حين صدرت خطة التعافي الاقتصادي 2022 – 2026، التي تضع البحرين على طريق النمو المستدام، جاءت جزر حوار في أكثر من موضع، في الإسكان لتوسيع رقعة العمران، والإسهام في حل المشكلة الإسكانية، وفي السياحة مع استهداف أن يكون قطاع السياحة أحد أهم القطاعات التي تقود النمو الاقتصادي.
وبعد أن أنجزت المملكة، برغم ضيق مواردها، متأثرة بانخفاض أسعار النفط، إنشاء خمس مدن إسكانية جديدة هي مدينة (سلمان، وخليفة، وشرق سترة، وشرق الحد، وضاحية الرملي)، وما يخصها من بنية تحتية، بدأت تخطط لخمس مدن إسكانية أخرى تزيد مساحة المناطق التعميرية للمملكة بنسبة تفوق 60%، ومن بين هذه المناطق الجديدة؛ (فشت الجارم، وجزيرة سهيلة، وفشت العظم، وخليج البحرين، ومنطقة جزر حوار)، وفي مخطط الأخيرة، مشروع سياحي يضم فنادق ومنتجعات ومناطق متعددة الاستخدام، مع مراعاة طبيعة البيئة الخاصة بها، وتقسيم منطقة التطوير إلى أربع مناطق تشمل محميات طبيعية، ومنتجعات مطلة على الواجهة البحرية، ومساحات مفتوحة ومماشي.
ومن المعلوم أن جزر حوار هي أرخبيل مكون من 14 جزيرة صغيرة أكبرها جزيرة حوار، وهي الآن جزء من المحافظة الجنوبية، وتقع على بعد 20 كم جنوب البحرين، وتعد محمية شهيرة للحياة البرية، تبلغ مساحتها نحو 52 كم مربع، وغنية بأنواع من الحيوانات، مثل: المها الغربي، والغزلان الرملية، وفي البحر المحيط بها السلاحف البحرية، وأبقار البحر، وهي موطن للعديد من الطيور، كطيور البلشون الغربي، وطيور الغاق، والنورس، والصقور، والعقاب، والغطاس، وتعد أكبر تركيز معروف لتكاثر الطيور في العالم، ما يجعلها واحدًا من مواقع التراث العالمي.
وتجعل هذه القيمة البرية والبحرية جزر حوار «كنزًا اقتصاديًا»، يغري بالاستثمار، ويمثل فرصة فريدة لدفع النمو الاقتصادي خاصة من جهة السياحة، بعد أن ظلت هذه الجزر لفترة طويلة بعيدة عن تناول التنمية الاقتصادية؛ لكن مع تزايد اهتمامات القيادة البحرينية بالتنمية الشاملة المتوازنة بين جميع الأماكن في البحرين، جاء التركيز على تنميتها في خطة التعافي الاقتصادي، ووضعها على خريطة السياحة العالمية، كمكان لا مثيل له في مجال السياحة البيئية والترفيهية وسياحات الجزر واليخوت؛ ما يجعلها محل اهتمام سلاسل الفنادق العالمية، ويقتضي الأمر الاستثمار المحلي في تطوير البنية التحتية، وتحويل الأصول غير المستغلة إلى مصدر مهم من مصادر الاقتصاد الوطني، ومن المعلوم أن السياحة تجذب العديد من الأنشطة، كالتجارة، والنقل، والمواصلات، والخدمات المرتبطة بها، ما يجعلها توفر الآلاف من فرص العمل، وتحفز تطوير مشروعات أخرى، كمشروعات الرعاية الصحية، والخدمات التعليمية.
وبناء على عرض رئيس مجلس الوزراء، وبعد موافقة مجلس الوزراء، أصدر جلالة الملك «حمد بن عيسى آل خليفة»، المرسوم رقم 115 لسنة 2024 في ديسمبر الماضي، بإنشاء «الهيئة العليا لتطوير جزر حوار»، برئاسة سمو الشيخ «عبدالله بن حمد آل خليفة» رئيس المجلس الأعلى للبيئة و12 عضوًا؛ بهدف تحقيق تطوير شامل للجزر؛ بما يضمن خلق نموذج للسياحة المستدامة فيها، وكفالة الاستغلال الأمثل لها سياحيًا، وتباشر الهيئة مهامها في إطار السياسة العامة للمملكة وخطط التنمية فيها، وبالتعاون والتنسيق مع الجهات والهيئات واللجان العليا ذات الاختصاص والصلة بمهام الهيئة.
وقد أعطى المرسوم، للهيئة كافة الصلاحيات المؤهلة لتحقيق أهدافها، وأتاح لها اقتراح الاستراتيجية المتكاملة لاستغلال جزر حوار سياحيًا، وما يندرج تحتها من خطط رئيسية، وبرامج تنفيذية، وأنظمة وبرامج ترويجية، وهي مقيدة في نشاطها بعدم المساس بالثروة البحرية وحماية البيئة والحياة الفطرية، وأتاح أن يكون لها جهاز تنفيذي يحدد رئيس الهيئة اختصاصاته، وتستعين بمن تراه من ذوي الخبرة والاختصاص، كما تشكل من بينها ومع غيرها لجانا فرعية تعينها في أداء مهامها، ووجه المرسوم الجهات الحكومية المعنية، بتزويدها بما تطلبه من بيانات ومعلومات ودراسات لازمة لمباشرة مهامها، ويأتي إنشاء هذه الهيئة تطويرًا للمرسوم الملكي رقم 77 لسنة 2017 بإنشاء اللجنة العليا لتطوير جزر حوار.
وفي مجال البنية التحتية، المرتبطة بتطوير هذه الجزر، فتح «مجلس المناقصات»، في مايو الماضي، عطاءات شركات تتنافس على إجراء دراسة جدوى إنشاء جسر بحري، يربط بين جزيرة البحرين وجزر حوار، وتشرف على هذا المشروع وزارة الأشغال، والذي تضمن تعيين شركة استشارية مؤهلة ذات خبرة دولية واسعة في الأعمال المماثلة، إضافة إلى إعداد تصاميم أولية وتفصيلية للطرق والتقاطعات متعددة المستويات، والجسور البحرية في سياق مشروع الربط بين الجزيرتين، فيما يستغرق إعداد هذه الدراسة عاما ونصف العام، أي تنتهي بنهاية العام الحالي 2025.
وفي أغسطس الماضي، فتح مجلس المناقصات والمزايدات الحكومية، عطاءات مناقصة تهدف إلى بناء محطة جديدة لتحلية مياه البحر، باستخدام تقنية التناطح العكسي في جزيرة حوار، في إطار جهود هيئة الكهرباء والماء لتعزيز إمدادات المياه الصالحة للشرب، ومن المقرر أن تكون المحطة بقدرة إنتاجية تتراوح ما بين مليون ومليوني جالون يوميًا، وتضمن المشروع أيضًا تشييد خزانين أرضيين بسعة مليون جالون لكل منهما، بالإضافة إلى مضخات نقل المياه.
وفي منتدى «بوابة الخليج»، الذي نظمه «مجلس التنمية الاقتصادية»، في نوفمبر الماضي، أعلنت شركة «البحرين للاستثمار العقاري»، «إدامة» –الذراع العقاري لشركة ممتلكات البحرين القابضة – عن قرب افتتاح «منتجع حوار»، الذي يشكل مشروعًا سياحيًا رائدًا في جزر حوار، وإضافة مميزة للسياحة البيئية في المنطقة.
يقع المنتجع على الساحل الغربي لجزر حوار، وتحيط به محمية فريدة للحياة الفطرية، ويضم 104 غرف، وفلل فوق الماء وشاطئية، وخمسة مطاعم ومنشآت رياضية وترفيهية متعددة، وأكاديمية استكشاف، ويعكس رؤية المملكة الاستراتيجية لتعزيز أنشطة السياحة المستدامة، ويسلط الضوء على الحياة الفطرية التي تحافظ عليها للأجيال القادمة، ويجذب ذوي الاهتمام، بمشاهدة مجموعات متعددة من أشكال الحياة الفطرية النادرة، والنوعيات المهددة بالانقراض، ومراقبة الطيور وأسرابها المهاجرة.
وفي 28 ديسمبر الماضي، تم افتتاح هذا المشروع، كأول المشروعات الاستراتيجية التي يتم تنفيذها ضمن المخطط العام لجزر حوار، ويعد الأول من بين ثلاثة مشروعات قيد التطوير، تشرف عليها «الهيئة العليا لتطوير جزر حوار». ومن يناير العام الحالي، بدأ المنتجع يستقبل زواره والسياح، مقدمًا تجارب استثنائية تبرز تراث الجزيرة العريق، وتنوعها الحيوي الفريد.
وبافتتاح منتجع حوار، أصبح عدد الفنادق في المملكة 140 فندقا، في إطار الجهود المستمرة لتطوير القطاع السياحي بها، فيما بلغ عدد الغرف 24 ألف غرفة، ويعزز هذا المنتجع مكانة البحرين، كوجهة سياحية متميزة على مستوى المنطقة والعالم، ويعكس التزامها بتطوير البنية التحتية السياحية، والمشاريع السياحية الرائدة والفاخرة. ويأتي هذا المشروع ضمن استراتيجية المملكة لاستقطاب السياح الباحثين عن السياحة البيئية والترفيهية من جميع أنحاء العالم، كما يعزز جذب المواطنين والمقيمين للسياحة الداخلية، ويحول إنفاقهم الخارجي إلى إنفاق يعزز الاقتصاد الوطني، ويغري المستثمرين إلى إقامة مشروعات سياحية مماثلة، فيما يعزز تنافسية البحرين على خريطة السياحة العالمية.
علاوة على ذلك، يعد المشروع علامة بارزة في تنفيذ استراتيجية البحرين السياحية 2022 – 2026، التي تستهدف تعزيز دور القطاع السياحي في تنويع مصادر الدخل، وتوفير فرص العمل للمواطنين، وصولاً إلى 14.1 مليون زائر في 2026، ومتوسط إنفاق للزائر يوميًا 74.8 دينارا بحرينيا، ومتوسط ليالٍ سياحية 3.5 أيام، و11.4% نسبة مساهمة للسياحة في الناتج المحلي الإجمالي 2026، ويعزز إطلاق التأشيرة السياحية الخليجية الموحدة، جاذبية جزر حوار سواء للسياحة الخليجية البينية، أو السياحة الوافدة من خارج الإقليم. وقبل افتتاح منتجع حوار، كان يوجد بالجزر لاستقبال السياح والزائرين من داخل المملكة وخارجها عدد من الشاليهات والشقق المفروشة وفندق «تيوليب إن»، وهو الوحيد في الجزيرة ويصنف ضمن الفئة خمس نجوم، ويحتوي على عدد من المرافق السياحية، والانتقال إليها برحلة بحرية تستغرق نحو 45 دقيقة.
على العموم، في مسار التنمية البحرينية جاء خيار الاستثمار السياحي لجزر حوار، يحتل الأولوية، وجاءت البيئة محددًا لهذا الاستثمار، وهو ما يفسر إسناد رئاسة «الهيئة العليا لتطوير جزر حوار»، إلى رئيس «المجلس الأعلى للبيئة»، فالميزة التنافسية الكبرى التي تتمتع بها هذه الجزر في مجال السياحة، هي الحياة الفطرية التي يجب المحافظة عليها، لتجذب السياحة خلفها العديد من الأنشطة الاقتصادية، ما يعزز الوصول إلى الهدف الاستراتيجي لقطاع السياحة، بتخطي نسبة إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي 11% سنويًا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك