زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
بنا عوجة لا نراها
«الجمل ما يشوف عوجة رقبته» مثل شعبي سوداني، يقال عمن لا يرى خطأ في سلوكه وخصاله وأفعاله، باعتبار ان الجمل لا يدرك ولا يرى بأسا في أن رقبته معوجة ومقوّسة، ومن ثم يتم تشبيه الانسان الذي لا يرى عيوب نفسه بالجمل (إذا سألت سودانيا عن حاله وقال: ما في عوجة فإنه يعني أن أموره مستقيمة أي طيبة).
نحن نردد بلا كلل او ملل ان الأمريكان والأوربيين عنصريون. وهذا صحيح إلى حد كبير، بل إنهم من أول من تاجر بالبشر بالجملة، وأمريكا وحدها خطفت واشترت نحو 150 مليون إفريقي، على مدى ما يزيد على القرن ليؤدوا أحقر وأصعب المهن، (مات ملايين الأفارقة المسترقين إما خلال نقلهم بحرا أو جوعا أو تعذيبا بعد وصولهم إلى أرض الأحلام)، وما زال مئات الملايين مما يسمى بالجنس الأبيض يعتبرون الشعوب الأخرى أقل منهم شأنا في كل مجال، ولكننا أيضا عنصريون، وعنصريتنا قد تكون أكثر قبحا من عنصرية الغربيين، فهم قد يمارسون التمييز ضدنا نحن أبناء وبنات الشعوب السمراء والسوداء، وحتى عندما كان التمييز العنصري في الغرب مقننا، كان موجها ضد الأجانب من غير ذوي الأصول القوقازية (البيض كما نسميهم). بينما نحن نمارس التمييز ضد بعضنا البعض، بل إن هناك من سيحتج لأنني جعلت العرب جميعا من الشعوب السمراء، بينما الحقيقة التاريخية والعملية هي أن العرب الأصليين شعب أسمر، وحتى بمقاييس الخواجات لا يوجد عربي «أبيض». على كل حال، فالمسألة نسبية. فحتى لو كنت أنت تعتقد إنك أبيض فأنت كذلك فقط مقارنة بمن هم أكثر سمرة منك من بني وطنك، ولكنك تبقى اسمر في عيون الشعوب البيضاء. ومصيبتنا هي اننا – مثل الجمل – لا نرى اعوجاج رقابنا، وأننا لا نرى أننا نمارس التمييز أو أننا من ضحاياه، ففي كل الدول العربية تجد نسبة عالية من السكان لا تعتقد ان حقوقها مهضومة، ومرد ذلك هو أنه عندما يكون الظلم شاملا فإنك لا تحس بأنك مستهدف أو من ضحاياه ولهذا نردد المقولة الخائبة بأن الموت مع الجماعة «عرس».
ريتشارد برانسون مليونير بريطاني ارتبط اسمه بشركات للتسجيلات الموسيقية والكتب والنقل الجوي وجميعها تعمل تحت اسم «فيرجن»، وقد كرمته ملكة بريطانيا ومنحته لقب «سير»، وهو أرفع لقب في سلم الارستقراطية البريطانية. وبرانسون رجل شعبي حسن السمعة ولم يُعرف عنه أنه يمارس التمييز ضد إنسان آخر بسبب اللون أو الجندر (الجنس من حيث الذكورة والأنوثة) أو القبيلة او المنطقة، ومع هذا فقد أدانت محكمة أسترالية قبل سنوات شركته بممارسة التمييز ضد بعض النساء. كانت شركته للطيران أعلنت رغبتها في توظيف مضيفات، وتم استبعاد 8 متقدمات من المنافسة رغم أن بعضهن يملكن الخبرة في مجال الضيافة الجوية، سبب الاستبعاد هو أنهن كن فوق سن الأربعين، ورأت المحكمة ان الشركة مارست التمييز ضد هؤلاء النسوة بسبب «العمر» وقضت لهن بتعويضات مجزية.. تعال نقلب صحفنا ونقرأ بعض الإعلانات عن الوظائف الشاغرة: مطلوب موظفة استقبال ذات مظهر حسن لا يزيد عمرها على 25 سنة! معيار المظهر الحسن مطاطي وهلامي، ومن ثم فهو معيار سخيف وجارح، فلو ترشحت عشرون فتاة للوظيفة وتم اختيار واحدة فقط، فمعنى هذا أن من قام بالاختيار يرى ان المستبعدات الـ19 ذوات مظهر غير حسن.. ولماذا 25 سنة؟ هل ذات الـ26 سنة منتهية الصلاحية؟ ولماذا تخصص الوظيفة لأنثى ما لم تكن المسألة فيها «إنَّ»؟!! لو ظهر إعلان كهذا في صحيفة غربية لـ«خرب بيت» من نشره، لأن جمعيات مختلفة تتولى رصد مظاهر التمييز تحت أي ذريعة، بل إن استبعاد شخص ما من المنافسة على وظيفة بسبب عامل السن يعتبر «تمييزا» يحاسب عليه القانون.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك