زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
صديقي بهاء حبيب الخواجات
حتى حكوماتنا مصابة بعقدة الأجنبي، فما من مشروع كبير ومهم، إلا وجلبت له خبراء أجانب، وأهم شروط الخبرة هنا لون البشرة «الفاتح» جدا، وكان صديقي بهاء الدين ميم مصابا بتلك العقدة، ولم يكن يسافر على متن طائرة يقودها شخص عربي. وبهاء هذا من الجيل الذي فتح عيونه على الدنيا في ظل الاستعمار البريطاني للسودان، ونشأ في زمن كان البريطانيون يسيّـرون كل شيء في معظم الدول العربية، وحتى بعد نهاية الحقبة الاستعمارية كانت جميع شركات الطيران العربية تقريبا تستعين بقباطنة بريطانيين. وفي سبعينيات القرن الماضي بدأ توطين وتعريب مهنة قيادة الطائرات، ولم يكن ذلك يروق لبهاء. ذات يوم ركب طائرة سودانية من لندن الى الخرطوم وكان قد استفسر عن اسم القبطان فقالوا له إنه مستر دوغلاس. ولكن ما أن أقلعت الطائرة حتى حيا الكابتن المسافرين: كابتن محمود.... يحييكم ويرحب بكم.. ولكن صوت الكابتن ضاع وسط صيحات بهاء المرتجفة: يا أولاد ال... كابتن مين؟ دا مش مفروض يسوق تاكسي.. أعيدوا الطائرة الى الأرض.. هذه مؤامرة.. ونجح الركاب في تهدئته فأغمض عينيه وطفق يردد الشهادتين، ويقرأ «يس».. ثم ينهار مجددا عندما يتذكر عياله: الله يحفظكم.. أصبحتم يتامى وعودكم طري أخضر. وبعد قليل رأى بهاء كابتن محمود ذاك يسير في ممر الطائرة محييا الركاب فانتفض واقفا: شوفوا الاستهتار. سايب الطيارة تمشي على كيفها وجاي يتمخطر وسطنا. ارجع الكابينة يا صعلوك يا مستهتر. وكان الكابتن يعرف بأمر بهاء وتوجه نحوه، وقال له ان الطائرة تحت سيطرة «الأوتو بايلوت» أي النظام/ الطيار الآلي، مما جعل بهاء يروح في غيبوبة لم يفق منها إلا في نهاية الرحلة عندما «أنعشوه» وتأكد له انه «حي»! وفي مرة ثانية كان بهاء قد شارك في مؤتمر في بيروت ورتب أموره مع الجهة المنظمة للمؤتمر، على العودة بالتوجه الى القاهرة على طيران الشرق الأوسط الذي كانت جميع طواقمه أوروبية، على أن يسافر من القاهرة الى الخرطوم على الخطوط البريطانية. وحلقت الطائرة ببهاء من مطار بيروت. وجاءه صوت من المايكروفون الداخلي: كابتن عويس يحييكم.. صدرت عن بهاء صرخة تحنن قلب الكافر، وبدأ يبكي ويهذي. حسب المسكين ان عويس هذا اختطف الطائرة. ولكن بعض الركاب «طمأنوه» بأن عويس هو قائد الطائرة فقال لهم: إزاي واحد اسمه عويس يقود طائرة؟ فجاءه الرد: يا بجاحتك يا أخي. أُمَّال هنجيب استرالي يقود طيارة مصرية. هنا تحول عويل بهاء الى هستيريا: البقاء لله. وصار يسب ابليس تارة وعويس تارة أخرى، ثم يصيح: أولاد ال... (يقصد من نظموا المؤتمر) طلبت منهم السفر على طيران الشرق الأوسط يقوموا يمقلبوني ويركبوني في طيارة عويس؟
بهاء هذا قرر أداء العمرة فسافر من الخرطوم الى أثينا بالطيران الهولندي، وسافر من أثينا الى جدة بالخطوط الفرنسية. وبعد توطين وظائف الطيارين في كافة الدول العربية امتنع بهاء عن السفر جواً ولم يركب طائرة طوال الـ35 سنة الأخيرة من عمره (رحمه الله). قلت له ذات مرة ان سجل السلامة لشركات الطيران العربية ممتاز ولكنه يقول بلا حياء: لا شيء في العالم العربي وإفريقيا يستحق تقدير ممتاز. وبهاء هذا هو المسؤول عن الخوف الذي لازمني طويلا من ركوب الطائرات، فقد سمعت حكاياته معها قبل أن يأذن الله لي بركوب الطائرات، ولما تسنى لي استخدام الطائرات كان كل الكباتن/ القباطنة عبد الصمد ومرسي وحسنين وحسب الله، ولم يتحسن حالي كثيرا عندما ركبت طائرات يقودها كابتن كومار أو فرنانديس، ثم خفت نوبات الخوف كثيرا بعدما انتبهت إلى أن سجل شركات الطيران العربية في مجال الحوادث أنصع من سجل شركات الغرب. بس ما عدا 2 منها فإن سجلها في المواعيد يرفع الضغط ويسبب الإمساك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك