العدد : ١٧١٢٠ - الأربعاء ٠٥ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٢٠ - الأربعاء ٠٥ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ شعبان ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

تعليم يشجع على الغش

يقول‭ ‬شاعر‭ ‬مصر‭ ‬الكبير‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭ ‬‮«‬العلم‭ ‬يرفع‭ ‬بيتاً‭ ‬لا‭ ‬عماد‭ ‬له‭/ ‬والجهل‭ ‬يهدم‭ ‬بيت‭ ‬العزّ‭ ‬والشرف‮»‬،‭ ‬والعلم‭ ‬الذي‭ ‬عناه‭ ‬شوقي‭ ‬ليس‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة،‭ (‬ونحن‭ ‬نسمي‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ابتعد‭ ‬خطوتين‭ ‬عن‭ ‬الأمية‭ ‬‮«‬متعلِّم‮»‬‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬العلم‭ ‬الذي‭ ‬يوسع‭ ‬المدارك‭ ‬ويشحذ‭ ‬العقل‭ ‬ويحفزه‭ ‬للتفكير‭ ‬والتدبُّر،‭ ‬ثم‭ ‬الفهم،‭ ‬بينما‭ ‬الجهل‭ ‬الذي‭ ‬عناه‭ ‬شاعرنا‭ ‬هو‭ ‬الأمية‭ ‬مقرونة‭ ‬بالضحالة‭ ‬الفكرية‭ ‬وبؤس‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الاستيعاب‭ ‬والإدراك‭.‬

وأقول‭ ‬قولي‭ ‬هذا‭ ‬لأعود‭ ‬للمرة‭ ‬الألف‭ ‬إلى‭ ‬موضوعي‭ ‬الأثير،‭ ‬وهو‭ ‬حال‭ ‬التعليم‭ ‬عندنا،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬تعليم‭ ‬حقيقي‭ ‬عندنا،‭ ‬والمأساة‭ ‬الملهاة،‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الغش‭ ‬في‭ ‬الامتحانات،‭ ‬وبسبب‭ ‬بؤس‭ ‬المدخلات‭ ‬والمخرجات‭ ‬التعليمية‭ ‬صار‭ ‬من‭ ‬الشيوع،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الجامعات‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تعترف‭ ‬بنتائج‭ ‬امتحانات‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ثبت‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬ينجح‭ ‬بنسبة‭ ‬72‭% ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أعلى‭ ‬قدرات‭ ‬أكاديمية‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬أحرز‭ ‬97‭% ‬من‭ ‬الدرجات‭. ‬والغش‭ ‬كالفساد‭ ‬وخيانة‭ ‬الأمانة‭ ‬لا‭ ‬يتفشى‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬الظلم‭ ‬الفادح‭. ‬والمناهج‭ ‬المدرسية‭ (‬والجامعية‭) ‬وطرق‭ ‬التدريس‭ ‬عندنا‭ ‬تظلم‭ ‬الطالب‭ ‬ظلما‭ ‬فادحا‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تحترم‭ ‬ولا‭ ‬تختبر‭ ‬ولا‭ ‬تطور‭ ‬عقله‭.‬

من‭ ‬الأقوال‭ ‬المخزونة‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬رئيسهم‭ ‬الأسبق‭ ‬جون‭ ‬كينيدي‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬خطبة‭: ‬هناك‭ ‬من‭ ‬ينظرون‭ ‬الى‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬من‭ ‬حولهم‭ ‬ويتساءلون‭: ‬لماذا؟‭ (‬أي‭ ‬لماذا‭ ‬حدث‭ ‬الأمر‭ ‬بتلك‭ ‬الطريقة؟‭) ‬ولكنني‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تحدث‭ ‬وأتساءل‭: ‬لِم‭ ‬لا؟‭ ‬أي‭ ‬ان‭ ‬كينيدي‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬البديهيات‭ ‬أو‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬واقعا،‭ ‬لأن‭ ‬مهمة‭ ‬العقل‭ ‬–‭ ‬أيضا‭ - ‬هي‭ ‬السعي‭ ‬لإيجاد‭ ‬أجوبة‭ ‬لأشياء‭ ‬ومسائل‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬كنهها‭ ‬وعناصرها‭ ‬مجهولة‭. ‬إنها‭ ‬دعوة‭ ‬لـ«الاستشراف‮»‬‭. ‬إذا‭ ‬اكتشفت‭ ‬ان‭ ‬اللحاف‭ ‬أقصر‭ ‬من‭ ‬رجليك،‭ ‬فلا‭ ‬تكتف‭ ‬بضم‭ ‬رجليك،‭ ‬فتصاب‭ ‬بشد‭ ‬عضلي،‭ ‬بل‭ ‬فكر‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬لتطويل‭ ‬اللحاف‭ ‬حتى‭ ‬يوفر‭ ‬لك‭ ‬الغطاء‭/‬الستر‭/‬الدفء‭ ‬المطلوب‭. ‬لا‭ ‬تلطم‭ ‬لأن‭ ‬فلان‭ ‬نال‭ ‬علاوة‭ ‬لأنه‭ ‬مسلح‭ ‬ببكالريوس‭ ‬وكل‭ ‬حيلتك‭ ‬‮«‬دبلوم‮»‬‭!! ‬اجتهد‭ ‬لترفيع‭ ‬الدبلوم‭ ‬إلى‭ ‬ماجستير‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬بكالريوس‭. ‬وعاماً‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬تهدر‭ ‬مئات‭ ‬الملايين‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬التعس‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬وطباعة‭ ‬المناهج‭. ‬يعني‭ ‬رضينا‭ ‬بالهم‭ ‬والهم‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يرضى‭ ‬بنا‭. ‬فلو‭ ‬بقيت‭ ‬المناهج‭ ‬على‭ ‬بؤسها‭ ‬ثابتة‭ ‬لنحو‭ ‬سبع‭ ‬او‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬لكان‭ ‬ممكنا‭ ‬اكتشاف‭ ‬مكامن‭ ‬الضعف‭ ‬والقوة‭ ‬فيها،‭ ‬وتعديلها‭ ‬وتطويرها‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬رميها‭ ‬في‭ ‬الزبالة‭ ‬و«هات‭ ‬واحد‭ ‬منهج‭ ‬جديد‭ ‬وصلحه‭ ‬يا‭ ‬أسطى‮»‬‭. ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬آليات‭ ‬مقبولة‭ ‬وفعالة‭ ‬للتقييم‭ ‬المستمر‭ ‬للطالب،‭ ‬لما‭ ‬مثلت‭ ‬الامتحانات‭ ‬عنصر‭ ‬ضغط‭ ‬نفسي‭ ‬وجسدي‭ ‬على‭ ‬الطالب‭ ‬وأسرته‭. ‬والغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬ان‭ ‬وزارات‭ ‬التربية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬تحس‭ ‬بالتقصير،‭ ‬وتدرك‭ ‬أن‭ ‬مناهجها‭ ‬لا‭ ‬تحترم‭ ‬العقل‭ ‬ولا‭ ‬تستفزه،‭ ‬لأنها‭ ‬مصممة‭ ‬باعتبار‭ ‬ان‭ ‬جميع‭ ‬الطلاب‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الذهنية‭ ‬الخاصة‭.. ‬وتعرف،‭ ‬من‭ ‬ثم،‭ ‬أن‭ ‬معظمهم‭ ‬لن‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬درجات‭ ‬نجاح‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭! ‬طيب‭ ‬ما‭ ‬الحل؟‭ ‬نترك‭ ‬نحو‭ ‬65‭% ‬من‭ ‬الطلاب‭ ‬يرسبون‭ ‬في‭ ‬الامتحانات‭ ‬المصيرية؟‭ ‬يا‭ ‬عيب‭ ‬الشوم‭. ‬سيكون‭ ‬هذا‭ ‬فشلا‭ ‬للوزارة‭ ‬وستشرشحنا‭ ‬الصحافة‭! ‬الحل‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬نضيف‭ ‬الى‭ ‬المنهج‭ ‬مقررات‭ ‬‮«‬أي‭ ‬كلام‮»‬‭.. ‬تناتيف‭ ‬من‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭.. ‬والمجتمع‭.. ‬والفلسفة‭.. ‬وعلم‭ ‬النفس‭.. ‬وطرق‭ ‬البحث‭.. ‬والسح‭ ‬الدح‭ ‬أمبو‭.. ‬ويا‭ ‬حظ‭ ‬من‭ ‬نفع‭ ‬واستنفع‭.. ‬ينال‭ ‬الطلاب‭ ‬درجات‭ ‬مضمونة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭ ‬وترتفع‭ ‬نسبة‭ ‬النجاح،‭ ‬وتكون‭ ‬الوزارة‭ ‬‮«‬في‭ ‬السليم‮»‬‭. ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬أذكر‭ ‬بإعجاب‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬آخر‭ ‬وزير‭ ‬تربية‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬حسني‭ ‬مبارك‭ ‬في‭ ‬مصر‭: ‬لو‭ ‬حد‭ ‬بعد‭ ‬كدا‭ ‬جاب‭ ‬في‭ ‬امتحان‭ ‬الشهادة‭ ‬90‭%‬،‭ ‬أروح‭ ‬بيته‭ ‬لتقديم‭ ‬تهنئة‭ ‬شخصية‮»‬‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا