يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
ملحمة العائدين إلى الشمال
هذه مشاهد ملحمة تاريخية.. مشاهد مئات الآلاف من الفلسطينيين العائدين إلى شمال غزة سيرا على الأقدام أو في مركبات متهالكة حاملين أمتعتهم البسيطة.
هذه المشاهد أبلغ رد على كل من يتصور أن بمقدوره تصفية القضية الفلسطينية أو القضاء على أحلام الشعب الفلسطيني ومطالبه المشروعة.
هذه المشاهد هي في حد ذاتها دليل دامغ على فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أكبر أهدافه من حرب الإبادة الجماعية الشاملة التي شنها على امتداد أكثر من 15 شهرا. ارتكب الكيان الإسرائيلي أبشع جرائم الحرب والإبادة الوحشية التي عرفها العالم.. مئات الآلاف استشهدوا وأصيبوا، أغلبهم من الأطفال والنساء.. كل المنازل تقريبا تم تدميرها، وكذلك المخيمات والمنشآت، حتى المزارع أحرقوها، والمستشفيات تعمدوا تدميرها وأي مركز للرعاية.. وهكذا. العالم أجمع على أن مرتكبي هذه الجرائم مجرمو حرب وإبادة يجب تقديمهم للمحاكمات الدولية.
منذ اليوم الأول لحرب الإبادة كان قادة الكيان الإسرائيلي واضحين تماما في الهدف الأكبر الذي يريدون تحقيقه.. قالوا إنهم سوف يدمرون غزة بالكامل بكل ما فيها ومن فيها بحيث تصبح مكانا غير قابل للحياة على الإطلاق، وبحيث لا يجد الفلسطينيون في غزة أي خيار آخر سوى الرحيل وقبول تهجيرهم إلى الخارج.
هذا «الترانسفير» أو التهجير الجماعي للفلسطينيين هو جوهر المشروع الصهيوني في العقيدة الصهيونية لا يمكن لإسرائيل أن تظل موجودة طالما أن الفلسطينيين موجودون في أرضهم ولهذا لا بديل سوى «تطهير» كل فلسطين من أهلها.
تصور الإسرائيليون أنهم بكل هذه الوحشية والهمجية في حرب الإبادة، وبالدعم الأمريكي والضغوط التي تمارسها أمريكا، سيحققون هدفهم بتهجير الفلسطينيين من غزة، لكن أمرا واحدا لم يحسبوا حسابه.
لم يحسبوا حساب أن هذا الشعب الفلسطيني الذي ذاق العذاب والويلات على امتداد عقود منذ اغتصاب وطنه وقيام الكيان الإسرائيلي ليس مستعدا لتكرار النكبة مرة أخرى مهما كلفه ذلك.. لم يحسبوا حساب إرادة هذا الشعب على البقاء في أرضه والدفاع عنها في وجه كل الإجرام الصهيوني.
ملحمة مشاهد العائدين إلى الشمال جاءت تجسيدا لهذا. هؤلاء العائدون يعودون إلى بيوت مدمرة بالكامل، ويعرفون أنهم لن يجدوا لا رعاية صحية أو اجتماعية وسيعانون أشد المعاناة، لكن بالنسبة إليهم كل هذا يهون في سبيل العودة إلى بيوتهم وإلى هذه البقعة من وطنهم فلسطين.
كما ذكرت، هذا أبلغ رد على ترامب وغيره ممن يتصورون أن بمقدورهم أن يجبروا الفلسطينيين على الرحيل ويجبروا الدول العربية على قبول ذلك.
مقاطع الفيديو لمشاهد العائدين سجلت مواقف مؤثرة يجب أن يتأملها ترامب والكيان الإسرائيلي.
..أحد مقاطع الفيديو سجلت لسيدة فلسطينية قولها ردا على ترامب: «اليوم هو يوم تاريخي.. هنموت في أرضنا ما بنسيب أرضنا.. يجي يتفرج هذا هو الدليل أمام عين ترامب، وللعالم كله، مستعدين نموت وما نسيب أرضنا.. أرضنا عرضنا، أحنا تعذبنا لكن ما سبنا أرضنا.. بيحلم ترامب إذا واحد فينا بتهجر على مصر أو الأردن».
..مقطع فيديو للفلسطينيين العائدين وهم يرددون تكبيرات العيد، الأمر الذي علق عليه بعض النشطاء بقولهم: «نصف مليون إنسان يكبرون بصوت واحد الآن. هذه هي العودة الأعظم على الإطلاق«.
.. مقطع آخر أظهر أطفالا فلسطينيين من العائدين يحمل بعضهم الدفوف
ويرددون «بلدي الغالية الحلوة يا غزة، أرض المجد وأرض العزة.. بلدي الغالية الحلوة يا غزة».
مثل هذه المشاهد لملحمة العودة الفلسطينية إلى الشمال تسجل كما نرى موقفا تاريخيا.
غير أن هناك أمورا مهمة يجب أن ننتبه إليها، أولها أن الكيان الإسرائيلي لن يتوقف أبدا عن محاولة تنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين ليس من غزة فقط، وإنما من الضفة وكل فلسطين. ولن يتردد الكيان الإسرائيلي في ارتكاب أي جرائم حرب وإبادة من أجل هذا. ولن تتوقف أمريكا عن ممارسة الضغوط على الدول العربية لدفعها إلى قبول المخطط.
لهذا نحن بحاجة إلى موقف عربي صلب وثابت وواضح ودائم برفض هذا المخطط تحت أي ظرف وفي أي وقت.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك