العدد : ١٧١١٤ - الخميس ٣٠ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١١٤ - الخميس ٣٠ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ رجب ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

تشارلين راحت في الشاورما

من‭ ‬أمثالنا‭ ‬الجميلة‭ ‬ذات‭ ‬المعاني‭ ‬العميقة‭ ‬المشبّعة‭ ‬بالحكمة‭: ‬‮«‬من‭ ‬نسي‭ ‬قديمه‭ ‬تاه‮»‬،‭ ‬وبداهة‭ ‬فليس‭ ‬كل‭ ‬قديم‭ ‬يستحق‭ ‬التشبث‭ ‬به،‭ ‬وعندنا‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬مثل‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬من‭ ‬خلّى‭ -‬أي‭ ‬ترك‭- ‬عادته‭ ‬قَلّت‭ ‬سعادته‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬مثل‭ ‬ذو‭ ‬معنيين،‭ ‬الأوّل‭ ‬يحث‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬العادات‭ ‬والتمسك‭ ‬بها،‭ ‬لأن‭ ‬التخلي‭ ‬عنها‭ ‬يجلب‭ ‬التعاسة،‭ ‬والمعنى‭ ‬الثاني‭ ‬سلبي‭: ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬معتادا‭ ‬على‭ ‬تعاطي‭ ‬المخدرات‭ ‬مثلا،‭ ‬فإن‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬يحرمك‭ ‬من‭ ‬السعادة‭.‬

وإليكم‭ ‬اليوم‭ ‬حكاية‭ ‬من‭ ‬تاه‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬نسي‭ ‬أمر‭ ‬دينه‭ ‬وثقافته‭: ‬اختفت‭ ‬الفتاة‭ ‬البريطانية‭ ‬تشارلين‭ ‬داونز‭ ‬من‭ ‬الوجود‭ ‬ولم‭ ‬تظهر‭ ‬بعدها‭ ‬أبدا‭. ‬وعرف‭ ‬الجميع‭ ‬لاحقا‭ ‬أنها‭ ‬ماتت‭ ‬مقتولة،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬رأى‭ ‬جثتها‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الشرطة‭ ‬والقضاء‭ ‬كمشوا‭ ‬من‭ ‬قتلها،‭ ‬وكانت‭ ‬آخر‭ ‬منطقة‭ ‬شوهدت‭ ‬فيها‭ ‬بعد‭ ‬مغادرة‭ ‬بيتها‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تعج‭ ‬بالمطاعم‭ ‬الآسيوية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بلاكبول‭ ‬السياحية‭. ‬وبعد‭ ‬اختفائها‭ ‬بأشهر‭ ‬قليلة‭ ‬مثل‭ ‬أمام‭ ‬القضاء‭ ‬إياد‭ ‬البطيخي‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬للكباب‭ ‬والشاورما،‭ ‬يملكه‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬إيراني‭ ‬اسمه‭ ‬محمد‭ ‬روشي‭. ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬عامين‭ ‬من‭ ‬اختفاء‭ ‬تشارلين‭ ‬أبلغ‭ ‬شقيق‭ ‬إياد‭ ‬البطيخي‭ ‬صديقا‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬إياد‭ ‬وروشي‭ ‬اغتصبا‭ ‬تشارلين‭ ‬ثم‭ ‬قتلاها‭. ‬الصديق‭ ‬أبلغ‭ ‬الشرطة‭ ‬بما‭ ‬سمع‭ ‬وقامت‭ ‬الشرطة‭ ‬بدورها‭ ‬بزرع‭ ‬أجهزة‭ ‬تنصت‭ ‬في‭ ‬المطعم‭ ‬ومكان‭ ‬سكنى‭ ‬إياد‭ ‬وروشي،‭ ‬وحصلت‭ ‬على‭ ‬إفادات‭ ‬بصوتيهما‭. ‬وإذا‭ ‬كنت‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ‭ ‬قد‭ ‬زرت‭ ‬بلاكبول‭ ‬وتناولت‭ ‬اللحوم‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬فاني‭ ‬بويز‮»‬‭ ‬فلا‭ ‬تواصل‭ ‬قراءة‭ ‬السطور‭ ‬التالية‭. ‬ففي‭ ‬التسجيلات‭ ‬الصوتية‭ ‬يتباهى‭ ‬إياد‭ ‬وروشي‭ ‬بأن‭ ‬تشارلين‭ ‬راحت‭ ‬مع‭ ‬الكباب‭. ‬يعني‭ ‬تم‭ ‬تقطيع‭ ‬لحمها‭ ‬وخلطه‭ ‬مع‭ ‬لحوم‭ ‬المواشي‭ ‬وبيعه‭ ‬للزبائن‭ ‬كلحم‭ ‬مشوي‭ ‬وشاورما‭. ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬ان‭ ‬تشارلين‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬الى‭ ‬عائلة‭ ‬مفككة‭ ‬كانت‭ ‬تتباهى‭ ‬بأنها‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬وجبات‭ ‬مجانية‭ ‬ببيع‭ ‬جسدها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬المفهوم‭ ‬لماذا‭ ‬تعرضت‭ ‬للذبح؟‭ ‬أعني‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يبلغ‭ ‬الشرطة‭ ‬بأنها‭ ‬تعرضت‭ ‬لاعتداء‭ ‬جنسي،‭ ‬لأنها‭ ‬تستجدي‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬الاعتداء‭ ‬وتعتبره‭ ‬‮«‬أكل‭ ‬عيش‮»‬‭. ‬أم‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬أزمة‭ ‬لحوم‭ ‬في‭ ‬بلاكبول؟‭ ‬بعض‭ ‬جماعة‭ ‬المطاعم‭ ‬عندنا‭ ‬يمارسون‭ ‬الانحطاط‭ ‬على‭ ‬خفيف‭ (‬نسبيا‭ ‬مقارنة‭ ‬بالبطيخي‭ ‬وصاحبه‭) ‬فهم‭ ‬يبيعون‭ ‬لحوم‭ ‬الحمير‭ ‬للشاورما‭ ‬ولحوم‭ ‬القطط‭ ‬كأرانب‭ ‬ودجاج‭.. ‬وفي‭ ‬الخرطوم‭ ‬اعتقلوا‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬وافدا‭ ‬إفريقيا‭ ‬يصنع‭ ‬الشاورما‭ ‬من‭ ‬لحوم‭ ‬الكلاب‭.‬

إياد‭ ‬البطيخي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬اسمه‭ ‬من‭ ‬جماعتنا،‭ ‬ونال‭ ‬الجنسية‭ ‬البريطانية‭. ‬وهو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الشبان‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬الذين‭ ‬طاروا‭ ‬فرحا‭ ‬لأنهم‭ ‬نالوا‭ ‬حق‭ ‬الإقامة‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬غربي،‭ ‬ثم‭... ‬‮«‬راحوا‭ ‬فيها‮»‬‭.. ‬لم‭ ‬يهتموا‭ ‬بالتعليم‭ ‬ولا‭ ‬باكتساب‭ ‬مهارات‭ ‬فنية‭ ‬أو‭ ‬مهنية،‭ ‬بل‭ ‬ظل‭ ‬كل‭ ‬همهم‭ ‬الانفلات‭ ‬من‭ ‬‮«‬قيود‮»‬‭ ‬الثقافة‭ ‬التي‭ ‬ولدوا‭ ‬في‭ ‬حضنها،‭ ‬والتزلج‭ ‬في‭ ‬حلبات‭ ‬أندية‭ ‬الديسكو،‭ ‬والتفنن‭ ‬في‭ ‬التحايل‭ ‬على‭ ‬القوانين‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬إعانات‭ ‬تجعلهم‭ ‬يتمتعون‭ ‬بالبطالة،‭ ‬للتفرغ‭ ‬للعبث‭ ‬واصطياد‭ ‬الفتيات،‭ ‬بل‭ ‬وترويج‭ ‬المخدرات‭ ‬لزيادة‭ ‬مداخيلهم‭ ‬المالية‭.‬

‭ ‬أعرف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬زوجين‭ ‬دخلوا‭ ‬بريطانيا‭ ‬كلاجئين‭ ‬سياسيين‭ ‬ثم‭ ‬ذهبوا‭ ‬الى‭ ‬سفارات‭ ‬بلدانهم‭ ‬وتطلقوا‭. ‬وفور‭ ‬الطلاق‭ ‬تحصل‭ ‬الزوجة‭ ‬على‭ ‬مسكن‭ ‬منفصل‭ ‬يتم‭ ‬تأجيره‭ ‬لمن‭ ‬يرغب،‭ ‬ويظلان‭ ‬يعيشان‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬الزوجية‭ ‬الأصلي‭ ‬وهما‭ ‬يعلنان‭ ‬‮«‬ضحكنا‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬بطلاق‭ ‬شكلي‮»‬‭.. ‬ولحسن‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬حظ‭ ‬من‭ ‬يفعلون‭ ‬ذلك‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬قانون‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬يحرم‭ ‬ويجرِّم‭ ‬الزنا‭. ‬والمدن‭ ‬الأسترالية‭ ‬تشكو‭ ‬من‭ ‬عصابات‭ ‬شبان‭ ‬عرب‭ ‬يتخصصون‭ ‬في‭ ‬اختطاف‭ ‬واغتصاب‭ ‬البنات‭ (‬ولا‭ ‬مجال‭ ‬للزعم‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬مؤامرة‭ ‬لإشانة‭ ‬سمعة‭ ‬الجالية‭ ‬العربية‭ ‬هناك‭ ‬فأسماء‭ ‬عشرات‭ ‬المتهمين‭ ‬والمدانين‭ ‬من‭ ‬الشبان‭ ‬العرب‭ ‬تظهر‭ ‬بانتظام‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأسترالية‭).. ‬كل‭ ‬من‭ ‬يزور‭ ‬عاصمة‭ ‬غربية‭ ‬يلتقي‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الزوار‭ ‬والسياح‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬يحسبون‭ ‬ان‭ ‬نساء‭ ‬تلك‭ ‬العواصم‭ ‬يحسبن‭ ‬الشهور‭ ‬والأيام‭ ‬حتى‭ ‬يأتي‭ ‬الفحول‭ ‬في‭ ‬مواسم‭ ‬السياحة‭.. ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬يحسبون‭ ‬نساء‭ ‬الخواجات‭ ‬جميعهن‭ ‬فاجرات‭ ‬داعرات‭.. ‬فيطاردونهن‭ ‬بأساليب‭ ‬فظة‭ ‬وفجة،‭ ‬ولكن‭ ‬يا‭ ‬ويلك‭ ‬إذا‭ ‬قلت‭ ‬لواحد‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬إنه‭ ‬بفعله‭ ‬هذا‭ ‬فاجر‭ ‬داعر‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا