أول بحرينية تحصل على شهادة البكالوريوس تخصص علاج طبيعي من جامعة 6 أكتوبر بالقاهرة..
بطلة قصة أم لطفل متوحد.. إيمان عبدالكريم شاكر لأخبار الخليج:
يقول الله تبارك وتعالى: «لقد خلقنا الإنسان في كبد»!
معنى الآية الكريمة واضح وصريح، وهو أن الإنسان سيعيش في ألم ومعاناة طوال حياته، لذلك حين تتعرض لأي ابتلاء تذكر دوما من هم أكثر منك بلاء، فيهون عليك كل شيء، وردد في نفسك بأنك تسمع في ضلوع الليل شقشقة البلابل والسنابل والصباح، وكن على إيمان بأن غدا ستلتئم كل الجروح. وهذا بالفعل ما كانت تفعله على أرض الواقع هذه المرأة البطلة، حين شاء لها القدر أن ترزق بأول طفل لها مصابا بطيف التوحد، فلم تتوقف طويلا لاستيعاب الصدمة وتقبل الامر، بل راحت تأخذ بيده هي وأسرتها، وكسرت كافة الحواجز وحطمت كل القيود أمامه، حتى عبرت به إلى بر الأمان لتسطر أجمل قصة إنسانية.
إيمان عبدالله شاكر، أول بحرينية تحصل على بكالوريوس تخصص علاج طبيعي من جامعة 6 أكتوبر بجمهورية مصر العربية، علمتها الحياة أنه لا يأس مع القوة والصبر، وأن الترابط الأسري هو الوسيلة الأولى لتخطي أي تجارب مؤلمة، وأنه مهما واجه الانسان من صعاب يجب أن يصر على تخطيها. لقد أثبتت تجربتها أن المرأة بفطرتها تحمل أرق قلب تحيطه بسياج قوي بفكرها وصلابة مواقفها، وأن الأثر الإيجابي الذي يمكن أن تحدثه يأتي من كيفية استخدامها لمجموعة من الصفات الفريدة للقيام بإنجازات مذهلة، وإنها إذا ضعفت أو انكسرت بعض الشيء فبإصرارها يمكنها أن تستعيد ذاتها وتلملم شتات أفكارها وتبني حطامها من جديد.
حول هذه التجربة النموذجية الإنسانية كان الحوار التالي:
حدثينا عن نشأتك؟
لقد كنت الابنة الكبرى والوحيدة ضمن أسرتي، وكنت متعددة المواهب خاصة في مجال الفن والرسم والأعمال اليدوية، وقد تعلمت من والدتي حب مساعدة الناس وخاصة المرضى، لذلك قررت دراسة العلاج الطبيعي الذي يتماشى مع ميولي، وكنت اول بحرينية تحصل على شهادة البكالوريوس في هذا المجال من جامعة 6 أكتوبر في القاهرة، وبعد التخرج عدت إلى وطني وقضيت عام الامتياز بمجمع السلمانية الطبي، وعملت لدى وزارة الصحة مدة 16 عاما، ثم تقاعدت اختياريا ضمن أول دفعة للتفرغ لرعاية أسرتي، خاصة ابني المريض بالتوحد، وذلك رغم شعوري بالرغبة في تقديم المزيد من العطاء، وقد ساعدني على اتخاذ هذه الخطوة عن رضا وقناعة ما مررت به من ظروف عائلية صعبة.
من أين مصدر قوتك؟
تجربة الدراسة في الخارج كانت ممتعة للغاية، وهي من صنع شخصيتي ويمكن القول بأنها علمتني الحياة ومنحتني القوة وكيفية مواجهة الناس والمجتمع، الأمر الذي أهلني للتعامل مع تجربتي الصعبة بكل تماسك وصلابة بعد اكتشاف إصابة ابني الأول بمرض طيف التوحد، علما بأنها الحالة الأولى من نوعها في العائلة.
كيف تعايشت مع هذه الصدمة؟
في البداية ومع ظهور أعراض المرض وأهمها عدم التواصل البصري او الاستجابة لنا، وعدم الكلام، وتفضيله للوحدة والانعزال، ثم تشخيصه عند عمر ثلاث سنوات شعرت بصدمة شديدة، لكني لم اسمح لنفسي بأن أتوقف عندها كثيرا، ولم تطل مرحلة الوصول الى تقبل الأمر، ولاحقا عمدت إلى إدماجه في المجتمع بعد ان كنت أخجل منه بعض الشيء، وقررت إلحاقه بالتعليم مثله مثل أي طفل سوي، وبالطبع كانت رحلة البحث عن المدرسة الملائمة صعبة للغاية.
أهم محطات تلك الرحلة؟
لا شك أن بداية الرحلة كانت صعبة إلى أن تم إلحاقه بمدرسة عالية لفترة قصيرة، ومن بعدها مدرسة حكومية وكان عمره عندئذ أربع سنوات، ثم إدماجه في مدرسة حوار الدولية وقد تخرج في الثانوية العامة العام الحالي وكنت قد وفرت له مرافقا خاصا حتى أصبح يعتمد على نفسه نهائيا خلال العامين الأخيرين، ويعد تخرجه هذا أهم إنجاز في حياتي، لتبدأ رحلة جديدة من الصفر مرة أخرى وهي مرحلة الجامعة.
هل كان يعاني من مشكلة من الناحية الأكاديمية؟
لا ولله الحمد، لم يكن لديه مشكلة من الناحية الأكاديمية وقد كان دور الاسرة هنا كبيرا وأساسيا فيما يتعلق بتحسن حالته والتخلص من الاعراض الصعبة التي كان يعاني منها في البداية، وبدعم الاهل استطاع ان يتجاوز معظم المشاكل والتحديات من خلال هذا الجهد الجماعي وقد حرصت على تنمية مواهبه خاصة في مجال الموسيقى والرسم، حتى نال عضوية منصة الابداع العربي بعد ان حصل على المركز الثالث في مسابقة مركز الطلبة الموهوبين عن مقطوعة موسيقية عن العيد الوطني البحريني وكان ذلك وقت كورونا.
ما الملكات الخاصة التي يتمتع بها؟
ابني يتمتع بالذكاء العالي والحفظ المبهر، وخاصة للمقطوعات الموسيقية فحين يستمع إليها ولو مرة واحدة يتمكن من عزفها بمنتهى البراعة، وقد وفرنا له مرسما وآلات موسيقية بالمنزل، وأصبح من المشاهير المشاركين في المناسبات الوطنية لدول مجلس التعاون أون لاين.
أصعب المراحل؟
أصعب المراحل التي مر بها كانت عند عمر ثلاث سنوات، وهي الفترة التي بدأنا فيها بتلقينه دروس التخاطب، فقد كان كثير الصراخ والبكاء، الأمر الذي أوقعني تحت ضغوط نفسية كبيرة إلى جانب مسؤوليات العمل ولكننا تخطينا جميعا تلك المرحلة بسلام من خلال تعاوننا، وعندما وصل الى الصف الرابع الابتدائي واجهنا صعوبة اخرى في البحث عن مدرسة مناسبة لمواصلة تعليمه، وأذكر ان طبيبته النفسية قالت لي جملة مؤلمة وقاسية مازالت ترن في أذني حتى اليوم وكانت سببا في قوة إصراري على تعليمه.
وما تلك الجملة؟
لقد قالت ذات يوم إنه يجب التوقف عن رحلته التعليمية لأنه لن يستطيع المواصلة، الأمر الذي أصابني باكتئاب وإحباط شديدين، ولكني سرعان ما قررت عدم التوقف عند رأيها بل كان لي حافزا قويا نحو عبور أي حواجز تحول بينه وبين التعليم، وخاصة أنه مر باختبارات اكاديمية عدة أكدت أنه لا يعاني من أي صعوبة تعلم، ثم قررت إلحاقه بمدرسة حوار الدولية عند عمر تسع سنوات، وبالطبع كان يعامل كحالة خاصة، وتبدلت شخصيته 180 درجة.
رسالتك اليوم إلى طبيبته؟
أقول لهذه الطبيبة إن رأيها هذا لا يتماشى مطلقا مع طبيعة مهنتها الإنسانية، وقد كان من الممكن أن أتأثر به واتوقف عن المحاولة والمواصلة، وفي نفس الوقت أتوجه إليها بالشكر فبقدر ما أحبطني كلامها بقدر ما حفزني على الأخذ بيده والإصرار على تعليمه والعبور به بسلام من أزمته.
كيف تم إدماجه في المجتمع؟
لقد سعيت بكل قوة إلى إدماجه في المجتمع ومشاركته في عدد من الجمعيات والورش لتدريبه على هواياته وتنميتها مثل الرسم والسباحة والموسيقى، وبرعاية. وهنا أقول لأي أم في مثل حالتي ألا تقارن ابنها المتوحد بأي طفل آخر، فكل متوحد يعتبر حالة خاصة لها تفاصيلها الدقيقة، فقط تقارنه بنفسه وبتطور حالته مع الوقت، حتى تتيقن من أنها تسير في المسار الصحيح، وبالطبع هو مشوار صعب للغاية، ولكنه يستحق الجهد المبذول، وهذا ما حدث في تجربتي الشخصية مع ابني محمد، الذي تعلمت الكثير من الأشياء.
ماذا تعلمت منه؟
تعلمت منه الصبر والقوة والمواجهة، فبعد أن كنت أخجل من حالته في البداية وأحرص على عدم الخروج به الى المجتمع أصبحت اليوم فخورة به، وهو من علمني التزام الصدق والشفافية في تعاملي مع الآخرين حتى عند نقل او توصيل مشاعري، فهو أصفى قلب ممكن أن أصادفه في حياتي، كما أنه يتمتع بالقدرة على معرفة وفهم الناس، وكم أنا سعيدة بحسابه على الانستجرام الذي يعرض فيه رسوماته ومقطوعاته الموسيقية والذي يتواصل عبره مع الآخرين.
انعكاس هذه التجربة على أسرتك؟
تجربة وجود طفل متوحد بأسرتي أثرت إيجابيا عليها ولله الحمد فلا شك أن مثل هذه الحالة قد تتسبب في تفكك بعض الأسر وانفصال الزوج عن الزوجة، ولكني وزوجي وابنائي توحدنا جميعا في سبيل رعاية واحتضان ابني، حتى إخوته تم تدريبهم على كيفية التعامل معه كحالة خاصة، واليوم أصبح أخوه سندا له رغم فارق العمر بينهما والذي يصل إلى ست سنوات.
ماذا ينقص مثل هذه الحالات في رأيك؟
أتمنى توفير احتياجات هذه الفئة من العلاج والتدريب والاحتضان من خلال إنشاء مراكز متخصصة متعددة لاحتوائها، فهناك عائلات لا تملك الإمكانيات المادية التي تمكنهم من توفير نظام غذائي وعلاجي خاص وفي كل المراحل العمرية، ولا يفوتني هنا توجيه الشكر إلى أستاذ سمير المسؤول عن منصة الابداع العربي، والذي أخذ بيد أبني ومنحه فرص المشاركة في المناسبات والفعاليات التي عبر من خلالها عن إبداعاته المتنوعة على مستوى البحرين والخليج.
طموحك القادم؟
اليوم سيبدأ ابني مشوارا جديدا وهو خوض تجربة الدراسة الجامعية، وهي مرحلة من عمره تختلف تماما عما سبق، وأتمنى أن يحقق حلمه في دراسة تخصص التصميم المرئي، ورغم ما قد يواجهه من صعوبات في سبيل ذلك فإنني على قناعة بأنه ليس هناك شيء مستحيل طالما توافرت الإرادة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك