العدد : ١٧١٠٧ - الخميس ٢٣ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٠٧ - الخميس ٢٣ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ رجب ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

تعطيل وتأجيل الشيخوخة

تتألف‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬من‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المستقلة،‭ ‬ولكن‭ ‬تربطها‭ ‬ببعضها‭ ‬البعض‭ ‬مصالح‭ ‬مشتركة،‭ ‬فتجد‭ ‬دولة‭ ‬‮«‬تتخصص‮»‬‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬القطن‭ ‬وتسويقه‭ ‬وأخرى‭ ‬مجالها‭ ‬هو‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬وثالثة‭ ‬تنتج‭ ‬القمح‭ ‬والذرة،‭ ‬ورغم‭ ‬التباين‭ ‬في‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تكمل‭ ‬بعضها‭ ‬بعضا‭. ‬ومخ‭ ‬الإنسان‭ ‬سيم‭ ‬سيم‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬وينقسم‭ ‬الى‭ ‬أقاليم‭ ‬شبه‭ ‬مستقلة‭ ‬ولكنها‭ ‬تتعاون‭ ‬بشكل‭ ‬لصيق‭ ‬ووثيق،‭ ‬بحيث‭ ‬ينجح‭ ‬كل‭ ‬إقليم‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬المهام‭ ‬التي‭ ‬يضطلع‭ ‬بها‭.‬

اليوم‭ ‬أزف‭ ‬البشرى‭ ‬بأن‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭ ‬قد‭ ‬يشهد‭ ‬تأخير‭ ‬السن‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬فيها‭ ‬أعراض‭ ‬العجز‭ ‬والشيخوخة،‭ ‬فقد‭ ‬اكتشف‭ ‬باحثون‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬يشيفا‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬منطقة‭ ‬في‭ ‬المخ‭ ‬تسمى‭ ‬هايبوثلاماس hypothalamus‭ ‬تقوم‭ ‬مقام‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالساعة‭ ‬الدماغية،‭ ‬وجاء‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬نشرته‭ ‬مجلة‭ ‬نيتشر‭ ‬Nature، أن الهايبوثلاماس يطلق بروتين إن إفكيه بي NF-kB‭ ‬الذي‭ ‬يتولى‭ ‬الفتك‭ ‬بالأنسجة‭ ‬لتبدأ‭ ‬التجاعيد‭ ‬وآلام‭ ‬المفاصل،‭ ‬وبقية‭ ‬أعراض‭ ‬الكعكعة،‭ ‬وقام‭ ‬العلماء‭ ‬بإبطاء‭ ‬نشاط‭ ‬الهايبوثلاماس‭ ‬في‭ ‬الفئران‭ ‬فتأخرت‭ ‬الشيخوخة‭ ‬عندها‭ ‬وطال‭ ‬عمرها‭ ‬بنسبة‭ ‬20‭% ‬مقارنة‭ ‬بالفئران‭ ‬التي‭ ‬ظل‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬الشيء‮»‬‭ ‬يشتغل‭ ‬في‭ ‬دماغها‭ ‬على‭ ‬كيفه‭ ‬ومزاجه،‭ ‬ويقول‭ ‬بروفيسر‭ ‬دونغشنغ‭ ‬كاي‭ ‬إن‭ ‬إبطاء‭ ‬نشاط‭ ‬الهايبو‭- ‬زفت‭ ‬هذا‭ ‬سيؤدي‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬إلى‭ ‬تأخر‭ ‬عوامل‭ ‬التعرية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬‮«‬بشائر‮»‬‭ ‬العجز‭ ‬والشيخوخة‭.‬

ما‭ ‬إن‭ ‬سمعت‭ ‬بتلك‭ ‬التجربة‭ ‬الناجحة‭ ‬لتأخير‭ ‬الشيخوخة‭ ‬وما‭ ‬يتبعها‭ ‬من‭ ‬كرمشة‭ ‬وقرمشة‭ ‬وفقدان‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الفرفشة‭ ‬حتى‭ ‬تذكرت‭ ‬حكاية‭ ‬العراقي‭ ‬الذي‭ ‬تزوج‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬اليوم‭ ‬ونفس‭ ‬القاعة‭ ‬التي‭ ‬أقيمت‭ ‬فيها‭ ‬حفلتا‭ ‬الزفاف‭ ‬لاثنين‭ ‬من‭ ‬أحفاده،‭ ‬فاستنتجت‭ ‬أن‭ ‬هايبوثلاماس‭ ‬صاحبنا‭ ‬تعطل‭ ‬بسبب‭ ‬البوم‭ ‬بوم،‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬العراق‭ ‬مسرحا‭ ‬له‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ثم‭ ‬البوم‭ ‬بوووم‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬مع‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬لبلاده‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬ويقال‭ ‬إن‭ ‬الأمريكيين‭ ‬استخدموا‭ ‬اليورانيوم‭ ‬المستنفد‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬وقفوا‭ ‬في‭ ‬وجههم،‭ ‬ثم‭ ‬جاءت‭ ‬حقبة‭ ‬نوري‭ ‬المالكي‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬استخدام‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬البيف‭ ‬باف‭ ‬ضد‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬والحجر‭ ‬والشجر‭ ‬والبقر‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬التتر‭. ‬أعني‭ ‬أن‭ ‬الجد‭ ‬العراقي‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بـ«تجديد‮»‬‭ ‬شبابه‭ ‬مع‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬أحفاده‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬العنف‭ ‬يشل‭ ‬الهايبوثلاماس،‭ ‬ويمنعه‭ ‬من‭ ‬الفتك‭ ‬بملامح‭ ‬الانسان

وبما‭ ‬أنني‭ ‬أتمنى‭ ‬لنفسي‭ ‬طول‭ ‬العمر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المرور‭ ‬بمرحلة‭ ‬العجز،‭ ‬فإنني‭ ‬أقترح‭ ‬على‭ ‬الباحثين‭ ‬الأمريكان‭ ‬هؤلاء‭ ‬أن‭ ‬يستأصلوا‭ ‬من‭ ‬دماغي‭ ‬الهايبوثلاماس‭ ‬من‭ ‬لغاليغه‭. ‬خذوه‭ ‬وخللوه‭. ‬ما‭ ‬يلزمنيش،‭ ‬فدوره‭ ‬الأساسي‭ ‬يتعلق‭ ‬بالنمو‭ ‬والتناسل،‭ ‬والأيض‭ ‬أي‭ ‬الـmetabolism‭ (‬التفاعلات‭ ‬الكيميائية‭ ‬داخل‭ ‬الخلايا‭ ‬في‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭).. ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬النمو‭ ‬لأنني‭ ‬‮«‬شبعت‭ ‬نمواً‮»‬،‭ ‬وخلصت‭ ‬من‭ ‬موضوع‭ ‬التناسل،‭ ‬وعندي‭ ‬ولله‭ ‬الحمد‭ ‬من‭ ‬العيال‭ ‬أربعة،‭ ‬كادوا‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين‭ ‬يجعلونني‭ ‬أمشي‭ ‬على‭ ‬أربعة،‭ ‬ثم‭ ‬صار‭ ‬لي‭ ‬حفيدان‭. ‬ولست‭ ‬من‭ ‬صنف‭ ‬ذلك‭ ‬العراقي‭ ‬الذي‭ ‬يتزوج‭ ‬يوم‭ ‬زواج‭ ‬أحفاده‭ ‬أو‭ ‬عياله،‭ ‬ولا‭ ‬حاجة‭ ‬بي‭ ‬إلى‭ ‬أيض‭ ‬أو‭ ‬بيض،‭ ‬لأن‭ ‬‮«‬الهايبو‭ ‬بتاع‮»‬‭ ‬هذا‭ ‬قام‭ ‬بواجبه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجالات‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه‭ ‬وأحمد‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬أرغب‭ ‬في‭ ‬‮«‬النمو‮»‬‭.. ‬أنمو‭ ‬أروح‭ ‬وين؟‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أريده‭ ‬وأتمناه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أتفادى‭ ‬العجز‭ ‬والكعكعة‭ ‬وآآآخ‭.. ‬آآآي‭.. ‬أففف‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬حركة‭ ‬والتفاتة،‭ ‬لأنني‭ ‬مثل‭ ‬صديقي‭ ‬غازي‭ ‬القصيبي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭: ‬أخاف‭ ‬المنية‭ ‬لكنني‭/ ‬أخاف‭ ‬الحياة‭ ‬مع‭ ‬العجز‭ ‬أكثر‭.‬

وأنا‭ ‬شديد‭ ‬التفاؤل‭ ‬بأن‭ ‬عملية‭ ‬إبطاء‭ ‬عمل‭ ‬الخلية‭ ‬التي‭ ‬تتسبب‭ ‬في‭ ‬العجز‭ ‬والشيخوخة‭ ‬في‭ ‬البشر‭ ‬ستنجح‭ ‬معي‭ ‬ومع‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬على‭ ‬شاكلتي،‭ ‬لأنها‭ ‬نجحت‭ ‬مع‭ ‬الفئران‭. ‬فهناك‭ ‬قواسم‭ ‬مشتركة‭ ‬كثيرة‭ ‬بين‭ ‬الفئران‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬فيما‭ ‬يسمى‭ ‬بالعالم‭ ‬العربي،‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر،‭ ‬الإحساس‭ ‬الدائم‭ ‬بالخطر‭ ‬والتعرض‭ ‬المتواصل‭ ‬للمطاردة‭ ‬والضرب‭ ‬والقتل،‭ ‬والعيش‭ ‬معظم‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬جحور‭ ‬وأكل‭ ‬النفايات‭. ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬نظل‭ ‬نتناسل‭ ‬ونتكاثر‭. ‬وكما‭ ‬انتصر‭ ‬جرذان‭ ‬ليبيا‭ ‬على‭ ‬السبع‭ ‬الغضنفر‭ ‬معمر‭ ‬فسيأتي‭ ‬يوم‭ ‬نخرج‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬جحورنا‭ ‬ونعيش‭ ‬طلقاء‭. ‬بس‭ ‬فكونا‭ ‬في‭ ‬الهايبوثلاماس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬اللعب‭ ‬ع‭ ‬المضمون‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا