العدد : ١٧١٠٤ - الاثنين ٢٠ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٠٤ - الاثنين ٢٠ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أمريكا تؤسس لعالم جديد وعنيف

بقلم: د. أحمد رفيق عوض {

الاثنين ٢٠ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

هي‭ ‬حرب‭ ‬أعلنتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬بإقرار‭ ‬الكونجرس‭ ‬لقانون‭ ‬يفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬قضاة‭ ‬تلك‭ ‬المحكمة‭ ‬الموقرة،‭ ‬وذلك‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬الماضي‭ ‬9‭ ‬يناير‭ ‬الحالي‭ ‬وتضمن‭ ‬فيها‭: ‬منع‭ ‬قضاة‭ ‬وإداريي‭ ‬المحكمة‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ومعاقبتهم‭ ‬مالياً‭ ‬وإدارياً‭ ‬وقانونيا،‭ ‬كما‭ ‬يتضمن‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬حظي‭ ‬بموافقة‭ ‬247‭ ‬نائبا‭ ‬بوقف‭ ‬تمويل‭ ‬المحكمة،‭ ‬وأن‭ ‬المحكمة‭ ‬لا‭ ‬تتمتع‭ ‬بأي‭ ‬سلطة‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬حلفاء‭ ‬أمريكا‭. ‬

وكان‭ ‬مما‭ ‬ساقته‭ ‬الولايات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لاتخاذ‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬هو‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬المحكمة‭ ‬ساوت‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحركة‭ ‬حماس،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬علينا‭ ‬ألا‭ ‬ننسى‭ ‬ما‭ ‬صرح‭ ‬به‭ ‬مايكل‭ ‬جونسون‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬ضد‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬حيث‭ ‬هدد‭ ‬أعضاءها‭ ‬بالويل‭ ‬والثبور‭ ‬وعظائم‭ ‬الأمور،‭ ‬وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بهذا‭ ‬الشخص‭ ‬بالذات‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يخفي‭ ‬تطرفه‭ ‬وتأييده‭ ‬الهائل‭ ‬واللاإنساني‭ ‬لرؤية‭ ‬نتنياهو‭ ‬وشركائه‭ ‬في‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬وتصريحات‭ ‬جونسون‭ ‬هذا‭ ‬مثيرة‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬يظهر‭ ‬بهذا‭ ‬الوجه‭ ‬المبتسم‭ ‬والراضي‭ ‬ومسحة‭ ‬الطفولة‭ ‬والبراءة‭ ‬تطل‭ ‬من‭ ‬عينيه،‭ ‬تشعر‭ ‬أنه‭ ‬مبتهج‭ ‬وهو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬قتل‭ ‬الأطفال‭ ‬ومحاصرة‭ ‬محكمة‭ ‬دولية‭ ‬وتمجيد‭ ‬القتل‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬شهرا‭ ‬قد‭ ‬فعلت‭ ‬الكثير‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬والعالم،‭ ‬والتغيرات‭ ‬العميقة‭ ‬لم‭ ‬تحدث‭ ‬قي‭ ‬منطقتنا‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أيضاً،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬فقد‭ ‬أسقطت‭ ‬إدارة‭ ‬منحازة‭ ‬ومنافقة‭ ‬لتنتخب‭ ‬إدارة‭ ‬واضحة‭ ‬ومتطرفة‭ ‬وعنيفة‭ ‬ويمينية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬أيضاً‭. ‬وكأن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أيقظت‭ ‬الأحقاد‭ ‬والأضغان‭ ‬والصور‭ ‬النموذجية‭ ‬لكل‭ ‬عن‭ ‬الآخر‭.‬

‮ ‬وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬تعلن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قانون‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬حصارها‭ ‬وتجفيف‭ ‬تمويلها‭ ‬للمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬فهي‭ ‬تقوم‭ ‬فعليا‭ ‬بإنهاء‭ ‬عمل‭ ‬المحكمة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬إنهاء‭ ‬العمل‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وإدارة‭ ‬الظهر‭ ‬للعالم‭ ‬القديم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬آخر‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬قانون‭ ‬الغاب،‭ ‬عنفاً‭ ‬وتوحشاً‭. ‬

وقد‭ ‬يتوافق‭ ‬هذا‭ ‬بما‭ ‬أعلنه‭ ‬ترامب‭ ‬عن‭ ‬نيته‭ ‬ضم‭ ‬جرينلاند‭ ‬وكندا‭ ‬وقناة‭ ‬بنما‭. ‬هذا‭ ‬سلوك‭ ‬جديد‭ ‬تعبر‭ ‬عنه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬خدمة‭ ‬لمصالحها‭ ‬وأطماعها‭ ‬ورؤيتها‭ ‬لما‭ ‬سيأتي‭ ‬من‭ ‬أعوام‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القرن‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭. ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تقع‭ ‬حرب‭ ‬نووية‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المختلفة،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬سلوكاً‭ ‬عدوانياً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬أمريكا‭ ‬سيدفع‭ ‬أطرافاً‭ ‬أخرى‭ ‬لأن‭ ‬تفعل‭ ‬فعلها،‭ ‬فتقوم‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬كبيرة‭ ‬أو‭ ‬صغيرة‭ ‬بالاعتداء‭ ‬على‭ ‬جيرانها‭ ‬الضعفاء،‭ ‬أو‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬بلا‭ ‬سند‭ ‬أو‭ ‬ظهير‭.‬

وبدلاً‭ ‬من‭ ‬الاحتكام‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬أو‭ ‬أية‭ ‬هيئة‭ ‬دولية‭ ‬أخرى‭ - ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الهيئات‭ ‬ستفقد‭ ‬دورها‭ ‬ومرجعيتها‭ ‬فنحن‭ ‬أمام‭ ‬عالم‭ ‬خطير‭ ‬ومتوحش‭ ‬قد‭ ‬يهوي‭ ‬إلى‭ ‬قاع‭ ‬حرب‭ ‬نووية‭ ‬حقيقية،‭ ‬مما‭ ‬يضع‭ ‬كوكبنا‭ ‬كله‭ ‬أمام‭ ‬النبوءات‭ ‬التي‭ ‬يؤمن‭ ‬بها‭ ‬أتباع‭ ‬الديانات‭ ‬الثلاث،‭ ‬إن‭ ‬أمريكا‭ ‬التي‭ ‬سيدخل‭ ‬ترامب‭ ‬بيتها‭ ‬الأبيض‭ ‬اليوم‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬شركائها‭ ‬وحلفائها‭ ‬وأعدائها‭ ‬شروطاً‭ ‬جديدة‭ ‬لعلاقة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬السيد‭ ‬والعبد،‭ ‬أو‭ ‬الإقطاعي‭ ‬وأقنان‭ ‬الأرض‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬استدعاء‭ ‬وتهيئة‭ ‬للصراعات‭ ‬واندلاع‭ ‬الاضطرابات‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأنواع‭. ‬أمريكا‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬عالم‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الرأسمالية‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬تغول‭ ‬للمال‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬واحتقار‭ ‬واستهتار‭ ‬بالنفس‭ ‬البشرية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الأولية‭ ‬ستضطر‭ ‬ربما‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬أعداء‭ ‬من‭ ‬جبهات‭ ‬متعددة‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬معها‭ ‬مواجهتها،‭ ‬وربما‭ ‬في‭ ‬سيناريو‭ ‬متطرف،‭ ‬قد‭ ‬تنهار‭ ‬القلعة‭ ‬بمن‭ ‬فيها،‭ ‬كعادة‭ ‬التاريخ‭ ‬المفاجئة‭ ‬والمعتادة،‭ ‬فإن‭ ‬القلعة‭ ‬الجبارة‭ ‬تنهار‭ ‬من‭ ‬داخلها‭ ‬في‭ ‬حدث‭ ‬متكرر،‭ ‬مدهش‭ ‬ولكن‭ ‬ممل‭ ‬أيضًا‭.‬

وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬قرار‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ضد‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬فهو‭ ‬قرار‭ ‬مهين‭ ‬للعدالة‭ ‬ومهين‭ ‬للعالم،‭ ‬ومهين‭ ‬أيضا‭ ‬للقيم‭ ‬الأخلاقية‭. ‬إن‭ ‬قراراً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تتغنى‭ ‬به‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬عموماً‭ ‬من‭ ‬أخلاقيات‭ ‬وقوانين،‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬ذريعة‭ ‬رخيصة‭ ‬للاستعمار،‭ ‬وكان‭ ‬لافتاً‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تباكت‭ ‬عليه‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬الجديدة‭ ‬تجاهلته‭ ‬تماما‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭. ‬أكاذيب‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬يخجل‭ ‬منها،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يجملها‭. ‬حقا‭ ‬نحن‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬عالم‭ ‬جديد‭ ‬يتشكل‭ ‬بسرعة‭.‬

 

‭ ‬{ رئيس‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬

المستقبلية‭ ‬بجامعة‭ ‬القدس

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا