عالم يتغير
فوزية رشيد
ترامب ومتناقضات خطاب العهد الذهبي!
{ ها قد عاد ترامب في ولاية ثانية ليصبح رسميا الرئيس السابع والأربعون في الولايات المتحدة، حاملاً معه في حقيبته الرئاسية عشرات الوعود والقرارات والكثير من الملفات الداخلية والخارجية، في ظل أيضا الكثير من الهواجس الدولية والشرق أوسطية أو العربية، حول ما سينتج عن ولايته الثانية! والكل يعلم أنه شخصية إشكالية قوية واستعراضية في ذات الوقت، يتعامل مع السياسة بلغة التجارة والصفقات، ويثق بقدرته على فرضها بلغة أخرى هي لغة القوة والبلطجة!
{ في حفل تنصيبه في الكونجرس داخل القاعة المغلفة بسبب الأجواء شديدة البرودة في الخارج، دخل راسماً على وجهه ملامح التحدي، مخاطباً الحاضرين بثقة وهو يبث في خطابه المضمون الذي يكرره عادة (إن الله أنقذني من محاولة الاغتيال لكي أعيد لأمريكا عظمتها. منذ الآن قد بدأ العهد الذهبي لأمريكا)! وقال إنه سيوقع يوم تنصيبه رئيساً على مائة قرار ومرسوم، تتعلق بكل ما وعد به ناخبيه ومناصريه بما يتعلق بالهجرة غير الشرعية، وعصابات التهريب، وتقوية الاقتصاد وتخفيض التضخم وتحسين معيشة المواطنين وبناء أقوى جيش في العالم والتركيز على الطاقة إنتاجاً وتصديراً، وعلى التقنيات التكنولوجية ورفع العلم الأمريكي في المريخ!
وأكد أن في أمريكا يوجد ذكر وأنثى فقط، مشيراً إلى حملته القادمة ضد الشذوذ والتحول الجنسي والتلاعب الجيني، وإلغاء المواد المشجعة على ذلك في التعليم، وبالفعل وقع على العديد من القرارات ليتم تنفيذها وهو يستعرض توقيعه على ملفاتها.
{ هناك من رأى أن خطابه وتصريحاته اللاحقة في ذات يوم ومساء بدء رئاسته، هو خطاب شعبوي، وأن فوزه يشجع الأحزاب اليمينية والشعبوية في أوروبا، ما أثار الهواجس والمخاوف من سياساته القادمة خاصة سياسة الهيمنة على الاتحاد الأوروبي! وقد عبر الرئيس الفرنسي «ماكرون» عن ذلك!
{ وهناك من رأى في وعوده الكثير من التناقضات وهو يطمح إلى عهد ذهبي لأمريكيا وإنهاء الحروب وهو يقول (إرثي سيكون صناعة السلام وإنهاء الحروب) بأن محاولته في ذلك متضادة مع «المنظومة المؤسساتية» في أمريكا والقائمة على الحروب بشكل دائم! وإن كان يعمل على نيل (جائزة نوبل للسلام) فإن أمامه الكثير من الإشكاليات والعراقيل، بينها رؤيته المتناقضة حول السلام وهو يقول إن (السلام يأتي بالقوة والقوة تحمي السلام)! قال ذلك قبل تنفيذ الهدنة بين «حماس» والكيان الصهيوني!
في ذات الوقت تصطدم وعوده حول إنهاء الحروب بتصريحاته حول «بنما» وحول كندا وجرينلاند واعتبار خليج المكسيك خليج أمريكا، وهو ما أشار اليه في خطابه في الكونجرس! وكل تلك الدول وعد الأمريكيين وسابقا ايضاً إما بضم بعضها (بنما وكندا) أو شراء بعضها الآخر مثل «جرينلاند»، أو بفرض لغة القوة كما في حالة خليج المكسيك!
{ ما يهمنا في المنطقة العربية هو اللغة التي يتعامل بها مع حكومة دولة الاحتلال الصهيوني، خاصة أنه يعطيها المثال لشرعنة الاحتلال والتوسع عبر القوة! على خلفية ما قاله سابقاً إن (إسرائيل) صغيرة في خارطة المنطقة التي تحيطها وتحتاج الى التوسع)! فمن أين يأتي السلام الذي يعد به وهو في يوم تنصيبه قال عبارة أخرى مفارقة حول نجاح الهدنة في غزة (إنها حربهم وليست حربنا... وأنا غير متأكد أن وقف إطلاق النار سيصمد)! ألا يدرك «ترامب» أن لا سلام في المنطقة إلا بحل القضية الفلسطينية، وليس بشرعنة القوة والتوسع الصهيوني في المنطقة؟! أين هي الحقوق الفلسطينية وحقوق أمن واستقرار دول المحيط في المنطقة التي لم يأت عليها بذكر، وهو يتحدث عن السلام وإنهاء الحروب؟!
{ كيف سيتعامل «ترامب» مع الملفات الشائكة الأخرى في المنطقة مثل إيران واليمن وسوريا، والملفات الدولية وعلى رأسها الصين وروسيا مع الإفصاح عن رغبته بعدم خوض الحروب بل وإنهاء ما هو موجود منها؟!
وكيف سيحقق المواصلة في «السلام الإبراهيمي» الذي بدأه في ولايته الأولى فيما المتناقضات صارخة بين السلام والتطبيع من جهته والتوافق مع الكيان الصهيوني وطموحاته المعلنة بإنهاء القضية الفلسطينية ورفض حلّ الدولتين، بل والدخول العسكري إلى الضفة الغربية في اليوم التالي لتنصيبه! والعمل على ضمها وضم غزة! إلى جانب التوسع في أراضي لبنان وسوريا؟!
{ وماذا عن الدولة العميقة التي أكد محاربتها في أمريكيا، والمجمع الصناعي العسكري والمجمع التقني والإعلامي وكلاهما تابع للدولة العميقة ومتوغلة في كل المؤسسات الأمريكية حتى النخاع، وتتنفس عبر الحروب منذ قيامها تجمعات، وأخطر ما يهددها هو لغة السلام وإنهاء الحروب؟!
كيف سيقضي على الدولة العميقة ويستعيد قوة أمريكا التي لم تكن إلا قوة استعمارية منذ عقود طويلة، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وحيث المجمع الصناعي العسكري والأخطبوط المالي والإعلامي في أمريكا متشبث بالاستثمار في الحروب وخاصة الاستثمار الحربي في أوكرانيا ويتطلع إلى إشعال حرب عالمية ثالثة! هل بإمكان «ترامب» وفريقه تجاوز كل ذلك وهو يتعهد بالقضاء على الدولة العميقة في أمريكا! وفي ذات الوقت يتعهد ببناء أقوى جيش في العالم، كما أعلن في خطابه، فما مهمة هذا الجيش الأقوى إن لم تكن هي مهمة الحروب؟!
{ وبالنسبة إلى المنطقة العربية هل يعتقد أن لغة الصفقات التجارية كافية لإنهاء التوتر التاريخي الذي حل على المنطقة منذ قيام الكيان الصهيوني؟! وهل يتوقع إشاعة والاستقرار والسلام دون لجم الرؤية الاستعمارية والتوسعية سواء للكيان أو لأمريكا أم أن «ترامب» سيعمل على التهدئة والهُدن وليس السلام الدائم! وأن اتفاقيات السلام هي مجرد صفقات خاصة به حتى يحقق حلم الحصول على «جائزة نوبل للسلام»، وبعدها لتذهب المنطقة إلى الجحيم ما إن تنتهي ولايته الثانية! وقد أعطى للكيان الصهيوني دفعة قوية في اختراق دول المنطقة مع استمرار رؤيته التوسعية وبقوة لاحقاً!
{ التوقعات كثيرة تجاه شخصية إشكالية مثل «ترامب»، وعلى دول المنطقة العربية بناء رؤية استراتيجية بعيدة المدى لكيفية التعامل مع مرحلة ترامب ذات السنوات الأربع! والمرحلة التي بعدها التي قد تعود فيها الدولة العميقة بمتطرفيها إلى الواجهة ثانية، وكلهم وعبر كل الرئاسات مع الكيان الصهيوني قلبا وقالباً، وتغير اللغة من رئيس إلى آخر هو مجرد تغير في الأسلوب للوصول مع إلى ذات الهدف الصهيوني المعروف في المنطقة العربية! وبانتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك