العدد : ١٧١٥٩ - الأحد ١٦ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٥٩ - الأحد ١٦ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ رمضان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

علاقة الشرق بالغرب.. والحاجة إلى استشراق منصف واستغراب منظم

بقلم: د. عمار علي حسن {

الأحد ١٦ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬تلاحق‭ ‬الدوائر‭ ‬الحضارية‭ ‬نشبت‭ ‬صراعات‭ ‬وسالت‭ ‬دماء‭ ‬وسُطّر‭ ‬تاريخ‭ ‬من‭ ‬التناحر‭ ‬البشري،‭ ‬غلب‭ ‬على‭ ‬المسارات‭ ‬الإيجابية‭ ‬التي‭ ‬نجمت‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التلاحق،‭ ‬وذلك‭ ‬التلاقح،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭ ‬بين‭ ‬الحضارات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الفكر‭ ‬والحركة،‭ ‬والذي‭ ‬لولاه‭ ‬ما‭ ‬مضت‭ ‬حياة‭ ‬بني‭ ‬آدم‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬خط‭ ‬متصاعد،‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬والتمكن‭ ‬والرفاه‭.‬

وغلبة‭ ‬التناحر‭ ‬والتباغض‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬والتفاهم‭ ‬فيما‭ ‬تم‭ ‬تسجيله‭ ‬ورصده‭ ‬عن‭ ‬العلاقات‭ ‬المستمرة‭ ‬بين‭ ‬الحضارات‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬أمرين‭ ‬أساسيين،‭ ‬الأول‭ ‬أن‭ ‬الصراعات‭ ‬المسلحة‭ ‬هي‭ ‬الأحداث‭ ‬الأكثر‭ ‬لفتا‭ ‬للانتباه،‭ ‬والتي‭ ‬تترك‭ ‬علامات‭ ‬يمكن‭ ‬معرفتها‭ ‬وتحديد‭ ‬معالمها‭ ‬بيسر‭ ‬وسهولة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬أمكن‭ ‬تدوينها‭ ‬لتطغى‭ ‬على‭ ‬التفاعلات‭ ‬الناعمة،‭ ‬وغير‭ ‬المرئية،‭ ‬بين‭ ‬الحضارات‭ ‬والتي‭ ‬لها‭ ‬البقاء‭ ‬الفعلي،‭ ‬والفعل‭ ‬الإيجابي،‭ ‬الذي‭ ‬يغلب‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سطره‭ ‬المحاربون‭ ‬بكل‭ ‬عدتهم‭ ‬وعتادهم‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬سنابك‭ ‬الخيول‭ ‬والرماح‭ ‬الممشوقة‭ ‬المسنونة‭ ‬وانتهاء‭ ‬بجنازير‭ ‬الدبابات‭ ‬والصواريخ‭ ‬عابرة‭ ‬القارات‭. ‬

والثاني‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الإمبراطوريات‭ ‬استخدمت‭ ‬في‭ ‬تمددها‭ ‬العسكري‭ ‬تعبيرات‭ ‬ومفاهيم‭ ‬حضارية‭ ‬كخطاب‭ ‬تحايلي‭ ‬يرمي‭ ‬إلى‭ ‬تبرير‭ ‬مسلكها‭ ‬العدواني‭ ‬التوسعي،‭ ‬حيث‭ ‬تحدث‭ ‬قادة‭ ‬الجيوش‭ ‬عن‭ ‬رسالة‭ ‬حضارية‭ ‬مزعومة،‭ ‬وأرسلوا‭ ‬إلى‭ ‬الشعوب‭ ‬المراد‭ ‬غزوها‭ ‬رسائل‭ ‬تقول‭ ‬إنهم‭ ‬لا‭ ‬يستهدفون‭ ‬احتلال‭ ‬الأرض‭ ‬ولا‭ ‬نهب‭ ‬الثروات‭ ‬إنما‭ ‬تمدين‭ ‬الناس‭ ‬وترقية‭ ‬حياتهم‭ ‬وتخليصهم‭ ‬من‭ ‬حكامهم‭ ‬الطغاة‭.‬

لكننا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية‭ ‬الفارقة‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نستسلم‭ ‬للمقولة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تتصور‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الشرق‭ ‬شرق‭ ‬والغرب‭ ‬غرب‭ ‬ولن‭ ‬يلتقيان‭ ‬أبدا‮»‬،‭ ‬لأنها‭ ‬أولا‭ ‬من‭ ‬صك‭ ‬المحاربين‭ ‬وليست‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬أهل‭ ‬الفكر،‭ ‬وهي‭ ‬ثانيا‭ ‬تختلف‭ ‬مع‭ ‬كون‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسانية‭ ‬شهد‭ ‬أنماطا‭ ‬من‭ ‬التفاعل‭ ‬والتلاقح‭.‬

وقد‭ ‬حاول‭ ‬بعض‭ ‬المفكرين‭ ‬الغربيين‭ ‬أن‭ ‬يهيلوا‭ ‬التراب‭ ‬على‭ ‬عطاء‭ ‬الحضارات‭ ‬الأخرى،‭ ‬ويهضموا‭ ‬حق‭ ‬شعوبها‭ ‬في‭ ‬الإبداع‭ ‬الخلاق،‭ ‬فروجوا‭ ‬لفكرة‭ ‬‮«‬المركزية‭ ‬الأوروبية‮»‬‭ ‬ذات‭ ‬الصبغة‭ ‬العنصرية‭ ‬والتي‭ ‬تتوهم‭ ‬أن‭ ‬شعلة‭ ‬الحضارة‭ ‬انتقلت‭ ‬من‭ ‬الإغريق‭ ‬الأقدمين‭ ‬إلى‭ ‬الأوربيين‭ ‬المحدثين،‭ ‬ولم‭ ‬تمر‭ ‬بأي‭ ‬وسائط،‭ ‬ولم‭ ‬تتأثر‭ ‬في‭ ‬نشأتها‭ ‬بأحد،‭ ‬ولم‭ ‬تنقل‭ ‬في‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬الزمن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أحد‭. ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المغالطة‭ ‬لم‭ ‬ترض‭ ‬كثيرين‭ ‬بمن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬علماء‭ ‬غربيين،‭ ‬تحدث‭ ‬بعضهم‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الإغريق‭ ‬نقلوا‭ ‬عن‭ ‬الحضارة‭ ‬الفرعونية،‭ ‬وأن‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬أضافوا‭ ‬الكثير‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أنتجته‭ ‬القريحة‭ ‬الإغريقية،‭ ‬وأهدوه‭ ‬للإنسانية،‭ ‬فالتقطه‭ ‬الأوروبيون‭ ‬وهضموه‭ ‬واستفادوا‭ ‬منه،‭ ‬وزادوا‭ ‬عليه‭ ‬كثيرا‭ ‬حتى‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬والتقني‭ ‬الرهيب‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬الآن‭.‬

في‭ ‬ضوء‭ ‬هذا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬استشراق‭ ‬منصف‭ ‬واستغراب‭ ‬منظم،‭ ‬فالاستشراق‭ ‬في‭ ‬رأي‭ ‬البروفيسور‭ ‬إدوارد‭ ‬سعيد‭ ‬هو‭ ‬‮«‬المؤسسة‭ ‬المشتركة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬الشرق،‭ ‬بإصدار‭ ‬تقارير‭ ‬حوله،‭ ‬وإجازة‭ ‬الآراء‭ ‬فيه‭ ‬وإقرارها،‭ ‬ووصفه،‭ ‬وتدريسه،‭ ‬والاستقرار‭ ‬فيه،‭ ‬وحكمه‭.. ‬وهو‭ ‬أسلوب‭ ‬غربي‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬الشرق،‭ ‬وامتلاك‭ ‬السيادة‭ ‬عليه‭.. ‬وهو‭ ‬إنشاء‭ ‬استطاعت‭ ‬به‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬أن‭ ‬تتدبر‭ ‬الشرق‭ ‬ـ‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬تنتجه،‭ ‬سياسيا‭ ‬واجتماعيا‭ ‬وعسكريا‭ ‬وعقائديا‭ ‬وعلميا‭ ‬وتخيليا،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬ليس‭ ‬بوسع‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬عن‭ ‬الشرق،‭ ‬أو‭ ‬يفكر‭ ‬فيه،‭ ‬أو‭ ‬يمارس‭ ‬فعلا‭ ‬متعلقا‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بذلك‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬الحدود‭ ‬المعوقة‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬الاستشراق‭ ‬على‭ ‬الفكر‭ ‬والفعل‭.. ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬الاستشراق،‭ ‬بمفرده،‭ ‬يقرر‭ ‬ويحتم‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬الشرق،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يشكل‭ ‬شبكة‭ ‬المصالح‭ ‬الكلية‭ ‬التي‭ ‬يستحضر‭ ‬تأثيرها‭ ‬بصورة‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة،‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬الشرق‭ ‬موضعا‭ ‬للنقاش‭.‬

ونظرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاستشراق‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كله‭ ‬عمليًا‭ ‬منصفًا‭ ‬يروم‭ ‬الحقيقة،‭ ‬إنما‭ ‬رأس‭ ‬حربة‭ ‬لمشروعات‭ ‬استعمارية،‭ ‬فإنه‭ ‬كرس‭ ‬صورًا‭ ‬نمطية‭ ‬سلبية‭ ‬مغلوطة‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الشرق‮»‬،‭ ‬لاسيما‭ ‬عن‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين،‭ ‬مدفوعًا‭ ‬بالنزعتين‭ ‬الاستعمارية‭ ‬والصهيونية‭. ‬وتقوم‭ ‬الرؤية‭ ‬الاستشراقية‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬العربي‭ ‬ذا‭ ‬تاريخ‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬فإن‭ ‬تاريخه‭ ‬جزءٌ‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬الممنوح‭ ‬له‭ ‬أو‭ ‬المستلب‭ ‬منه‭. ‬وبناءً‭ ‬عليه‭ ‬ظهر‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬الكتابات‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يمثل‭ ‬قيمةً‭ ‬سلبية،‭ ‬وهو‭ ‬عدوٌ‭ ‬للغرب،‭ ‬وعقبةٌ‭ ‬أمكن‭ ‬تجاوزها‭ ‬لخلق‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وارتبط‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬والتلفاز‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬شخصٌ‭ ‬فاسقٌ‭ ‬وغادرٌ‭ ‬ومخادعٌ‭ ‬ومتعطشٌ‭ ‬للدماء،‭ ‬قادرٌ‭ ‬على‭ ‬المكيدة،‭ ‬ومراوغٌ‭ ‬وساديٌ‭ ‬وخائنٌ،‭ ‬ويظهر‭ ‬في‭ ‬أدوار‭ ‬قائد‭ ‬عصابات‭ ‬اللصوص‭ ‬المغيرين،‭ ‬والقراصنة،‭ ‬والعصاة‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭.‬

وبدوره،‭ ‬راح‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬يكرس‭ ‬جهدًا‭ ‬وفيرًا‭ ‬للحملة‭ ‬على‭ ‬العرب،‭ ‬وتشويه‭ ‬صورتهم،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتهى‭ ‬من‭ ‬تشويه‭ ‬صورة‭ ‬الزنوج‭ ‬والهنود‭ ‬الحمر‭ ‬وبعض‭ ‬الأقليات‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا‭. ‬ووصلت‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬المشوهة‭ ‬إلى‭ ‬مناهج‭ ‬التعليم‭ ‬نفسها،‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المدارس‭ ‬الغربية،‭ ‬لتصبح‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬مضامين‭ ‬التنشئة‭ ‬الاجتماعية‭.‬

أما‭ ‬‮«‬الاستغراب‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬الدكتور‭ ‬حسن‭ ‬حنفي‭ ‬مقدمة‭ ‬له،‭ ‬فهو‭ ‬دعوةٌ‭ ‬حالمة‭ ‬متفائلة‭ ‬لدراسة‭ ‬الغرب‭ ‬وتفكيك‭ ‬ثقافته‭ ‬وتوجهاته،‭ ‬ولفهمها‭ ‬وهضمها،‭ ‬لامتلاك‭ ‬آلياتٍ‭ ‬فاعلة‭ ‬للتعامل‭ ‬معها‭. ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬لم‭ ‬تنتج‭ ‬تيارًا‭ ‬عريضًا‭ ‬متدفقًا‭ ‬مثل‭ ‬الذي‭ ‬أنتجه‭ ‬الاستشراق،‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬جهود‭ ‬فردية‭ ‬متناثرة،‭ ‬تضرب‭ ‬يمينًا‭ ‬ويسارًا،‭ ‬بلا‭ ‬هدف‭ ‬محدد،‭ ‬ولا‭ ‬خطةً‭ ‬ناظمة‭. ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬تشويه‭ ‬الغرب،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬كتابات‭ ‬أتباع‭ ‬التيار‭ ‬الإسلامي،‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬سيد‭ ‬قطب‭ ‬ومحمد‭ ‬قطب،‭ ‬بل‭ ‬تنطوي‭ ‬في‭ ‬أغلبها‭ ‬على‭ ‬الإعجاب‭ ‬به،‭ ‬ومحاولة‭ ‬تمثله،‭ ‬والاقتداء‭ ‬بما‭ ‬أنجزه‭ ‬في‭ ‬المعارف‭ ‬التطبيقية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والفنون،‭ ‬وفي‭ ‬العمران‭ ‬البشري،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

ويحتاج‭ ‬حوار‭ ‬الحضارات‭ ‬إلى‭ ‬تصحيح‭ ‬الصور‭ ‬النمطية‭ ‬المغلوطة،‭ ‬وإلا‭ ‬ظل‭ ‬مجرد‭ ‬ترفٍ‭ ‬نخبوي،‭ ‬ورتوشٍ‭ ‬مزيفة،‭ ‬وخطابات‭ ‬علاقات‭ ‬عامة،‭ ‬تظهر‭ ‬وقت‭ ‬الأزمات،‭ ‬ويتم‭ ‬استخدامها‭ ‬مطيةً‭ ‬لأحوال‭ ‬السياسة‭ ‬وتقلباتها‭.‬

ويعني‭ ‬هذا‭ ‬تجاوز‭ ‬الرؤية‭ ‬الاستشراقية‭ ‬التقليدية‭ ‬المناطقيّة،‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬استعمار‭ ‬الغرب‭ ‬للشرق،‭ ‬وتقوم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬العداء‭ ‬بين‭ ‬الاثنين‭ ‬أصيلٌ‭ ‬ولا‭ ‬فكاك‭ ‬منه،‭ ‬وتفعيل‭ ‬الرؤية‭ ‬الاستشراقية‭ ‬المعدلة‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬الثقافات‭ ‬والحضارات‭ ‬والأديان‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الصدام‭ ‬الحضاري‭ ‬ليس‭ ‬صدامًا‭ ‬حول‭ ‬المسيح‭ ‬ومحمد‭ ‬عليهما‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭ ‬وكونفوشيوس،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬صراعٌ‭ ‬يسببه‭ ‬التوزيع‭ ‬غير‭ ‬العادل‭ ‬للقوة‭ ‬والثروة‭ ‬والنفوذ،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الرؤية‭ ‬المدنية‭ ‬الشعبية‭ ‬ـ‭ ‬القاعدية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تنهض‭ ‬على‭ ‬أكتاف‭ ‬الغربيين‭ ‬المتحررين‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬الاستعماري،‭ ‬والنازعين‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬روابط‭ ‬إنسانية،‭ ‬لا‭ ‬ترضخ‭ ‬للمصالح‭ ‬الضيقة‭ ‬للدول،‭ ‬ولا‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الآخر‮»‬‭ ‬باعتباره‭ ‬كتلةً‭ ‬صماء،‭ ‬وترفض‭ ‬أي‭ ‬صراع‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الحضارات‭. ‬وقد‭ ‬عبرت‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬عن‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬المظاهرات‭ ‬المناهضة‭ ‬للعولمة،‭ ‬والاحتجاجات‭ ‬الرافضة‭ ‬لغزو‭ ‬العراق،‭ ‬والعدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

{ كاتب‭ ‬وباحث‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا