العدد : ١٧١٢٦ - الثلاثاء ١١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٢٦ - الثلاثاء ١١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مستقبل الوجود الروسي في سوريا

بقلم: عبدالهادي الخلاقي

الاثنين ١٠ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

روسيا‭ ‬تواصل‭ ‬مباحثاتها‭ ‬مع‭ ‬الإدارة‭ ‬السورية‭ ‬الجديدة‭ ‬بشأن‭ ‬مستقبل‭ ‬وجود‭ ‬قواعدها‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬طرطوس‭ ‬وحميميم،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إرسال‭ ‬وفد‭ ‬روسي‭ ‬رفيع‭ ‬المستوى‭ ‬زار‭ ‬دمشق‭ ‬قبل‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬والتقى‭ ‬الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬الجديد‭ ‬أحمد‭ ‬الشرع‭. ‬الوجود‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬بعد‭ ‬انتصار‭ ‬الثورة‭ ‬سيعتمد‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬عوامل،‭ ‬أبرزها‭ ‬التغيرات‭ ‬السياسية‭ ‬الداخلية،‭ ‬والمواقف‭ ‬الدولية،‭ ‬ومدى‭ ‬قدرة‭ ‬الحكومة‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬سيادتها،‭ ‬وإذا‭ ‬نجحت‭ ‬حكومة‭ ‬الشرع‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬استقرار‭ ‬سياسي‭ ‬واعتراف‭ ‬دولي،‭ ‬فقد‭ ‬تضغط‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬للانسحاب،‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬المفاوضات‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬وقّعها‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭.‬

في‭ ‬حال‭ ‬استمر‭ ‬وجود‭ ‬مصالح‭ ‬روسية‭ ‬سورية‭ ‬متبادلة‭ (‬عبر‭ ‬القواعد‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬طرطوس‭ ‬وحميميم‭)‬،‭ ‬فقد‭ ‬تسعى‭ ‬موسكو‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬نفوذها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اتفاقات‭ ‬جديدة‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬السورية‭ ‬الجديدة،‭ ‬وقد‭ ‬تلجأ‭ ‬إلى‭ ‬الاستعانة‭ ‬بحلفائها‭ ‬الإقليميين‭ ‬كوساطة‭ ‬للإبقاء‭ ‬على‭ ‬قواعدها‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬السواحل‭ ‬السورية‭ ‬وهذا‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬العملي‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬توازن‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

من‭ ‬خلال‭ ‬أولى‭ ‬زيارات‭ ‬الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬الجديد‭ ‬أحمد‭ ‬الشرع‭ ‬للمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ثم‭ ‬تركيا،‭ ‬بدأت‭ ‬ملامح‭ ‬علاقات‭ ‬سوريا‭ ‬الجديدة‭ ‬وتحالفاتها‭ ‬تظهر‭ ‬وتتبلور،‭ ‬وهذه‭ ‬العلاقات‭ ‬قد‭ ‬تضعف‭ ‬الدور‭ ‬الروسي‭ ‬أو‭ ‬تجبر‭ ‬موسكو‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬تنازلات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬لكن‭ ‬السؤال‭: ‬ماذا‭ ‬بإمكان‭ ‬روسيا‭ ‬أن‭ ‬تقدمه‭ ‬لسوريا‭ ‬الجديدة‭ ‬فكما‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬عزلة‭ ‬اقتصادية‭ ‬غربية‭ ‬بسبب‭ ‬حربها‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وسوريا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬اقتصادي‭ ‬لإعادة‭ ‬الإعمار‭ ‬وتمويل‭ ‬ميزانية‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها؟‭!‬

فرضية‭ ‬التعنت‭ ‬وحدوث‭ ‬مواجهة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬روسيا‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬قواعدها‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬أمر‭ ‬مُستبعد‭ ‬جداً‭ ‬فروسيا‭ ‬تمارس‭ ‬العقلانية‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬صفقة‭ ‬مُربحة‭ ‬للحكومة‭ ‬السورية‭ ‬الجديدة‭ ‬تستجيب‭ ‬لإرادة‭ ‬الشعب‭ ‬السوري،‭ ‬وتساعد‭ ‬على‭ ‬إنجاح‭ ‬قدرة‭ ‬سوريا‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬قوية‭ ‬ومستقلة‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬سيحد‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬البقاء‭.‬

بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬التي‭ ‬وقعها‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬2015‭ ‬والتي‭ ‬منحت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬روسيا‭ ‬وجوداً‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭ ‬في‭ ‬قاعدتي‭ ‬طرطوس‭ ‬وحميميم‭ ‬قد‭ ‬تُعد‭ ‬غير‭ ‬شرعية‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬تصنيف‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬شرعي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحكومة‭ ‬الجديدة،‭ ‬والخيارات‭ ‬المحتملة‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إلغاء‭ ‬الاتفاقيات،‭ ‬وقد‭ ‬يتم‭ ‬تعديل‭ ‬شروط‭ ‬الوجود‭ ‬الروسي‭ ‬بحيث‭ ‬يصبح‭ ‬محدوداً‭ ‬ومؤقتاً‭ ‬وذا‭ ‬جدوى‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬سوريا‭ ‬الجديدة‭ ‬مقابل‭ ‬مكاسب‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬علماً‭ ‬بأن‭ ‬الداعمين‭ ‬المحتملين‭ ‬لإعادة‭ ‬إعمار‭ ‬سوريا‭ ‬كالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬دعمهم‭ ‬مشروطا‭ ‬بتفكيك‭ ‬التحالف‭ ‬مع‭ ‬موسكو‭ ‬وهذا‭  ‬أمر‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬ويحدد‭ ‬معالم‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬خاصة‭  ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أوجه‭ ‬الدعم‭ ‬للحكومة‭ ‬السورية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬سخي‭ ‬لإعادة‭ ‬الإعمار‭ ‬وبناء‭ ‬الدولة‭ ‬الجديدة‭ ‬وبسط‭ ‬سيادتها‭ ‬على‭ ‬كامل‭ ‬أراضيها‭.‬

في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬قرار‭ ‬بقاء‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬رحيلها‭ ‬مرهون‭ ‬بيد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬داخلية‭ (‬الحكومة‭ ‬السورية‭ ‬وإرادة‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭) ‬وإقليمياً‭ ‬بحلفاء‭ ‬سوريا‭ ‬الجديدة،‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬حكومة‭ ‬أحمد‭ ‬الشرع‭ ‬غير‭ ‬مُلزمة‭ ‬قانونياً‭ ‬أو‭ ‬سياسياً‭ ‬بالإبقاء‭ ‬على‭ ‬القواعد‭ ‬الروسية،‭ ‬لكن‭ ‬المسألة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬داخل‭ ‬سوريا‭ ‬وخارجها‭ ‬لضمان‭ ‬الاستقلال‭ ‬الحقيقي‭ ‬وبناء‭ ‬دولة‭ ‬قوية‭ ‬واستقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬الأمرين‭ ‬طيلة‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭.‬

بعيداً‭ ‬عن‭ ‬روسيا‭ ‬والدور‭ ‬الأمريكي‭ ‬المحتمل‭ ‬هل‭ ‬سنرى‭ ‬التنين‭ ‬الصيني‭ ‬يسعى‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬لتعزيز‭ ‬حضوره‭ ‬بمنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬التي‭ ‬تراها‭ ‬جميع‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬أنها‭ ‬الكنز‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التفريط‭ ‬به؟؟

‭ ‬مما‭ ‬يبدو‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬فإن‭ ‬الصين‭ ‬لم‭ ‬تُظهر‭ ‬اهتماماً‭ ‬مباشراً‭ ‬بالحضور‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬لكنها‭ ‬تراقب‭ ‬التطورات‭ ‬من‭ ‬كثب‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬مستقبلي،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬خرجت‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬المشهد‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي‭. ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬الصين‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬نفوذ‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬كبديل‭ ‬لروسيا‭ ‬هذا‭ ‬أمر‭ ‬ليس‭ ‬بمستبعد‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬توجه‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬عبر‭ ‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق،‭ ‬وقد‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬فرصة‭ ‬استراتيجية‭ ‬بعد‭ ‬إعادة‭ ‬الإعمار،‭ ‬كما‭ ‬أن‭  ‬أي‭ ‬وجود‭ ‬صيني‭ (‬ولو‭ ‬رمزياً‭) ‬قد‭ ‬يساعد‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬مصالحها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬منافسة‭ ‬النفوذ‭ ‬الأمريكي‭ ‬عالمياً،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬نقطة‭ ‬استراتيجية‭ ‬لتوسيع‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬سعت‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬للتفرد‭ ‬بنفوذها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البقعة‭ ‬المهمة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬والتي‭ ‬تعد‭ ‬أهم‭ ‬مصدر‭ ‬للطاقة‭ ‬ونقطة‭ ‬الوصل‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا