أنور عبدالرحمن: المواطن شريك في حل الأزمة المرورية
لا يمكن للدولة أن تنشئ طرقا تستوعب كل هذا العدد من السيارات
زينل: ما هي نسبة المواطنين الذين يستخدمون النقل العام؟
يوسف صلاح الدين: شبكة النقل العام تغطي 70% من مناطق البحرين.. ونتطلع إلى 90%
تغطية: أحمد عبدالحميد
تصوير: عبدالأمير السلاطنة
مجلس رجل الأعمال إبراهيم زينل واحد من المجالس الحيوية في مملكة البحرين؛ إذ يحرص رواده على أن يكون المجلس منتدى حوار ونقاش في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، بل التطرق إلى الأوضاع الإقليمية والدولية، في إحياء حقيقي لدور المجالس الرمضانية التي تلعب دورا كبيرا في التواصل بين مختلف فئات المجتمع، وخاصة في ظل الترحيب الكبير الذي يبديه «أبو رشاد» إبراهيم زينل لزوار المجلس.
تميزت النقاشات التي شهدها مجلس زينل هذا الأسبوع بالثراء والتنوع في تناول الموضوعات التي تشغل الشارع البحريني، فانطلقت من الازدحامات المرورية إلى توجيه الدعم، إلى السلوكيات المجتمعية الخاطئة، وصولا إلى حديث من القلب عن لبنان ومستقبله.
فتح شهية الحوار
وكعادته دوما يحرص الأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس التحرير على أن يطرح موضوعا يثير شهية الحضور على الحديث، وكانت البداية مع الحديث عن الازدحامات المرورية، مبديا تعجبه من وجود آلاف السيارات في الشارع في أقل من نصف ساعة بعد موعد الإفطار.
وقال رئيس التحرير: إن عقلية المواطن والمقيم في مملكة البحرين لا بد أن تتغير إلى استعمال السيارة عند الضرورة، ولا يجب أن يكون التجول في الشوارع وسيلة للترفيه كما يفعل البعض، أو الإصرار على استعمال السيارة في كل مشوار قصر أو طال، وعلينا أن نتعلم من التجربة الأوروبية في هذا الشأن، فالمواطن الأوروبي يستخدم النقل العام في التوجه إلى عمله، وعندما يعود إلى منزله يستخدم سيارته أو المشي لأداء احتياجاته.
وأضاف عبدالرحمن أننا يجب أن نكون واقعيين، لأن الدولة لا يمكنها أن تهيئ وتنشئ شوارع تتناسب مع هذا العدد الهائل من السيارات في الوقت نفسه.
وعلق أبو إبراهيم بأنه «يجب توفير شبكة مواصلات عامة تلبي احتياجات المواطنين».
وتداخل السيد يوسف صلاح الدين عضو مجلس إدارة غرفة البحرين قائلا إن النقل العام في مملكة البحرين حاليا يغطي 70% من مناطق المملكة، ونتطلع إلى أن يصل إلى 90% منها، وحينها سيكون الأمر متاحا أمام المواطنين والمقيمين، مشيرا إلى تجربة الأشقاء في دبي في إنشاء مترو دبي وربطه بالمواقع الحيوية كالمطار والمجمعات الرئيسية، وهو ما يسهم في تشجيع جميع فئات المجتمع على استخدامه وليس فقط الفئات التي لا تمتلك سيارات، بل إن من يمتلك سيارة أحيانا كثيرة يلجأ إلى استخدام المترو لأنه يوفر خدمة سريعة وراقية.
بدوره أثار إبراهيم زينل صاحب المجلس نقطة مهمة بشأن الثقافة المجتمعية، قائلا إنه في البداية لا بد من تجهيز البنية التحتية المنظمة والمرتبة لوسائل النقل العام التي تضمن انتظام حركة النقل في توقيتات صحيحة ومنتظمة، ثم يجب رفع وعي المواطن بأهمية استعمال النقل العام، والتخلص من النظرة المجتمعية السلبية لوسائل المواصلات التي تنظر إلى من يستخدم هذه الوسائل على أنه أقل مستوى.
وتساءل زينل عن نسبة المواطنين الذين يستخدمون وسائل النقل العام؟ والحقيقة تشير إلى نسبة قليلة جدا؛ لأنهم يعتبرون ركوب النقل العام انتقاصا من مستواهم الاجتماعي، في المقابل نفس المواطن إذا سافر إلى دولة أوروبية يستخدم النقل العام ومترو الأنفاق بكل أريحية، وهذه إشكالية النظرة المجتمعية، والجميع يعلم أن مختلف الشخصيات العامة يستعملون وسائل المواصلات العامة سواء كان مسؤولا كبيرا أو صغيرا، ولا يستشعر أن هذا يقلل من شأنه، بل إن بعضا منهم يحرص على ترك سيارته في الكراج ويستعمل النقل العام.
وتابع: هذه ثقافة مجتمعية مختلفة عما يجري عندنا في دول الخليج.
وتطرق رئيس التحرير إلى أن غالبية السيارات حاليا تقودها النساء اللائي لا يفضلن استخدام وسائل النقل العام مطلقا، وهذه إشكالية أخرى يجب إيجاد حلول لها.
وعلق يوسف صلاح الدين بأنه يمكن تجاوز ذلك كما هو معمول به في مترو دبي من خلال تخصيص عربة خاصة للنساء، أو توفير درجات متنوعة في وسيلة النقل العام، وهو ما يشجع الناس أكثر على استخدامها بطريقة آمنة، وفي النهاية سوف يضطر الجميع إلى استخدام النقل العام لأنه لا يمكن لأي دولة في العالم أن تقيم شوارع لمواجهة زيادة عدد السيارات، علما أن الازدحامات ظاهرة عالمية لا تقتصر علينا فقط في مملكة البحرين.
وأشار إلى أهمية العمل على تخفيف الازدحامات من خلال تشجيع أبناء الفريج الواحد على تناوب استعمال السيارة للتوجه إلى مقرات أعمالهم، وغيرها من الحلول المساعدة.
وتطرق صلاح الدين إلى أن شوارع البحرين لم تكن مصممة في الماضي بشكل يوفر شوارع جانبية للخدمات، كما أن هناك مشكلة في عملية توسعة مداخل ومخارج المناطق المختلفة؛ لأن إتمام هذه التوسعات سوف يسهم في تخفيف الازدحامات بنسبة معينة، لأنه كما أشرت لا يمكن القضاء على الازدحامات المرورية لأنها ظاهرة عالمية.
ولفت إبراهيم زينل إلى أن تركز كل الوزارات والهيئات الحكومية بل والبنوك أيضا في منطقة واحدة أحد أسباب الازدحامات أيضا، ويجب أن تتوزع هذه الهيئات والمؤسسات، مع توزيع الخدمات على مختلف المناطق، كما يمكن النظر أيضا إلى تجربة دبي في تخصيص رسوم على بعض الشوارع لضمان تخفيف الازدحامات.
وأوضح يوسف صلاح الدين أن تخصيص رسوم على بعض الشوارع يكون مع توفير شوارع موازية أخرى من دون رسوم، مشيرا إلى أن الازدحام في البحرين مازال مقبولا مقارنة بالبلدان المجاورة رغم شوارعها الكبيرة.
وعلق أنور عبدالرحمن قائلا: إن هناك بلدانا لم تنفذ أي مشروعات لتطوير البنية التحتية، فيما تبذل الحكومة في البحرين جهودا ملموسة في تحديث البنية التحتية وإنشاء المدن الجديدة.
ونوه بجهود وزارة الداخلية ومجلس المرور لمعالجة الازدحامات المرورية، مشددا على أن المواطن شريك في حل هذه الأزمة، لأن الدولة لا يمكنها التعاطي وحدها مع هذه الإشكالية، من أجل الحد من استخدام السيارات في غير الضروريات.
وتطرق إلى أنه يجب على كل أسرة أن تعيد النظر في إدارة مواردها، وتغيير نمط السلوكيات الخاطئة، فهناك من يترك جهاز التكييف أو سخان المياه يعمل بلا حساب، بالإضافة إلى أن هناك من يستخدم سيارته في «اللف» في الشوارع من دون هدف، وهذه كلها سلوكيات في غير محلها.
تحرير سعر البنزين
وبشأن إمكانية تحرير سعر البنزين كحل لمواجهة هذه السلوكيات، قال إبراهيم زينل إن تحرير أسعار أي سلعه استهلاكية سوف يؤدي إلى رفع الأسعار بشكل عام في الأسواق، لأن تحرير السعر يعني تطبيق السعر العالمي للسلعة في السوق المحلي، وهذا سوف يمس جيب المستهلك، لذلك فإن أي زيادة أسعار من دون رفع للرواتب ستكون لها انعكاسات غير محمودة عند المواطن، ولا أعتقد أن ذلك سيلقى قبولا عند الغالبية.
وأوضح أن أي زيادة رسوم أو ضرائب أو قيمة مضافة على أي قطاع اقتصادي سوف تنعكس حتما على المستهلك؛ لأن التاجر سوف يضيف هذه الرسوم على السعر النهائي للسلعة أو الخدمة.
وأعرب زينل عن تقديره لمبادرة إعفاء 59 سلعة غذائية من القيمة المضافة، مؤكدا أنه يفتخر بأن مملكة البحرين هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لا تحسب القيمة المضافة على السلع الغذائية مقارنة بدول الخليج الأخرى، ولكن مع ذلك يجب أن نشير إلى أن القيمة المضافة لا تقتصر فقط على المقيم ولكن تمس المواطن أيضا، بينما دخل المواطن محلك سر.
وحول الآلية اللازمة لضمان توجيه الدعم لمستحقيه أكد زينل أن ذلك يتحقق من خلال الدعم المباشر للمواطنين المستحقين، وذلك بأشكال مختلفة، سواء بدعم نقدي أو بخدمات مجانية كالخدمات الإسكانية، منوها في هذا الشأن بالمبادرات الحكومية في توفير الخدمات الإسكانية للمواطنين.
وأبدى استغرابه من بعض المقترحات التي يتصور البعض أنها تطول غير المواطن فقط، كفرض ضرائب على التحويلات الخارجية، مشيرا إلى أن فرض أي زيادة في الرسوم أو ضريبة ما سيكون لها تأثير على الاقتصاد الوطني، موضحا أن الوافد أتى إلى البحرين عن طريق مواطن أو شركة وطنية هي التي استقدمته للعمل بالمملكة؛ أي أنه لم يأت من نفسه، وعندما ترتفع كلفة هذا العامل فإن صاحب الشركة سوف يحسبها من ضمن كلفته النهائية، ومن ثم سعر السلعة أو الخدمة التي يقدمها سوف يرتفع.
وضرب زينل مثالا بشأن خدمات التوصيل «الدليفري» المنتشرة في البحرين، إذ يعتبر أكبر دخل لخدمات التوصيل في منطقة الخليج يأتي من مملكة البحرين.
وتساءل أنور عبدالرحمن عن السبب وراء ذلك؟
فأجاب زينل بأن المساحة الجغرافية في البحرين تسمح بسرعة التوصيل مقارنة بالدول الأخرى التي قد تستغرق خدمات التوصيل فيها ساعات طويلة، وقد أعجبني الكاريكاتير الذي رسمه «نادر» في «أخبار الخليج» الذي يصف فيه حال فتاة تتابع برنامجا للطبخ في التلفزيون ووالدها يقول لها أتمنى أن أرى هذه الأكلات على الطاولة، فردت على والدها «الحين أطلبه لك من طلبات».
وعلق رئيس التحرير قائلا: «إذن المواطن هو الذي يسبب ذلك، ولا يضع أي اعتبار لميزانيته، أو مدخوله، ويحمل نفسه دائما ما يفوق طاقته».
وعقّب زينل: «لا يجب أن نضع اللوم فقط على المواطن، لأن هذه ثقافة معينة لدى فئة معينة، أما 60% من المواطنين فيطبخون في بيوتهم، لكن هناك طبقة أخرى مدللة هي التي تشتكي، فهناك من يطلب كوب قهوة بستة دنانير وهو جالس في البيت!».
وأيده السيد عبدالرضا الديلمي، مشيرا إلى أن الأطفال الآن باتوا لا يأكلون في البيت ويعتمدون على تطبيقات توصيل الأطعمة، وكلٌّ يطلب من هاتفه النقال ما يريده.
واستطرد إبراهيم زينل قائلا: إنني لا أختلف مع ما طرحه أنور عبدالرحمن، لكن ما نرصده الآن في المجتمع البحريني هو سمة منتشرة في النمط الاستهلاكي في المجتمعات الخليجية، كما هو الحال بالنسبة إلى سلوكيات الشراء؛ ففي أوروبا تجد الأوروبي يشتري قطعة واحدة أو اثنتين من الطماطم مقارنة بنا عندما نشتري كميات لا نحتاج إلا إلى ربعها فقط والباقي يتلف، وهذا يحتاج إلى جهد ممتد لتغيير الثقافة لدى الأجيال القادمة.
وأضاف أن انتشار الهواتف النقالة في يد كل ولد وبات لديه حساب بنكي هو ما يسهل ثقافة الاستهلاك والطلب من خارج البيت، مقارنة بالماضي عندما كان الأبناء يتسلمون الفلوس نقدا، وهو ما كان يسهم في الحد من الاستهلاك.
وعلق رئيس التحرير بأن هذا ترف مبالغ فيه وعدم تنظيم مالي للأسر.
وتابع زينل: أنا اتفق معك تماما، ولكن يجب ألا نغفل أن المجتمع الخليجي مجتمع استهلاكي ويستهلك فوق مدخوله.
لبنان والتفاؤل الحذر بالمستقبل
ومع وصول القائم بأعمال سفارة الجمهورية اللبنانية لدى مملكة البحرين ميرنا خولي برفقة سفيرة جمهورية صربيا تاتيانا جارتشيفيتش إلى المجلس قال الأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس التحرير إن اللبنانيين يمتلكون القدرة الإدارية، مشددا على ضرورة تعزيز الالتزام الوطني لدى الإنسان اللبناني على حساب أي التزامات أخرى طائفية أو مذهبية، مضيفا أن تغيير هذه العقلية هو الذي سيساعد رئيس الجمهورية الجديد على إحداث التغيير المنشود والمأمول للبنان الشقيق.
وأضاف أننا جميعا نحب لبنان ونراه بلد خير، وأفرز عقولا كالشاعر إيليا أبو ماضي الذي قال يوما ما:
«وطريقي ما طريقي؟ أطويلٌ أم قصير؟
أأنا أصعد أم أهبط فيه أم أغور؟
أأنا السائر في الدرب؟ أم الدرب يسير؟
أم كلانا واقف والدهر يجري؟
لست أدري؟»
هذه الأبيات التي أرى أنها تنطبق تماما على العقل اللبناني، متسائلا هل يقبل العقل اللبناني التغيير؟
وشدد رئيس التحرير على أن القضاء على سلاح الطائفية هو مفتاح النجاح في لبنان، وتمكين الدولة من امتلاك السلاح فقط على الأرض، مشددا على أن المرحلة الحالية تعتمد على نزاهة الإنسان اللبناني واحتضانه الوطنية المطلقة بعيدا عن الأديان أو المذاهب، ويجب رفع لواء «عفا الله عما سلف».
وقال إبراهيم زينل إن المجتمع اللبناني يتميز بتركيبة متنوعة.
وأبدى الحاضرون تطلعهم إلى مستقبل متفائل للبنان وخاصة بعد انتخاب رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام، مع الرهان على قدرة اللبنانيين على تجاوز التحديات التي مرت على بلدهم والتمسك بالأمل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك