العدد : ١٧١٠٢ - السبت ١٨ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٠٢ - السبت ١٨ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ رجب ١٤٤٦هـ

الثقافي

خليط من الوثائق والموروثات والفنتازيا والخيال الكويت كما دونها السنعوسي في «أسفار مدينة الطين»

{ بقلم: لطيفة زباري.

السبت ١٨ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

قدم‭ ‬الروائي‭ ‬الكويتي‭ ‬سعود‭ ‬السنعوسي‭ ‬في‭ ‬ثلاثية‭ ‬أسفار‭ ‬مدينة‭ ‬الطين‭ (‬سفر‭ ‬العباءة،‭ ‬وسفر‭ ‬التبة،‭ ‬وسفر‭ ‬العنفوز‭) ‬الكويت‭ ‬بأبعادها‭ ‬التاريخية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬‮«‬صادق‭ ‬بوحدب‮»‬‭ ‬كاتب‭ ‬الأسفار‭ ‬وراوي‭ ‬الحكايات‭ ‬صاحب‭ ‬الصوت‭ ‬الساخر،‭ ‬بلغة‭ ‬مدهشة‭ ‬عز‭ ‬نظيرها‭. ‬

أعاد‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الملحمي‭ ‬تدوين‭ ‬تاريخ‭ ‬البلاد‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر،‭ ‬مستعيناً‭ ‬بمرجعيات‭ ‬منوعة،‭ ‬لكشف‭ ‬صور‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬المعاش‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬البحر‭ ‬والبر‭. ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬السفن،‭ ‬فرحلة‭ ‬الغوص‭ ‬على‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬وما‭ ‬يصاحبها‭ ‬من‭ ‬ضنك،‭ ‬إلى‭ ‬البر‭ ‬واتساعه‭ ‬وارتباط‭ ‬الخيل‭ ‬ببيئته،‭ ‬وحكاية‭ ‬التعليم‭ ‬منذ‭ ‬الكتاتيب‭ ‬حتى‭ ‬افتتاح‭ ‬المدارس‭ ‬النظامية،‭ ‬ودور‭ ‬بعثة‭ ‬الإرسالية‭ ‬التبشيرية‭ ‬ومشفى‭ ‬‮«‬العنكريز‮»‬،‭ ‬واكتشاف‭ ‬النفط،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬التوترات‭ ‬السياسية‭ ‬قبيل‭ ‬الغزو‭ ‬العراقي‭. ‬

وصاغ‭ ‬هذه‭ ‬الحكايات‭ ‬المتشعبة،‭ ‬ملحقاً‭ ‬بها‭ ‬بعض‭ ‬أهم‭ ‬مفردات‭ ‬الموروث‭ ‬الفني‭ ‬الشعبي،‭ ‬مثل‭ ‬ارتباط‭ ‬الغاصة‭ ‬بفن‭ ‬السنقني،‭ ‬وفن‭ ‬العرضة‭ ‬في‭ ‬الاحتفالات‭ ‬الحربية،‭ ‬والزفان‭ ‬والتمايل‭ ‬طرباً‭ ‬على‭ ‬أنغام‭ ‬العود‭ ‬والمرواس‭ ‬في‭ ‬ليالي‭ ‬السمر،‭ ‬مثرياً‭ ‬إياها‭ ‬بالقصائد‭ ‬والزهيريات‭. ‬

وتتجلى‭ ‬شخصيات‭ ‬أسفار‭ ‬مدينة‭ ‬الطين‭ ‬في‭ ‬عوالم‭ ‬متعددة،‭ ‬وبأحداث‭ ‬ومصائر‭ ‬مختلفة؛‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬سردية‭ ‬تفنن‭ ‬فيها‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬التلاعب‭ ‬بزمنها‭ ‬وبشخصياتها‭ ‬وبالتاريخ‭. ‬واستند‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬الهائل‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬والأسطورة،‭ ‬والشخصي‭ ‬والعام،‭ ‬ومزج‭ ‬باقتدار‭ ‬الفصحى‭ ‬بالعامية،‭ ‬وكشف‭ ‬فيها‭ ‬الأبعاد‭ ‬النفسية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحوارات‭ ‬المبهرة‭.  ‬وأثرى‭ ‬خطابه‭ ‬ونوع‭ ‬في‭ ‬إيقاعه‭ ‬بالتقارير‭ ‬التي‭ ‬تحيل‭ ‬إلى‭ ‬أزمنة‭ ‬سابقة‭ ‬كتلك‭ ‬المنضدة‭ ‬بالآلة‭ ‬الكاتبة،‭ ‬واستعان‭ ‬برسومات‭ ‬معبرة‭ ‬لمشاعل‭ ‬الفيصل‭.  ‬ونثر‭ ‬إشارات‭ ‬متعددة‭ ‬تحيل‭ ‬إلى‭ ‬روايات‭ ‬الكاتب‭ ‬السابقة‭. ‬

يتناول‭ ‬‮»‬سِفر‭ ‬العباءة‮«‬‭ ‬أسطورة‭ ‬‮»‬بودرياه‮«‬‭ ‬الذي‭ ‬غدر‭ ‬بالغاصة‭ ‬وترك‭ ‬لهم‭ ‬العباءة‭ ‬دليلاً‭ ‬على‭ ‬عودته‭ ‬لخراب‭ ‬الديرة‭ ‬كما‭ ‬تنبأت‭ ‬الصاجات،‭ ‬مستعيناً‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬سرد‭ ‬مطالبات‭ ‬الإخوان‭ ‬وأحداث‭ ‬غزوة‭ ‬الجهراء‭ ‬وحصار‭ ‬القصر‭ ‬الأحمر‭. ‬

وتمحور‭ ‬‮«‬سِفر‭ ‬التبة‮»‬‭ ‬حول‭ ‬الصراع‭ ‬المرير‭ ‬الذي‭ ‬عاناه‭ ‬سليمان‭ ‬بن‭ ‬سهيل‭ ‬بسبب‭ ‬الفتن‭ ‬التي‭ ‬أشعلت‭ ‬جذوتها‭ ‬الصاجة‭ ‬أم‭ ‬حدب،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نسجت‭ ‬أحابيلها‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬شايعة‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬سِفرين،‭ ‬وغوصه‭ ‬في‭ ‬تبة‭ ‬عميقة‭ ‬ليسافر‭ ‬إلى‭ ‬ديرة‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬فيها‭ ‬أحد،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬ولداً‭ ‬غرير‭ ‬اً‭ ‬يطارد‭ ‬أحلامه‭ ‬في‭ ‬البحر‭. ‬

وتنتهي‭ ‬حكاية‭ ‬سليمان‭ ‬في‭ ‬‮«‬سِفر‭ ‬العنفوز‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬تغير‭ ‬حاله‭ ‬مثل‭ ‬حال‭ ‬سمكة‭ ‬العنفوز‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬غير‭ ‬بيئته‭.  ‬ويتشابك‭ ‬مصيره‭ ‬مع‭ ‬مصائر‭ ‬أبطال‭ ‬الثلاثية،‭ ‬ومنهم‭: ‬خليفوه‭ ‬البرنثى،‭ ‬وسعدون،‭ ‬وشيخ‭ ‬البحارة‭ ‬سند‭ ‬بن‭ ‬هولين،‭ ‬وعزوز‭ ‬الهذار،‭ ‬وغايب‭ ‬بودرياه،‭ ‬وصادق‭ ‬عبدالرزاق‭ ‬بوحدب‭ ‬في‭ ‬قالب‭ ‬عجائبي،‭ ‬ثم‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬القديم‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬المولاف‮»‬،‭ ‬ليترك‭ ‬لنا‭ ‬الكاتب‭ ‬نهاية‭ ‬بباب‭ ‬مفتوح‭ ‬على‭ ‬الأسئلة‭ ‬والاحتمالات‭.‬

وأطر‭ ‬المؤلف‭ ‬هذا‭ ‬السيل‭ ‬من‭ ‬حكايات‭ ‬‮«‬مدينة‭ ‬الطين‮»‬‭ ‬بمعتقداتها‭ ‬وخزعبلاتها‭ ‬وحقائقها‭ ‬وفنونها‭ ‬وتاريخها،‭ ‬مظهراً‭ ‬عالماً‭ ‬مفارقاً‭ ‬ومختلفاً‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬تتحكم‭ ‬فيه‭ ‬ثنائية‭ ‬الملا‭ ‬والصاجه‭. ‬وهو‭ ‬الجيل‭ ‬المثقف‭ ‬المتمثل‭ ‬بجيل‭ ‬البعثة‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬والكتاب‭ ‬والمثقفين‭.  ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬تم‭ ‬انتخاب‭ ‬صادق‭ ‬بوحدب‭ ‬ليقوم‭ ‬بدور‭ ‬الراوي‭.  ‬

وظف‭ ‬الكاتب‭ ‬التاريخ‭ ‬بحمولته‭ ‬واحتمالاته،‭ ‬واستعان‭ ‬بمذكرات‭ ‬أول‭ ‬طبيبة‭ ‬أمريكية‭ ‬لتقطيع‭ ‬الخطاب‭. ‬وقدم‭ ‬لمحات‭ ‬حول‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬المتذبذبة‭ ‬بين‭ ‬الانصياع‭ ‬للمطاوعة،‭ ‬وغلو‭ ‬الإخوان،‭ ‬وكرامة‭ ‬المراقد،‭ ‬والإيمان‭ ‬بالصاجات‭ ‬وقدراتهن‭ ‬الخارقة،‭ ‬واستبداد‭ ‬رقيب‭ ‬المطبوعات،‭ ‬مع‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬قضايا‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬مثل‭ ‬حق‭ ‬التعليم،‭ ‬وحق‭ ‬العمل‭. ‬

وأضاف‭ ‬إلى‭ ‬المتاهة‭ ‬التي‭ ‬رسمها،‭ ‬وعقد‭ ‬بها‭ ‬خطابه‭ ‬الروائي،‭ ‬تقديماً‭ ‬وتأخيراً،‭ ‬إشارات‭ ‬وعلامات‭ ‬صغيرة‭ ‬لكنها‭ ‬دالة،‭ ‬وتخلق‭ ‬تشويقاً،‭ ‬وتعزز‭ ‬من‭ ‬حضور‭ ‬العجائبي‭ ‬الغريب‭ ‬مثل‭: ‬شراب‭ ‬نقيع‭ ‬سرطانات‭ ‬البحر،‭ ‬والكحل‭ ‬المغموس‭ ‬بذيل‭ ‬الثعبان،‭ ‬ويوم‭ ‬السديس‭. ‬

ويختتم‭ ‬السنعوسي‭ -‬الحائز‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬‮«‬البوكر‮»‬‭ ‬عن‭ ‬‮«‬ساق‭ ‬البامبو‮»‬‭ ‬2013‭ ‬م‭-‬بسرد‭ ‬فنتازي‭ ‬ربط‭ ‬فيه‭ ‬الأحداث‭ ‬جميعها،‭ ‬واستكمل‭ ‬الصورة‭ ‬النهائية‭ ‬لمصير‭ ‬الشخصيات،‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬سبعين‭ ‬عاماً‭ ‬وهو‭ ‬زمن‭ ‬الرواية‭.  ‬وتوجه‭ ‬بلقاء‭ ‬صحافي‭ ‬مع‭ ‬الأديب‭ ‬صادق‭ ‬بوحدب‭ ‬أجرته‭ ‬القاصة‭ ‬الشابة‭ ‬ليلى‭ ‬العثمان‭! ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا