العدد : ١٧٢٥٢ - الثلاثاء ١٧ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٥٢ - الثلاثاء ١٧ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

بنا عوجة لا نراها

‮«‬الجمل‭ ‬ما‭ ‬يشوف‭ ‬عوجة‭ ‬رقبته‮»‬‭ ‬مثل‭ ‬شعبي‭ ‬سوداني،‭ ‬يقال‭ ‬عمن‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬خطأ‭ ‬في‭ ‬سلوكه‭ ‬وخصاله‭ ‬وأفعاله،‭ ‬باعتبار‭ ‬ان‭ ‬الجمل‭ ‬لا‭ ‬يدرك‭ ‬ولا‭ ‬يرى‭ ‬بأسا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬رقبته‭ ‬معوجة‭ ‬ومقوّسة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يتم‭ ‬تشبيه‭ ‬الانسان‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬عيوب‭ ‬نفسه‭ ‬بالجمل‭ (‬إذا‭ ‬سألت‭ ‬سودانيا‭ ‬عن‭ ‬حاله‭ ‬وقال‭: ‬ما‭ ‬في‭ ‬عوجة‭ ‬فإنه‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أموره‭ ‬مستقيمة‭ ‬أي‭ ‬طيبة‭).‬

نحن‭ ‬نردد‭ ‬بلا‭ ‬كلل‭ ‬او‭ ‬ملل‭ ‬ان‭ ‬الأمريكان‭ ‬والأوربيين‭ ‬عنصريون‭. ‬وهذا‭ ‬صحيح‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬بل‭ ‬إنهم‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬تاجر‭ ‬بالبشر‭ ‬بالجملة،‭ ‬وأمريكا‭ ‬وحدها‭ ‬خطفت‭ ‬واشترت‭ ‬نحو‭ ‬150‭ ‬مليون‭ ‬إفريقي،‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬القرن‭ ‬ليؤدوا‭ ‬أحقر‭ ‬وأصعب‭ ‬المهن،‭ (‬مات‭ ‬ملايين‭ ‬الأفارقة‭ ‬المسترقين‭ ‬إما‭ ‬خلال‭ ‬نقلهم‭ ‬بحرا‭ ‬أو‭ ‬جوعا‭ ‬أو‭ ‬تعذيبا‭ ‬بعد‭ ‬وصولهم‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬الأحلام‭)‬،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬مئات‭ ‬الملايين‭ ‬مما‭ ‬يسمى‭ ‬بالجنس‭ ‬الأبيض‭ ‬يعتبرون‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬أقل‭ ‬منهم‭ ‬شأنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجال،‭ ‬ولكننا‭ ‬أيضا‭ ‬عنصريون،‭ ‬وعنصريتنا‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬قبحا‭ ‬من‭ ‬عنصرية‭ ‬الغربيين،‭ ‬فهم‭ ‬قد‭ ‬يمارسون‭ ‬التمييز‭ ‬ضدنا‭ ‬نحن‭ ‬أبناء‭ ‬وبنات‭ ‬الشعوب‭ ‬السمراء‭ ‬والسوداء،‭ ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬مقننا،‭ ‬كان‭ ‬موجها‭ ‬ضد‭ ‬الأجانب‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬ذوي‭ ‬الأصول‭ ‬القوقازية‭ (‬البيض‭ ‬كما‭ ‬نسميهم‭). ‬بينما‭ ‬نحن‭ ‬نمارس‭ ‬التمييز‭ ‬ضد‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬سيحتج‭ ‬لأنني‭ ‬جعلت‭ ‬العرب‭ ‬جميعا‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬السمراء،‭ ‬بينما‭ ‬الحقيقة‭ ‬التاريخية‭ ‬والعملية‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬الأصليين‭ ‬شعب‭ ‬أسمر،‭ ‬وحتى‭ ‬بمقاييس‭ ‬الخواجات‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬عربي‭ ‬‮«‬أبيض‮»‬‭. ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال،‭ ‬فالمسألة‭ ‬نسبية‭. ‬فحتى‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬أنت‭ ‬تعتقد‭ ‬إنك‭ ‬أبيض‭ ‬فأنت‭ ‬كذلك‭ ‬فقط‭ ‬مقارنة‭ ‬بمن‭ ‬هم‭ ‬أكثر‭ ‬سمرة‭ ‬منك‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬وطنك،‭ ‬ولكنك‭ ‬تبقى‭ ‬اسمر‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬الشعوب‭ ‬البيضاء‭. ‬ومصيبتنا‭ ‬هي‭ ‬اننا‭ ‬‭ ‬مثل‭ ‬الجمل‭ ‬‭ ‬لا‭ ‬نرى‭ ‬اعوجاج‭ ‬رقابنا،‭ ‬وأننا‭ ‬لا‭ ‬نرى‭ ‬أننا‭ ‬نمارس‭ ‬التمييز‭ ‬أو‭ ‬أننا‭ ‬من‭ ‬ضحاياه،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تجد‭ ‬نسبة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬لا‭ ‬تعتقد‭ ‬ان‭ ‬حقوقها‭ ‬مهضومة،‭ ‬ومرد‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬الظلم‭ ‬شاملا‭ ‬فإنك‭ ‬لا‭ ‬تحس‭ ‬بأنك‭ ‬مستهدف‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬ضحاياه‭ ‬ولهذا‭ ‬نردد‭ ‬المقولة‭ ‬الخائبة‭ ‬بأن‭ ‬الموت‭ ‬مع‭ ‬الجماعة‭ ‬‮«‬عرس‮»‬‭.‬

ريتشارد‭ ‬برانسون‭ ‬مليونير‭ ‬بريطاني‭ ‬ارتبط‭ ‬اسمه‭ ‬بشركات‭ ‬للتسجيلات‭ ‬الموسيقية‭ ‬والكتب‭ ‬والنقل‭ ‬الجوي‭ ‬وجميعها‭ ‬تعمل‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬فيرجن‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬كرمته‭ ‬ملكة‭ ‬بريطانيا‭ ‬ومنحته‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬سير‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬أرفع‭ ‬لقب‭ ‬في‭ ‬سلم‭ ‬الارستقراطية‭ ‬البريطانية‭. ‬وبرانسون‭ ‬رجل‭ ‬شعبي‭ ‬حسن‭ ‬السمعة‭ ‬ولم‭ ‬يُعرف‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬يمارس‭ ‬التمييز‭ ‬ضد‭ ‬إنسان‭ ‬آخر‭ ‬بسبب‭ ‬اللون‭ ‬أو‭ ‬الجندر‭ (‬الجنس‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الذكورة‭ ‬والأنوثة‭) ‬أو‭ ‬القبيلة‭ ‬او‭ ‬المنطقة،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فقد‭ ‬أدانت‭ ‬محكمة‭ ‬أسترالية‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬شركته‭ ‬بممارسة‭ ‬التمييز‭ ‬ضد‭ ‬بعض‭ ‬النساء‭. ‬كانت‭ ‬شركته‭ ‬للطيران‭ ‬أعلنت‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬مضيفات،‭ ‬وتم‭ ‬استبعاد‭ ‬8‭ ‬متقدمات‭ ‬من‭ ‬المنافسة‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬بعضهن‭ ‬يملكن‭ ‬الخبرة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الضيافة‭ ‬الجوية،‭ ‬سبب‭ ‬الاستبعاد‭ ‬هو‭ ‬أنهن‭ ‬كن‭ ‬فوق‭ ‬سن‭ ‬الأربعين،‭ ‬ورأت‭ ‬المحكمة‭ ‬ان‭ ‬الشركة‭ ‬مارست‭ ‬التمييز‭ ‬ضد‭ ‬هؤلاء‭ ‬النسوة‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬العمر‮»‬‭ ‬وقضت‭ ‬لهن‭ ‬بتعويضات‭ ‬مجزية‭.. ‬تعال‭ ‬نقلب‭ ‬صحفنا‭ ‬ونقرأ‭ ‬بعض‭ ‬الإعلانات‭ ‬عن‭ ‬الوظائف‭ ‬الشاغرة‭: ‬مطلوب‭ ‬موظفة‭ ‬استقبال‭ ‬ذات‭ ‬مظهر‭ ‬حسن‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬عمرها‭ ‬على‭ ‬25‭ ‬سنة‭! ‬معيار‭ ‬المظهر‭ ‬الحسن‭ ‬مطاطي‭ ‬وهلامي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فهو‭ ‬معيار‭ ‬سخيف‭ ‬وجارح،‭ ‬فلو‭ ‬ترشحت‭ ‬عشرون‭ ‬فتاة‭ ‬للوظيفة‭ ‬وتم‭ ‬اختيار‭ ‬واحدة‭ ‬فقط،‭ ‬فمعنى‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بالاختيار‭ ‬يرى‭ ‬ان‭ ‬المستبعدات‭ ‬الـ19‭ ‬ذوات‭ ‬مظهر‭ ‬غير‭ ‬حسن‭.. ‬ولماذا‭ ‬25‭ ‬سنة؟‭ ‬هل‭ ‬ذات‭ ‬الـ26‭ ‬سنة‭ ‬منتهية‭ ‬الصلاحية؟‭ ‬ولماذا‭ ‬تخصص‭ ‬الوظيفة‭ ‬لأنثى‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬المسألة‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬إنَّ‮»‬؟‭!! ‬لو‭ ‬ظهر‭ ‬إعلان‭ ‬كهذا‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬غربية‭ ‬لـ«خرب‭ ‬بيت‮»‬‭ ‬من‭ ‬نشره،‭ ‬لأن‭ ‬جمعيات‭ ‬مختلفة‭ ‬تتولى‭ ‬رصد‭ ‬مظاهر‭ ‬التمييز‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬ذريعة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬استبعاد‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬المنافسة‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬بسبب‭ ‬عامل‭ ‬السن‭ ‬يعتبر‭ ‬‮«‬تمييزا‮»‬‭ ‬يحاسب‭ ‬عليه‭ ‬القانون‭.                                                                         ‬‭                                                        ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا