العدد : ١٧٢١٣ - الجمعة ٠٩ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١٣ - الجمعة ٠٩ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

زوِّدوني بالمال وأنا أمارس النسف

ليس‭ ‬كل‭ ‬محطات‭ ‬التلفزة‭ ‬أو‭ ‬الصحف‭ ‬أو‭ ‬الإذاعات‭ ‬‮«‬وسائل‭ ‬إعلام‮»‬،‭ ‬فجِذْر‭ ‬كلمة‭ ‬إعلام‭ ‬هي‭ ‬الفعل‭ ‬الثلاثي‭ ‬‮«‬علم‮»‬،‭ ‬ومنها‭ ‬جاءت‭ ‬كلمة‭ ‬تعليم‭ ‬وإعلام‭ ‬بمعنى‭ ‬إبلاغ‭ ‬مقرون‭ ‬بالتعليم،‭ ‬وعندما‭ ‬تكرس‭ ‬أداة‭ ‬يفترض‭ ‬انها‭ ‬إعلامية‭ ‬إمكاناتها‭ ‬لنشر‭ ‬الكلام‭ ‬الفارغ‭ ‬والسخافات‭ ‬والتفاهات،‭ ‬فإنها‭ ‬تصبح‭ ‬أداة‭ ‬تجهيل‭ ‬وتضليل‭ ‬وإفساد‭.‬

دعوني‭ ‬أسألكم‭: ‬هل‭ ‬تذكرون‭ ‬تلك‭ ‬الواقعة؟‭ ‬بالتأكيد‭ ‬سمع‭ ‬معظمكم‭ ‬بها‭ ‬ثم‭ ‬نسيها،‭ ‬لأنها‭ ‬تتعلق‭ ‬ببلاوي‭ ‬المطربات،‭ ‬فطاقة‭ ‬العقل‭ ‬على‭ ‬التخزين‭ ‬محدودة،‭ ‬ولا‭ ‬يكاد‭ ‬يمر‭ ‬أسبوع‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬علينا‭ ‬ممثلة‭ ‬أو‭ ‬مطربة‭ ‬بصرعة‭ ‬أو‭ ‬تقليعة‭ (‬باللسان‭ ‬أو‭ ‬الهدوم‭) ‬تنسينا‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬غيرها،‭ ‬وأمري‭ ‬لله‭ ‬وسأعيد‭ ‬عليكم‭ ‬حكاية‭ ‬تناقلتها‭ ‬الصحف‭ ‬ومواقع‭ ‬الإنترنت‭ ‬قبل‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬ولكن‭ ‬الغضب‭ ‬الذي‭ ‬سببته‭ ‬لي‭ ‬مازال‭ ‬يشتعل‭ ‬في‭ ‬صدري‭. ‬إنها‭ ‬حكاية‭ ‬المذيع‭ ‬التلفزيوني‭ ‬الذي‭ ‬ركع‭ ‬‭ ‬وفي‭ ‬رواية‭ ‬أخرى‭ ‬‭ ‬سجد‭ ‬أمام‭ ‬مغنية‭ ‬كان‭ ‬يحاورها‭. ‬وكان‭ ‬التعبد‭ ‬في‭ ‬محراب‭ ‬قدمي‭ ‬الراقصة‭ ‬الشهية‭ ‬متلفزا‭ ‬وعلى‭ ‬الهواء‭ (‬والهوى‭ ‬مالوش‭ ‬دوا‭) ‬ورأيت‭ ‬على‭ ‬الانترنت‭ ‬كليبات‭ ‬لذلك‭ ‬المشهد‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬قمة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الانحطاط‭. ‬

أكره‭ ‬العبارات‭ ‬المعلبة‭. ‬فالمقصود‭ ‬هنا‭ ‬قاع‭ ‬الانحطاط‭.. ‬فبعض‭ ‬قنواتنا‭ ‬التلفزيونية‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬محطة‭ ‬لأنها‭ ‬‮«‬منحطة‮»‬،‭ ‬أخلاقيا‭ ‬ومهنيا‭. ‬يا‭ ‬جماعة‭: ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬ناقصون؟‭ ‬عندنا‭ ‬أصنام‭ ‬بالكوم‭ ‬والطن‭ ‬المتري‭ ‬يمارس‭ ‬أتباعهم‭ ‬تقديسهم‭ ‬بعبارات‭ ‬مبتذلة‭ ‬وتافهة‭. ‬ورائحة‭ ‬الفسيخ‭ ‬ذي‭ ‬الصلاحية‭ ‬المنتهية‭ ‬تفوح‭ ‬من‭ ‬معظم‭ ‬العواصم‭ ‬العربية،‭ ‬ولكن‭ ‬الإعلام‭ ‬يقول‭ ‬لنا‭: ‬هذه‭ ‬فانيليا‭ ‬بس‭ ‬أنتم‭ ‬تعانون‭ ‬من‭ ‬التهاب‭ ‬الجيوب‭ ‬الأنفية،‭ ‬ولهذا‭ ‬لا‭ ‬تميزون‭ ‬بين‭ ‬الرائحة‭ ‬الطيبة‭ ‬والخبيثة‭. ‬نشرب‭ ‬يوميا‭ ‬عصير‭ ‬كوكتيل‭ ‬من‭ ‬الفسيخ‭ ‬والمهياوة‭ (‬وهذه‭ ‬عصير‭ ‬سمك‭ ‬خليجي‭ ‬أتعس‭ ‬و«أَخس‮»‬‭ ‬رائحة‭ ‬من‭ ‬الفسيخ‭) ‬ولكن‭ ‬مطلوب‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬نتناوله‭ ‬باعتبار‭ ‬انه‭ ‬شربات‭. ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬كوم‭ ‬وأن‭ ‬يركع‭ ‬أو‭ ‬يسجد‭ ‬مذيع‭ ‬تلفزيوني‭ ‬بين‭ ‬ساقي‭ ‬مغنية‭ ‬متفوها‭ ‬بعبارات‭ ‬غزل‭ ‬مبتذلة‭ ‬كوم‭ ‬آخر‭. ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬العبارات‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬السوقة‭ ‬ومكانها‭ ‬مجمعات‭ ‬التسوق‭ ‬والشوارع‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭.. ‬كان‭ ‬بإمكان‭ ‬المذيع‭ ‬أن‭ ‬يعطيها‭ ‬رقم‭ ‬هاتفه‭ ‬الجوال،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يبعث‭ ‬إليها‭ ‬بـ«مسج‮»‬‭ ‬عبر‭ ‬الجوال‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭: ‬أنا‭ ‬بموت‭ ‬فيكي‭.. ‬يا‭ ‬سلام‭ ‬أنت‭ ‬صوت‭ ‬وصورة‭.. ‬سمع‭ ‬وشوف‭ (‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬أشير‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الفتاة‭ ‬تغني‭ ‬‭ ‬بعكس‭ ‬سائر‭ ‬البشر‭ ‬‭ ‬بصدرها‭ ‬وأردافها‭ ‬وهذا‭ ‬إنجاز‭ ‬فريد،‭ ‬ولا‭ ‬أفهم‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬صوت‭ ‬مصدره‭ ‬الأرداف‭ ‬يستحق‭ ‬الاستماع،‭ ‬ويستحق‭ ‬صاحبه‭ ‬أن‭ ‬يركع‭ ‬أمامه‭ ‬شخص‭ ‬ما،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬تلف‭ ‬مريع‭ ‬في‭ ‬حاسة‭ ‬الشم‭!).‬

ولا‭ ‬يجوز‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬سقطات‭ ‬بعض‭ ‬وسائل‭ ‬التجهيل‭ ‬والتضليل‭ ‬المتلفز‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ذكر‭ ‬مقدمة‭ ‬البرامج‭ ‬هالة‭ ‬سرحان،‭ ‬ولعلكم‭ ‬تذكرون‭ ‬أمر‭ ‬استئجارها‭ ‬لبنات‭ ‬ليزعمن‭ ‬أمام‭ ‬الكاميرا‭ ‬وعلى‭ ‬الشاشة‭ ‬أنهن‭ ‬عاهرات‭. ‬وبنت‭ ‬سرحان‭ ‬هذه‭ ‬كارثة‭ ‬طبيعية‭ ‬مثل‭ ‬الزلازل‭ ‬والبراكين‭. ‬والفارق‭ ‬بينهما‭ ‬أن‭ ‬البراكين‭ ‬تدمدم‭ ‬وتزمجر‭ ‬وتعطيك‭ ‬الإنذار‭ ‬المبكر،‭ ‬بينما‭ ‬هي‭ ‬تبتسم‭ ‬ابتسامة‭ ‬بلاستيكية‭. (‬على‭ ‬ذمة‭ ‬موسوعة‭ ‬ويكيبيديا‭ ‬فقد‭ ‬تزوجت‭ ‬هلول‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أربع‭ ‬مرات‭) ‬ولكن‭ ‬مفعول‭ ‬هالة‭ ‬والبراكين‭ ‬متشابه‭ ‬ومتطابق‭. ‬وقد‭ ‬ناشدت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬فاعلي‭ ‬الخير‭ ‬ان‭ ‬يتبرعوا‭ ‬بالملايين‭ ‬حتى‭ ‬نعطي‭ ‬السرحانية‭ ‬هذه‭ ‬راتبها‭ ‬مضروبا‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬مقابل‭ ‬تعهد‭ ‬منها‭ ‬بعدم‭ ‬الظهور‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬مرآة‭ ‬بيتها،‭ ‬والكف‭ ‬عن‭ ‬نوع‭ ‬الـ«سرحان‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬‮«‬داهية‭ ‬تودي‭ ‬ما‭ ‬تجيب‮»‬‭. ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يستجب‭ ‬أصحاب‭ ‬المال‭ ‬فلا‭ ‬حل‭ ‬سوى‭ ‬تشكيل‭ ‬حركة‭ ‬إرهابية‭ ‬سرية‭ ‬أكون‭ ‬أنا‭ ‬زعيمها،‭ ‬ويكون‭ ‬اسمي‭ ‬الحركي‭ ‬‮«‬عنترة‮»‬‭ ‬ونتولى‭ ‬نسف‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬قنوات‭ ‬الهلس‭ ‬إلى‭ ‬بيوتنا‭.. ‬ولأن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬يتطلب‭ ‬أيضا‭ ‬أموالا‭ ‬كثيرة،‭ ‬بإمكان‭ ‬حركتنا‭ ‬الإرهابية‭ ‬التخصص‭ ‬في‭ ‬سرقة‭ ‬الدشات‭ ‬من‭ ‬البيوت‭.. ‬لا،‭ ‬هذه‭ ‬فكرة‭ ‬غبية‭ ‬لأن‭ ‬الشرطة‭ ‬ستعتقل‭ ‬أعضاء‭ ‬التنظيم‭ ‬وهم‭ ‬يحملون‭ ‬الدشات‭ ‬المسروقة‭.. ‬نكتفي‭ ‬بفصل‭ ‬الدشات‭ ‬عن‭ ‬شبكات‭ ‬التلفزة‭ ‬وتوصيلها‭ ‬بشبكات‭ ‬المجاري،‭ ‬والمحصلة‭ ‬النهائية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬صاحب‭ ‬الدش‭ ‬هي،‭ ‬هي‭! ‬بل‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬تأتي‭ ‬به‭ ‬المجاري‭ ‬أقل‭ ‬ضررا‭ ‬بالصحة‭ ‬النفسية‭ ‬والعقلية،‭ ‬مما‭ ‬تأتي‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬الشبكات‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا