العدد : ١٧١٤٧ - الثلاثاء ٠٤ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٤٧ - الثلاثاء ٠٤ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ رمضان ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

جامعيون لم يجمعوا شيئا

قبل‭ ‬أن‭ ‬أحكي‭ ‬لكم‭ ‬تفاصيل‭ ‬حفل‭ ‬تخريج‭ ‬جامعيين‭ ‬في‭ ‬الأردن،‭ ‬أحكي‭ ‬لكم‭ ‬واقعة‭ ‬صغيرة‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الدرجات‭ ‬الجامعية‭ ‬‮«‬أي‭ ‬كلام‮»‬‭!! ‬فعقب‭ ‬انتهاء‭ ‬مراسيم‭ ‬حفل‭ ‬تخريج‭ ‬دفعتنا،‭ ‬قفزت‭ ‬ونططت‭ ‬حاملا‭ ‬شهادتي،‭ ‬وتلقيت‭ ‬التهاني‭ ‬من‭ ‬الأقارب‭ ‬والأصدقاء‭ ‬الذين‭ ‬شهدوا‭ ‬الحفل،‭ ‬ثم‭ ‬انتبهت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الشهادة‭ ‬ضاعت‭. ‬سقطت‭ ‬مني‭ ‬وسط‭ ‬الموج‭ ‬البشري‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬موجودا‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬أقيم‭ ‬فيه‭ ‬الحفل،‭ ‬ولم‭ ‬استخرج‭ ‬شهادة‭ ‬بديلة‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬ولم‭ ‬يحرمن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬وظائف‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬مستخدما‭ ‬ورقة‭ ‬عادية‭ ‬تفيد‭ ‬بأنني‭ ‬حامل‭ ‬بكالوريوس‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬ما‭.‬

وإليكم‭ ‬هذا‭ ‬الخبر‭ ‬نقلا‭ ‬عن‭ ‬قصاصة‭ ‬صحفية‭ ‬من‭ ‬أرشيفي‭: ‬شهدت‭ ‬جامعة‭ ‬أردنية‭ ‬حفل‭ ‬تخريج‭ ‬دفعة‭ ‬من‭ ‬الأطباء،‭ ‬وتوجهت‭ ‬عائلة‭ ‬لحضور‭ ‬الحفل،‭ ‬لأن‭ ‬أحد‭ ‬أولادها‭ ‬كان‭ ‬ضمن‭ ‬الدفعة‭ ‬المتخرجة‭. ‬وتهادى‭ ‬الخريجون‭ ‬في‭ ‬‮«‬أروابهم‮»‬‭ ‬الفضفاضة‭ ‬والزعابيط‭ ‬السخيفة‭ ‬على‭ ‬رؤوسهم،‭ ‬فرحين‭ ‬مصافحين‭ ‬مدير‭ ‬الجامعة‭ ‬وعميد‭ ‬الكلية‭ ‬وملوحين‭ ‬بأيديهم‭ ‬للأهل‭ ‬المحتشدين‭ ‬في‭ ‬القاعة‭.. ‬وانتهى‭ ‬الحفل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينادي‭ ‬عريف‭ ‬الحفل‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬الولد‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬جاءت‭ ‬تلك‭ ‬العائلة‭ ‬لتفرح‭ ‬بتخرجه‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬سبيل‭ ‬سوى‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬لمعاتبتهم‭ ‬على‭ ‬التقصير‭ ‬الشنيع‭ ‬و‮«‬الكلفة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬جعلتهم‭ ‬يهملون‭ ‬تقديم‭ ‬شهادة‭ ‬التخرج‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الطب‭ ‬لشاب‭ ‬قضى‭ ‬فيها‭ ‬ست‭ ‬سنوات‭. ‬قال‭ ‬المسؤولون‭ ‬إنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الوارد‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬قد‭ ‬نسوا‭ ‬مناداة‭ ‬أحد‭ ‬الخريجين،‭ ‬ولكنهم‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬قطع‭ ‬الشك‭ ‬باليقين‭ ‬راجعوا‭ ‬الكشوفات‭ ‬وأكدوا‭ ‬للعائلة‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬خريج‭ ‬من‭ ‬الكلية‭ ‬نال‭ ‬شهادته‭. ‬لكن‭ ‬ولدنا‭ ‬ما‭ ‬أخذ‭ ‬الشهادة؟‭ ‬شو‭ ‬اسمه‭ ‬ها‭ ‬الولد؟‭ ‬اسمه‭ ‬فلان‭ ‬بن‭ ‬فلتكان‭. ‬فتح‭ ‬المسؤولون‭ ‬مكاتبهم‭ ‬وراجعوا‭ ‬قوائم‭ ‬الأسماء‭ ‬ثم‭ ‬قالوا‭ ‬للعائلة‭ ‬الغاضبة‭: ‬ولدكم‭ ‬هذا‭ ‬تم‭ ‬فصله‭ ‬من‭ ‬الكلية‭ ‬منذ‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬بسبب‭ ‬الغياب‭ ‬والرسوب‭ ‬المتكررين‭! ‬مو‭ ‬معقول،‭ ‬فقد‭ ‬ظللنا‭ ‬ندفع‭ ‬له‭ ‬الرسوم‭ ‬الدراسية‭ ‬بانتظام‭ ‬وفوقها‭ ‬مصاريف‭ ‬‮«‬الجيب‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬اشترينا‭ ‬له‭ ‬سيارة‭ ‬قبل‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬ليستخدمها‭ ‬في‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬وإلى‭ ‬الجامعة‭. ‬قالت‭ ‬إدارة‭ ‬الجامعة‭: ‬ربنا‭ ‬يعوضكم‭ ‬وابحثوا‭ ‬عن‭ ‬فلوسكم‭ ‬لدى‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

عشرات‭ ‬بل‭ ‬مئات‭ ‬الطلاب‭ ‬العرب‭ ‬يعتبرون‭ ‬التعليم‭ ‬الجامعي‭ ‬فرض‭ ‬كفاية،‭ ‬فطالما‭ ‬هناك‭ ‬طلبة‭ ‬منضبطون‭ ‬ومجتهدون‭ ‬فلا‭ ‬تثريب‭ ‬عليهم‭ ‬إذا‭ ‬زوغوا‭ ‬واستهتروا‭ ‬بدروسهم‭ ‬واعتبروا‭ ‬المرحلة‭ ‬الجامعية‭ ‬مرحلة‭ ‬انفلات‭ ‬وصرمحة‭ ‬وصياعة‭. ‬التقيت‭ ‬في‭ ‬عاصمة‭ ‬آسيوية‭ ‬شابا‭ ‬عربيا‭ ‬يملك‭ ‬سيارة‭ ‬خاصة‭ ‬ويستخدمها‭ ‬لتوصيل‭ ‬الطلاب‭ ‬من‭ ‬وإلى‭ ‬جامعاتهم‭ ‬نظير‭ ‬أجور‭ ‬معلومة‭. ‬أرسله‭ ‬أهله‭ ‬للدراسة‭ ‬واشتروا‭ ‬له‭ ‬السيارة‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬‮«‬البرستيج‮»‬‭. ‬وعرفت‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬الشاب‭ ‬يتلقى‭ ‬من‭ ‬أهله‭ ‬مصاريف‭ ‬الدراسة‭ ‬والإعاشة‭ ‬بانتظام،‭ ‬ولكن‭ ‬ولأنه‭ ‬صايع‭ ‬‮«‬عصامي‮»‬‭ ‬فقد‭ ‬قرر‭ ‬زيادة‭ ‬دخله‭ ‬الشهري‭ ‬بتأجير‭ ‬سيارته‭ ‬وقد‭ ‬يعود‭ ‬الى‭ ‬أهله‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬حاملا‭ ‬ماجستير‭ ‬في‭ ‬‮«‬التاكسي‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يعود‭.‬

في‭ ‬سوق‭ ‬شبردس‭ ‬بوش‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬شاهدت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬شابا‭ ‬سودانيا‭ ‬يبيع‭ ‬بضائع‭ ‬‮«‬أي‭ ‬كلام‮»‬‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬قيمتها‭ ‬مجتمعة‭ ‬على‭ ‬30‭ ‬جنيها‭ ‬استرلينيا،‭ ‬وسألته‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭: ‬شنو‭ ‬جبرك‭ ‬على‭ ‬الشغلانة‭ ‬هذه؟‭ ‬فقال‭ ‬بكل‭ ‬صراحة‭ ‬إن‭ ‬أهله‭ ‬أرسلوه‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬للدراسة‭: ‬والدراسة‭ ‬ما‭ ‬نفعت‭ ‬معي‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬‮«‬غالية‮»‬‭ ‬فقد‭ ‬أتيت‭ ‬إلى‭ ‬بريطانيا،‭ ‬عشان‭ ‬ألقط‭ ‬شوية‭ ‬رزق‭ ‬ثم‭ ‬أروح‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

آلاف‭ ‬الشبان‭ ‬العرب‭ ‬ذهبوا‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬للدراسة،‭ ‬وانتهى‭ ‬بهم‭ ‬الأمر‭ ‬يوزعون‭ ‬الوجبات‭ ‬السريعة‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬إلى‭ ‬باب‭. ‬بعضهم‭ ‬اضطروا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬قلة‭ ‬الحيلة‭ ‬ولكن‭ ‬الأكثرية‭ ‬فضلت‭ ‬الديسكو‭ ‬على‭ ‬‮«‬ديسك‮»‬‭ ‬الدراسة‭. ‬وأتعجب‭ ‬كثيرا‭ ‬عندما‭ ‬أسمع‭ ‬أن‭ ‬فلانا‭ ‬فوجئ‭ ‬بأن‭ ‬ابنه‭ ‬مثلا‭ ‬قطع‭ ‬علاقته‭ ‬بالجامعة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬ما‭ ‬عنده‭ ‬خبر‮»‬‭ ‬بذلك‭. ‬الأمومة‭ ‬والأبوة‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬فقط‭ ‬توزيع‭ ‬الحنان‭ ‬والتدليل،‭ ‬بل‭ ‬قمة‭ ‬حب‭ ‬الأبناء‭ ‬والبنات‭ ‬ان‭ ‬نراقب‭ ‬أداءهم‭ ‬وسلوكهم‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬وخارج‭ ‬البيت‭. ‬والولد‭ ‬يصيع‭ ‬والبنت‭ ‬تضيع‭ ‬لغياب‭ ‬الحد‭ ‬المعقول‭ ‬من‭ ‬الضبط‭ ‬والربط‭ ‬التربوي‭. ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬أكبر‭ ‬أولادي‭ ‬يدرس‭ ‬في‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬جاب‭ ‬سيرة‭ ‬‮«‬عربية‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬سيارة،‭ ‬فسأحرمه‭ ‬من‭ ‬الميراث‭. ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يبلغني‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬اليوم‭ ‬الدراسي‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬كمبيوتر‭ ‬وجمع‭ ‬نحو‭ ‬800‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬واشترى‭ ‬بها‭ ‬سيارة‭ ‬ولم‭ ‬أعلم‭ ‬بذلك‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تعرض‭ ‬لحادث‭ ‬كسرت‭ ‬فيه‭ ‬ساقه‭ ‬وبعدها‭ ‬علم‭ ‬معنى‭ ‬‮«‬ربنا‭ ‬على‭ ‬المفتري‮»‬‭ ‬ولم‭ ‬يكلف‭ ‬نفسه‭ ‬حتى‭ ‬عناء‭ ‬بيع‭ ‬سيارته‭ ‬الأثرية‭ ‬تلك‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬كشرة‭ ‬و«خردة‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا