زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
سيارة حيزبون بالملايين
قبل أيام فوجئت بولدي يمد لي ربطة من الأوراق المالية، فانفرجت أساريري، لأنني حسبت ان ضميره استيقظ، وأنه يريد سداد جانب من المبالغ الضخمة التي أنفقتها على تعليمه، فإذا به يفاجئني مجددا: بعت سيارتك!! واط؟ شنو؟ قال إن سيارتي باتت قديمة و«تليق بك»، ولم أعرف وقتها هل أغضب أم أفرح، فبصراحة لم أكن أتوقع لها السعر الذي باعه بها الولد، لأنها كانت على أعتاب الشيخوخة، ومع هذا فنكاية به اشتريت سيارة «شعبية»، وقلت له «إنها تليق بي».
سمعت كثيرا عن سيارات «تفصيل» أي يحدد الزبون مواصفاتها وتتراوح قيمتها ما بين مليونين وعشرة ملايين دولار. وسمع العالم كله قبل سنوات عن رجل أعمال إماراتي اشترى لوحة أرقام لسيارته بـ«25» مليون درهم أي نحو 7 ملايين دولار، وكتبت حينها قائلا إنه ولو أعطاني خمسة ملايين درهم فقط لرضيت بان أجلس فوق أو داخل الصندوق الخلفي لسيارته حاملا لوحة الأرقام لما تبقى من سنوات حياتي قابضا عليها بيدي وأسناني.
كل ذلك أمره هين. فقبل حين قريب من الزمان احتفلت الشركة المنتجة لسيارات فيراري بالذكرى الكذا والكذا لتأسيسها عام 1898، وسيارات فيراري أصلا لا تستهدف زبونا «تعبان» مثلي ومثلك، فمعظمها لأغراض السباق، وبعضها للكشخة، أي لتلك الفئة من البشر التي يعطي الواحد منهم كل واحد من عياله مصروف جيب، مليون دولار، خلال الإجازة الصيفية ويقولون لهم: هذه مصاريف سبعة أيام يا ويلكم لو طالبتم بمصاريف إضافية قبل نهاية الأسبوع! المهم. في ذلك اليوم الأغر باعت فيراري سيارة بعشرة ملايين دولار (دولار أمريكي وليس إثيوبي أو زيمبابوي وبالمناسبة فإنك لا تستطيع شراء علبة كبريت بمليون دولار زيمبابوي). قد تقول: عادي.. فهناك سيارات بيعت بأرقام فلكية، فما الجديد في أمر هذه الفيراري؟ الجديد يا صديقي هو أنها عجوز بلغت سن اليأس ومن حقها أن تتقاعد في مقبرة سيارات في أطراف أي مدينة.. فهي من صنع عام 1962م، فأين العدل يا جماعة: سيارة عمرها أكثر من ستين سنة بعشرة ملايين، وفتاة حلوة وفي عمر الزهور لا تستطيع إكمال مراسيم زواجها لأن هناك عجزا في ميزانية العريس قدره تسعمائة دولار أمريكي!! أرجوك لا تحاول أن تقنعني بأن سيارة انقطع عنها الطمث تستأهل حتى تسعمائة دولار. دعك من تسعة ملايين.
في نفس ذلك المزاد بيعت سيارة 250 جي.تي.إس.دبليو بي برلينيتا كومبيتزيوني (وهذه أول مرة أسمع بسيارة بمثل هذا الاسم السريلانكي الذي يسبب نطقه فتقا في الحجاب الحاجز، وتضخما في البروستات). بيعت تلك السيارة بخمسة ملايين دولار.. وهي موديل عام 1960.
.. في السودان نسمي السير على الأقدام «كداري» وعندما يقول فلان «أنا جيت كداري» فإنه يعني أنه لم يستخدم وسيلة نقل أو مواصلات، والكلمة جاءت من «كُدُر» بضم الكاف والدال وهي تسمية يطلقها السودانيون على قدم/ حافر الحمار، ورغم أنني انسحبت من فصيلة الكداري، من الناحية الشكلية فإنني أنتمي إليهم وجدانيا، فقد صرت أملك سيارة ولكن استخدامها مع مقارنتها بعواجيز الفيراري ذوات ملايين الدولارات يجعل سيارتي نفسها «كداري»، ويفسر هذا لماذا أكره الفيراري. ما يحزنني هو أن أول سيارة امتلكتها في السودان كانت مجهولة الهوية، يعني لم يكن هناك من يعرف لها فصلا أو أصلا، ورجح ميكانيكيون أن الجيش البريطاني تركها في الصحراء بعد نهاية الحرب العالمية الأولى فوجدها فاعل خير وتبناها وجعلها قادرة على السير إلى أن أصبحت من نصيبي. ولما قرفت من عمائلها لأنها صارت تفضحني وتضرب عن السير في منتصف الجسر أو تقرر العودة إلى الخلف بينما أريد لها أن تسير إلى الأمام تركتها في مقلب للقمامة.. يعني لو احتفظت بها لاشتراها مني خواجة أهبل بمليونين أو ثلاثة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك