يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: «لا تكمل المكارم إلا بالعفاف والإيثار»!
فإن تسهم في رفاهية الآخرين وتسعد من حولك وتشعر بأنك ملتزم بذلك ليس من باب الإجبار بل بدافع من الحب والولاء، فهذا هو قمة مكارم الأخلاق التي حث عليها ديننا الحنيف حين تحدث عن قيمة الإيثار التي من شأنها أن تنشر الألفة والمحبة بين الناس.
خلود حمد الوزان، امرأة من الزمن الجميل، اتخذت من الإيثار نهجا تسير عليه عبر مشوارها، فضحت بالغالي والنفيس من أجل رسالتها العائلية، وأعطت الجميع من غير إبقاء شيء لنفسها لسنوات طوال سطرت خلالها تجربة إنسانية تحمل كل معاني التضحية والحب والوفاء.
كان تعرضها للانكسار دافعا قويا لتخطي كل الحواجز، وحافزا للنهوض من جديد، فراحت تعمل على تطوير ذاتها ومهاراتها، حتى وجدت شغفها في مشروعها الخاص لصناعة الحلويات وفي دورها كمدربة طبخ للأطفال، فصنعت لنفسها اسما لامعا في عالم النساء المتميزات المتفانيات.
لقد علمتها الحياة وأوجاعها أهمية أن تمتلك رؤية واضحة للمستقبل وأهدافا في الحياة تسعى نحو تحقيقها، وألا تتوقف عن الأحلام، وأن الطموح أعظم من جرأة صاحبه، وأن الخوف يبقي الشخص ساكنا في مكانه لا يتقدم خطوة إلى الأمام، وأنه بدون الحب والشغف لا تحيا القلوب.
حول هذه التجربة الملهمة كان الحوار التالي:
حدثينا عن طفولتك؟
طفولتي تنتمي إلى فترة السبعينيات التي كانت تتسم حينئذ بالبراءة الشديدة والبساطة في كل شيء، في اللهو واللعب والحديث والسلوكيات، ومن هواياتي المفضلة منذ الصغر هي الطبخ، وقد انتبه والداي الى ذلك ولفت نظرهم تمتعي بهذه الملكة فقدما لي كل الدعم والتشجيع، وأذكر أنني حين كنت أقيم في منزل جدتي أسبوعيا كنت أستعير أواني الطبخ منها وأقوم بوضعها في دولابي وأتعامل معها على أنها جزء من ألعابي.
ماذا كان حلمك في تلك الفترة؟
لقد كان حلمي في الطفولة أن أصبح في المستقبل صحفية أو محامية، علما بأنني التحقت في المرحلة الثانوية بالمسار التجاري، وبالطبع كان كل أملي أن أكمل مسيرتي العلمية لتحقيق هذا الطموح، ولكني فضلت العمل والتفرغ لرعاية عائلتي وأطفالها، وخاصة في ظل وجود والدي المستمر خارج البحرين لظروف عمله، وشيئا فشيئا وجدت نفسي أحل محله تلقائيا وعن رغبة وحب وليس إجبارا، وتحملت المسؤولية مبكرا، ودفنت معها أحلامي وطموحاتي الشخصية، وبت أستمتع بهذا الدور، وقد عملت في البداية لدى شركة مقاولات ثم انتقلت إلى العمل بإحدى رياض الأطفال، وكانت والدتي تحفزني على العمل في فترات العطلة الصيفية.
بداية مشروعك؟
عقب وفاة والدتي بعد رحلة طويلة من الصراع مع المرض كنت رفيقتها فيها لحظة بلحظة وهي التي كانت تمثل كتلة من النشاط، أعددت حلوى الرانغينا الشهيرة للتوزيع في ثوابها رحمها الله، وكان هذا الطبق هو البداية الحقيقية التي انطلقت منها في عالم العمل الحر، وأطلقت عليه «قصة طبق»، حيث عرضت قصتي خلال دورة تدريبية، وقد شجعني الكثيرون على المواصلة في هذا المجال واحترافه، وخاصة إخواني وأخواتي، وبالفعل تدربت في «يونايتد كيتشن» وفي مطبخ «فجر المنصوري».
وماذا عن «قصة طبق»؟
الطبخ بالنسبة إليّ لم يكون مجرد هواية فحسب بل تحوّل إلى مصدر رزق، رغم أنني لم أتوقع يوما ما أن عمل الخير قد يصبح بابا لتحقيق دخل مادي لي، وقد كانت البداية بعمر صغير وتحديدا في سن المراهقة، الذي أراه سن اكتشاف المواهب، ولا شك أنني مررت بتجارب كثيرة واطلعت على كتب الطبخ للمشاهير مثل عائشة بهلول وأفنان الزياني وغيرهما حتى أشبع هذا الهوس لديّ، إلى أن أعددت حلوى الرانغينة التي لاقت تجاوبا كبيرا من الجميع والذين كانوا وراء احترافي المجال من دون أي تخطيط مني، ثم أطلقت مشروعي في حسابي على الانستجرام منذ 2016 وتخصصت في صناعة الحلوى، وتلك هي قصة الطبق.
أهم التحديات والنجاحات؟
إدارة منزل وتحقيق الأهداف من أصعب التحديات، ويمكن القول بأن أهم تحدٍ واجهني بشكل عام هو مشكلة إدارة الوقت، الأمر الذي يضطرني أحيانا إلى إلغاء بعض طلبات الزبائن لعدم قدرتي على القيام بكافة مسؤولياتي في الوقت نفسه، بل حدث أنني أوقفت مشروعي فترات لنفس السبب لأجد نفسي قد عدت إليه من جديد، وخاصة بعد إصابة والدي بمرض الزهايمر ورعايتي له، حيث كرست له كل وقتي وجهدي من بعد فقدان والدتي، ولكن مع تشجيع الأهل تجاوزت كافة الصعوبات وطورت منتجاتي وأدخلت أصنافا جديدة.
هل مررتِ بلحظات من الإحباط؟
من المؤكد أنني مررت بلحظات من التعب والإحباط، ولكني حينذاك كنت أتذكر مقولة الدكتور إبراهيم الفقي «إن هدفا صغيرا كل يوم يعلو بك على سلم النجاح خيرا لك من الوقوف في مكانك وانتظار المجهول»، ومن هنا كان إصراري على المواصلة وتكرار المحاولات وتطوير الذات حتى حين انكسرت بشدة عند فقدان والدي وغلب عليّ شعور بالعجز فعملت بتلك المقولة، ومن أهم النجاحات إدخال مشروعي في حاضنات الأسر، ومشاركتي في عربة طعام مع أختي وتخصيص مبلغ من ريع الاطباق للأعمال الخيرية.
كيف تم تطوير الذات؟
أنا أؤمن بأن الفشل لا يعني نهاية الطريق بل هو البداية التي ستعلمك مرارا وتكرارا الطريق الصحيح، وهذا ما تعلمته خلال مشاركتي في العديد من الدورات التدريبية عن أنماط الشخصية والخلافات الاجتماعية والذكاء العاطفي والطرق الايجابية لتغيير السلوك والتحفيز وتحقيق السعادة والسلامة النفسية وتحرير المخاوف وسحر الكلمة وغيرها من الورش التي جعلت مني شخصية مؤثرة على ثقة من نفسها قادرة على الإقناع والتسويق والتسعير والتمتع بكل المهارات التي يتطلبها عملي الخاص.
شيء ندمتِ عليه؟
لله الحمد لم أندم مطلقا على أي شيء أقدمت عليه عبر مشواري، فرسالتي الإنسانية تجاه والدتي ومن بعدها والدي كانت من أحب الأشياء إلى نفسي والتي أعتبرها نوعا من رد الجميل، وكذلك الأمر فيما يتعلق برعاية أبناء إخواني وأخواتي وتربيتي لهم وممارسة دور الأمومة معهم، فقد كرست حياتي وطاقاتي لتأدية تلك الأدوار عن حب وليس إجبارا، وأشعر بأن الله سبحانه وتعالى قد عوضني عن تكوين أسرة بذلك، إلى أن جاءت جائحة كورونا، هنا حدث تحول مهم في حياتي.
حدثينا عن هذا التحول؟
بعد وفاة والدي شعرت بالانكسار، وكأني فقدت رغبتي في الحياة أو هدفي منها المتمثل في رعايته، وهو الذي أنشأنا على أن يطبطب بعضنا على بعض وعلى المحبة والبر، ولم أشعر قط بأنني شمعة تحترق من أجل الآخرين، وقد تخطيت أزمة فقد الوالدين بمعاونة «كوتش»، حيث استمعت إلى نصائحها وإرشاداتها، وبالفعل أحدثت نقطة فارقة في تغيير حياتي.
كيف؟
التحقت بدورة سعودية للتمتع بمهارة التدريب وحصلت على شهادة تؤهلني للقيام بهذا الدور، وخاصة في تزيين «الكب كيك» بطريقة شيقة وسهلة يستوعبها الطفل في المرحلة العمرية من 7-12 عاما، ووجدت تفاعلا كبيرا وفوريا بعد أن التحقت بدورتين في الطبخ، وذاع صيتي كثيرا على وسائل التواصل، وأذكر هنا جملة قالتها لي كوتش أخرى تواصلت معها بعد شعوري بهذا الانكسار قالت فيها «كوني نجمة في السماء» ومن هنا قررت خوض رحلة تطوير الذات والوقوف على أرض صلبة والعمل على تطوير مشروعي.
ما أهم التطورات التي مر بها مشروعك؟
لقد عكفت وقت جائحة كورونا على تطوير مهاراتي وذلك عبر دورات عديدة أون لاين، وحرصت على تعلم الطبخ بأسلوب عصري، وبالفعل ابتكرت أطباقا مميزة ومختلفة، حيث أدخلت الرسم بيدي على الكيك والكوكيز بأسلوب مبتكر عن الآخرين الذين يعملون في المجال نفسه، وتأهلت للعمل كمدربة طبخ للأطفال، وأصبحت عضوا بالمختبر التدريبي الإبداعي لكوني أمثل إحدى القصص والتجارب الملهمة التي يقدمها ويتبناها، وحاولت قدر الإمكان التوفيق بين مسؤولياتي المتعددة ومعالجة مشكلة إدارة الوقت، الأمر الذي أسهم في انطلاق مشروعي بصورة لافتة وتقديم بعض المبادرات التي تخدم الآخرين.
مبادرات مثل ماذا؟
قدمت قصصا لمساعدة الآخرين كمتطوعة، ثم التحقت بمنصة الإبداع للأطفال، وأطلقت مبادرة «يا لا نتصاحب» التي تضم ستة أنشطة تهدف إلى تحقيق نوع من التواصل بين الأجيال الأبناء والآباء والأجداد، إلى جانب مبادرة «المحترفون» التي تعلم الطفل مهارة وحرفة وتدربه على صناعة بيزنس، وشيئا فشيئا كسرت حاجز الخجل الذي كان يمثل نقطة ضعفي.
أمنية؟
أتمنى امتلاك محل خاص بي لصناعة وبيع الحلويات، ومركز تدريب للطبخ يؤهل الأطفال للإبداع في هذا المجال.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك