يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره
ورطة أوروبا والدرس المتأخر
الدول الأوروبية تعيش حاليا ورطة تاريخية بكل معنى الكلمة. الورطة سببها مواقف وسياسات الرئيس الأمريكي ترامب.
مواقف وسياسات ترامب تجاه الدول الأوروبية أشبه بإعلان حرب على مستويات عدة، اقتصادية وسياسية واستراتيجية.
على الصعيد الاقتصادي أعلن ترامب عزمه فرض رسوم جمركية مرتفعة على السلع والمنتجات الأوروبية. المصادر الأوروبية قدرت أن الخسائر التي تتكبدها أوروبا نتيجة هذه الرسوم تتراوح بين 200 إلى 350 مليار دولار.
وعلى الصعيد العسكري أعاد ترامب تكرار موقفه المطالب لأوروبا بتحمل تكاليف حلف الناتو وزيادة مساهماتها بدرجة كبيرة مع التهديد باحتمال وقف التمويل الأمريكي.
الأخطر من هذا، والذي تعتبره أوروبا تهديدا استراتيجيا من جانب ترامب فيتعلق بتحولات موقفه من أوكرانيا وروسيا.
على نحو ما نتابع من تصريحات ومواقف، ترامب تخلى تقريبا عن أوكرانيا ويطالبها بدفع الأموال التي قدمتها لها أمريكا من مصادرها المعدنية الثمينة، وهدد بوقف أي مساعدات عسكرية، وتبنى بالكامل تقريبا الموقف الروسي من الحرب.
المسألة بالنسبة إلى الدول الأوروبية تتعدى أوكرانيا إذ تقوم عقيدتها الاستراتيجية على أن روسيا تمثل خطرا أمنيا أساسيا على أوروبا، وأنه إذا فرضت شروطها لإنهاء حرب أوكرانيا بمساعدة ترامب فإن خطرها سيتعدى أوكرانيا بكثير.
على ضوء مواقف وسياسات ترامب تجاه أوروبا على هذا النحو، هناك إجماع في أوروبا اليوم على أن أمريكا تخلت أو ستتخلى عن القارة، وأنه لم يعد من المكن الاعتماد على أمريكا وعلى التحالف معها لا عسكريا ولا أمنيا ولا اقتصاديا.
بعبارة أدق اكتشفت أوروبا فجأة أن عليها من الآن فصاعدا أن تستقل عن أمريكا وأن تعتمد على نفسها أمنيا وعسكريا واستراتيجيا.
لكن أزمة أوروبا الكبرى أنها ومنذ ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى اليوم اعتمدت على أمريكا في كل المجالات ولم تتوقع أن يأتي هذا اليوم الذي تتخلى فيه أمريكا عنها.
والورطة الكبرى أن الدول الأوروبية اليوم تعيش أسوأ أوضاعها في مختلف المجالات. اقتصادياتها منهارة وغارقة في الديون وهي متخلفة على مستوى التصنيع العسكري وفي مختلف المجالات مقارنة بالقوى الكبرى في العالم. وغير هذا تمزقها الخلافات بينها.
مجلة «ايكونوميست» البريطانية لخصت هذا الوضع الذي تواجهه أوروبا بالقول: «الأسبوع الماضي هو الأكثر قتامة في أوروبا منذ سقوط الستار الحديدي، فقد تم بيع أوكرانيا، وفي عهد دونالد ترامب لم يعد من الممكن الاعتماد على أمريكا لمساعدة أوروبا في زمن الحرب، والعواقب المترتبة على أمن أوروبا خطيرة لكن الشعوب لم تستوعب هذا بعد».
وعن حال أوروبا اليوم قالت المجلة: «أوروبا قارة مثقلة بالديون، تتقدم في السن، ولا تنمو إلا بصعوبة بالغة، ولا تستطيع الدفاع عن نفسها».
صحيفة «ديلي ميل» البريطانية من جانبها لخصت وضع أوروبا بالقول: «منذ منتصف حقبة الأربعينيات من القرن الماضي، تعتمد الديمقراطيات الأوروبية على أمريكا لضمان أمنها. ولكنْ يبدو من الآن فصاعدا، أنّ على هذه الدول أن تتعلم كيف تعتمد على نفسها».
إذن بعد كل هذه العقود وجدت أوروبا نفسها فجأة أمام درس قاس يجب أن تتعلمه فورا.. درس الاستقلال والاعتماد على النفس وبناء القوة الذاتية بعيدا عن أمريكا، بل وفي مواجهتها إن لزم الأمر.
معنى هذا أنه حتى لو شرعت أوروبا فورا في العمل على تحقيق هذا فإن الأمر سوف يتطلب سنوات طويلة جدا.
أوروبا أشبه اليوم بشخص ليس أمامه خيار سوى عبور النهر سباحة إلى الضفة الأخرى، ولكنه لم يتعلم العوم.
عموما نقول هذا الكلام عن الدرس المتأخر الذي تعلمته أوروبا، لأنه درس المفروض أن تتعلمه كثير من دول العالم، وفي مقدمتها الدول العربية.. درس الوحدة وبناء القوة الذاتية المستقلة.
إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك