زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
جامعيون لم يجمعوا شيئا
قبل أن أحكي لكم تفاصيل حفل تخريج جامعيين في الأردن، أحكي لكم واقعة صغيرة تؤكد أن الدرجات الجامعية «أي كلام»!! فعقب انتهاء مراسيم حفل تخريج دفعتنا، قفزت ونططت حاملا شهادتي، وتلقيت التهاني من الأقارب والأصدقاء الذين شهدوا الحفل، ثم انتبهت إلى أن الشهادة ضاعت. سقطت مني وسط الموج البشري الذي كان موجودا في الميدان الكبير الذي أقيم فيه الحفل، ولم استخرج شهادة بديلة حتى الآن، ولم يحرمن ذلك من الحصول على وظائف هنا وهناك، مستخدما ورقة عادية تفيد بأنني حامل بكالوريوس من نوع ما.
وإليكم هذا الخبر نقلا عن قصاصة صحفية من أرشيفي: شهدت جامعة أردنية حفل تخريج دفعة من الأطباء، وتوجهت عائلة لحضور الحفل، لأن أحد أولادها كان ضمن الدفعة المتخرجة. وتهادى الخريجون في «أروابهم» الفضفاضة والزعابيط السخيفة على رؤوسهم، فرحين مصافحين مدير الجامعة وعميد الكلية وملوحين بأيديهم للأهل المحتشدين في القاعة.. وانتهى الحفل من دون أن ينادي عريف الحفل اسم «الولد» الذي جاءت تلك العائلة لتفرح بتخرجه. ولم يكن من سبيل سوى التوجه إلى المسؤولين في الجامعة لمعاتبتهم على التقصير الشنيع و«الكلفة» التي جعلتهم يهملون تقديم شهادة التخرج في كلية الطب لشاب قضى فيها ست سنوات. قال المسؤولون إنه ليس من الوارد أن يكونوا قد نسوا مناداة أحد الخريجين، ولكنهم من باب قطع الشك باليقين راجعوا الكشوفات وأكدوا للعائلة أن كل خريج من الكلية نال شهادته. لكن ولدنا ما أخذ الشهادة؟ شو اسمه ها الولد؟ اسمه فلان بن فلتكان. فتح المسؤولون مكاتبهم وراجعوا قوائم الأسماء ثم قالوا للعائلة الغاضبة: ولدكم هذا تم فصله من الكلية منذ خمس سنوات بسبب الغياب والرسوب المتكررين! مو معقول، فقد ظللنا ندفع له الرسوم الدراسية بانتظام وفوقها مصاريف «الجيب»، بل اشترينا له سيارة قبل ثلاث سنوات ليستخدمها في الانتقال من وإلى الجامعة. قالت إدارة الجامعة: ربنا يعوضكم وابحثوا عن فلوسكم لدى جهة أخرى.
عشرات بل مئات الطلاب العرب يعتبرون التعليم الجامعي فرض كفاية، فطالما هناك طلبة منضبطون ومجتهدون فلا تثريب عليهم إذا زوغوا واستهتروا بدروسهم واعتبروا المرحلة الجامعية مرحلة انفلات وصرمحة وصياعة. التقيت في عاصمة آسيوية شابا عربيا يملك سيارة خاصة ويستخدمها لتوصيل الطلاب من وإلى جامعاتهم نظير أجور معلومة. أرسله أهله للدراسة واشتروا له السيارة من باب «البرستيج». وعرفت ان ذلك الشاب يتلقى من أهله مصاريف الدراسة والإعاشة بانتظام، ولكن ولأنه صايع «عصامي» فقد قرر زيادة دخله الشهري بتأجير سيارته وقد يعود الى أهله يوما ما حاملا ماجستير في «التاكسي»، وقد لا يعود.
في سوق شبردس بوش في لندن شاهدت أكثر من مرة شابا سودانيا يبيع بضائع «أي كلام» لا تزيد قيمتها مجتمعة على 30 جنيها استرلينيا، وسألته ذات يوم: شنو جبرك على الشغلانة هذه؟ فقال بكل صراحة إن أهله أرسلوه إلى فرنسا للدراسة: والدراسة ما نفعت معي وبما أن فرنسا «غالية» فقد أتيت إلى بريطانيا، عشان ألقط شوية رزق ثم أروح إلى الولايات المتحدة.
آلاف الشبان العرب ذهبوا إلى دول الغرب للدراسة، وانتهى بهم الأمر يوزعون الوجبات السريعة من باب إلى باب. بعضهم اضطروا إلى ذلك بسبب قلة الحيلة ولكن الأكثرية فضلت الديسكو على «ديسك» الدراسة. وأتعجب كثيرا عندما أسمع أن فلانا فوجئ بأن ابنه مثلا قطع علاقته بالجامعة منذ سنوات وهو «ما عنده خبر» بذلك. الأمومة والأبوة لا تعني فقط توزيع الحنان والتدليل، بل قمة حب الأبناء والبنات ان نراقب أداءهم وسلوكهم في الدراسة وخارج البيت. والولد يصيع والبنت تضيع لغياب الحد المعقول من الضبط والربط التربوي. عندما كان أكبر أولادي يدرس في نيوزيلندا كان يعرف أنه لو جاب سيرة «عربية»، أي سيارة، فسأحرمه من الميراث. ومن دون أن يبلغني كان يعمل بعد انتهاء اليوم الدراسي في شركة كمبيوتر وجمع نحو 800 دولار أمريكي واشترى بها سيارة ولم أعلم بذلك إلا بعد أن تعرض لحادث كسرت فيه ساقه وبعدها علم معنى «ربنا على المفتري» ولم يكلف نفسه حتى عناء بيع سيارته الأثرية تلك لأنها كانت كشرة و«خردة».
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك