العدد : ١٧١٢٨ - الخميس ١٣ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٤ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٢٨ - الخميس ١٣ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٤ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

بـمناسـبـة يـوم الإذاعـة العالمي.. الراديو صوت الـزمـن الـذي لا يخفت

بقلم: نبيلة رجب

الخميس ١٣ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

كل‭ ‬صباح،‭ ‬وبين‭ ‬زحام‭ ‬الشوارع‭ ‬وحركة‭ ‬السير،‭ ‬ينبعث‭ ‬صوت‭ ‬الراديو‭ ‬كرفيق‭ ‬مألوف‭ ‬يعيد‭ ‬إلينا‭ ‬نبض‭ ‬الزمن‭ ‬الجميل‭. ‬وبرغم‭ ‬تطور‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬وظهور‭ ‬تقنيات‭ ‬حديثة‭ ‬تختصر‭ ‬المسافات،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬للراديو‭ ‬حضوره‭ ‬الخاص،‭ ‬صوت‭ ‬يعبر‭ ‬الأزمنة‭ ‬ويبعث‭ ‬فينا‭ ‬إحساسا‭ ‬بالألفة‭. ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬الحنين‭ ‬الى‭ ‬الماضي‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نبحث‭ ‬عنه،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬لأنه‭ ‬يحمل‭ ‬سحرا‭ ‬فريدا،‭ ‬بسيطا‭ ‬ولكنه‭ ‬عميق،‭ ‬يلامس‭ ‬أرواحنا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تعقيد‭.‬

لم‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬كونه‭ ‬وسيلة‭ ‬لبث‭ ‬الصوت‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬دائما‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬للأفراد‭ ‬والعائلات‭. ‬لعقود‭ ‬طويلة،‭ ‬كان‭ ‬الناس‭ ‬يجتمعون‭ ‬حوله‭ ‬للاستماع‭ ‬إلى‭ ‬الأخبار،‭ ‬أو‭ ‬متابعة‭ ‬البرامج‭ ‬الثقافية،‭ ‬أو‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بالموسيقى،‭ ‬وكان‭ ‬صوت‭ ‬المذيعين‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬دفء‭ ‬الألفة‭ ‬والتواصل‭ ‬المباشر‭. ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬وظهور‭ ‬التلفزيون‭ ‬ثم‭ ‬الإنترنت،‭ ‬ظن‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الوسيلة‭ ‬ستتراجع،‭ ‬لكنها‭ ‬أثبتت‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬والتكيف‭ ‬مع‭ ‬التغيرات،‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬الوسائل‭ ‬الأخرى‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬للراديو‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬امتلك‭ ‬قدرة‭ ‬فريدة‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬بين‭ ‬الحداثة‭ ‬وحفظ‭ ‬التراث،‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬يحتفظ‭ ‬بدوره‭ ‬الثقافي‭ ‬والحضاري‭ ‬عبر‭ ‬الأجيال‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برامجه‭. ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬مثلا،‭ ‬كان‭ ‬للإذاعة‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬توثيق‭ ‬التراث‭ ‬الشعبي‭ ‬عبر‭ ‬بث‭ ‬الأغاني‭ ‬التقليدية‭ ‬والحكايات‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬روح‭ ‬المجتمع،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعلها‭ ‬نافذة‭ ‬تربط‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬بإرثها‭ ‬الثقافي‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬دوره‭ ‬الثقافي‭ ‬والترفيهي،‭ ‬يبرز‭ ‬الراديو‭ ‬كوسيلة‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الأزمات‭ ‬والطوارئ‭. ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬تتعطل‭ ‬فيها‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الحديثة،‭ ‬مثل‭ ‬الإنترنت‭ ‬والهاتف‭ ‬المحمول،‭ ‬يظل‭ ‬الوسيلة‭ ‬الأكثر‭ ‬موثوقية‭ ‬لنقل‭ ‬المعلومات‭ ‬العاجلة‭ ‬والإرشادات‭ ‬الضرورية‭. ‬وذلك‭ ‬بفضل‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أوسع‭ ‬شريحة‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬النائية‭ ‬أو‭ ‬المتضررة،‭ ‬ليصبح‭ ‬شريان‭ ‬حياة‭ ‬حقيقيا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬انقطاع‭ ‬الاتصالات‭ ‬الحديثة‭.‬

خلال‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬والأزمات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬أثبت‭ ‬الراديو‭ ‬حضوره‭ ‬كأداة‭ ‬فعالة‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الأرواح‭. ‬فهو‭ ‬يحمل‭ ‬رسائل‭ ‬دقيقة‭ ‬حول‭ ‬الأحوال‭ ‬الجوية،‭ ‬وطرق‭ ‬الإجلاء،‭ ‬وأماكن‭ ‬الملاجئ،‭ ‬ويساعد‭ ‬السكان‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬بسرعة‭ ‬وفعالية‭. ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬الإنساني‭ ‬يبرز‭ ‬قيمته‭ ‬كوسيلة‭ ‬إعلامية‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬الترفيه،‭ ‬لتؤدي‭ ‬دورا‭ ‬رئيسيا‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬الجهود‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬الأزمات‭ ‬والاستجابة‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الشدة‭.‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬الراديو‭ ‬محصورًا‭ ‬في‭ ‬أجهزته‭ ‬التقليدية،‭ ‬بل‭ ‬تطور‭ ‬ليتكيف‭ ‬مع‭ ‬العصر‭ ‬الرقمي،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬متاحًا‭ ‬عبر‭ ‬التطبيقات‭ ‬الذكية‭ ‬ومنصات‭ ‬البث‭ ‬المباشر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬منح‭ ‬المستمعين‭ ‬حرية‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬محتواهم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬ومن‭ ‬أي‭ ‬مكان‭. ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬التحول،‭ ‬لم‭ ‬يفقد‭ ‬سحره،‭ ‬بل‭ ‬عزز‭ ‬حضوره‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الجمهور‭ ‬متلقيا‭ ‬سلبيا،‭ ‬بل‭ ‬مشاركا‭ ‬فاعلا‭ ‬عبر‭ ‬الرسائل‭ ‬والمكالمات‭ ‬المباشرة،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬العلاقة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬مستمعيه‭ ‬أكثر‭ ‬تفاعلية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭.‬

على‭ ‬المستوى‭ ‬المحلي،‭ ‬شهد‭ ‬قطاع‭ ‬الإذاعة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬تحديثات‭ ‬كبيرة،‭ ‬أبرزها‭ ‬إطلاق‭ ‬خدمة‭ ‬البث‭ ‬الرقمي‭ ‬الصوتي‭ (+‬DAB‭) ‬وتطوير‭ ‬الاستوديوهات‭ ‬بأحدث‭ ‬التقنيات،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مبادرات‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬لاستكشاف‭ ‬إمكانيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭.‬

ومع‭ ‬استمرار‭ ‬تطور‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يتكامل‭ ‬الراديو‭ ‬مع‭ ‬المساعدات‭ ‬الصوتية‭ ‬الذكية‭ ‬مثل‭ ‬Alexa‭ ‬وSiri،‭ ‬ليصبح‭ ‬جزءًا‭ ‬أساسيا‭ ‬من‭ ‬التجربة‭ ‬الرقمية‭ ‬الحديثة‭.‬

بصوته‭ ‬الصادق‭ ‬وأسلوبه‭ ‬القريب،‭ ‬سيظل‭ ‬الراديو‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتنا،‭ ‬يتجدد‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬ليحمل‭ ‬إلينا‭ ‬الدفء‭ ‬والذكريات‭ ‬والأمل‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭. ‬إنه‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬صوت‭ ‬في‭ ‬الأثير،‭ ‬بل‭ ‬تجربة‭ ‬إنسانية‭ ‬تتحدى‭ ‬الزمن،‭ ‬تثبت‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الوسائل‭ ‬البسيطة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬الأكثر‭ ‬تأثيرا‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭. ‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬صباح،‭ ‬يؤكد‭ ‬الراديو‭ ‬أن‭ ‬للكلمة‭ ‬المسموعة‭ ‬سحرا‭ ‬لا‭ ‬يزول،‭ ‬فهي‭ ‬تبقى‭ ‬خالدة،‭ ‬تلهمنا،‭ ‬تجمعنا،‭ ‬وتبني‭ ‬جسورا‭ ‬بين‭ ‬الأرواح‭ ‬رغم‭ ‬تعاقب‭ ‬الأزمنة‭.‬

 

rajabnabeela@gmail‭.‬com

 

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا