دياربكر، تركيا - (أ ف ب): يؤكد سليمان إيلجان أنّه ينتظر بفارغ الصبر رسالة الزعيم الكردي عبدالله أوجلان آملا أن تجلب السلام إلى تركيا، بعد عقود من النزاع، رغم أنّه غير واثق من إمكانية حدوث ذلك. جالسا بالقرب من موقد حطب في مقهى في ديار بكر، المدينة الكبرى في جنوب شرق تركيا ذي الغالبية الكردية، يقول عامل البناء البالغ من العمر 35 عاما لوكالة فرانس برس: «نحن متشوّقون لسماع الرسالة من آبو (العم، وهو لقب أوجلان في اللغة الكردية)، ليس بأذن واحدة بل بالاثنتين، ولكن من دون الكثير من الأمل».
ويضيف وهو يدخن سيجارة: «هذا صحيح، عملية (السلام) مجمّدة منذ فترة طويلة، بل إنّها تأتي متأخرة بعض الشيء... ولكننا نريد السلام وليس الحرب». ومن المتوقّع أنّ يُطلق الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان المعتقل من 15 فبراير 1999 «نداء تاريخيا» خلال الأسابيع المقبلة، يأمل العديدون أن يشكل مدخلا لحلّ ديمقراطي لـ«القضية الكردية». وفيما جهود السلام مجمدة منذ حوالي عقد، أطلق معسكر الرئيس التركي رجب طيب أردوجان مبادرة قام حليفه الرئيسي القومي دولت بهجلي بطرحها في أكتوبر على أوجلان المحكوم بالسجن مدى الحياة في جزيرة إمرالي قبالة سواحل اسطنبول.
ودعا بهجلي زعيم حزب العمال الكردستاني إلى نبذ العنف وحلّ حزبه المحظور والمصنّف منظمة «إرهابية»، لقاء الإفراج المبكر عنه. كذلك، سمحت الحكومة لنواب من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب التركي المناصر لقضايا الأكراد بلقاء أوجلان في مكان اعتقاله. ويواصل هذا الوفد نفسه تحرّكاته في هذا المجال، حيث سيتوجّه إلى شمال العراق الأحد للقاء زعماء أكراد العراق، في وقت يتحصن مقاتلو حزب العمال الكردستاني منذ أكثر من عقد في جبال العراق. ولكن التوجّس والقلق لا يزالان قائمين، إذ سبق أن خيمت آمال في تحقيق السلام سرعان ما تبددت، ولا سيما عند انهيار الهدنة التي تمّ التوصل إليها في عام 2015، ما أدى إلى تفجّر العنف في جنوب شرق البلاد.
يقول عباس شاهين الرئيس المشارك لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب في دياربكر إنّه «لا يمكن لأي حرب أن تستمر إلى الأبد»، مؤكدا أنّ «الإصرار على عدم التوصّل إلى حلّ لن يفيد أحدا»، معتبرا أنّ «أسوأ أنواع السلام أفضل من الحرب». ورغم أنّ تاريخ رسالة أوجلان المرتقبة لم يُحدد بعد، إلا أنّ الزعماء السياسيين الأكراد يقولون إنّها وشيكة ويؤكدون أنّها ستصدر قبل عيد النوروز (رأس السنة الكردية) في مارس. من جانبه، يؤكد زكي جليك الذي يدير ورشة لصناعة الأدوات الفضية أنّ رسائل أوجلان «تُستقبل دائما بحماس» في دياربكر، مضيفا: «ولكنها فرحة مريرة».
وفي السياق، يشير الرجل الستيني إلى «إقالة رؤساء بلديات منتخبين (من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب)، بينما تقوم الشرطة بمداهمات ويتم اعتقال صحفيين». ويقول إنّ «هناك جوا من عدم الثقة». وفي مارس الماضي، أُقيل ثمانية رؤساء بلديات ينتمون إلى حزب المساواة وديمقراطية الشعوب من مهامهم، واستبدلوا بموظفين إداريين عيّنتهم الحكومة. وتؤكد الرئيسة المشاركة لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب في دياربكر غولسن أوزير أنّ الصدمات السابقة لا تبعث على الثقة، موضحة أنّ تخطيها سيستغرق بعض الوقت. وتقول: «الأشخاص الذين فقدوا أبناءهم هم أكثر من يريدون السلام، لا يريدون أن يعيش آخرون الألم نفسه».
من جانبه، يشير سيدات يورطاس من مركز تيغر للأبحاث في دياربكر إلى أنّ هذه المرة تختلف عن المبادرات السابقة لأنّها تأتي من زعيم حزب قومي. بالنسبة إلى هذا الخبير، فإنّ الدولة لاحظت حجم التغييرات التي طرأت على الشرق الأوسط منذ هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 والذي تسبب باندلاع حرب مدمرة في قطاع غزة. ويقول إنّ حكومة أردوجان تراقب الحركة التي أدت إلى إسقاط حكم بشار الأسد في سوريا وإبعاد إيران عن الساحة. ويضيف: «نحن على أعتاب لحظة تاريخية»، مشيرا إلى أنّ «الدولة ترى أنّ هناك حاجة إلى حلّ دائم للقضية الكردية».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك