يوميات سياسية
![](https://media.akhbar-alkhaleej.com/thumbeditor.php?img=editor/DAYS.png)
السيـــــــد زهـــــــره
نظرية «الرجل المجنون»
قد لا يعرف البعض أن هناك نظرية في العلاقات الدولية والسياسة العالمية عموما اسمها «نظرية الرجل المجنون».
هي نظرية قديمة جدا ولعل أول من أشار إليها كان ميكيافيللي حين كتب في أحد كتبه ينصح الزعماء قائلا: «في بعض الأحيان قد يكون من الحكمة التظاهر بالجنون».
خبراء وعلماء سياسة أعدوا دراسات عن هذه النظرية وماذا تعنيه ومتى يمكن أن تنجح ونماذج استخداماتها في التاريخ.. وهكذا.
نظرية الرجل المجنون تعني ببساطة وخاصة في حالات الأزمات إعطاء الانطباع بأن القائد أو صانع السياسة الخارجية يتسم بقدر من الجنون وبأنه لا يمكن توقع أفعاله أو التنبؤ بما يكن أن يذهب إليه في تهديداته. البعض يرى أن تطبيق هذه النظرية من الممكن في بعض الأحيان أن يفرض حلا لأزمة أو التوصل إلى اتفاق ودفع الطرف الآخر إلى تقديم تنازلات.. وهكذا.
الحديث عن نظرية الرجل المجنون عاد إلى دائرة الاهتمام في الفترة الماضية بعد فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية وتوليه الحكم على اعتبار أنه يمثل نموذجا بارزا لمحاولة تطبيق النظرية.
تاريخيا هناك نماذج معروفة شهيرة لمحاولات تطبيق النظرية، لعل أبرزها ما كان يفعله الرئيس الأمريكي نيكسون.
أثناء مفاوضات باريس مع الفيتناميين كان هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت يقول للفيتناميين إن نيكسون رجل مجنون وأنا أحاول كبح جماحه وأنه يريد محو فيتنام من الخريطة وقد يستخدم القنابل النووية. كان يقول هذا على أمل أن يدفع الفيتناميين في المفاوضات إلى تقديم التنازلات التي يريدها.
بالنسبة لترامب، اعتبر محللون أن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة نموذج للتطبيق الناجح لنظرية الرجل المجنون مثلما فعل ذكر الكُتاب في صحيفة «تلجراف» البريطانية مثلا، الذي كتب أن التوصل للاتفاق قبل أداء ترامب اليمين الدستورية «ليس مجرد حظ سعيد، بل إنه تأييد لنظرية الرجل المجنون في العلاقات الدولية». يقصد طبعا أنه ما كان من الممكن التوصل إلى الاتفاق لولا التهديدات العنيفة التي أطلقها ترامب والضغوط التي مارسها. واعتبر أن الأطراف قبلت الاتفاق لأنها أدركت إلى أي حد يمكن أن يكون ترامب «شريرا وعشوائيا».
عموما قد تنجح هذه النظرية في بعض الأحيان وتفشل في أحيان كثيرة أخرى. في حالة حرب فيتنام مثلا فشلت فشلا ذريعا، إذ ألحق الفيتناميون في النهاية هزيمة تاريخية بأمريكا وسقطت سايجون في أيدي الثوار.
المشكلة مع ترامب أنه يتصور إمكانية نجاح مثل هذه النظرية في كل القضايا والتطورات الدولية وأنه يستطيع عن طريقها فرض كل ما يريد على أي أحد.
وهذا لا يمكن أن ينجح في أغلب الحالات. الخبراء يجمعون مثلا على أن هذه النظرية لا يكن أن تنجح في التعامل مع دول مثل الصين أو روسيا.
الأهم من هذا أن إصرار ترامب على هذه النظرية يمكن أن يفجر صراعات وأزمات كبرى في العالم.
أحد المحللين كتب بهذا الصدد: «تكمن المشكلة في أنه إذا كان ترامب غير قادر على إقناع أيّ شخص آخر بأنه رجل مجنون حقاً، فإنّ الطريقة الوحيدة التي يمكنه من خلالها إثبات ذلك هي متابعة تهديداته الأكثر غرابة. وقد تنجح هذه الخطة، لكنها قد تؤدي أيضاً إلى تفاقم الصراع وخروجه عن نطاق السيطرة. ولأكون صادقاً تماماً، إنها فكرة مجنونة للغاية».
وهذا صحيح. تهديد ترامب مثلا بالاستيلاء على جرينلاند أو قناة بنما وضم كندا إلى أمريكا باستخدام القوة إن لزم الأمر من المكن أن يفجر صراعات وحروبا.
وأيضا تصوره أن من المكن بمثل هذه الأسلوب فرض رؤيته للصراع العربي الإسرائيلي وتهجير الشعب الفلسطيني وإطلاق يد إسرائيل في المنطقة مثلا من شأنه إغراق المنطقة في الصراع وعدم الاستقرار.
إصرار ترامب على تطبيق «نظرية الرجل المجنون» من الممكن أن يغرق العالم كله في الفوضى والصراع على عكس ما يزعم أنه يسعى إليه.
إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"
aak_news
![](https://akhbar-alkhaleej.com/assets/images/iconforinsta.png)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك