العدد : ١٧٠٩٦ - الأحد ١٢ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٩٦ - الأحد ١٢ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مكانة جيمي كارتر في التاريخ

بقلم: د. منار الشوربجي

الأحد ١٢ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

جيمي‭ ‬كارتر،‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬الذي‭ ‬رحل‭ ‬عن‭ ‬عالمنا‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي،‭ ‬صار‭ ‬يلقب‭ ‬بعبارة‭ ‬ذات‭ ‬دلالة‭. ‬فهو‭ ‬يوصف‭ ‬في‭ ‬بلاده‭ ‬بـ‮«‬أفضل‭ ‬رئيس‭ ‬سابق‮»‬‭ ‬لا‭ ‬أفضل‭ ‬رئيس‭!.. ‬فسجل‭ ‬كارتر‭ ‬بالرئاسة‭ ‬لم‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الرؤساء‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬فهو‭ ‬حافظ‭ ‬على‭ ‬الطابع‭ ‬الإمبراطوري‭ ‬للسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬ورفع‭ ‬الميزانية‭ ‬العسكرية‭ ‬ودعّم‭ ‬نظم‭ ‬حكم‭ ‬قمعية‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬تحقق‭ ‬مصالح‭ ‬بلاده‭.‬

ولعل‭ ‬القرار‭ ‬الأسوأ‭ ‬الذي‭ ‬اتخذه‭ ‬الرجل‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬تعيين‭ ‬زبجنيو‭ ‬بريجينسكي‭ ‬مستشارا‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬فالأخير،‭ ‬الذي‭ ‬أتى‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬بولندية،‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬أجندة‭ ‬شخصية‭ ‬جوهرها‭ ‬الانتقام‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬والقضاء‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬أي‭ ‬نظام‭ ‬حليف‭ ‬له،‭ ‬فنصح‭ ‬كارتر‭ ‬باتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬كارثية،‭ ‬فأنفق‭ ‬كارتر‭ ‬مثلا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬لدعم‭ ‬‮«‬المجاهدين‮»‬‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬لذلك‭ ‬الهدف‭.‬

وافتخر‭ ‬بريجينسكي‭ ‬لاحقا‭ ‬بالقرار‭ ‬قائلا‭ ‬إن‭ ‬أفغانستان‭ ‬كانت‭ ‬الفخ‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬عجّل‭ ‬بالقضاء‭ ‬على‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬وكارتر،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يؤمن‭ ‬شخصيا‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬دعّم‭ ‬نظم‭ ‬حكم‭ ‬قمعية‭ ‬مثلما‭ ‬فعل‭ ‬في‭ ‬الفلبين‭ ‬وإندونيسيا‭ ‬وإيران‭ ‬والسلفادور‭. ‬

واضطر‭ ‬اضطرارا‭ ‬لإقالة‭ ‬أندرو‭ ‬يانج،‭ ‬ممثل‭ ‬أمريكا‭ ‬لدى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬حين‭ ‬تبين‭ ‬أنه‭ ‬التقى‭ ‬مسؤول‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬كارتر‭ ‬كان‭ ‬وراء‭ ‬اتفاقية‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬لوبي‭ ‬إسرائيل‭ ‬بواشنطن،‭ ‬بل‭ ‬وإسرائيل‭ ‬نفسها‭ ‬لم‭ ‬يغفرا‭ ‬له‭ ‬ذلك‭ ‬أبدا،‭ ‬واعتبروه‭ ‬مناهضا‭ ‬لمصالح‭ ‬إسرائيل‭. ‬وقد‭ ‬سمعت‭ ‬كارتر‭ ‬بنفسي‭ ‬يقول‭ ‬بعدها‭ ‬بعقود‭ ‬إن‭ ‬لوبي‭ ‬إسرائيل‭ ‬كان‭ ‬أهم‭ ‬القوى‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬هزيمته‭ ‬أمام‭ ‬رونالد‭ ‬ريجان‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬1980‭!.‬

لكن‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬تحرر‭ ‬كارتر‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬حتى‭ ‬عاد‭ ‬لقناعاته‭ ‬الشخصية‭ ‬وصار‭ ‬يعبر‭ ‬عنها‭ ‬بوضوح‭. ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬كثيرون‭ ‬أن‭ ‬كارتر‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الرؤساء‭ ‬الأمريكيين‭ ‬الذين‭ ‬عبّروا‭ ‬صراحة‭ ‬منذ‭ ‬ترشحهم‭ ‬للرئاسة‭ ‬عن‭ ‬تدينهم‭ ‬الشديد،‭ ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬يعود‭ ‬معه‭ ‬التيار‭ ‬الأصولي‭ ‬المسيحي‭ ‬للسياسة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬توارى‭ ‬عن‭ ‬الأنظار‭ ‬لنصف‭ ‬قرن،‭ ‬فقد‭ ‬منح‭ ‬التيار‭ ‬أصواته‭ ‬لكارتر‭ ‬بشكل‭ ‬كاسح‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬1976‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬كشفت‭ ‬سياسات‭ ‬كارتر‭ ‬الاجتماعية‭ ‬عن‭ ‬طابعها‭ ‬الليبرالي‭ ‬حتى‭ ‬تخلوا‭ ‬عنه،‭ ‬وصاروا‭ ‬ذلك‭ ‬التيار‭ ‬الأصولي‭ ‬من‭ ‬وقتها‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬قطاعات‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري‭.‬

إن‭ ‬تدين‭ ‬كارتر‭ ‬كان‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬نبع‭ ‬منه‭ ‬اختياره‭ ‬لأن‭ ‬يصبح‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الحركة‭ ‬العالمية‭ ‬المناهضة‭ ‬للظلم‭ ‬والعدوان،‭ ‬واستخدم‭ ‬ثقله‭ ‬المعنوي‭ ‬والسياسي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الاتجاه‭. ‬فدعّم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وراقب‭ ‬الانتخابات‭ ‬دوليا‭ ‬وصرح‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يحبه‭ ‬سياسيو‭ ‬بلاده‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تقييمه‭ ‬الإيجابي‭ ‬لانتخابات‭ ‬هوجو‭ ‬شافيز‭ ‬2006‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬لعل‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬كارتر،‭ ‬الذي‭ ‬تجاهل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬بالرئاسة،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬استخدم‭ ‬منذ‭ ‬عقدين‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬مفردات‭ ‬كانت‭ ‬صادمة‭ ‬وقتها‭ ‬للداخل‭ ‬الأمريكي‭.‬

‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يتورع‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬‮«‬الفصل‭ ‬العنصري‮»‬‭ ‬لوصف‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬بالأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬واستخدم‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬أبارتيد‮»‬‭ ‬في‭ ‬عنوان‭ ‬كتابه‭ ‬الصادر‭ ‬عام‭ ‬2006‭. ‬وهو‭ ‬العنوان‭ ‬الذي‭ ‬استخدم‭ ‬فيه‭ ‬أيضا‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬فلسطين‮»‬،‭ ‬لا‭ ‬‮«‬الفلسطينيين‮»‬‭ ‬كما‭ ‬يفضل‭ ‬السياسيون‭ ‬الأمريكيون‭. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬أثار‭ ‬انتقادات‭ ‬حادة‭ ‬ضده‭ ‬داخل‭ ‬أمريكا‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬اتهامه‭ ‬بالعداء‭ ‬للسامية‭!‬

وعند‭ ‬تأمل‭ ‬تاريخ‭ ‬كارتر،‭ ‬تقتضي‭ ‬الأمانة‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أمرين؛‭ ‬أولهما‭ ‬أن‭ ‬تجاهله‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬رئيسا‭ ‬مصدره‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬رئيس‭ ‬أمريكي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬غطاء‭ ‬سياسي‭ ‬عند‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬جدلية‭.‬

‭ ‬وفى‭ ‬فترة‭ ‬حكمه،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬لوبي‭ ‬قوي‭ ‬في‭ ‬الجهة‭ ‬المقابلة‭ ‬يوازن‭ ‬لوبي‭ ‬إسرائيل‭ ‬ولو‭ ‬قليلا‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬حركة‭ ‬اجتماعية‭ ‬كما‭ ‬الحال‭ ‬الآن‭. ‬

وثانيهما‭ ‬أن‭ ‬مواقف‭ ‬كارتر‭ ‬بعد‭ ‬الرئاسة،‭ ‬رغم‭ ‬نزاهة‭ ‬أغلبها،‭ ‬ينبغي‭ ‬رؤيتها‭ ‬كمواقف‭ ‬‮«‬أمريكي‮»‬‭ ‬أتى‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬المطبخ‭ ‬السياسي‭ ‬وتأثر‭ ‬به‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬لا‭ ‬مواقف‭ ‬ناشط‭ ‬سياسي‭ ‬تقدمي‭!.‬

 

{ باحثة‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الأمريكية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا