في ساعة متأخرة من الليل، وعندما كنت أتصفح إحدى منصات التواصل الاجتماعي، صادفتني إحدى المنشورات المنشورة في إحدى الحسابات المحلية، والتي أفادت من خلالها بأن تلفزيون البحرين قد أعد في شهر رمضان الفضيل 15 فاصلاً إعلانياً معداً باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، ليفصل بين البرامج والمسلسلات الرمضانية المنطوية تحت مظلة تلفزيون البحرين.
فاجأني الخبر في بادئ الأمر، ولما وصلنا إليه في وقتنا الحالي من تطور كبير في التقنية التي اسهمت بشكل فعال في تطوير الإعلام البحريني.
لم أكترث لتحليل الخبر بشكل مفصل والغوص في عوالمه، واعتبرته بادرة جميلة في إدخال التقنية واستخدامها في تطوير الإعلام البحريني، ولكن لم يدُم ذلك برهة طويلة حتى لمحت بأن أحد الأصدقاء قد أشار في حسابه عن هذا الموضوع، وما له من تأثيرات سلبية كبيرة من الممكن أن يحدثها هذا الذكاء الاصطناعي في السنوات القادمة إذا اعتُمد عليه بشكل فعلي ومكثف، فأصبت بالذهول لحظتها، كيف غفلتُ عن ذلك الأمر؟ فدار بيني وبينه حوار جعلني أسلط الضوء على هذا البعبع وما سينتجه من أمور كارثية!
الاستخدام المبالغ للذكاء الاصطناعي يحقق البطالة!
عندما نقف على تلك العتبة المهمة لكل بحريني وبحرينية، فنحن نعي جلياً ما نقول، فوداعاً للمصورين حينها، والمصممين، وغيرهم من أصحاب المهن الإعلامية الفنية التي تبرز روح العمل، فعندما تعتمد الوسيلة الإعلامية مثلاً على صور منتجة باستخدام الذكاء الاصطناعي، فهذا يعني أننا سنتخلى عن المصورين المبدعين الذين سينقلون لنا الواقع بحيثياته وبصورة جمالية، وسنرى أنفسنا مسندين أنفسنا إلى جدار هش، إلى صور تخلو في تفاصيلها من الإبداع البصري.
الذكاء الاصطناعي المتاح للناس جميل إذا اعتمدنا عليه كأداة عامة كحال أي وسيلة تقنية في عصرنا الراهن، ولكن سياسة «الاستبدال» الكلي للمواد بمواد مصنعة بالذكاء الاصطناعي الشائعة حالياً تهدد العديد من المجالات الإبداعية.
فعندما نرى اللقطات التي أنتجها تلفزيون البحرين باستخدام هذا الذكاء الاصطناعي فسنرى أنه تم الاستغناء عن: قسم كامل في الدعاية والإعلانات في شركة الإنتاج، منتج، مخرج، مساعد المخرج، مدير التصوير، المصورين، مدير الإضاءة، مشغل الكاميرا، مدير اللوكيشن، مخرج فني، مصمم الإنتاج، مصمم الأزياء، ماكير، مونتير، ملوّن.. وللحديث بقية.
الأمر المراد إيصاله بأن هناك كوكبة من الشباب والشابات مبدعين، قادرين بإحساسهم الفني والوطني على إنتاج ما هو أجمل وأفضل من تلك اللقطات الخاوية من الروح الفنية الإبداعية ولإنسانية، هناك من درسوا في العديد من التخصصات والمجالات آملين بأن يتم الاستفادة من مكنوناتهم وجهودهم في تلك السنوات المنقضية بين دفوف الكتب الدراسية، وهناك من سيظل يبحث عن وظائف تسمح له بأن يطلق طاقاته الإبداعية المكبوتة، وفي نهاية الأمر سيجد الطريق مغلقاً بسبب استبداله بالذكاء الاصطناعي.
r.alstrawi10@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك