عالم يتغير

فوزية رشيد
الميزان العالمي المختلّ!
{ في رحلتنا الطويلة مع الكتابة لم نشهد ولم يشهد العالم مثل هذا الاختلال الكبير في ميزان العالم، كما شهدناه منذ بدء الألفية الجديدة التي دشنت وقائعها أحداث سبتمبر 2001 التي ثبت افتعالها لتصل إلى أحداث غزة وحرب الإبادة! وتخللتها أحداث أخرى لا تقل خطورة سواء على المستوى العربي أو الدولي، في ظل الهوس الأمريكي بأن يكون هذا القرن قرنا أمريكيا/صهيونيا! ومن حدث البرجين إلى احتلال العراق بعد الحرب على أفغانستان، إلى «الخريف العربي» ونظرية الفوضى الخلاقة وخرائط تقسيم الدول العربية وإسقاط أنظمتها، إلى التمدد الإيراني ثم بدء تساقط منظومته بعد حرب الإبادة على غزة، رسالة إلى الثورة التكنولوجية ومشروع العشرة مليارات روبوت التي يريد «إيلون ماسك» الوصول إليها خلال سنوات قادمة بما يهدد البشرية ووجودها الطبيعي! إلى صناعة الفيروسات التي بدأت كوباء مثل كورونا ولم تنته سيناريوهاتها بعد! لنصل إلى الغطرسة «الترامبية» منذ وصوله للولاية الأولى ثم للولاية الثانية، التي يريد بها تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين، إمعاناً في التماهي الجنوني بين اليمين المتطرف الأمريكي، واليمين المتطرف لدولة الاحتلال الصهيوني أو الصهيونية الدينية! في كل تلك الوقائع المتوالية على المنطقة والعالم، فإن المحرك الأساسي لمعظم الاختلالات الدولية كانت الولايات المتحدة وفرض هيمنتها واستفرادها بالعالم، عبر القوة وإحداث الصراعات والأزمات المستفيضة والمكبلة بنشر الظلم والتلاعب بالمبادئ والقوانين والشرعية الدولية!
{ في هذه المرحلة وصلنا إلى جنون دولي جديد ومن يقود هذا الجنون هي أيضاً أمريكيا نفسها في عهد «التيار الترامبي الثاني» مع رئاسة ترامب الذي يريد الوصول إلى «العهد الذهبي» بحسب توصيفه و«أمريكا أولاً وأخيراً» وليذهب العالم بعد ذلك إلى الجحيم! هو لا يريد أي منافس عالمي لبلده ولا يريد أن يتجه العالم إلى (المسار التغييري) الذي لا بد أن يسير فيه من خلال «التعددية القطبية» وفي هذا تشتد ضراوة المواجهة مع الصين الذي تراه الولايات المتحدة أكبر منافس لها وبالتالي أكبر عدو!
{ كل خطابات «ترامب» منذ توليه الرئاسة تسير في درب استعراض القوة وتكريس رؤى «اليمين المتطرف الأمريكي» تجاه العالم! ليصبح العالم أكثر خطورة وأبعد عن تحقيق التعددية القطبية، لأن ترامب يريد فرض عظمة أمريكا وحدها، سواء بالقوة أو بالبلطجة أو بالصفقات أو بالحروب التجارية مع منافسيه الدوليين! ولذلك فهو يعود كما الإدارة السابقة لممارسة الضغوط التجارية والعقوبات الاقتصادية على كل من ينافس الرؤية الاستفرادية والاستعمارية للولايات المتحدة! الحرب على «بريكس» الضغوط على أوبك بلس! العقوبات الاقتصادية وحرب التوظيف الإعلامي والإلكتروني، والتعريفات الجمركية لتحقيق استمرار مركزية الدولار! وخطاب الغطرسة الموجه إلى العالم (نفذوا ما أريد حتى لا يكون من داع للحرب معكم)! أي أنه يريد أن يحقق لأمريكا هيمنتها واستمرارها بالاستفراد بالعالم عبر أساليب تبدأ بالحروب الناعمة ولكنها ستنتهي في النهاية إلى الحروب العسكرية! وهو عكس ما يروج له عن إشاعة السلام في العالم!
{ هذه الشخصية النرجسية التي لا يمكن التنبؤ بمواقفها وارتجالاتها، تتبنى أيضاً مشروع «ستار جيت»STAR GEAT ، باستثمار يصل إلى 500 مليار دولار! وهو مشروع للذكاء الاصطناعي، حيث داخليا تبنى مشروع (المجمع التقني الأمريكي) ليدخل التنافس الكبير مع (المجمع الصناعي العسكري)، ولتدخل التقنيات في الصناعة والتصنيع عبر الذكاء الاصطناعي، وحيث «إيلون ماسك» يقول (مع نهاية 2025 سيصبح الذكاء الاصطناعي أذكى من أي شخص ذكي من البشر)! ولكن في الوقت ذاته لا يريد التطور التقني في الصين وحيث الحرب على «التيك توك» وعلى «DEEP SEEK» تبلغ أشرس معاركها مؤخراً! وكما يقول قائد «التيار الترامبي» (الكل سيخدم عظمتنا أو غضبنا)! وكأننا أمام فرعون العصر بلباس البلطجة الدولية و(لا ترون إلا ما أريكم إياه)! ولكن العالم الذي يتغير حتماً لن يخضع للرؤى المجنونة لرئيس دولة أخلّت دولته عبر عقود طويلة بكل الموازين الدولية والقانون الدولي والمبادئ الدولية والحقوق الإنسانية، التي انتهكتها بطرق مختلفة، وارتكبت جرائم حرب فيما شنته من حروب في دول مختلفة، ولم ترتدع من هزيمتها في فيتنام لتواصل جرائمها البشعة من «هيروشيما ونجازاكي» إلى حرب الإبادة في غزة، التي أدارتها بيد الكيان الصهيوني! وعلى المستوى الفلسطيني والعربي ذهب بايدن وجاء ترامب حاملاً معه ملف اليمين الصهيوني المتطرف في التطهير العرقي وتهجير الفلسطينيين وإنهاء القضية الفلسطينية ودعم التوسع الصهيوني في الجغرافيا العربية! وليس أمام العرب إلا مواجهة هذا الجنون! مثلما ليس أمام العالم إلا المواجهة أيضا، وتكريس آفاق التعددية القطبية مهما كانت الصعوبات والعراقيل وإنزال الغطرسة الامريكية من فوق الشجرة التي لا ترى من خلالها إلا أقدامها وأنا ومن بعدي الطوفان!
{ شهدنا الكثير والكثير خلال أعمارنا القصيرة، وها هو جزء أو فصل جديد من الرؤى الاستعمارية الغربية - الأمريكية، تجاه العالم بعد أن أسقطت حرب الإبادة في غزة كل الأقنعة والديكورات الحقوقية والإنسانية والقانونية الغربية! ليأتي دور الصلافة الأمريكية في صنع الأزمات الجديدة وإدارتها وبتأثيرات الصدمة، لعل العرب والعالم ينسون حقيقة ما أحدثته الإبادة في غزة، والتي معها اختلت كل الموازين الدولية! وينشغل العرب بمقترح التهجير الترامبي، وكيفية الرد عليه! وينجو العدو الصهيوني من جرائم حربه التي لها أول وليس لها آخر! فسلام «ترامب» يريد التطبيع العربي المجاني معه على طبق التهجير للفلسطينيين من أرضهم ووطنهم بعد حرب الإبادة! ولكن تاجر الصفقات ليس بالضرورة أن ينجح في كل صفقة يقترحها! لأن حقائق التاريخ والأرض هي الأقوى دائماً!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك