خلال حملته الرئاسية لعام 2024، أطلق دونالد ترامب، تهديدات عديدة ومتكررة بفرض تعريفات جمركية عالية على الواردات الأجنبية إلى بلاده. وفي حين حذر خبراء الاقتصاد، مثل جوزيف ستيجليتز، من جامعة كولومبيا، من أن فرض تعريفات جمركية باهظة -تصل إلى 100% في بعض الحالات- سيكون ضارًا للغاية، لكل من الاقتصاد الأمريكي والعالمي؛ أصر ترامب على أن مثل هذه التدابير العقابية ضد المنافسين الاقتصاديين، ستعزز المزايا الصناعية والتكنولوجية للولايات المتحدة، وتدافع عن الأمن الاقتصادي والقومي.
وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية الجديدة ركزت على فرض التعريفات الجمركية على الحلفاء والخصوم على حد سواء، فإن سياساتها لن تقتصر على هذه الآلية الاقتصادية وحدها. واستمرارا للاتجاه السائد خلال العِقدين الماضيين من الاستخدام الواسع لفرض عقوبات وضوابط بحق من يتحدون السياسات الخارجية الأمريكية؛ فمن المتوقع استعادة العقوبات الاقتصادية والسياسية والعقوبات المتعلقة بالسفر التي تستهدف الحكومات والمنظمات والأفراد وإضافتها خلال السنوات الأربع المقبلة.
وفي إشارة إلى تنامي، اعتماد واشنطن على العقوبات ضد منافسيها في السنوات القليلة الماضية، أوضح كريستوفر ساباتيني، من المعهد الملكي للشؤون الدولية، أن سياسة العقوبات التي تنتهجها إدارة ترامب الثانية، قد تكون أكثر تأثيرًا عن استخدامها للتعريفات الجمركية على الاقتصاد العالمي. وسجل مركز صوفان للدراسات الأمنية، كيف ستشكل العقوبات الاقتصادية أداة رئيسية لإدارته في تعزيز مصالح الولايات المتحدة، وحلفائها في الشرق الأوسط. ونظرًا إلى أن الأهداف المقصودة لهذه الإدارة تشمل كبار منتجي النفط الخام، فمن المتوقع أن تحمل سياسات واشنطن، تجاه التهديدات الاقتصادية والعقوبات، تأثيرًا كبيرًا على سوق الطاقة العالمية على المديين القصير والمتوسط.
علاوة على ذلك، أشار ساباتيني، إلى أن معظم اهتمام العالم بسياسات ترامب الاقتصادية -قبل وبعد تنصيبه للمرة الثانية- كان منصبا على شغفه المعلن بالرسوم الجمركية. وبالإضافة إلى معدل الرسوم الجمركية الأساسي البالغ 2.5%، والذي من المقرر أن يرتفع كل شهر، هدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك، وبنسبة 60% على السلع المستوردة من الصين، وبنسبة 100% على المركبات الكهربائية الواردة لأمريكا. كما كرر تهديداته بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على أعضاء (البريكس)، حال حاولوا استبدال الدولار الأمريكي كعملة أساسية للتجارة والمعاملات الدولية.
من جانبه، حذر ماركوس نولاند، وواريك ماكيبين، من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، من أن جميع البلدان المشاركة، في هذه التعريفات الجمركية المحتملة، ستعاني من أضرار. وعلى الرغم من استشهادهما بسمعة الجمهوريين في التعاملات التجارية، كأسباب للاعتقاد في عدم تنفيذ ترامب تهديداته؛ فإن عدم القدرة على التنبؤ بقيادته تعني أنه لا يمكن تجاهل بعض هذه التهديدات التي يتم تطبيقها على الأقل.
وعلى عكس التحليل الشامل لسياسات ترامب الجمركية، أشار ساباتيني، إلى أن إدارته الجديدة لم تفصح سوى عن القليل، بشأن نواياها المتعلقة باستخدام العقوبات. ومع ذلك، وبالنظر إلى نظام العقوبات الأمريكي الحالي، والتوجهات المعلنة للحكومة الجديدة، فقد يكون لهذا النهج تأثير كبير في تشكيل السياسة والاقتصاد والتحالفات الدولية، استنادًا إلى استخدام التعريفات الجمركية.
وبين عامي 2000و2021، تضاعف كم العقوبات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية وعلى السفر، التي فرضتها واشنطن، عشرة أضعاف من 912 إلى 9421. وخلال فترة ولايته الأولى بين عامي 2017 و2021، فرض ترامب، ما يربو على 5000 عقوبة منفصلة ضد الحكومات والمنظمات والأفراد الأجانب، بما في ذلك إعادة فرض القيود الاقتصادية والسفر على الإيرانيين غداة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. وفي السنوات الأربع التي تلت ذلك، أوضح جيف شتاين، وفيديريكا كوكو، في صحيفة واشنطن بوست، أن إدارة بايدن، أطلقت ما يزيد على 6000 عقوبة، ضد روسيا بعد حربها على أوكرانيا في فبراير 2022. ومع أن ترامب كان قد أرسى بالفعل آليات لإعادة فرض العقوبات على خصوم الولايات المتحدة -ومن بينهم المحكمة الجنائية الدولية- فإن نطاق هذه التدابير العقابية مرشح للتوسع ليشمل المزيد من الدول حول العالم.
وفيما يخص سوق الطاقة العالمية، تعهدت الولايات المتحدة، بتوسيع إنتاجها المحلي من النفط الخام والغاز الطبيعي بوتيرة سريعة، بالتزامن مع مطالبتها دول منظمة أوبك، بزيادة إنتاجها لخفض الأسعار العالمية. وأشارت كيت وينسون، من شركة ستاندرد آند بورز جلوبال كوموديتي إنسايتس، إلى أن هذه التصريحات السياسية تعكس بوضوح نوايا ترامب في تصعيد العقوبات المفروضة على روسيا، وإيران.
وفي حالة روسيا، بينما يسعى ترامب، لإنهاء حرب أوكرانيا عبر اتفاق دبلوماسي، أشار كيث جونسون، في مجلة فورين بوليسي، إلى أن الإدارة الأمريكية، أعربت عن استعدادها لتصعيد الضغط الاقتصادي على موسكو. ولتحقيق ذلك، فرضت عقوبات صارمة على كبرى شركاتها النفطية، إضافة إلى 183 ناقلة ضمن ما يُعرف بـأسطول الظل؛ ما ساهم في إبقاء سعر تصدير النفط الروسي عند حدود 60 دولارًا للبرميل، وهو المستوى الذي استهدفته هذه العقوبات. علاوة على ذلك، طُرحت إمكانية التهديد بفرض عقوبات على العديد من المصارف، والمصافي، والموانئ في دول، مثل الهند والصين، التي تستورد وتنقل صادرات النفط الروسية.
وفيما يتعلق بإيران، أشار ولي نصر، من جامعة جونز هوبكنز، إلى أنها تواجه عامًا حرجًا جدًا في ظل توقعات بعودة سياسة الضغوط القصوى، التي تعتمدها الولايات المتحدة لتعزيز هيمنتها الاقتصادية. وفي هذا السياق، أوضحت كيت وينسون، أن صادراتها من النفط تراجعت خلال إدارة ترامب السابقة إلى أقل من مليوني برميل يوميًا، وهو انخفاض كبير مقارنة بالمستوى الحالي الذي يبلغ 3.22 ملايين برميل يوميًا. وعليه، إذا تكرر فرض مزيد من الضغوط الاقتصادية؛ فقد أشارت راشيل زيمبا، من شركة هورايزون إنجيج، إلى أن المنتجين الإقليميين الآخرين، مثل دول مجلس التعاون الخليجي، سيكون عليهم زيادة الإنتاج قليلاً؛ لتعويض النقص الفعلي في توازن العرض والطلب.
بالإضافة إلى ذلك، يجب الإشارة إلى تأكيد ترامب، على ضرورة ربط تهديداته المتعلقة بفرض العقوبات وزيادة الرسوم الجمركية، بقضية تسعير النفط، لا سيما فيما يتعلق بكندا والمكسيك. وتعد كندا، من أكبر موردي النفط إلى الولايات المتحدة، حيث تصدر لها نحو 4 ملايين برميل يوميًا، إضافة إلى 730 ألف برميل تمر عبر الحدود الجنوبية من المكسيك. ومع ذلك، صرح ترامب بإمكانية فرض رسوم جمركية على النفط القادم من كندا والمكسيك قائلًا: قد نفعل ذلك أو لا نفعله، سنتخذ هذا القرار على الأرجح، وتابع: لم تكن المكسيك وكندا جيدتين معنا أبدًا في التجارة لقد عاملونا بشكل غير عادل للغاية في التجارة، وسنكون قادرين على تعويض ذلك بسرعة كبيرة لأننا لسنا بحاجة إلى المنتجات التي لديهم. وسيعتمد قراره على ما إذا كان السعر الذي يحدده الشريكان التجاريان للنفط عادلاً، رغم أن الأساس الفعلي للرسوم الجمركية التي هدد بفرضها يرتبط بجهود وقف الهجرة غير الشرعية، ومكافحة تهريب المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع الفنتانيل.
وتعيد الإدارة الأمريكية، طرح مسألة فاعلية العقوبات ضد منافسيها الجيوسياسيين، وخاصة في ظل تداعياتها الواسعة على مختلف جوانب الاقتصاد العالمي، وفي مقدمتها سوق الطاقة العالمية. ومع ذلك، يبقى مدى فاعلية هذه التدابير العقابية أمرًا غير واضح، وما إذا كانت ضارة لأهداف الولايات المتحدة الخارجية على المدى الطويل.
وأوضح ساباتيني، أن العقوبات غالبًا ما تُعتبر أداة للضغط الاقتصادي والدبلوماسي، وهو ما طبقه ترامب بنفس الطريقة ضد منافسي واشنطن. أما فيما يتعلق بفعاليتها، فقد أشار إلى أنه من الصعب تقييمها بشكل واضح، كما أنه من الصعب جدًا التراجع عنها، موضحا أن الدول التي تعرضت لتهديدات اقتصادية من أمريكا لعقود، مثل روسيا، والصين، وإيران، وكوريا الشمالية، وفنزويلا، لم تنجو من تلك التهديدات فحسب، بل عززت تعاونها اقتصاديا ودبلوماسيا، وفي بعض الحالات، عسكريا، لتجنب العقوبات وتطوير قنوات مالية وتجارية خاصة بها لحماية نفسها واستدامة اقتصاداتها. ويمكن رؤية دلائل ذلك في اتفاق الشراكة الاستراتيجية، الذي تم توقيعه بين موسكو وطهران في يناير 2025.
وبينما اعتبر نيكيتا سماجن، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن هذا الاتفاق ليس سوى لمحة بيروقراطية للوضع الراهن، فقد حذرت نيكول جرايوسكي، وأور رابينوويتز، من جامعة ستانفورد، ليس فقط من إمكانية التعاون الوثيق بين البلدين في مجال انتشار الأسلحة النووية الإيرانية، بل أيضًا من أن ذلك قد يحفز الدول ذات الرؤى المشتركة في جميع أنحاء العالم للاتحاد وراء استيائهم من القيادة العالمية للولايات المتحدة والانضمام إلى صفوفهما.
من جانبه، أشار بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي السابق في إدارة باراك أوباما، إلى العقلية السائدة بين صانعي السياسات في واشنطن، حيث إذا حدث شيء سيئ في أي بقعة في العالم، ستُفرض عقوبات على بعض المسؤولين عن ذلك، دون النظر إلى الأضرار الجانبية للعقوبات بنفس الطريقة التي نفكر بها في الأضرار الجانبية للحرب، بينما أشار كالب ماكاري، المسؤول السابق في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، ورئيس وزارة الخارجية بشأن سياسة كوبا خلال إدارة جورج بوش الابن، أن نهج الولايات المتحدة في استخدام العقوبات ضد خصومها أصبح مفرطًا جدًا، لدرجة أنه أصبح خارجًا عن السيطرة.
ومن جانب آخر، أشار ستيجليتز، إلى أنه من غير المعقول أن الدول الأخرى لن ترد على الرسوم الجمركية العالية التي فرضتها إدارة ترامب الثانية؛ حيث إنه من المتوقع أيضًا أن تتصاعد جهود الدول التي تخضع لقيود التصدير على النفط، مثل إيران وروسيا وفنزويلا، ليس فقط لتجنب الرقابة الأمريكية؛ لكن أيضًا لتوسيع شبكة عملائها وشركائها المحتملين. وفي حالة إيران، من المتوقع أن تؤدي العودة إلى حملة الضغوط القصوى من قبل ترامب إلى انخفاض صادراتها النفطية، ومن الواضح أن واشنطن، تتوقع من أعضاء أوبك ملء هذه الفجوة بزيادة إنتاجهم.
ومع ذلك، كما هو الحال مع شكوك المراقبين الغربيين بشأن قدرة الإرادة الجماعية للأعضاء على تلبية دعوة ترامب لزيادة مستويات الإنتاج لخفض الأسعار العالمية للنفط الخام؛ يظل من غير المعروف، كيف ستستجيب الدول الكبرى المنتجة للنفط لتأثيرات نظام العقوبات الأمريكي المتزايد عالميًا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك