خلال الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب كثيرا ما كان يردد بأنه قادر على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية خلال 24 ساعة ولكن عند الانتقال إلى الواقع فإن هذا الكلام ليس حقيقيا لأن إنهاء مثل هذه الحرب التي غذاها حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أعقد بكثير في أن تحل في ظرف ساعة أو 24 ساعة فهذه معركة وجود تتصارع فيها الإرادات بين روسيا الاتحادية وحلف الناتو جميعا وما قدمته دوله من دعم للحرب ضد روسيا من مئات المليارات من الدولارات وأحدث الأسلحة التي أنتجتها المصانع العسكرية الغربية، إضافة إلى الدعم الذي لا يتوقف عند حد سياسيا وإعلاميا وفرض أكثر من 7000 عقوبة على روسيا.
إن مثل هذا الكلام عندما نضعه على طريق الواقع نكتشف أنه من الصعب تماما أن تحل هذه القضية بشكل سلمي من دون أمرين اثنين لابد منهما أولا وقبل كل شيء:
أولا: توقف حلف الناتو عن دعم الحرب في أوكرانيا وتحريض هذا البلد الجار لروسيا وشعبه على القتال إلى آخر جندي أوكراني مثلما قال أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي قبل عدة أشهر فمن دون وقف آلة الحرب ووقف تغذية الصراع بالوسائل القتالية الداعمة لن يتحقق السلام ومن الصعب الوصول إلى حل طالما أن دول الناتو مجتمعه تقاتل روسيا على الأرض الأوكرانية وفي منطقة كورسك الروسية وغير ذلك من المناطق الأخرى.
ثانيا: الأخذ بعين الاعتبار المصالح الروسية على الصعيد الأمني وهي تلك المصالح التي طالبت بها روسيا الاتحادية حتى قبل اندلاع هذه الحرب سبق أن أرسلتها إلى أوكرانيا وإلى الاتحاد الأوروبي والتي أساسها ومدارها حياد أوكرانيا وجعلها ساحة من دون أسلحة الدمار الشامل تهدد ربما روسيا وتقصف بالصواريخ الحدود الروسية وهو أمر ليس بالصعب أو المستحيل ومن سوء حظ الأوكرانيين أن قيادتهم قد استجابت لضغوط دول الناتو وخاصة بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية لرفض التوقيع على اتفاق السلام خلال المفاوضات التي احتضنتها تركيا في مارس 2022 قبل أن تتوسع الحرب وقبل حدوث هذه الخسائر الكبيرة التي ألحقت بأوكرانيا وجعلت من هذا البلد دولة معادية لروسيا وقاعدة لمحاربتها في سعي محموم لإلحاق هزيمة استراتيجية بها رغم استحالة إلحاق هزيمة بدولة عظمى مثل روسيا الاتحادية وما تملكه من أسلحة نووية رادعة.
ومما يؤكد هذه الحقيقة أن روسيا الاتحادية لم تتوقف يوما عن الاستعداد لإجراء مفاوضات أو حوار مع أوكرانيا على قاعدة اتفاقية إسطنبول التي وقع عليها الطرفان الروسي والأوكراني بالأحرف الأولى وكانت فقط بحاجة إلى تصديق وفي المقابل وبعد التراجع عن اتفاقية مينسك 2014 و2015 قام حلف شمال الأطلسي بتمويل أوكرانيا ومدها بالترسانة العسكرية القادرة على ضرب العمق الروسي في محاولة مستميتة لهزيمة روسيا.
وبالعودة إلى ما أشرنا إليه في بداية المقال حول رغبة ترامب في إنهاء هذه الحرب رغم أنها أصبحت مصدرا لاستنزاف القدرات المالية والعسكرية لا نجد خطة واضحة المعالم لإنهاء هذه الحرب لدى دول الناتو رغم أن الممثل الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أشار لروسيا وأوكرانيا في أكثر من مناسبة إلى ملامح التصور الأمريكي لإنهاء هذه الحرب يقوم على تجميد الصراع مؤقتا مع الإبقاء على الواقع، وفي إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد وقف إطلاق النار لضمان شرعية سياسية جديدة قادرة على التعاون مع موسكو وخاصة أن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي قد عبر عن رفضه التفاوض مع الرئيس الروسي في أكثر من مناسبة وعليه فإنه من السابق لأوانه الحديث عن مشروع كامل وواضح المعالم يمكن البدء به خلال الأيام القليلة القادمة إلا أنه من الواضح أن روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية مصرتان على وضع نهاية قريبة لهذه الحرب العبثية وعلى دول الناتو إما أن تقبل بالمشاركة في مفاوضات إنهاء الحرب وإلا سيتم الاتفاق على إنهاء الحرب بين روسيا وأمريكا من دونهم وخصوصا أن المفاوضات بين الجانبين قد قطعت شوطا طويلا وفي انتظار اللقاء المرتقب الذي سيجمع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالمملكة العربية السعودية وعلى دول الناتو أن تختار بين هذا وذاك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك