العدد : ١٧١١٧ - الأحد ٠٢ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١١٧ - الأحد ٠٢ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ملحمة صمود الشعب الفلسطيني في غزة

بقلم: إحسان الفقيه {

الأحد ٠٢ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬عمت‭ ‬الفرحة‭ ‬وغمرت‭ ‬أرجاء‭ ‬غزة‭ ‬وفلسطين‭ ‬والأمة‭ ‬بأسرها‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬اعتُبر‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬نصرًا‭ ‬مؤزرًا‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬يفسد‭ ‬هذه‭ ‬الفرحة‭ ‬بقصد‭ ‬أو‭ ‬بغير‭ ‬قصد،‭ ‬وهو‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أعداد‭ ‬القتلى‭ ‬والمصابين‭ ‬وحجم‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬بالقطاع،‭ ‬ويندد‭ ‬مجددًا‭ ‬بطوفان‭ ‬الأقصى،‭ ‬ويحمل‭ ‬المقاومة‭ ‬مسؤولية‭ ‬هذا‭ ‬الدمار،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يرى‭ ‬أنها‭ ‬فرحة‭ ‬لا‭ ‬مبرر‭ ‬لها،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يوصف‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬بأنه‭ ‬نصر‭ ‬للفلسطينيين‭.‬

لا‭ ‬ريب‭ ‬أننا‭ ‬جميعًا‭ ‬تحترق‭ ‬أفئدتنا‭ ‬لهذه‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية‭ ‬والمادية‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬المعارك،‭ ‬لكن‭ ‬صاحب‭ ‬هذا‭ ‬المنحى‭ ‬يجهل‭ ‬أو‭ ‬يتجاهل‭ ‬مفهوم‭ ‬النصر‭ ‬والهزيمة،‭ ‬فالأمر‭ ‬ليس‭ ‬متعلقا‭ ‬بفارق‭ ‬أعداد‭ ‬القتلى‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬وإنما‭ ‬يتحقق‭ ‬النصر‭ ‬بتحقق‭ ‬الأهداف‭.‬

العدو‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬قد‭ ‬خسر‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬قتلاه‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬قتلى‭ ‬أهل‭ ‬غزة،‭ ‬لأنه‭ ‬وببساطة‭ ‬لم‭ ‬يحقق‭ ‬أيًا‭ ‬من‭ ‬أهدافه‭ ‬التي‭ ‬حركت‭ ‬آلته‭ ‬التدميرية‭ ‬ضد‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

نتنياهو‭ ‬كان‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحرير‭ ‬الأسرى‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بلا‭ ‬شرط‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬يتخلى‭ ‬عن‭ ‬هدفه،‭ ‬ويرضخ‭ ‬لاتفاقية‭ ‬إنهاء‭ ‬القتال‭.‬

وكذلك‭ ‬كان‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬وإفنائها،‭ ‬ويصدع‭ ‬الرؤوس‭ ‬بإعلان‭ ‬هذا‭ ‬الهدف،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬ها‭ ‬هي‭ ‬المقاومة‭ ‬كانت‭ ‬تجالد‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬لحظة،‭ ‬وتكبده‭ ‬الخسائر‭ ‬المتتابعة،‭ ‬ولم‭ ‬يستطع‭ ‬القضاء‭ ‬عليها‭.‬

أيضا‭ ‬كان‭ ‬هدفه‭ ‬إجلاء‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬القطاع،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬جموع‭ ‬النازحين‭ ‬تعود‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬القطاع‭ ‬الذي‭ ‬تكدسوا‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬ديارهم‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬ووسط‭ ‬غزة‭.‬

وأما‭ ‬غزة‭ ‬بشعبها‭ ‬الصامد‭ ‬ومقاومتها‭ ‬الباسلة‭ ‬فقد‭ ‬انتصرت‭ ‬لا‭ ‬ريب،‭ ‬ونوجز‭ ‬مظاهر‭ ‬هذا‭ ‬النصر‭ ‬بما‭ ‬يتسع‭ ‬له‭ ‬المقام‭ ‬في‭ ‬الإشارات‭ ‬التالية‭:‬

أولا‭: ‬إحباط‭ ‬صفقة‭ ‬القرن‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ستؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تهجير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وتمكين‭ ‬الصهاينة‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬ولن‭ ‬يستطيع‭ ‬ترامب‭ ‬فرض‭ ‬مخططاته‭ ‬عبر‭ ‬إعادة‭ ‬طرح‭ ‬مشروع‭ ‬تهجير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الى‭ ‬مصر‭ ‬والأردن‭.‬

ثانيًا‭: ‬وقف‭ ‬عملية‭ ‬تهويد‭ ‬الأقصى‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬أوشكت‭ ‬على‭ ‬الانتهاء‭ ‬قبل‭ ‬معركة‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭.‬

ثالثا‭: ‬إحياء‭ ‬تدويل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تجمدت‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭.‬

رابعًا‭: ‬كسب‭ ‬التعاطف‭ ‬الدولي‭ ‬وتعريف‭ ‬شعوب‭ ‬الغرب‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬تعمد‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬تغييب‭ ‬وعي‭ ‬الشعوب‭ ‬عن‭ ‬الإحاطة‭ ‬بها،‭ ‬وتخلصت‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب‭ ‬من‭ ‬أسر‭ ‬الرواية‭ ‬الأحادية‭ ‬الصهيونية‭.‬

خامسًا‭: ‬تحريك‭ ‬الضفة‭ ‬ونابلس‭ ‬وجنين‭ ‬وسائر‭ ‬المدن‭ ‬الفلسطينية‭ ‬باتجاه‭ ‬خيار‭ ‬المقاومة،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬هدفًا‭ ‬للمقاومة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬وهو‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬يفرضه‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬جنين‭ ‬حاليا‭ ‬والمتوقع‭ ‬ان‭ ‬يتواصل‭ ‬ليشمل‭ ‬كل‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬بهدف‭ ‬ضمها‭ ‬إلى‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭.‬

سادسًا‭: ‬تحطيم‭ ‬أسطورة‭ ‬القوة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬نصر‭ ‬زائف‭ ‬وهمي‭ ‬في‭ ‬هدم‭ ‬البيوت‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬المدنيين،‭ ‬لكنها‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الميداني،‭ ‬منيت‭ ‬بخسائر‭ ‬فادحة،‭ ‬وأثبتت‭ ‬فشلها‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬نصر‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.‬

سابعًا‭: ‬خلخلة‭ ‬الداخل‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وإفقاد‭ ‬الجماهير‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ثقتها‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬التي‭ ‬باعت‭ ‬لها‭ ‬الوهم‭.‬

ثامنًا‭: ‬إلحاق‭ ‬الخسائر‭ ‬الفادحة‭ ‬بالكيان‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬مئات‭ ‬القتلى‭ ‬من‭ ‬الضباط‭ ‬والجنود،‭ ‬وعشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المصابين،‭ ‬وما‭ ‬يقارب‭ ‬نصف‭ ‬هؤلاء‭ ‬المصابين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬صدمات‭ ‬نفسية،‭ ‬وكثير‭ ‬منهم‭ ‬يعالجون‭ ‬في‭ ‬المصحات‭ ‬النفسية‭ ‬أو‭ ‬خرجوا‭ ‬بعاهات‭ ‬مستديمة‭ ‬تخرجهم‭ ‬نهائيا‭ ‬من‭ ‬الخدمة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تسجيل‭ ‬عشرات‭ ‬الحالات‭ ‬من‭ ‬الانتحار‭ ‬بين‭ ‬صفوف‭ ‬الجنود‭.‬

وتم‭ ‬تهجير‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬إسرائيلي‭ ‬ونزوح‭ ‬143‭ ‬ألف‭ ‬شخص،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬السياحة‭ ‬والاستثمار،‭ ‬وتفاقم‭ ‬معدلات‭ ‬الفقر،‭ ‬وشلل‭ ‬بقطاع‭ ‬البناء،‭ ‬وتفاقم‭ ‬عجز‭ ‬الميزانية،‭ ‬وازدياد‭ ‬حجم‭ ‬الهجرة‭ ‬العكسية‭.‬

تاسعًا‭: ‬دوليا‭ ‬جرى‭ ‬إصدار‭ ‬مذكرة‭ ‬اعتقال‭ ‬بحق‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬ووزير‭ ‬الدفاع‭ ‬السابق‭ ‬يوآف‭ ‬جالانت‭.‬

عاشرًا‭: ‬شحن‭ ‬هائل‭ ‬للجماهير‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬تجاه‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وازدياد‭ ‬الوعي‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬بالخطر‭ ‬الصهيوني‭ ‬وما‭ ‬يمثله‭ ‬من‭ ‬تشابك‭ ‬مصالحه‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭.‬

إن‭ ‬البطل‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬هو‭ ‬شعب‭ ‬غزة،‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬أهله‭ ‬مثلا‭ ‬فريدا‭ ‬في‭ ‬الصمود‭ ‬والصبر،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬قدم‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الشهداء،‭ ‬فهذه‭ ‬ضريبة‭ ‬تدفعها‭ ‬كل‭ ‬الشعوب‭ ‬التواقة‭ ‬إلى‭ ‬الاستقلال‭.‬

شهداء‭ ‬غزة‭ ‬عند‭ ‬ربهم‭ ‬يرزقون،‭ ‬ومصابوها‭ ‬في‭ ‬أجر،‭ ‬وديارهم‭ ‬سوف‭ ‬تُبنى‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وهذا‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬الضروس،‭ ‬لا‭ ‬خوف‭ ‬عليه‭ ‬بعد‭ ‬اليوم،‭ ‬فهو‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬الأهوال‭ ‬ولن‭ ‬يثنيه‭ ‬شيء،‭ ‬وسوف‭ ‬يكون‭ ‬التحرير‭ ‬على‭ ‬يديه‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬

فحق‭ ‬لأهل‭ ‬غزة‭ ‬وسائر‭ ‬فلسطين‭ ‬وأمتنا‭ ‬كلها‭ ‬بأن‭ ‬نفرح‭ ‬بهذا‭ ‬النصر‭ ‬المبين،‭ ‬والله‭ ‬غالب‭ ‬على‭ ‬أمره‭ ‬ولكن‭ ‬أكثر‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬يعلمون‭.‬

{ كاتبة‭ ‬من‭ ‬الأردن

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا