلات‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الملوثات‭ ‬ومكونات‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭. ‬فبعض‭ ‬الملوثات‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬الحرق‭ ‬مثل‭ ‬الدخان‭ ‬الأسود،‭ ‬أو‭ ‬الكربون‭ ‬الأسود،‭ ‬وأكسيد‭ ‬الألمنيوم،‭ ‬وأكاسيد‭ ‬النيتروجين‭ ‬لها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تحلل‭ ‬غاز‭ ‬الأوزون‭ ‬في‭ ‬طبقة‭ ‬الأوزون،‭ ‬مما‭ ‬يفاقم‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬انخفاض‭ ‬غاز‭ ‬الأوزون‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الطبقة‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أكسيد‭ ‬الألمنيوم‭ ‬يتفاعل‭ ‬مع‭ ‬كلوريد‭ ‬الهيدروجين‭ ‬في‭ ‬طبقة‭ ‬الاستراتسفير‭ ‬فينتج‭ ‬كلوريد‭ ‬الألمنيوم‭ ‬الذي‭ ‬يتحلل‭ ‬بالضوء‭ ‬العالي‭ ‬لينتج‭ ‬الكلورين‭ ‬الذي‭ ‬يحلل‭ ‬غاز‭ ‬الأوزون‭. ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬الرماد،‭ ‬والدخان،‭ ‬والجسيمات‭ ‬الدقيقة‭ ‬العالقة‭ ‬في‭ ‬عمود‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬تمتص‭ ‬الضوء‭ ‬فتسبب‭ ‬تغيراً‭ ‬مناخياً‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أحد‭ ‬نتائجه‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬وكوكبنا،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الملوثات‭ ‬قد‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬المغناطيسي‭ ‬للأرض‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الملوثات‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬قد‭ ‬تنزل‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬بالترسب‭ ‬الجاف،‭ ‬أو‭ ‬الترسب‭ ‬الرطب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الثلوج‭ ‬والأمطار‭.‬

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا