يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره
السعودية وإحياء سياسة «الحياد الإيجابي»
قرأت قبل أيام تحليلا مهما نشره «مركز ويلسون» الأمريكي للأبحاث حول سياسة «الحياد الإيجابي» السعودية.
نعرف أن «الحياد الإيجابي» استراتيجية اتبعها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في خمسينيات القرن الماضي في ذروة الصراع بين المعسكرين الغربي بقيادة أمريكا والشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي. هذه الاستراتيجية مكنت الدول العربية ودول العالم الثالث عموما من لعب دور فاعل على الساحة العالمية وعلى جني مكاسب من المعسكرين.
في السنوات القليلة الماضية أعادت السعودية إحياء سياسة «الحياد الإيجابي». وهذا ما يناقشه تحليل مركز ويلسون.
يقول التحليل إن سياسة الحياد الإيجابي التي تتبعها السعودية مكنتها من لعب دور محوري على الساحة العالمية وخصوصا فيما يتعلق بالجهود والمفاوضات حول إنهاء حرب أوكرانيا.
ويضيف التحليل أن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي استطاع
أن ينسج علاقات طيبة ناجحة مع الرئيس الروسي بوتين والرئيس الأمريكي ترامب، الأمر الذي أفسح المجال لنجاح هذه السياسة.
تجسد هذا النجاح مؤخرا، بحسب التحليل، في استضافة المفاوضات بين أمريكا وروسيا لبحث إنهاء حرب أوكرانيا، والتمهيد لقمة محتملة على أرض السعودية بين ترامب وبوتين.
يقول التحليل إن نجاح سياسة الحياد الإيجابي دفع بالأمير محمد بن سلمان إلى واجهة رجال الدولة البارزين في العالم، وأصحاب الرؤية والدور الكبير.
ويؤكد أن هذا النجاح لم يأت فجأة أو من فراغ، بل هو نتاج لسياسة مدروسة وجهود دؤوبة منذ سنوات. فمنذ اندلاع حرب أوكرانيا مثلا برز الأمير محمد بن سلمان كوسيط موثوق من كل الأطراف عبر المكالمات الهاتفية مع القادة، وعبر محادثات عدة مع قادة روسيا وأوكرانيا، والتواصل مع إدارة ترامب.
ويعتبر التحليل أن سياسة الحياد الإيجابي السعودية سوف تتعرض لاختبارات كثيرة في الفترة القادمة. على سبيل المثال ستكون العلاقات مع أمريكا موضع اختبار بناء على الموقف من غزة. معروف هنا موقف السعودية الرافض تماما لخطة ترامب بتهجير سكان غزة وبضرورة العمل فورا على إقامة الدولة الفلسطينية. ومعروف أن الدول العربية سوف تطرح عبر قمة القاهرة خطة عربية لإعادة إعمار غزة مع بقاء الفلسطينيين على أرضهم. يقول التحليل إن الكثير سوف يتوقف على الموقف الأمريكي من الخطة العربية من غزة، وبالتالي موقف السعودية. لكن حتى الآن تسير سياسة الحياد الإيجابي بنجاح.
بشكل عام يجب أن نسجل بالتقدير للقيادة السعودية إعادة إحياء سياسة الحياد الايجابي وتقديمها كاستراتيجية سعودية رسمية. وحقيقة الأمر أن هذه الاستراتيجية يجب أن تكون استراتيجية عربية عامة في التعامل مع القوى الكبرى والتطورات العالمية في السنوات القادمة، وقد سبق لنا أن دعونا إلى هذا في مقالات سابقة.
العالم يمر بتحولات هائلة غير مسبوقة. وموازين القوى في العالم تتغير بسرعة كبيرة، ويرتبط بهذا بالطبع صراع بين أيدولوجيات واستراتيجيات عالمية للقوى الكبرى.
كان الانقسام التقليدي الأساسي والصراع موجودا باستمرار بين الدول الغربية بزعامة أمريكا، وبين روسيا والصين من جانب آخر.
اليوم اضيف انقسام جديد وتحول جديد في موازين القوى في داخل المعسكر الغربي نفسه بين أمريكا والدول الأوروبية على ضوء مواقف وسياسات الرئيس الأمريكي ترامب التي تبدو خطوات نحو شق التحالف التاريخي القائم واتباع سياسات تستهدف الدول الأوروبية.
في ظل هذا الوضع العالمي ليس من مصلحة الدول العربية أن تنحاز إلى أي قوة بالكامل، ولا أن تعادي أو تخسر أي قوة لا من الغرب ولا من الشرق.
المصلحة العربية تقتضي هذا. تقتضي تحديدا اتباع هذه الاستراتيجية بالذات.. استراتيجية «الحياد الإيجابي».
وعبر هذه الاستراتيجية يمكن للدول العربية أن تلعب دورا مؤثرا فاعلا في تشكيل النظام العالمي الجديد بما من شأنه خدمة القضايا والمصالح العربية.
إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك