العدد : ١٧١٧٦ - الأربعاء ٠٢ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٧٦ - الأربعاء ٠٢ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ شوّال ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

.. وقاومت الفتنة في لندن

عملت‭ ‬في‭ ‬تلفزيون‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬ان‭ ‬يصيبني‭ ‬ما‭ ‬أصاب‭ ‬حبيبي‭ ‬الطيب‭ ‬صالح‭ - ‬رحمه‭ ‬الله‭ - ‬من‭ ‬مجد‭ ‬أدبي،‭ ‬فقد‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬إذاعة‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ (‬هنا‭ ‬لندن‭) ‬سنين‭ ‬عددا،‭ ‬كسب‭ ‬خلالها‭ ‬معارف‭ ‬أعانته‭ ‬على‭ ‬تأليف‭ ‬أعماله‭ ‬الروائية‭ ‬الخالدة،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬‮«‬عرس‭ ‬الزين‮»‬‭ ‬و«موسم‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الشمال‮»‬،‭ ‬ولكنني‭ ‬تنازلت‭ ‬عن‭ ‬طموح‭ ‬المجد‭ ‬الأدبي،‭ ‬واضطررت‭ ‬إلى‭ ‬مغادرة‭ ‬لندن‭ ‬بسبب‭ ‬تحرش‭ ‬بنات‭ ‬بريطانيا‭ ‬بي،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬الراحلة‭ ‬الأميرة‭ ‬ديانا‭ ‬سبنسر‭ ‬بي،‭ ‬فرغم‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬متزوجة‭ ‬بولي‭ ‬عهد‭ ‬بريطانيا‭ ‬وقتها،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬كلما‭ ‬وجدتني‭ ‬جالسا‭ ‬أمام‭ ‬التلفزيون،‭ ‬تلاحقني‭ ‬بنظراتها‭ ‬وابتساماتها‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬المذيع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحاورها‭! ‬وحدث‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬البي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬في‭ ‬وايت‭ ‬سيتي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬شبردس‭ ‬بوش‭ ‬وبها‭ ‬سوق‭ ‬شعبي‭ ‬معظم‭ ‬زبائنه‭ ‬من‭ ‬العرب،‭ ‬وبه‭ ‬‮«‬تجار‭ ‬سودانيون‮»‬،‭ ‬يبيعون‭ ‬البلاوي‭ ‬التي‭ ‬فتكت‭ ‬بأمعاء‭ ‬السودانيين‭ ‬مثل‭ ‬الشطة‭ ‬القبانيت‭ (‬أثيوبية‭ ‬المنبت‭) ‬والدكوة‭ (‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الاسم‭ ‬الغرب‭ ‬إفريقي‭ ‬لزبدة‭ ‬الفول‭ ‬السوداني‭). ‬المهم،‭ ‬حدث‭ ‬أن‭ ‬دخلت‭ ‬المصعد‭ ‬الكهربائي‭ ‬وكان‭ ‬به‭ ‬نفر‭ ‬من‭ ‬الخواجات،‭ ‬وفي‭ ‬الطابق‭ ‬الثاني‭ ‬ركبت‭ ‬معنا‭ ‬عارضة‭ ‬الأزياء‭ ‬نيومي‭ ‬كامبل‭ (‬التي‭ ‬جعلناها‭ ‬نعومي‭). ‬وبالخواجات‭ ‬ولع‭ ‬شديد‭ ‬بالمشاهير،‭ ‬وأحس‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬بالمصعد‭ ‬أنهم‭ ‬وبركوب‭ ‬بنت‭ ‬كامبل‭ ‬معهم‭ ‬شهدوا‭ ‬ليلة‭ ‬القدر،‭ ‬وطفح‭ ‬البشر‭ ‬على‭ ‬وجوههم،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬الخلق‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬معنا،‭ ‬وقفت‭ ‬قبالتي‭ ‬وحيتني‭: ‬هاي،‭ ‬وغمزت‭ ‬لي‭ ‬بعينيها‭ ‬الكبيرتين،‭ ‬فنظر‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬معنا‭ ‬إلي‭ ‬بإعجاب‭ ‬باعتبار‭ ‬انني‭ ‬دخلت‭ ‬التاريخ،‭ ‬وربما‭ ‬قالوا‭: ‬الجنس‭ ‬على‭ ‬الجنس‭ ‬رحمة،‭ ‬باعتبار‭ ‬ان‭ ‬تلك‭ ‬الولية‭ ‬سوداء‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬الشاب‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬خصته‭ ‬بالتحية‭! ‬وفي‭ ‬أحد‭ ‬الطوابق‭ ‬خلا‭ ‬المصعد‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬وبقينا‭ ‬انا‭ ‬وكامبل‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تبتسم،‭ ‬وأدركت‭ ‬انها‭ ‬تتحايل‭ ‬لـ«تفتح‭ ‬موضوعا‭ ‬معي‮»‬،‭ ‬ربما‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬تستدرج‭ ‬الشيطان‭ ‬ليكون‭ ‬ثالثنا،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬باديا‭ ‬على‭ ‬تضاريس‭ ‬وجهها‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬مقاومة‭ ‬الفتنة،‭ ‬فخشيت‭ ‬أن‭ ‬تفتح‭ ‬الموضوع،‭ ‬أو‭ ‬تتحرش‭ ‬بي‭ ‬على‭ ‬المكشوف،‭ ‬وأن‭ ‬أضطر‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬كسر‭ ‬خاطرها‮»‬‭ ‬بحكم‭ ‬أنني‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬محافظة،‭ ‬فضغطت‭ ‬على‭ ‬زر‭ ‬المصعد‭ ‬وأوقفته‭ ‬في‭ ‬طابق‭ ‬لم‭ ‬اكن‭ ‬اقصده‭ ‬وخرجت‭ ‬من‭ ‬المصعد‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬شرفي‭!.‬

ليس‭ ‬قصدي‭ ‬هنا‭ ‬التباهي‭ ‬واستعراض‭ ‬جاذبيتي،‭ ‬فتلك‭ ‬مسائل‭ ‬محسومة‭ ‬ومفروغ‭ ‬منها،‭ ‬ولكن‭ ‬الكلام‭ ‬جاب‭ ‬الكلام،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬صديق‭ ‬فلسطيني‭ ‬يقرأ‭ ‬مقالاتي‭ ‬في‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬‭ ‬بانتظام،‭ ‬وقد‭ ‬استوقفني‭ ‬قبل‭ ‬يومين‭ ‬او‭ ‬ثلاثة‭ ‬وصاح‭: ‬يا‭ ‬زلمي‭ ‬ذبحتنا‭ ‬بجزيرة‭ ‬بدين‭. ‬لو‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬خير‭ ‬كنت‭ ‬طفشت‭ ‬منها‭ ‬وجيت‭ ‬الخليج؟‭ ‬يستر‭ ‬عرضك‭ ‬ارحل‭ ‬منها‭ ‬لحتة‭ ‬تانيي‭ ‬‮«‬تانية‮»‬‭! ‬وكان‭ ‬بذلك‭ ‬يعرب‭ ‬عن‭ ‬ضيقه‭ ‬بهذه‭ ‬السلسلة‭ ‬من‭ ‬المقالات،‭ ‬وبصراحة‭ ‬فإنني‭ ‬أحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أعمل‭ ‬ألف‭ ‬حساب‮»‬‭ ‬لصديقي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ذاك‭ ‬لأنه‭ ‬‮«‬نحس‮»‬‭ ‬فقد‭ ‬ولد‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬مع‭ ‬مقتل‭ ‬فلسطين،‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬عرّابة‭ ‬التي‭ ‬يقال‭ ‬ان‭ ‬أبا‭ ‬لهب‭ ‬مدفون‭ ‬فيها،‭ ‬وأكمل‭ ‬دراسته‭ ‬الثانوية‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1967‭ ‬وهي‭ ‬السنة‭ ‬التي‭ ‬طارت‭ ‬فيها‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وحطت‭ ‬في‭ ‬جيب‭ ‬اسرائيل،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تلطش‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬باكستان‭ ‬ليلتحق‭ ‬بإحدى‭ ‬جامعاتها‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬السبعينيات‭ ‬فانفصلت‭ ‬باكستان‭ ‬الشرقية‭ ‬وقامت‭ ‬دولة‭ ‬بنغلاديش،‭ ‬ويوم‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬للعمل‭ ‬معنا‭ ‬في‭ ‬البي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬استأنف‭ ‬الثوار‭ ‬الايرلنديون‭ ‬تفجيراتهم‭ ‬ونسفوا‭ ‬عمارة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الدوكلاندس‭. ‬وخلال‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬أبو‭ ‬ظبي،‭ ‬كان‭ ‬كلما‭ ‬حاور‭ ‬مسؤولا‭ ‬كبيرا،‭ ‬طار‭ ‬من‭ ‬وظيفته،‭ ‬وذات‭ ‬مرة‭ ‬خاطب‭ ‬وزير‭ ‬الاعلام‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬خليجية‭ ‬بشأن‭ ‬إجراء‭ ‬لقاء‭ ‬معه‭ ‬ولكن‭ ‬الوزير‭ ‬قال‭: ‬الله‭ ‬يخليك‭.. ‬بعدني‭ ‬ما‭ ‬شبعت‭ ‬من‭ ‬الوزارة،‭ ‬شوف‭ ‬غيري‭ ‬من‭ ‬اللي‭ ‬طولوا‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬يحرص‭ ‬صاحبي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ذاك‭ ‬أن‭ ‬يذكرني‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والحين‭ ‬وفي‭ ‬ضوء‭ ‬العنف‭ ‬الصهيوني‭ ‬الأهوج‭ ‬الذي‭ ‬يعصف‭ ‬بالأرواح‭ ‬والممتلكات‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬بقوله‭: ‬أنا‭ ‬مو‭ ‬غزاوي،‭ ‬فلا‭ ‬ترمي‭ ‬بلاوي‭ ‬النحس‭ ‬نتنياهو‭ ‬عليّ‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا