روسيا تواصل مباحثاتها مع الإدارة السورية الجديدة بشأن مستقبل وجود قواعدها العسكرية في طرطوس وحميميم، من خلال إرسال وفد روسي رفيع المستوى زار دمشق قبل بضعة أيام والتقى الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع. الوجود الروسي في سوريا بعد انتصار الثورة سيعتمد على عدة عوامل، أبرزها التغيرات السياسية الداخلية، والمواقف الدولية، ومدى قدرة الحكومة الجديدة على فرض سيادتها، وإذا نجحت حكومة الشرع في تحقيق استقرار سياسي واعتراف دولي، فقد تضغط على روسيا للانسحاب، سواء عبر المفاوضات أو من خلال إعادة النظر في الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية التي وقّعها النظام السابق.
في حال استمر وجود مصالح روسية سورية متبادلة (عبر القواعد العسكرية في طرطوس وحميميم)، فقد تسعى موسكو إلى الحفاظ على نفوذها من خلال اتفاقات جديدة مع الحكومة السورية الجديدة، وقد تلجأ إلى الاستعانة بحلفائها الإقليميين كوساطة للإبقاء على قواعدها العسكرية في السواحل السورية وهذا قد يكون الأقرب إلى الواقع العملي كنوع من توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط.
من خلال أولى زيارات الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع للمملكة العربية السعودية ثم تركيا، بدأت ملامح علاقات سوريا الجديدة وتحالفاتها تظهر وتتبلور، وهذه العلاقات قد تضعف الدور الروسي أو تجبر موسكو على تقديم تنازلات سياسية واقتصادية للحفاظ على موطئ قدم لها في سوريا، لكن السؤال: ماذا بإمكان روسيا أن تقدمه لسوريا الجديدة فكما نعلم أن موسكو تعاني من عزلة اقتصادية غربية بسبب حربها مع أوكرانيا وسوريا اليوم في أشد الحاجة إلى دعم اقتصادي لإعادة الإعمار وتمويل ميزانية الدولة ومؤسساتها؟!
فرضية التعنت وحدوث مواجهة من جانب روسيا للحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا أمر مُستبعد جداً فروسيا تمارس العقلانية السياسية في التعامل مع مثل هذه القضايا وإذا لم يكن هناك صفقة مُربحة للحكومة السورية الجديدة تستجيب لإرادة الشعب السوري، وتساعد على إنجاح قدرة سوريا على بناء دولة قوية ومستقلة فإن ذلك سيحد من قدرة روسيا على البقاء.
بالنسبة إلى الاتفاقيات التي وقعها نظام الأسد 2015 والتي منحت من خلالها روسيا وجوداً طويل الأمد في قاعدتي طرطوس وحميميم قد تُعد غير شرعية إذا تم تصنيف نظام الأسد على أنه غير شرعي من قبل الحكومة الجديدة، والخيارات المحتملة أن يتم إلغاء الاتفاقيات، وقد يتم تعديل شروط الوجود الروسي بحيث يصبح محدوداً ومؤقتاً وذا جدوى بالنسبة إلى بناء سوريا الجديدة مقابل مكاسب سياسية واقتصادية، علماً بأن الداعمين المحتملين لإعادة إعمار سوريا كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بلا شك سوف يكون دعمهم مشروطا بتفكيك التحالف مع موسكو وهذا أمر قد يكون هو حجر الزاوية ويحدد معالم التعامل مع هذه القضية خاصة أنه قد يؤثر في جميع أوجه الدعم للحكومة السورية الجديدة التي تحتاج إلى دعم سخي لإعادة الإعمار وبناء الدولة الجديدة وبسط سيادتها على كامل أراضيها.
في نهاية المطاف قرار بقاء روسيا أو رحيلها مرهون بيد أكثر من جهة داخلية (الحكومة السورية وإرادة الشعب السوري) وإقليمياً بحلفاء سوريا الجديدة، مع ذلك فإن حكومة أحمد الشرع غير مُلزمة قانونياً أو سياسياً بالإبقاء على القواعد الروسية، لكن المسألة تعتمد على موازين القوى داخل سوريا وخارجها لضمان الاستقلال الحقيقي وبناء دولة قوية واستقرار المنطقة التي عانت الأمرين طيلة العقود الماضية.
بعيداً عن روسيا والدور الأمريكي المحتمل هل سنرى التنين الصيني يسعى للحصول على موطئ قدم في سوريا لتعزيز حضوره بمنطقة الشرق الأوسط التي تراها جميع القوى العظمى أنها الكنز الذي لا يمكن التفريط به؟؟
مما يبدو حتى الآن، فإن الصين لم تُظهر اهتماماً مباشراً بالحضور الواضح في سوريا، لكنها تراقب التطورات من كثب وقد يكون لها دور مستقبلي، خاصة إذا خرجت روسيا من المشهد بشكل نهائي. ولكن هل يمكن أن تسعى الصين للحصول على نفوذ في سوريا كبديل لروسيا هذا أمر ليس بمستبعد خاصة في ظل توجه الصين إلى الاستثمار في مشاريع البنية التحتية حول العالم عبر مبادرة الحزام والطريق، وقد ترى في سوريا فرصة استراتيجية بعد إعادة الإعمار، كما أن أي وجود صيني (ولو رمزياً) قد يساعد في تأمين مصالحها الاقتصادية في المنطقة، أضف إلى ذلك أن الصين تسعى إلى منافسة النفوذ الأمريكي عالمياً، ويمكن أن ترى في سوريا نقطة استراتيجية لتوسيع وجودها في منطقة الشرق الأوسط التي طالما سعت الإدارة الأمريكية للتفرد بنفوذها في هذه البقعة المهمة من العالم والتي تعد أهم مصدر للطاقة ونقطة الوصل بين الشرق والغرب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك