زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن الجهالة والضحالة
عملت لحين من الدهر مخرجا ومنتجا للبرامج التلفزيونية في السودان، وذات نهار وأنا في انتظار دوري لدخول غرفة التحكم، كان أحد الزملاء يقوم بتسجيل حلقة من برنامج مسابقات، ومضت نحو 15 دقيقة من دون أن يفتح الله على المشاركين في البرنامج بإجابة صحيحة، فنصحت زميلي المخرج بوقف التسجيل، ثم اصطحبت أربعة زملاء من موظفي محطة التلفزيون ليتم تقديمنا كفريق منافس في البرنامج، وبنهاية الحلقة فزت بجائزة مالية، وما كان من سبيل سوى أن أعلن امام الكاميرا التبرع بها لجمعية خيرية.
شاركت السيدة الأمريكية كاثي إيفانز في حلقة من البرنامج المشهور «من يريد أن يصبح مليونيرا» والذي اشترت شبكة ام بي سي حقوق بثه باسم «من سيربح المليون»، وكان ناجحا وشد الملايين، ورأينا فيه أمثلة على الغباء الوبائي من بعض المشاركين فيه.. وصنع البرنامج نجومية مقدمه جورج قرداحي، فطلعت في دماغه أنه صار «رمزا».. وكان ذلك في عصر ما قبل مهند التركي، وأنتج عطرا يحمل اسمه ثم انتهى به الأمر مقدما لبرنامج سخيف وممل يحمل اسم «القوة العاشرة» السخيف الذي يطرح أسئلة من نوع: كم نسبة النساء العرب اللواتي يتعشين بالفسيخ ليلة الزفاف؟ ثم صار وزيرا للإعلام في لبنان بضعة أيام، ثم طردته إم بي سي بالشلوت، وهكذا اختفى من الشاشات وقفاه «يقمر عيش».
كاثي إيفانز من ولاية آيداهو، أم لطفلين، وجلست على الكرسي أمام مقدم البرنامج، وكالعادة تكون الأسئلة الخمسة الأوائل سهلة للغاية من باب فتح شهية المتنافس.. سألها مقدم البرنامج: مستعدة؟ قالت: مستعدة ونص وخمسة.. وطرح عليها السؤال التالي: أيهما أكبر حجما: (أ) حبة الفول السوداني. (ب) الفيل. (ج) القمر. (د) الكمثرى؟.. شاهد الملايين كاثي وهي ترتعد: هذا سؤال فيه خدعة trick question وتصببت عرقا، وهمهمت: بالتأكيد سمعت ببعض هذه الأشياء، ولكن بصراحة لست واثقة من الإجابة.. وكما يعرف كل من يشاهد البرنامج، فإن المشترك لديه ثلاثة خيارات فقط طوال مدة المشاركة، وليس في كل سؤال، والخيارات هي: طلب حذف إجابتين حتى تسهل المفاضلة بين الإجابتين المتبقيتين، أو الاستعانة بصديق عبر الهاتف، أو استطلاع رأي الجمهور الموجود في الاستوديو.
طلبت كاثي شطب إجابتين، وبقي عليها ان تختار ما بين الفيل والقمر: أيهما أكبر.. فكرت وقدرت وشدت شعرها وقالت: الشطب لا يجعل الأمر أكثر سهولة، سأتصل بصديقتي بيتسي: ألو بيتسي أنا كاثي إيفانز ومزنوقة في سؤال صعب في مشوار ربح المليون، وأريد منك ان تفكري جيدا قبل تزويدي بالإجابة التي تعتقدين أنها صحيحة.. أيهما أكبر الفيل ام القمر.. أجابت بيتسي بدون تردد: طبعا القمر أكبر.. قاطعتها كاثي: يا حبيبتي فكري مرة أخرى.. كلامك هذا لا يبدو معقولا ومقبولا. وكاد نصف الحضور في الاستديو ان يصاب بنوبات قلبية عندما قررت كاثي رفض الإجابة التي جاءتها من بيتسي، متعللة بأن بيتسي ليست ذكية ومعلوماتها العامة مش ولابد. وبدون تردد طلبت من مقدم البرنامج عرض السؤال على الجمهور (يعني آخر خيار متاح لها وبعدها - وفي حال تمكنها من الحصول على الإجابة الصحيحة على هذا السؤال - عليها أن تجيب على بقية الأسئلة معتمدة على نفسها فقط.. وبنسبة 95% قال الجمهور إن القمر أكبر من الفيل ولكن كاثي التي ينبغي ان يكون اسمها كارثي (من الكارثة) قالت: الأغلبية ليست دائما على حق وعلى الإنسان أحيانا أن يستخدم حدسه وحاسته السادسة للحصول على أجوبة وحلول، وهكذا قالت إن الفيل أكبر من القمر، وصارت أول مشارك في البرنامج الذي تذيعه عشرون شبكة تلفزيونية بعشرين لغة ينسحب بعد السؤال الأول.
أمثال كاثي كثيرون. فقط تابع البرامج التلفزيونية التفاعلية التي تبثها الفضائيات العربية واستمع لمداخلات بعض أفراد الجمهور وستخجل «نيابة» عنهم. وربنا يمد في أيامنا لنشهد خلال شهر رمضان وما يبث فيه من برامج مسابقات، أسئلة من شاكلة: أين تقع دارفور؟ في إفريقيا.. إجابة صحيحة.. مبروك.. غسالة فل أوتوماتيك للملابس ومواعين المطبخ.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك