العدد : ١٧١٠٤ - الاثنين ٢٠ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٠٤ - الاثنين ٢٠ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ رجب ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

سيارة حيزبون بالملايين

قبل‭ ‬أيام‭ ‬فوجئت‭ ‬بولدي‭ ‬يمد‭ ‬لي‭ ‬ربطة‭ ‬من‭ ‬الأوراق‭ ‬المالية،‭ ‬فانفرجت‭ ‬أساريري،‭ ‬لأنني‭ ‬حسبت‭ ‬ان‭ ‬ضميره‭ ‬استيقظ،‭ ‬وأنه‭ ‬يريد‭ ‬سداد‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬المبالغ‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬أنفقتها‭ ‬على‭ ‬تعليمه،‭ ‬فإذا‭ ‬به‭ ‬يفاجئني‭ ‬مجددا‭: ‬بعت‭ ‬سيارتك‭!! ‬واط؟‭ ‬شنو؟‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬سيارتي‭ ‬باتت‭ ‬قديمة‭ ‬و«تليق‭ ‬بك‮»‬،‭ ‬ولم‭ ‬أعرف‭ ‬وقتها‭ ‬هل‭ ‬أغضب‭ ‬أم‭ ‬أفرح،‭ ‬فبصراحة‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أتوقع‭ ‬لها‭ ‬السعر‭ ‬الذي‭ ‬باعه‭ ‬بها‭ ‬الولد،‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬الشيخوخة،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فنكاية‭ ‬به‭ ‬اشتريت‭ ‬سيارة‭ ‬‮«‬شعبية‮»‬،‭ ‬وقلت‭ ‬له‭ ‬‮«‬إنها‭ ‬تليق‭ ‬بي‮»‬‭.‬

سمعت‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬سيارات‭ ‬‮«‬تفصيل‮»‬‭ ‬أي‭ ‬يحدد‭ ‬الزبون‭ ‬مواصفاتها‭ ‬وتتراوح‭ ‬قيمتها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مليونين‭ ‬وعشرة‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭. ‬وسمع‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬عن‭ ‬رجل‭ ‬أعمال‭ ‬إماراتي‭ ‬اشترى‭ ‬لوحة‭ ‬أرقام‭ ‬لسيارته‭ ‬بـ‮«‬25‮»‬‭ ‬مليون‭ ‬درهم‭ ‬أي‭ ‬نحو‭ ‬7‭ ‬ملايين‭ ‬دولار،‭ ‬وكتبت‭ ‬حينها‭ ‬قائلا‭ ‬إنه‭ ‬ولو‭ ‬أعطاني‭ ‬خمسة‭ ‬ملايين‭ ‬درهم‭ ‬فقط‭ ‬لرضيت‭ ‬بان‭ ‬أجلس‭ ‬فوق‭ ‬أو‭ ‬داخل‭ ‬الصندوق‭ ‬الخلفي‭ ‬لسيارته‭ ‬حاملا‭ ‬لوحة‭ ‬الأرقام‭ ‬لما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬سنوات‭ ‬حياتي‭ ‬قابضا‭ ‬عليها‭ ‬بيدي‭ ‬وأسناني‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬أمره‭ ‬هين‭. ‬فقبل‭ ‬حين‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬احتفلت‭ ‬الشركة‭ ‬المنتجة‭ ‬لسيارات‭ ‬فيراري‭ ‬بالذكرى‭ ‬الكذا‭ ‬والكذا‭ ‬لتأسيسها‭ ‬عام‭ ‬1898،‭ ‬وسيارات‭ ‬فيراري‭ ‬أصلا‭ ‬لا‭ ‬تستهدف‭ ‬زبونا‭ ‬‮«‬تعبان‮»‬‭ ‬مثلي‭ ‬ومثلك،‭ ‬فمعظمها‭ ‬لأغراض‭ ‬السباق،‭ ‬وبعضها‭ ‬للكشخة،‭ ‬أي‭ ‬لتلك‭ ‬الفئة‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬التي‭ ‬يعطي‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬عياله‭ ‬مصروف‭ ‬جيب،‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬خلال‭ ‬الإجازة‭ ‬الصيفية‭ ‬ويقولون‭ ‬لهم‭: ‬هذه‭ ‬مصاريف‭ ‬سبعة‭ ‬أيام‭ ‬يا‭ ‬ويلكم‭ ‬لو‭ ‬طالبتم‭ ‬بمصاريف‭ ‬إضافية‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬الأسبوع‭! ‬المهم‭. ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬الأغر‭ ‬باعت‭ ‬فيراري‭ ‬سيارة‭ ‬بعشرة‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭ (‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬وليس‭ ‬إثيوبي‭ ‬أو‭ ‬زيمبابوي‭ ‬وبالمناسبة‭ ‬فإنك‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬شراء‭ ‬علبة‭ ‬كبريت‭ ‬بمليون‭ ‬دولار‭ ‬زيمبابوي‭). ‬قد‭ ‬تقول‭: ‬عادي‭.. ‬فهناك‭ ‬سيارات‭ ‬بيعت‭ ‬بأرقام‭ ‬فلكية،‭ ‬فما‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬هذه‭ ‬الفيراري؟‭ ‬الجديد‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬عجوز‭ ‬بلغت‭ ‬سن‭ ‬اليأس‭ ‬ومن‭ ‬حقها‭ ‬أن‭ ‬تتقاعد‭ ‬في‭ ‬مقبرة‭ ‬سيارات‭ ‬في‭ ‬أطراف‭ ‬أي‭ ‬مدينة‭.. ‬فهي‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬عام‭ ‬1962م،‭ ‬فأين‭ ‬العدل‭ ‬يا‭ ‬جماعة‭: ‬سيارة‭ ‬عمرها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستين‭ ‬سنة‭ ‬بعشرة‭ ‬ملايين،‭ ‬وفتاة‭ ‬حلوة‭ ‬وفي‭ ‬عمر‭ ‬الزهور‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬إكمال‭ ‬مراسيم‭ ‬زواجها‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬عجزا‭ ‬في‭ ‬ميزانية‭ ‬العريس‭ ‬قدره‭ ‬تسعمائة‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭!! ‬أرجوك‭ ‬لا‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تقنعني‭ ‬بأن‭ ‬سيارة‭ ‬انقطع‭ ‬عنها‭ ‬الطمث‭ ‬تستأهل‭ ‬حتى‭ ‬تسعمائة‭ ‬دولار‭. ‬دعك‭ ‬من‭ ‬تسعة‭ ‬ملايين‭.‬

في‭ ‬نفس‭ ‬ذلك‭ ‬المزاد‭ ‬بيعت‭ ‬سيارة‭ ‬250‭ ‬جي‭.‬تي‭.‬إس‭.‬دبليو‭ ‬بي‭ ‬برلينيتا‭ ‬كومبيتزيوني‭ (‬وهذه‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬أسمع‭ ‬بسيارة‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬الاسم‭ ‬السريلانكي‭ ‬الذي‭ ‬يسبب‭ ‬نطقه‭ ‬فتقا‭ ‬في‭ ‬الحجاب‭ ‬الحاجز،‭ ‬وتضخما‭ ‬في‭ ‬البروستات‭). ‬بيعت‭ ‬تلك‭ ‬السيارة‭ ‬بخمسة‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭.. ‬وهي‭ ‬موديل‭ ‬عام‭ ‬1960‭.‬

‭.. ‬في‭ ‬السودان‭ ‬نسمي‭ ‬السير‭ ‬على‭ ‬الأقدام‭ ‬‮«‬كداري‮»‬‭ ‬وعندما‭ ‬يقول‭ ‬فلان‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬جيت‭ ‬كداري‮»‬‭ ‬فإنه‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يستخدم‭ ‬وسيلة‭ ‬نقل‭ ‬أو‭ ‬مواصلات،‭ ‬والكلمة‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬‮«‬كُدُر‮»‬‭ ‬بضم‭ ‬الكاف‭ ‬والدال‭ ‬وهي‭ ‬تسمية‭ ‬يطلقها‭ ‬السودانيون‭ ‬على‭ ‬قدم‭/ ‬حافر‭ ‬الحمار،‭ ‬ورغم‭ ‬أنني‭ ‬انسحبت‭ ‬من‭ ‬فصيلة‭ ‬الكداري،‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الشكلية‭ ‬فإنني‭ ‬أنتمي‭ ‬إليهم‭ ‬وجدانيا،‭ ‬فقد‭ ‬صرت‭ ‬أملك‭ ‬سيارة‭ ‬ولكن‭ ‬استخدامها‭ ‬مع‭ ‬مقارنتها‭ ‬بعواجيز‭ ‬الفيراري‭ ‬ذوات‭ ‬ملايين‭ ‬الدولارات‭ ‬يجعل‭ ‬سيارتي‭ ‬نفسها‭ ‬‮«‬كداري‮»‬،‭ ‬ويفسر‭ ‬هذا‭ ‬لماذا‭ ‬أكره‭ ‬الفيراري‭. ‬ما‭ ‬يحزنني‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬سيارة‭ ‬امتلكتها‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬كانت‭ ‬مجهولة‭ ‬الهوية،‭ ‬يعني‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يعرف‭ ‬لها‭ ‬فصلا‭ ‬أو‭ ‬أصلا،‭ ‬ورجح‭ ‬ميكانيكيون‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬البريطاني‭ ‬تركها‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬فوجدها‭ ‬فاعل‭ ‬خير‭ ‬وتبناها‭ ‬وجعلها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬السير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬نصيبي‭. ‬ولما‭ ‬قرفت‭ ‬من‭ ‬عمائلها‭ ‬لأنها‭ ‬صارت‭ ‬تفضحني‭ ‬وتضرب‭ ‬عن‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الجسر‭ ‬أو‭ ‬تقرر‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‭ ‬بينما‭ ‬أريد‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬تركتها‭ ‬في‭ ‬مقلب‭ ‬للقمامة‭.. ‬يعني‭ ‬لو‭ ‬احتفظت‭ ‬بها‭ ‬لاشتراها‭ ‬مني‭ ‬خواجة‭ ‬أهبل‭ ‬بمليونين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا