يقول أحد الأصدقاء اعتدت أثناء سفري إلى أي دولة خليجية أن أرتدي ثوبي وغترتي وعقالي «الزي الوطني» انطلاقا من قناعتي بأنني أمثل بلدي وأنقل صورة جميلة عن اعتزازي بهويتي البحرينية والتي يعتبر الزي الرسمي جزءا من هذه الهوية، طبعاً ليس معناه أن من لا يلبس الزي التقليدي لا يعتز بهوية وطنه وليس لديه مشاعر تجاه بلده إطلاقاً، وإنما هي كما ذكر قناعته الشخصية وأسلوبه في التعبير عن اعتزازه وفخره بهويته البحرينية، وكل شخص لديه أسلوبه الخاص في تمثيل وطنه والاعتزاز والتفاخر به والأهم من ذلك كله هي المواطنة الصالحة وتمثيل الوطن بأجمل صورة في الداخل والخارج.
الهوية الوطنية لها عدة مظاهر أجلها حُب الوطن والولاء له ولقيادته والعمل على الدفع بعجلة التنمية في مختلف المجالات، والمواطنة الصالحة تعني أن يكون المواطن عضواً فاعلاً ومسؤولاً في مجتمعه يُدافع عن استقلال وطنه وسيادة أراضيه، وألا يسمح بانتهاك حريته أو الاعتداء عليها لفظاً أو فعلاً تحت أي مبرر كان، وحب الوطن فطرة في الإنسان، والدفاع عنه واجب شرعي ومحاربة خصومه حق، فلا معنى للحياة دون وطن ولا قيمة للوطن من دون أمن واستقرار ومواطنة صالحة، فلا يوجد أحد منا هذبه الإسلام وامتلأ وفاء وبقي على فطرة الله عز وجل إلا وهو يحمل في قلبه الحب لوطنه والخوف عليه وكان مشبعا قلبه بالاعتزاز والتفاخر به، كيف لا وهو مهد صباه ومدرج خطاه ومرتع طفولته وملجأ كهولته ومنبع ذكرياته وموطن أسلافه ومأوى أبنائه وأحفاده، يقول الإمام علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه: «عمرت الدنيا بحب الأوطان».
قديماً كان العرب يحملون معهم حفنة من تراب بلدهم يستشفون بها إذا مرضوا في سفرهم، وذكروا أن إسفنديارد اعتل في بعض غزواته، فقيل له: ما تشتهي؟ فقال: شمة من تربة بلخ (مدينة صغيرة في أفغانستان)، وشربة من ماء واديها.
معهد البحرين للتنمية السياسية عرف الهوية الوطنية بأنها: تعبير يطلق على ما يميّز مجموعة من الأفراد في دولة ما عن نظرائهم في دولة أخرى، بمعنى أن الهوية الوطنية تتضمن مجموعة من العناصر التي تجعل الأفراد يرتبطون مع بعضهم بعضاً وتجعلهم ينتمون إلى منطقة جغرافية معينة وتكون الهوية الوطنية في النهاية ارتباطاً بين الأفراد والأرض لتجعل الهوية تختلف من مكان لآخر.
وما يسهم في إحداث الاختلافات بين الهويات مجموعة من العناصر المشتركة التي تتضمن القيم والعادات والتقاليد والمصالح والاهتمامات بالإضافة إلى التاريخ المشترك وما يؤدي إلى تكوين الهوية الوطنية في دولة ما اجتماع هذه العناصر في رقعة جغرافية معينة بين مجموعة من الأفراد الذين أقاموا فيها بالتعايش السلمي فترة طويلة نسبيا من الزمن.
إن الهوية الوطنية في مجتمع ما لا تعني تماماً غياب هويات فرعية أصغر، ففي جميع مجتمعات العالم توجد هويات أصغر تميّز الأقليات أو الجماعات في المجتمع الأكبر الذي يجمع هذه الهويات في هوية وطنية عامة تستوعب الجميع. وفي مملكة البحرين التي يصنف مجتمعها بأنه مجتمع تعددي يضم مجموعة من الأعراق والطوائف التي لها خصوصياتها ولها هوياتها الفرعية، ولكن بالمقابل هناك هوية وطنية بحرينية جامعة.
لقد حرص حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، على الحفاظ على الهوية الوطنية والمبادئ الأصيلة والقيم النبيلة التي تميز المجتمع البحريني وكثيراً ما يؤكدها ويحث على إظهارها في جميع المحافل الرسمية سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية، ولعل أبرز الإنجازات التي تحققت في عهده الزاهر، تبني المشروع الاصلاحي الذي كانت أهم إنجازاته إقرار ميثاق العمل الوطني الذي يعد حجر الزاوية في ترسيخ الوحدة الوطنية بين كل فئات المجتمع البحريني، ثم تبني جلالته مبادئ التسامح والتعايش السلمي واحترام التنوع الثقافي والديني والفكري في المجتمع البحريني.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك