العدد : ١٧١٢٦ - الثلاثاء ١١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٢٦ - الثلاثاء ١١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ شعبان ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لا تعرضوني للخطر

يعاتبني‭ ‬بعض‭ ‬القراء‭ ‬لأنهم‭ ‬يرون‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أتفاعل‭ ‬مع‭ ‬الأحداث‭ ‬الساخنة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ويفوت‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬أن‭ ‬زاويتي‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬غائمة‮»‬‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬ان‭ ‬الرؤية‭ ‬عندي‭ ‬ضبابية،‭ ‬وهي‭ ‬ضبابية‭ ‬باختياري‭ ‬وكامل‭ ‬إرادتي،‭ ‬فحقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬هي‭ ‬أنني‭ ‬أكتب‭ ‬هذا‭ ‬العمود‭ ‬هربا‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭. ‬هربا‭ ‬من‭ ‬الهم‭ ‬والغم،‭ ‬ولأنني‭ - ‬بدون‭ ‬فخر‭ - ‬وكما‭ ‬اعترفت‭ ‬مرارا،‭ ‬جبان‭. ‬ولو‭ ‬كنت‭ ‬بريطانياً‭ ‬لنلت‭ ‬لقب‭ ‬فارس‭ ‬في‭ ‬الجبن،‭ ‬وصار‭ ‬اسمي‭ ‬‮«‬سير‭ ‬جافر‭ ‬ذا‭ ‬كوارد‮»‬‭. ‬وبما‭ ‬ان‭ ‬الشيء‭ ‬بالشيء‭ ‬يذكر،‭ ‬فإنني‭ ‬مازلت‭ ‬أتساءل‭ ‬علام‭ ‬أثار‭ ‬المسلمون‭ ‬ضجة‭ ‬لمنح‭ ‬الروائي‭ ‬سلمان‭ ‬رشدي‭ ‬مؤلف‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬آيات‭ ‬شيطانية‮»‬‭ ‬لقب‭ ‬سير‭/‬فارس؟‭ ‬ما‭ ‬قيمة‭ ‬هذا‭ ‬اللقب؟‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬عشرات‭ ‬التنابلة‭ ‬يحملون‭ ‬هذا‭ ‬اللقب‭. ‬

بعضهم‭ ‬خدم‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العجوز‭ ‬ونكَّل‭ ‬بأهل‭ ‬المستعمرات‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وآسيا‭ ‬وأشبعهم‭ ‬قتلا‭ ‬وتعذيبا،‭ ‬وبعضهم‭ ‬لأنهم‭ ‬قدموا‭ ‬أغنيات‭ ‬طرب‭ ‬لها‭ ‬البعض‭ ‬ولم‭ ‬يسمع‭ ‬بها‭ ‬ثلاثة‭ ‬أرباع‭ ‬بني‭ ‬البشر‭. ‬وبالمقابل‭ ‬هناك‭ ‬بريطانيون‭ ‬محترمون‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬السياسة‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب‭ ‬رفضوا‭ ‬ذلك‭ ‬اللقب‭ ‬وسائر‭ ‬الألقاب‭ ‬عديمة‭ ‬المعنى‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬توزيعها‭ ‬سنويا‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬أو‭ ‬تنتقل‭ ‬إلى‭ ‬الرجل‭ ‬أو‭ ‬المرأة‭ ‬بالوراثة‭. ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬رفض‭ ‬تلك‭ ‬الألقاب‭ ‬هو‭ ‬أنتوني‭ ‬ويدجوود‭ ‬بن‭ ‬الشهير‭ ‬بتوني‭ ‬بن،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬والده‭ ‬من‭ ‬النبلاء‭ ‬‮«‬فيسكونت‮»‬،‭ ‬ورفض‭ ‬حمل‭ ‬اللقب،‭ ‬وشغل‭ ‬مناصب‭ ‬وزارية‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬حكومات‭ ‬عمالية،‭ ‬وكان‭ ‬طوال‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬ضد‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬ويؤمن‭ ‬بأن‭ ‬العالم‭ ‬لن‭ ‬ينعم‭ ‬بالأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬والسلام‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تقليم‭ ‬أظافر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والأنظمة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭.. ‬ثم‭ ‬لماذا‭ ‬حصل‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬ملكة‭ ‬بريطانيا‭ ‬لأن‭ ‬رشدي‭ ‬سينال‭ ‬ذلك‭ ‬اللقب‭ ‬الأجوف؟‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬للملكة‭ ‬دخل‭ ‬بالترشيحات‭ ‬للألقاب،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬أستبعد‭ ‬أنها‭ ‬تحسب‭ ‬أن‭ ‬سلمان‭ ‬رشدي‭ ‬هذا‭ ‬صاحب‭ ‬أول‭ ‬مطعم‭ ‬كاري‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭.‬

تريدون‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬دارفور‭ ‬وغزة‭ ‬وبغداد‭ ‬والأنبار‭ ‬وقندهار‭ ‬وغوانتنامو؟‭ ‬أم‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬حرب‭ ‬السودان‭ ‬الحالية؟‭ ‬وكلمة‭ ‬يحسبها‭ ‬أحد‭ ‬أطراف‭ ‬الحرب‭ ‬‮«‬غلط‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تعرض‭ ‬أهلي‭ ‬للخطر،‭ ‬وتضعني‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬انتظار‭ ‬الخطر‭.  ‬حرام‭ ‬عليكم،‭ ‬ده‭ ‬أنا‭ ‬غلبان،‭ ‬ومسموح‭ ‬لي‭ ‬يوميا‭ ‬بمقال‭ ‬يتألف‭ ‬من‭ ‬نحو‭ ‬500‭ ‬كلمة‭ ‬فلماذا‭ ‬أمارس‭ ‬فيه‭ ‬تعذيب‭ ‬الذات‭ ‬والآخرين؟‭ ‬يشاطرني‭ ‬الرأي‭ ‬عدد‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬ولكن‭ ‬أعلاهم‭ ‬صوتا‭ ‬كان‭ ‬قارئا‭ ‬مصريا‭ ‬يقيم‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬بعث‭ ‬إلي‭ ‬بعدة‭ ‬رسائل‭ ‬تحنن‭ ‬قلب‭ ‬الكافر،‭ ‬يناشدني‭ ‬فيها‭ ‬ألا‭ ‬‮«‬أجيب‭ ‬سيرة‮»‬‭ ‬المناطق‭ ‬آنفة‭ ‬الذكر‭. ‬يعني‭ ‬هو‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أُهوِّب‭ ‬ناحية‮»‬‭ ‬مناطق‭ ‬‮«‬القضايا‭ ‬المصيرية‮»‬‭ ‬ولو‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬الشهر‭! ‬سأحاول‭ ‬يا‭ ‬صديقي،‭ ‬وخاصة‭ ‬أنني‭ ‬كما‭ ‬أسلفت‭ ‬جبان‭. ‬ولا‭ ‬أجد‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬الشجاعة‭ ‬لأقول‭ ‬رأيي‭ ‬الصريح‭ ‬حول‭ ‬تلك‭ ‬القضايا،‭ ‬لأنه‭ ‬رأي‭ ‬راديكالي،‭ ‬وبكل‭ ‬صدق‭ ‬أقول‭ ‬للمرة‭ ‬التريليون‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬قط‭ ‬أن‭ ‬كتبت‭ ‬في‭ ‬مطبوعة‭ ‬عربية‭ ‬مقالا‭ ‬بـ«مزاجي‮»‬،‭ ‬أقول‭ ‬فيه‭ ‬رأيي‭ ‬الصريح‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬قضية‭ ‬أتناولها،‭ ‬ويعتقد‭ ‬البعض‭ ‬أنني‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬تغطية‭ ‬‮«‬الشبكة‮»‬‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬السياسية،‭ ‬بينما‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬هي‭ ‬أنني‭ ‬أتنفس‭ ‬السياسة‭ ‬ليس‭ ‬بدواعي‭ ‬أكل‭ ‬العيش‭ ‬أو‭ ‬التبن‭ ‬لأنني‭ ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬بل‭ ‬لأنني‭ ‬أهتم‭ ‬شخصيا‭ ‬بمجريات‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬البلدان‭ ‬لإدراكي‭ ‬أن‭ ‬الكون‭ ‬مترابط،‭ ‬ولو‭ ‬حلف‭ ‬أحدكم‭ ‬بالطلاق‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬رأيي‭ ‬الصريح‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالعالم‭ ‬العربي،‭ ‬يمكنني‭ ‬ان‭ ‬ألخصه‭ ‬بكل‭ ‬حذر‭ ‬وجبن‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬لخبطة‭ ‬وخربطة‭ ‬الخريطة‭ ‬العربية‭ ‬لإلغاء‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬منها‭ ‬نهائيا‭ (‬ولا‭ ‬أقصد‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحدها‭) ‬وترك‭ ‬خمس‭ ‬أو‭ ‬ست‭ ‬دول‭ ‬فقط‭.. ‬بالكثير‭.. ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬سيشكل‭ ‬أيضا‭ ‬عبئا‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭.. ‬بس‭ ‬معليش‭.. ‬من‭ ‬باب‭ ‬مجاراة‭ ‬أنصار‭ ‬البيئة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬اعتراضهم‭ ‬لتعريض‭ ‬كائنات‭ ‬معينة‭ ‬للانقراض‭ ‬النهائي‭ ‬التام‭.. ‬ولا‭ ‬تزعلوا‭ ‬فحقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬هي‭ ‬أننا‭ ‬وفي‭ ‬الخريطة‭ ‬السياسية‭ ‬المعاصرة‭ ‬مجرد‭ ‬سامبل‭ (‬عينة‭) ‬ولهذا‭ ‬تحولنا‭ ‬الى‭ ‬فئران‭ ‬تجارب‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا