كيف ولماذا.. سؤالان يثيران في النفس عديدا من الأسئلة التي تبحث عن أجوبة تشبع الرغبة في امتلاك شيء من الحقيقة.. كيف؟ سؤال يتقدم الأسئلة لكشف أسرار النفس البشرية، ومعرفة أحوالها، ولماذا؟ يسعى وراء الغاية، ويملأ النفس طمأنينة، وراحة قلب، وستظل هذه الأسئلة تراود صاحبها حتى يشبعها بالمعرفة، والمثقف ليس هو الشخص الذي يملأ جوفه بالمعرفة، بل هو من يسعى وراء المعرفة، ويجتهد في بذل وقته وجهده في سبيل تحصيلها، وهو كلما طوى صفحة من صفحات المعرفة يشعر بالحاجة إلى المزيد منها، أما سؤال «لماذا؟» فهو -كما قلنا- بحث عن الغاية التي يسعى الإنسان إليها ولا يشبع منها، فإذًا نستطيع أن نقول، ودون أن نتهم بالمغالاة في البحث وطرح الأسئلة.. كيف ولماذا؟ من أدوات البحث العلمي الذي يطلبه الإنسان، ويحرص على تحصيله دون إحساس بالشبع، أو الاكتفاء العلمي أو الإشباع المعرفي.
يقدم لنا القرآن العظيم وجبات صحية في ميدان المعرفة يسعى إليها الإنسان، ويظن أنه قد اكتملت لديه المعرفة بتحصيلها، فإذا امتلكها تفتحت له أبواب المعرفة ونوافذها.
في سورة الغاشية يقول الحق، وهو أصدق القائلين: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (17) وإلى السماء كيف رفعت (18) وإلى الجبال كيف نصبت (19) وإلى الأرض كيف سطحت (20)) سورة الغاشية.
هذه الآيات المعبرة تمام التعبير عن حالة الإنسان وبحثه الدائم والدائب عن المعرفة، وهو لا يكتفي بشيء يسير منها، بل يسعى جاهدًا إلى طلب المزيد منها حتى يظن أنه قد حقق ما يريد، وامتلك ناصية المعرفة، وتشبع بثمارها اليانعة، فإذا في الأفق البعيد ثمار جديدة، ومعارف عديدة، ليمتطي صهوة حصانه، وينطلق في الصحارى والفيافي يسعى وراء المزيد من العلوم والمعارف في كتب الأولين والآخرين، والسبيل إلى ذلك نجده في القرآن الكريم، وهو الكتاب المعجز الذي سيجد فيه ضالته المنشودة، وبغيته المطلوبة، وأمنيته المرجوة لأنه كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يقول سبحانه: (.. وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)) سورة فصلت.
هذا العهد الوثيق الذي يقدمه الحق سبحانه وتعالى بين يدي التالين لهذا الكتاب المبين يؤكده أنه من إله قادر حكيم، ولقد أكدت الأيام والسنون صدقه، وتأبيه على التقليد والمحاكاة، قال تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) الإسراء/ 88.
وهو أصدق الحديث لأنه أحسن القصص، يقول تعالى: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) يوسف/ 3.
ومعرفة الجواب عن سؤال: لماذا؟ كثير من الناس يعرفونه لأنه سؤال عن الغاية، والقرآن بسط الحديث عن ذلك، قال تعالى: (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون (5) ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون (6) وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم (7)) سورة النمل.
هذه بعض أحوال الأنعام مع الإنسان، وما خفي من منافعها أعظم وأكثر، وهذا متروك للعلماء الذين يقضون زهرة شبابهم في البحوث العلمية، وكرسوا من أوقاتهم ما عجز نظراؤهم عن تحصيله وبذلهم النفس والنفيس في سبيل ذلك، والآية الجليلة من سورة النمل لم تكتف بالمعلوم من هذه العلوم وما اكتشفه العلماء من منافع، وما ستره المستقبل، وأن الحق سبحانه وتعالى يعد البشرية بمزيد من العطاء، يقول سبحانه: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون) النحل/ 8.
وتحت عنوان: (ويخلق ما لا تعلمون) والحديث هنا في مجال وسائل المواصلات، وما يكشفه المستقبل من خلال البحوث العلمية، وما يبدعه العقل البشري الرشيد في ترقيه الدائم، وأنه بتفعيل مفردات البحث العلمي الذي أشار إليه القرآن الكريم في آياته وسوره بعيدًا عن الافتعال والمبالغة في قدرة العقل البشري على التفاعل مع معطيات الحضارة الحديثة وقيمها الإنسانية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك