زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
تعليم يشجع على الغش
يقول شاعر مصر الكبير أحمد شوقي «العلم يرفع بيتاً لا عماد له/ والجهل يهدم بيت العزّ والشرف»، والعلم الذي عناه شوقي ليس القدرة على القراءة والكتابة، (ونحن نسمي كل من ابتعد خطوتين عن الأمية «متعلِّم»)، بل العلم الذي يوسع المدارك ويشحذ العقل ويحفزه للتفكير والتدبُّر، ثم الفهم، بينما الجهل الذي عناه شاعرنا هو الأمية مقرونة بالضحالة الفكرية وبؤس القدرة على الاستيعاب والإدراك.
وأقول قولي هذا لأعود للمرة الألف إلى موضوعي الأثير، وهو حال التعليم عندنا، أو بالأحرى عدم وجود تعليم حقيقي عندنا، والمأساة الملهاة، هي أن الغش في الامتحانات، وبسبب بؤس المدخلات والمخرجات التعليمية صار من الشيوع، لدرجة أن بعض الجامعات لم تعد تعترف بنتائج امتحانات الشهادة الثانوية العامة، بعد أن ثبت لها أن من ينجح بنسبة 72% قد يكون أعلى قدرات أكاديمية من ذلك الذي أحرز 97% من الدرجات. والغش كالفساد وخيانة الأمانة لا يتفشى إلا في وجود الظلم الفادح. والمناهج المدرسية (والجامعية) وطرق التدريس عندنا تظلم الطالب ظلما فادحا لأنها لا تحترم ولا تختبر ولا تطور عقله.
من الأقوال المخزونة في ذاكرة الشعب الأمريكي ما قاله رئيسهم الأسبق جون كينيدي في ذات خطبة: هناك من ينظرون الى الأشياء التي تحدث من حولهم ويتساءلون: لماذا؟ (أي لماذا حدث الأمر بتلك الطريقة؟) ولكنني أفكر في الأشياء التي لم تحدث وأتساءل: لِم لا؟ أي ان كينيدي يقول إنه لا يكفي التفكير في البديهيات أو الأمور التي صارت واقعا، لأن مهمة العقل – أيضا - هي السعي لإيجاد أجوبة لأشياء ومسائل ما زال كنهها وعناصرها مجهولة. إنها دعوة لـ«الاستشراف». إذا اكتشفت ان اللحاف أقصر من رجليك، فلا تكتف بضم رجليك، فتصاب بشد عضلي، بل فكر في طريقة لتطويل اللحاف حتى يوفر لك الغطاء/الستر/الدفء المطلوب. لا تلطم لأن فلان نال علاوة لأنه مسلح ببكالريوس وكل حيلتك «دبلوم»!! اجتهد لترفيع الدبلوم إلى ماجستير وليس فقط بكالريوس. وعاماً بعد عام تهدر مئات الملايين في أنحاء عالمنا العربي التعس في إعادة صياغة وطباعة المناهج. يعني رضينا بالهم والهم هو الذي لا يرضى بنا. فلو بقيت المناهج على بؤسها ثابتة لنحو سبع او عشر سنوات لكان ممكنا اكتشاف مكامن الضعف والقوة فيها، وتعديلها وتطويرها بدلا من رميها في الزبالة و«هات واحد منهج جديد وصلحه يا أسطى». ولو كانت هناك آليات مقبولة وفعالة للتقييم المستمر للطالب، لما مثلت الامتحانات عنصر ضغط نفسي وجسدي على الطالب وأسرته. والغريب في الأمر ان وزارات التربية في العالم العربي تحس بالتقصير، وتدرك أن مناهجها لا تحترم العقل ولا تستفزه، لأنها مصممة باعتبار ان جميع الطلاب من ذوي الاحتياجات الذهنية الخاصة.. وتعرف، من ثم، أن معظمهم لن يتمكن من الحصول على درجات نجاح عن جدارة! طيب ما الحل؟ نترك نحو 65% من الطلاب يرسبون في الامتحانات المصيرية؟ يا عيب الشوم. سيكون هذا فشلا للوزارة وستشرشحنا الصحافة! الحل هو ان نضيف الى المنهج مقررات «أي كلام».. تناتيف من علم الاجتماع.. والمجتمع.. والفلسفة.. وعلم النفس.. وطرق البحث.. والسح الدح أمبو.. ويا حظ من نفع واستنفع.. ينال الطلاب درجات مضمونة في هذه المواد وترتفع نسبة النجاح، وتكون الوزارة «في السليم». ما زلت أذكر بإعجاب ما قاله آخر وزير تربية في عصر حسني مبارك في مصر: لو حد بعد كدا جاب في امتحان الشهادة 90%، أروح بيته لتقديم تهنئة شخصية»!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك