العدد : ١٧٢١٣ - الجمعة ٠٩ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١٣ - الجمعة ٠٩ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إنهاء الحرب في أوكرانيا بين الإصرار الأمريكي والتردد الغربي

بقلم: د. نبيل العسومي

الجمعة ٢٨ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

خلال‭ ‬الحملة‭ ‬الانتخابية‭ ‬للرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يردد‭ ‬بأنه‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬خلال‭ ‬24‭ ‬ساعة‭ ‬ولكن‭ ‬عند‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬ليس‭ ‬حقيقيا‭ ‬لأن‭ ‬إنهاء‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬غذاها‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أعقد‭ ‬بكثير‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬ساعة‭ ‬أو‭ ‬24‭ ‬ساعة‭ ‬فهذه‭ ‬معركة‭ ‬وجود‭ ‬تتصارع‭ ‬فيها‭ ‬الإرادات‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وحلف‭ ‬الناتو‭ ‬جميعا‭ ‬وما‭ ‬قدمته‭ ‬دوله‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬للحرب‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬مئات‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬وأحدث‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬أنتجتها‭ ‬المصانع‭ ‬العسكرية‭ ‬الغربية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الدعم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬حد‭ ‬سياسيا‭ ‬وإعلاميا‭ ‬وفرض‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬7000‭ ‬عقوبة‭ ‬على‭ ‬روسيا‭.‬

إن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬عندما‭ ‬نضعه‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الواقع‭ ‬نكتشف‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تماما‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬بشكل‭ ‬سلمي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أمرين‭ ‬اثنين‭ ‬لابد‭ ‬منهما‭ ‬أولا‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭:‬

أولا‭: ‬توقف‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وتحريض‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الجار‭ ‬لروسيا‭ ‬وشعبه‭ ‬على‭ ‬القتال‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬جندي‭ ‬أوكراني‭ ‬مثلما‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬فمن‭ ‬دون‭ ‬وقف‭ ‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬ووقف‭ ‬تغذية‭ ‬الصراع‭ ‬بالوسائل‭ ‬القتالية‭ ‬الداعمة‭ ‬لن‭ ‬يتحقق‭ ‬السلام‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬مجتمعه‭ ‬تقاتل‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وفي‭ ‬منطقة‭ ‬كورسك‭ ‬الروسية‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬الأخرى‭.‬

ثانيا‭: ‬الأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬المصالح‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الأمني‭ ‬وهي‭ ‬تلك‭ ‬المصالح‭ ‬التي‭ ‬طالبت‭ ‬بها‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬اندلاع‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬أرسلتها‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وإلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والتي‭ ‬أساسها‭ ‬ومدارها‭ ‬حياد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وجعلها‭ ‬ساحة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬تهدد‭ ‬ربما‭ ‬روسيا‭ ‬وتقصف‭ ‬بالصواريخ‭ ‬الحدود‭ ‬الروسية‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬ليس‭ ‬بالصعب‭ ‬أو‭ ‬المستحيل‭ ‬ومن‭ ‬سوء‭ ‬حظ‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬أن‭ ‬قيادتهم‭ ‬قد‭ ‬استجابت‭ ‬لضغوط‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬وخاصة‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لرفض‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬السلام‭ ‬خلال‭ ‬المفاوضات‭ ‬التي‭ ‬احتضنتها‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2022‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتوسع‭ ‬الحرب‭ ‬وقبل‭ ‬حدوث‭ ‬هذه‭ ‬الخسائر‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬ألحقت‭ ‬بأوكرانيا‭ ‬وجعلت‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬دولة‭ ‬معادية‭ ‬لروسيا‭ ‬وقاعدة‭ ‬لمحاربتها‭ ‬في‭ ‬سعي‭ ‬محموم‭ ‬لإلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬استراتيجية‭ ‬بها‭ ‬رغم‭ ‬استحالة‭ ‬إلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬بدولة‭ ‬عظمى‭ ‬مثل‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وما‭ ‬تملكه‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية‭ ‬رادعة‭.‬

ومما‭ ‬يؤكد‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬يوما‭ ‬عن‭ ‬الاستعداد‭ ‬لإجراء‭ ‬مفاوضات‭ ‬أو‭ ‬حوار‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬اتفاقية‭ ‬إسطنبول‭ ‬التي‭ ‬وقع‭ ‬عليها‭ ‬الطرفان‭ ‬الروسي‭ ‬والأوكراني‭ ‬بالأحرف‭ ‬الأولى‭ ‬وكانت‭ ‬فقط‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تصديق‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬وبعد‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬اتفاقية‭ ‬مينسك‭ ‬2014‭ ‬و2015‭ ‬قام‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬بتمويل‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ومدها‭ ‬بالترسانة‭ ‬العسكرية‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬ضرب‭ ‬العمق‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬مستميتة‭ ‬لهزيمة‭ ‬روسيا‭.‬

وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أشرنا‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬المقال‭ ‬حول‭ ‬رغبة‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬أصبحت‭ ‬مصدرا‭ ‬لاستنزاف‭ ‬القدرات‭ ‬المالية‭ ‬والعسكرية‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬خطة‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم‭ ‬لإنهاء‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬لدى‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الممثل‭ ‬الخاص‭ ‬للرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬قد‭ ‬أشار‭ ‬لروسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬إلى‭ ‬ملامح‭ ‬التصور‭ ‬الأمريكي‭ ‬لإنهاء‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬تجميد‭ ‬الصراع‭ ‬مؤقتا‭ ‬مع‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬الواقع،‭ ‬وفي‭ ‬إجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬رئاسية‭ ‬وبرلمانية‭ ‬بعد‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬لضمان‭ ‬شرعية‭ ‬سياسية‭ ‬جديدة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬موسكو‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬فلاديمير‭ ‬زيلينسكي‭ ‬قد‭ ‬عبر‭ ‬عن‭ ‬رفضه‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬وعليه‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬السابق‭ ‬لأوانه‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬كامل‭ ‬وواضح‭ ‬المعالم‭ ‬يمكن‭ ‬البدء‭ ‬به‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬القادمة‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬مصرتان‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬نهاية‭ ‬قريبة‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭ ‬العبثية‭ ‬وعلى‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تقبل‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬وإلا‭ ‬سيتم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬من‭ ‬دونهم‭ ‬وخصوصا‭ ‬أن‭ ‬المفاوضات‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬قد‭ ‬قطعت‭ ‬شوطا‭ ‬طويلا‭ ‬وفي‭ ‬انتظار‭ ‬اللقاء‭ ‬المرتقب‭ ‬الذي‭ ‬سيجمع‭ ‬بين‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬والرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬بالمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬وعلى‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬أن‭ ‬تختار‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا