العدد : ١٧١٢٠ - الأربعاء ٠٥ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٢٠ - الأربعاء ٠٥ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ شعبان ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن الهوس بالطب

يحكي‭ ‬زميل‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الآداب‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬ابلغ‭ ‬أباه‭ ‬بأنه‭ ‬التحق‭ ‬بتلك‭ ‬الكلية،‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬الوالد‭: ‬المهم‭ ‬لما‭ ‬تتخرج‭ ‬تشتغل‭ ‬دكتور‭! ‬فجعل‭ ‬ذلك‭ ‬زميلي‭ ‬يحس‭ ‬بأنه‭ ‬خيّب‭ ‬ظن‭ ‬والده‭ ‬فيه،‭ ‬فكان‭ ‬مكسور‭ ‬الخاطر‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬أكمل‭ ‬دراسته‭ ‬ودخل‭ ‬الحياة‭ ‬العملية‭.‬

بصورة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭ ‬تطرقت‭ ‬كثيرا‭ ‬إلى‭ ‬موضوع‭ ‬اعتبار‭ ‬دراسة‭ ‬الطب،‭ ‬أعلى‭ ‬مراقي‭ ‬المسارات‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬وسأظل‭ ‬أتطرق‭ ‬إليه‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬قلمي‭ ‬حبر‭ ‬وما‭ ‬بقي‭ ‬إصبعي‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬النقر‭ ‬على‭ ‬لوحة‭ ‬مفاتيح‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬فما‭ ‬زال‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬العرب‭ ‬يرغمون‭ ‬أولادهم‭ ‬وبناتهم‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬الطب،‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬‮«‬البرستيج‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬المكانة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والوجاهة‭. ‬يقول‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭: ‬الولد‭ ‬بيدرس‭ ‬طب‭. ‬ويحس‭ ‬ساعتها‭ ‬أنه‭ ‬صعد‭ ‬عدة‭ ‬درجات‭ ‬في‭ ‬سلم‭ ‬المجد‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ليس‭ ‬مهما‭ ‬عنده‭ ‬أن‭ ‬الولد‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يدرس‭ ‬المحاسبة‭ ‬أو‭ ‬علم‭ ‬الفيزياء،‭ ‬بل‭ ‬المهم‭ ‬أنه‭ ‬رفع‭ ‬رأس‭ ‬العائلة‭ ‬عاليا‭ ‬بدخول‭ ‬كلية‭ ‬الطب،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬مبنى‭ ‬الكلية،‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬لقب‭ ‬دكتور،‭ ‬ولهذا‭ ‬صار‭ ‬عدد‭ ‬كليات‭ ‬الطب‭ ‬عندنا‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬رياض‭ ‬الأطفال،‭ ‬وصار‭ ‬القبول‭ ‬فيها‭ ‬أسهل‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬الحمام‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العامة‭. ‬

بالطبع‭ ‬فإن‭ ‬دراسة‭ ‬الطب‭ - ‬بعكس‭ ‬مواد‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭ - ‬تضمن‭ ‬للدارس‭ ‬مستقبلا‭ ‬محددا‭ ‬وشبه‭ ‬مضمون،‭ ‬وإذا‭ ‬صار‭ ‬الأطباء‭ ‬عاجزين‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬أساسيات‭ ‬المعيشة‭ ‬لعائلاتهم‭ ‬قبل‭ ‬انقضاء‭ ‬12‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬دخولهم‭ ‬الحياة‭ ‬العملية‭. ‬فلأننا‭ ‬لا‭ ‬نقدِّر‭ ‬أن‭ ‬الطبيب‭ ‬العمومي‭ ‬أي‭ ‬الممارس‭ ‬العام‭ ‬هو‭ ‬عصب‭ ‬الخدمات‭ ‬الطبية،‭ ‬ونعرض‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬ثم‭ ‬شروط‭ ‬خدمة‭ ‬لائقة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فمن‭ ‬البديهي‭ ‬أن‭ ‬يحلم‭ ‬كل‭ ‬طبيب‭ ‬بأن‭ ‬يصبح‭ ‬‮«‬أخصائيا‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬استشاريا‭ ‬بأسرع‭ ‬ما‭ ‬يمكن،‭ ‬وبهذا‭ ‬وحده‭ ‬يضمن‭ ‬الراتب‭ ‬المحترم‭ ‬والمكانة‭ ‬اللائقة،‭ ‬ويفوت‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬الذين‭ ‬يرغمون‭ ‬عيالهم‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬الطب‭ ‬أنهم‭ ‬يزجون‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬شاق‭ ‬وصعب،‭ ‬فدراسة‭ ‬الطب‭ ‬تتطلب‭ ‬صبرا‭ ‬وجلدا‭ ‬ومثابرة‭ ‬ودأبا‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬ست‭ ‬سنوات،‭ ‬وبعدها‭ ‬يظل‭ ‬الطبيب‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬قراءة‭ ‬ودراسة‭ ‬لا‭ ‬تنقطع،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬الأكاديمي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬دارس‭ ‬الطب‭ ‬راغبا‭ ‬في‭ ‬دخول‭ ‬ميدان‭ ‬الطبابة،‭ ‬ومستعدا‭ ‬نفسيا‭ ‬لتحمل‭ ‬أعباء‭ ‬ضخمة‭ ‬تتطلب‭ ‬قوة‭ ‬التحمل‭ ‬و«طول‭ ‬البال‮»‬‭ ‬والحس‭ ‬الإنساني،‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬معظم‭ ‬العوام‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬المستشفيات‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬تكلف‭ ‬الطبيب‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬أو‭ ‬أخرى‭ ‬بأن‭ ‬يعمل‭ ‬36‭ ‬ساعة‭ ‬متصلة‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭.. ‬والطبيب‭ - ‬ومهما‭ ‬علت‭ ‬درجته‭ ‬الوظيفية‭ - ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مزودا‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬بجهاز‭ ‬اتصال‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬الوارد‭ ‬استدعاؤه‭ ‬للعمل‭ ‬خلال‭ ‬عطلته‭ ‬الأسبوعية‭ ‬أو‭ ‬السنوية‭ ‬أو‭ ‬العارضة،‭ ‬والجراح‭ ‬قد‭ ‬يعمل‭ ‬يوما‭ ‬ثماني‭ ‬ساعات‭ ‬ويوما‭ ‬آخر‭ ‬11‭ ‬ساعة‭ (‬من‭ ‬دون‭ ‬أوفر‭ ‬تايم‭ ‬أي‭ ‬أجر‭ ‬إضافي‭)‬،‭.. ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬المهن‭ ‬الطبية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مجزية‭ ‬ماليا،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬الأطباء‭ ‬مرفهين‭ ‬ومدللين‭ ‬ومميزين‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬حالهم‭ ‬قبل‭ ‬25‭ ‬سنة‭ ‬مثلا،‭.. ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬الاستثناء‭ ‬الوحيد‭ ‬هم‭ ‬أطباء‭ ‬التجميل،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬الهوس‭ ‬بالجمال‭ ‬وبائيا،‭ ‬وصار‭ ‬حلم‭ ‬كل‭ ‬فتاة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أنفها‭ ‬في‭ ‬جمال‭ ‬أنف‭ ‬جعفر‭ ‬عباس‭ ‬الإفريقي‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬شفط‭ ‬الأوكسجين‭ ‬وسط‭ ‬حريق‭ ‬في‭ ‬محطة‭ ‬بترول،‭.. ‬وصار‭ ‬شفط‭ ‬الدهون‭ ‬من‭ ‬البطن‭ ‬والأرداف‭ ‬عملا‭ ‬روتينيا‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المستشفيات‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة،‭ ‬وصار‭ ‬بإمكان‭ ‬أي‭ ‬فتاة‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬عيادة‭ ‬تجميل‭ ‬وهي‭ ‬تحمل‭ ‬ألبوما‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬وتقول‭ ‬للدكتور‭: ‬أريد‭ ‬شفتي‭ ‬نوال‭ ‬الزغبي‭ ‬وعيون‭ ‬نبيل‭ ‬شعيل‭ ‬وأنف‭ ‬بنت‭ ‬العجرمية‭ ‬ورقبة‭ ‬عبدالله‭ ‬بالخير‭!! ‬وأدى‭ ‬الهوس‭ ‬بالجمال‭ ‬المفبرك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الجراحات‭ ‬إلى‭ ‬تطور‭ ‬مذهل‭ ‬في‭ ‬طب‭ ‬التجميل‭ ‬لأن‭ ‬الاعتبارات‭ ‬التجارية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحرك‭ ‬شركات‭ ‬الأدوية‭ ‬والبحوث‭ ‬الطبية،‭.. ‬وقد‭ ‬يجري‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭ ‬قريبا‭ ‬جراحة‭ ‬تجميل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قرأ‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬جيرنل‭ ‬أوف‭ ‬دينتال‭ ‬ريسيرش‭ ‬المتعلقة‭ ‬بأبحاث‭ ‬طب‭ ‬الأسنان‭ ‬أن‭ ‬مستشفى‭ ‬كنجز‭ ‬كولدج‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬تزريع‭ ‬الأسنان‭ ‬باستخدام‭ ‬الخلايا‭ ‬الجذعية،‭ ‬بنفس‭ ‬طريقة‭ ‬تزريع‭ ‬الأعضاء‭ ‬فحال‭ ‬أسناني‭ ‬‮«‬يكسف‮»‬‭ ‬وأريد‭ ‬أن‭ ‬أضمن‭ ‬أنني‭ ‬قادر‭ ‬في‭ ‬شيخوختي‭ ‬على‭ ‬أكل‭ ‬اللحم‭ ‬لتكبر‭ ‬‮«‬كرشي‮»‬‭ ‬فأقوم‭ ‬بشفط‭ ‬الدهون‭ ‬منها‭ ‬وأصبح‭ ‬رشيقا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا