العدد : ١٧١٢٠ - الأربعاء ٠٥ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٢٠ - الأربعاء ٠٥ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ شعبان ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

حتام نسابق الزمن

‭ ‬أحمد‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬مد‭ ‬في‭ ‬أيامي‭ ‬وصرت‭ ‬اسدد‭ ‬قيمة‭ ‬مشترياتي‭ ‬بتمرير‭ ‬هاتفي‭ ‬على‭ ‬جهاز‭ ‬قراءة‭ ‬البطاقات‭ ‬البنكية،‭ ‬أي‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬مضطرا‭ ‬حتى‭ ‬لإبراز‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬البطاقات،‭ ‬وسبحان‭ ‬الله،‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬قط‭ ‬أحمل‭ ‬محفظة‭ ‬نقود،‭ ‬لأسباب‭ ‬عديدة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬انني‭ ‬كنت‭ ‬أفضل‭ ‬حمل‭ ‬نقودي‭ ‬في‭ ‬جيب‭ ‬قميصي‭ ‬كي‭ ‬تدفئ‭ ‬قلبي،‭ ‬ولأنه‭ ‬حدث‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬أخرجت‭ ‬المحفظة‭ ‬في‭ ‬محل‭ ‬تجاري‭ ‬ودفعت‭ ‬المبلغ‭ ‬المطلوب‭ ‬ثم‭ ‬تركتها‭ ‬في‭ ‬المتجر،‭ ‬ولكن‭ ‬الحياة‭ ‬تعقدت‭ ‬باسم‭ ‬التطور،‭ ‬وأصبح‭ ‬شخص‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬دولارات‭ ‬مضطرا‭ ‬إلى‭ ‬حمل‭ ‬محفظة‭ ‬يحشر‭ ‬فيها‭ ‬مختلف‭ ‬البطاقات‭: ‬الشخصية‭ ‬ورخصة‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة‭ ‬والفيزا‭ ‬والماستر‭ ‬كارد‭ ‬وبطاقة‭ ‬العمل‭ ‬وبطاقة‭ ‬المستشفى‭ ‬وصورة‭ ‬جعفر‭ ‬عجرم،‭ ‬والكروت‭ ‬السخيفة‭ ‬التي‭ ‬نقدمها‭ ‬للآخرين‭ ‬ويقدمونها‭ ‬إلينا‭ ‬وعليها‭ ‬الأسماء‭ ‬والعناوين‭ ‬وأرقام‭ ‬الهواتف،‭ ‬لإثبات‭ ‬أننا‭ ‬أمة‭ ‬من‭ ‬المديرين‭ ‬والخبراء‭ ‬ورجال‭ ‬الأعمال‭. ‬أعرف‭ ‬صاحب‭ ‬كشك‭ ‬لبيع‭ ‬الشاي‭ ‬المعروف‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬بالـ‮«‬كرك‮»‬‭ ‬ويتم‭ ‬إعداده‭ ‬بغلي‭ ‬الحليب‭ ‬مع‭ ‬الشاي‭ ‬وكانت‭ ‬أمهاتنا‭ ‬يتقنّ‭ ‬صنعه،‭ ‬المهم‭ ‬أنه‭ ‬يحمل‭ ‬بطاقة‭ ‬كتب‭ ‬عليها‭ ‬اسمه‭ ‬ولقب‭ ‬‮«‬أعمال‭ ‬حرة‮»‬‭. (‬ما‭ ‬هو‭ ‬تعريف‭ ‬الأعمال‭ ‬الحرة؟‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬نشاط‭ ‬تجاري‭ ‬أو‭ ‬استثماري‭ ‬خاضع‭ ‬للعبودية؟‭) ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬ويفترض‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬النظرية‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬صارت‭ ‬سهلة‭ ‬بفضل‭ ‬المخترعات‭ ‬الكثيرة‭ ‬المتاحة،‭ ‬فقد‭ ‬اختفى‭ ‬الهاون‭ ‬أو‭ ‬كاد‭ ‬من‭ ‬المطابخ،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬إلا‭ ‬نادرا‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬يسحن‭ ‬أو‭ ‬يطحن‭ ‬البهارات‭ ‬بالهاون،‭ ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬نقطتين‭ ‬الليمون‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬آلة‭ ‬صغيرة‭ ‬لعصره،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يمنحنا‭ ‬الإحساس‭ ‬بالراحة،‭ ‬فقد‭ ‬صرنا‭ ‬اكثر‭ ‬لهاثا‭ ‬وتعبا‭ ‬نفسيا‭ ‬وجسديا،‭ ‬ويخيل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أكبر‭ ‬مشكلة‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬معظمنا‭ ‬هي‭ ‬عدم‭ ‬وفرة‭ ‬النقود،‭ ‬وكلما‭ ‬زادت‭ ‬رواتبنا‭ ‬ومواردنا‭ ‬المالية‭ ‬انفتحت‭ ‬أخاديد‭ ‬ومغارات‭ ‬لابتلاعها،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لان‭ ‬كماليات‭ ‬الأمس‭ ‬صارت‭ ‬ضروريات،‭ ‬بل‭ ‬لأننا‭ ‬صرنا‭ ‬عبيدا‭ ‬لشهوة‭ ‬التملك،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬‮«‬زيد‮»‬‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬سيارة‭ ‬بي‭ ‬إم‭ ‬دبليو‭ ‬لأنه‭ ‬وارث‭ ‬وغني‭ ‬ولديه‭ ‬فلوس‭ ‬بالهبل،‭ ‬فإن‭ ‬الأهبل‭ ‬الذي‭ ‬يعرف‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬‮«‬زيد‮»‬،‭ ‬يحاول‭ ‬مجاراته‭ ‬ويشتري‭ ‬نفس‭ ‬السيارة‭ ‬ولو‭ ‬اضطر‭ ‬الى‭ ‬العيش‭ ‬على‭ ‬سندويتشات‭ ‬الفول‭ ‬والفلافل‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬حتى‭ ‬يصاب‭ ‬بالإمساك‭ ‬والبواسير‭ ‬والتهاب‭ ‬القولون‭ ‬والإسهال،‭ ‬وحتى‭ ‬تسكن‭ ‬العناكب‭ ‬جيبه‭ ‬لانعدام‭ ‬حركة‭ ‬الصادر‭ ‬والوارد‭ ‬إليه‭ ‬ومنه‭!! ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬يتقاضى‭ ‬راتبا‭ ‬يبلغ‭ ‬نحو‭ ‬3‭ ‬آلاف‭ ‬دولار‭ ‬شهريا‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬الأثرياء،‭ ‬ولكن‭ ‬نفس‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬ارتفع‭ ‬راتبه‭ ‬الشهري‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬أربعة‭ ‬آلاف‭ ‬دولار‭ ‬لا‭ ‬يكف‭ ‬عن‭ ‬الشكوى‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬موارده‭ ‬المالية‭. ‬والمصيبة‭ ‬هي‭ ‬أننا‭ ‬صرنا‭ ‬مقلدين،‭ ‬فطقم‭ ‬الكراسي‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬‮«‬البالوعة‭ ‬والبنت‭ ‬الدلوعة‮»‬‭ ‬يصبح‭ ‬اقتناؤه‭ ‬فرض‭ ‬عين‭ ‬لأنه‭ ‬‮«‬يجنن‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬فائدة‭ ‬من‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬سعره‭ ‬هو‭ ‬‮«‬اللي‭ ‬يجنن‮»‬،‭ ‬وإن‭ ‬الجماعة‭ ‬في‭ ‬المسلسل‭ ‬استأجروه‭ ‬من‭ ‬معرض‭ ‬مفروشات‭.. ‬والفستان‭ ‬الذي‭ ‬ظهرت‭ ‬به‭ ‬أليسا‭ ‬في‭ ‬فيديو‭ ‬كليب‭ ‬أغنيتها‭ ‬‮«‬عايزة‭ ‬منك‭ ‬همسة‭ ‬يا‭ ‬أحلى‭ ‬من‭ ‬الكبسة‮»‬‭ ‬يجب‭ ‬شراؤه‭ ‬ولو‭ ‬تطلب‭ ‬الأمر‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬قرض‭ ‬مصرفي‭!‬‮ ‬

باختصار‭ ‬صار‭ ‬الآخرون‭ ‬يتحكمون‭ ‬في‭ ‬أذواقنا،‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬نحن‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬القدوة‭ ‬والمثال‭ ‬الذي‭ ‬يحتذي‭ ‬به‭ ‬عيالنا،‭ ‬فقد‭ ‬حل‭ ‬محلنا‭ ‬عمرو‭ ‬دياب‭ ‬وراغب‭ ‬علامة،‭ ‬ونوال‭ ‬الزغبي،‭ ‬يأتيك‭ ‬ابنك‭ ‬وقد‭ ‬صار‭ ‬رأسه‭ ‬مثل‭ ‬مؤخرة‭ ‬القرد‭ ‬فتحسب‭ ‬أن‭ ‬مكروها‭ ‬أصابه‭ ‬فيقول‭ ‬لك‭ ‬إنه‭ ‬طلب‭ ‬تلك‭ ‬‮«‬القَصَّة‮»‬‭ ‬من‭ ‬الحلاق‭ ‬اقتداء‭ ‬بشخص‭ ‬هو‭ ‬بالنسبة‭ ‬لك‭ ‬نكرة‭ ‬وبالنسبة‭ ‬له‭ ‬علم‭ ‬الأعلام،‭ ‬والملابس‭ ‬المبهدلة‭ ‬التي‭ ‬يرتديها‭ ‬عيالنا‭ ‬شاهدوا‭ ‬مثلها‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬أمريكي‭ ‬أو‭ ‬كمبودي‭.. ‬ثم‭ ‬ذلك‭ ‬العجين‭ ‬الشفاف‭ ‬المقرف‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬شعر‭ ‬رؤوسهم‭ ‬مثل‭ ‬المسامير‭... ‬آخر‭ ‬تقليعة‭: ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬ولدي‭ ‬لؤي‭ ‬وكان‭ ‬ابن‭ ‬ست‭ ‬سنوات،‭ ‬أن‭ ‬أشتري‭ ‬له‭ ‬فرشة‭ ‬أسنان‭ ‬كهربائية‭ ‬لأن‭ ‬الفرشة‭ ‬العادية‭ ‬‮«‬مرهقة‮»‬‭!! ‬قلت‭ ‬له‭: ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬الكهرباء‭ ‬فمك،‭ ‬وبيتنا‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬بدين‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬السودان‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬الكهرباء‭ ‬حتى‭ ‬اليوم

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا