العدد : ١٧١٢٧ - الأربعاء ١٢ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٢٧ - الأربعاء ١٢ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ شعبان ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الخيال السياسي!

{ حين‭ ‬جلس‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬وهو‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬وبيده‭ ‬قلم‭ ‬،‭ ‬قال‭ ‬وهو‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يكتسب‭ ‬ملامح‭ ‬الأسى‭ ‬والجدية‭ ‬فيما‭ ‬يقوله‭: ‬‮«‬لنتصور‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الطاولة‭ ‬الكبيرة‭ ‬هي‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وهذا‭ ‬القلم‭ ‬هو‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬،‭ ‬سترون‭ ‬أن‭ ‬القلم‭ ‬صغير‭ ‬جداً‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مساحة‭ ‬الطاولة‭ ... ‬أليس‭ ‬كذلك‭ ... ‬إنه‭ ‬صغير‭ ‬جدا‭)! ‬ولكي‭ ‬يأخذ‭ ‬القلم‭ ‬حجما‭ ‬يريده‭ ‬ترامب‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تكبيره‭! ‬فهم‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬وفهم‭ ‬العرب‭ ‬وفهم‭ ‬العالم،‭ ‬ما‭ ‬يرمي‭ ‬إليه‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬أيضا‭ ‬قبل‭ ‬دخوله‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬بشهور‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬أرضه‭ ‬صغيرة‭ ‬جدا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬جيرانه‭) ‬ولذلك‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يتوسع‭ ‬طبعاً‭! ‬أمَّا‭ ‬كيف‭ ‬فمعروف‭ ‬لدى‭ ‬المستعمر‭! ‬

في‭ ‬قراءة‭ ‬لخط‭ ‬ولتوقيع‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬يستعرضه‭ ‬أمام‭ ‬الكاميرات،‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬يوقع‭ ‬على‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬قراراته‭ ‬أو‭ ‬فرماناته‭! ‬حلل‭ ‬خبراء‭ ‬الـ‮«‬غرافولوجي‮»‬‭ ‬النفسية،‭ ‬بأن‭ ‬توقيعه‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ (‬لديه‭ ‬طاقة‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬الهجوم‭ ‬والدفاع،‭ ‬عشق‭ ‬الذات،‭ ‬شرس،‭ ‬قلق،‭ ‬مغرور،‭ ‬يحب‭ ‬الزعامة‭) ‬باختصار‭ ‬هو‭ ‬نرجسي‭ ‬شديد‭ ‬النرجسية‭ ‬وبصيغة‭ ‬عدائية‭ ‬وشرسة،‭ ‬ويغلف‭ ‬قلقه‭ ‬الداخلي‭ ‬بالغرور‭ ‬والتباهي‭ ‬والتحدي‭! ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬الرئاسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬العقارات‭ ‬وبرامج‭ ‬ملكات‭ ‬الجمال‭!‬

{ ولكن‭ ‬ما‭ ‬تقوله‭ ‬تصرفاته‭ ‬تضيف‭ ‬إلى‭ ‬قراءة‭ ‬خطه‭ ‬وتوقيعه‭ ‬صفة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الجموح‭ ‬أو‭ ‬الجنون‭ ‬والخيال،‭ ‬ومعه‭ ‬بدأ‭ ‬العالم‭ ‬يُدخل‭ ‬في‭ ‬قاموسه‭ ‬الدولي‭ ‬مصطلحا‭ ‬جديدا‭ ‬هو‭ ‬الخيال‭ ‬السياسي‭ ‬خيال‭ ‬يتلاعب‭ ‬بالسياسة‭ ‬والزعامة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وبالدول‭ ‬وسيادتها‭ ‬وبالشعوب‭ ‬وأوطانها‭! ‬وبالرؤى‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والمبادئ‭ ‬والقوانين‭ ‬الدولية‭! ‬ليدخل‭ (‬مساحات‭ ‬الوهم‭ ‬والعالم‭ ‬المتخيل‭) ‬ليكون‭ ‬بديلا‭ ‬عن‭ ‬الحقائق‭ ‬الثابتة‭ ‬حول‭ ‬مفهوم‭ ‬الوطن‭ ‬والشعب‭ ‬تحديداً‭ ‬والفارق‭ ‬بينهما‭ ‬وبين‭ ‬أرض‭ ‬خالية‭ ‬يتم‭ ‬الاستيلاء‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬شراؤها‭ ‬للاستثمار‭ ‬التجاري‭! ‬وبهذا‭ ‬الخيال‭ ‬والوهم‭ ‬يقوم‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬المجنون‭ ‬أو‭ ‬الأخرق‭ ‬بإحداث‭ ‬صدمة‭ ‬على‭ ‬الوعي‭ ‬العالمي‭ ‬وفي‭ ‬محيطه‭ ‬سواء‭ ‬بكلامه‭ ‬أو‭ ‬تصرفاته‭!‬

{ هذا‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التصريحات‭ ‬الخيالية‭ ‬حول‭ ‬غزة‭ ‬وتهجير‭ ‬شعبها‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ليصنع‭ ‬على‭ ‬أرضها‭ ‬‮«‬ريفييرا‮»‬‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭! ‬ولعل‭ ‬صهاينة‭ ‬الكيان‭ ‬‮«‬المنتشون‭ ‬بتصريحات‭ ‬ترامب‮»‬‭ ‬وخياله‭ ‬الواسع‭ ‬وأوهامه،‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬داخلهم‭ ‬من‭ ‬يدعوهم‭ ‬إلى‭ ‬الصحو‭! ‬فها‭ ‬هو‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬الكيان‭ ‬الأسبق‭ ‬‮«‬إيهود‭ ‬باراك‮»‬‭ ‬يصف‭ ‬مقترح‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬بإعادة‭ ‬توطين‭ ‬مليوني‭ ‬فلسطيني‭ ‬يقيمون‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بـ«الخيال‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬أصبح‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬أصابتهم‭ ‬الدهشة‭ ‬خاصة‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬ترامب‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ستسيطر‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وليرحل‭ ‬الغزاويون‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬وألا‭ ‬يعودوا‭) ‬بل‭ ‬الصدمة‭ ‬أصابت‭ ‬حتى‭ ‬الديموقراطيين‭ ‬والجمهوريين‭ ‬داخل‭ ‬أمريكا‭!‬

{ كما‭ ‬أدخلت‭ ‬هوليوود‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬الخيال‭ ‬العلمي‮»‬‭ ‬ليصبح‭ ‬عنوانا‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬أفلامها،‭ ‬فإن‭ ‬ترامب‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬الفن‭ ‬والخيال‭ ‬الفني‭ ‬ومن‭ ‬العقارات‭ ‬إلى‭ ‬الخيال‭ ‬السياسي‭ ‬والوهم‭ (‬بطوفان‭ ‬لغوي‭) ‬كما‭ ‬أسماه‭ ‬أحد‭ ‬الصهاينة‭ ‬ردا‭ ‬على‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭! ‬ولكن‭ ‬سيناريو‭ ‬الخيال‭ ‬عند‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يرتق‭ ‬حتى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬أردأ‭ ‬السيناريوهات‭ ‬الفنية‭ ‬والدرامية‭ ‬وحتى‭ ‬الاستعراضية‭! ‬بل‭ ‬سيناريوهات‭ ‬التلاعب‭ ‬بالمفاهيم‭ ‬والحقائق،‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬الذي‭ ‬ينفي‭ ‬الواقع‭ ‬والتاريخ‭ ‬والحقائق‭ ‬والجغرافيا‭ ‬ومفاهيم‭ ‬الوطن‭ ‬وحق‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬وطنه،‭ ‬ليقول‭ ‬بروح‭ ‬البجاحة‭ ‬لدى‭ ‬تاجر‭ ‬العقارات‭: ‬‮«‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬أعجبتني‭ ‬وسآخذها‭! ‬وليرحل‭ ‬شعبها‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬وليعيشوا‭ ‬هناك‭ ‬حياة‭ ‬أجمل‮»‬‭! ‬وبذلك‭ ‬دمج‭ ‬بفهلوة‭ ‬‮«‬الحاوي‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬يستعرض‭ ‬ألاعيبه‭ ‬وسحره‭ ‬الوهمي‭ ‬بأخطر‭ ‬نظرية‭ ‬استعمارية‭ ‬استيطانية‭ ‬يصرح‭ ‬بها‭ ‬رئيس‭ ‬دولة‭ ‬عظمى،‭ ‬ليدخل‭ ‬معجم‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‭ ‬مصطلحا‭ ‬آخر‭ ‬جديدا‭ ‬هو‭ (‬الخيال‭ ‬الترامبي‭ ‬الاستعماري‭ ‬العقاري‭)! ‬فهو‭ ‬يحتل‭ ‬البلد‭ ‬ويطرد‭ ‬شعبه‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭!‬

{ حين‭ ‬يجتمع‭ ‬الجنون‭ ‬والوهم‭ ‬والخيال‭ ‬الشاطح‭ ‬عند‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬فبإمكان‭ ‬من‭ ‬يسمعه‭ ‬من‭ ‬العقلاء‭ ‬أن‭ ‬يضحكوا‭ ‬وينصرفوا‭ ‬بعدها‭ ‬ليقولوا‭: ‬هذا‭ ‬مجنون‭! ‬وكفى‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬حين‭ ‬تجتمع‭ ‬تلك‭ ‬الصفات‭ ‬لدى‭ ‬رئيس‭ ‬دولة‭ ‬تقع‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬قرارات‭ ‬التنفيذ‭ ‬والقوة،‭ ‬وسيرة‭ ‬طويلة‭ ‬للدولة‭ ‬التي‭ ‬يحكمها‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬والإبادة،‭ ‬فان‭ ‬ذلك‭ ‬يختلف‭! ‬وهو‭ ‬جنون‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التفرج‭ ‬عليه‭ ‬والانصراف‭ ‬عنه،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬يسوق‭ ‬الوهم‭ ‬ويسرح‭ ‬في‭ ‬الخيال‭! ‬وربما‭ ‬لهذا‭ ‬كانت‭ ‬ردة‭ ‬الفعل‭ ‬العربية‭ ‬والدولية‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬التصريحات‭ ‬‮«‬الخيالية‮»‬‭ ‬والواهمة،‭ ‬والخارجة‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬منطق‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الخيال‭!‬،‭ ‬وبتلك‭ ‬الآلية‭ ‬الرافضة‭ ‬عبر‭ ‬التصريحات‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬لأن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعبأ‭ ‬بما‭ ‬كان‭ ‬يقوله‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬خارج‭ ‬الرئاسة،‭ ‬أما‭ ‬وقد‭ ‬احتل‭ ‬مقعد‭ ‬الرئاسة‭ ‬والقرار‭ ‬والتنفيذ‭ ‬في‭ ‬أخطر‭ ‬وأقوى‭ ‬دولة،‭ ‬فإن‭ ‬إطلاق‭ ‬أي‭ ‬تصريح‭ ‬رئاسي‭ ‬يمثل‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬يرأسها‭! ‬دون‭ ‬الوقوف‭ ‬أمام‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬قابلة‭ ‬للتنفيذ‭ ‬من‭ ‬عدمه‭ ‬لأن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬أي‭ ‬مسافة‭ ‬سيقطعها‭ ‬الجنون‭ ‬أو‭ ‬الوهم‭ ‬أو‭ ‬الخيال‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تنفيذ‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬من‭ ‬تصريحات‭!‬

الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬وشعبها‭ ‬وكل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬لإنزال‭ ‬صاحب‭ ‬الخيال‭ ‬الفالت‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬الشجرة،‭ ‬حتى‭ ‬يأمن‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬نفسه‭! ‬أما‭ ‬غزّة‭ ‬فتشبث‭ ‬شعبها‭ ‬بأرضه‭ ‬ووطنه‭ ‬وتاريخه‭ ‬وأحلامه‭ ‬ونضاله‭ ‬كفيلة‭ ‬بأن‭ ‬ترد‭ ‬أي‭ ‬مجنون‭ ‬إلى‭ ‬عقله‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬شطح‭ ‬في‭ ‬الوهم‭ ‬والخيال‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا