العدد : ١٧٠٨٦ - الخميس ٠٢ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٦ - الخميس ٠٢ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ رجب ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

شكلي الحضري قشرة خارجية (1)

بي‭ ‬عشق‭ ‬للأمثال‭ ‬العربية‭ ‬و«الشعبية‮»‬،‭ ‬وحرصت‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬الإلمام‭ ‬بالأمثال‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬دون‭ ‬غيرها،‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬تسريب‭ ‬بعضها‭ ‬إلى‭ ‬قرائي‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬خذ‭ ‬مثلا‭: ‬كثر‭ ‬الدق‭ ‬يفك‭ ‬اللحام،‭ ‬هذا‭ ‬قول‭ ‬فيه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬لأنه‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬المثابرة‭ ‬على‭ ‬الشيء‭ ‬المراد‭ ‬إنجازه،‭ ‬وهناك‭ ‬‮«‬اللي‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬الصقر‭ ‬يشويه‮»‬‭: ‬منتهى‭ ‬البلاغة‭ ‬ففي‭ ‬إيجاز‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬قيمة‭ ‬الشيء‭ ‬الثمين‭ ‬يسيء‭ ‬استخدامه،‭ ‬ومن‭ ‬الأمثال‭ ‬التي‭ ‬أعلقها‭ ‬قلادة‭ ‬في‭ ‬عنقي‭: ‬‮«‬من‭ ‬نسي‭ ‬قديمه‭ ‬تاه‮»‬‭.‬

لو‭ ‬سألت‭ ‬عني‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬يعرفني‭ ‬جيدا‭ ‬فسيقول‭ ‬لك‭ ‬إن‭ ‬أبا‭ ‬الجعافر‭ ‬حضري‭ ‬أي‭ ‬ابن‭ ‬مدن،‭ ‬ذلك‭ ‬أنني‭ ‬عشت‭ ‬معظم‭ ‬سنوات‭ ‬حياتي‭ ‬في‭ ‬المدن،‭ ‬ولكنني‭ ‬وفي‭ ‬مواقف‭ ‬كثيرة‭ ‬أكتشف‭ ‬أنني‭ ‬وفي‭ ‬دواخلي‭ ‬قروي‭ ‬بدوي‭ ‬رعوي‭ ‬فلاحي،‭ ‬ويتضح‭ ‬لي‭ ‬ذلك‭ ‬بجلاء‭ ‬عند‭ ‬زيارة‭ ‬مدن‭ ‬غربية،‭ ‬فرغم‭ ‬أنني‭ ‬أعرف‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يُعرف‭ ‬عن‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ (‬أو‭ ‬أحسب‭ ‬ذلك‭)‬،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬المدارس‭ ‬على‭ ‬أيامنا‭ ‬كانت‭ ‬تعلمنا‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬عشرة‭ ‬أضعاف‭ ‬ما‭ ‬تعلمنا‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬وطننا‭ ‬ومحيطه،‭ ‬ورغم‭ ‬أنني‭ ‬زرت‭ ‬بريطانيا‭ ‬مرارا‭ ‬وعشت‭ ‬فيها‭ ‬حينا‭ ‬من‭ ‬الدهر،‭ ‬فإنني‭ ‬أجد‭ ‬نفسي‭ ‬غريبا‭ ‬عنها‭ ‬كلما‭ ‬أتيتها،‭ ‬بل‭ ‬أزداد‭ ‬استعصاما‭ ‬وتمسكا‭ ‬بجذوري‭ ‬وثقافتي،‭ ‬بل‭ ‬والأدهى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬إنني‭ ‬أقع‭ ‬في‭ ‬‮«‬أخطاء‮»‬‭ ‬كتلك‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬القروي‭ ‬في‭ ‬احتكاكه‭ ‬الأول‭ ‬بالمدينة‭. ‬مثل‭ ‬حكايتي‭ ‬مع‭ ‬الكوكا‭ ‬كولا‭ ‬عندما‭ ‬أتيت‭ ‬إلى‭ ‬الخرطوم‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬وكان‭ ‬حلم‭ ‬حياتي‭ ‬أن‭ ‬أتذوق‭ ‬الكولا،‭ ‬وأمسكت‭ ‬بالزجاجة‭ ‬الباردة‭ ‬كمن‭ ‬يمسك‭ ‬بجائزة‭ ‬نوبل،‭ ‬أو‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬لكرة‭ ‬القدم،‭ ‬ووضعت‭ ‬الزجاجة‭ ‬في‭ ‬فمي‭ ‬وشفطت‭ ‬منها‭ ‬شفطة‭ ‬كبيرة،‭ ‬ثم‭ ‬قررت‭ ‬إبعاد‭ ‬الزجاجة‭ ‬عن‭ ‬فمي‭ ‬قليلا‭ ‬كما‭ ‬رأيت‭ ‬الآخرين‭ ‬يفعلون،‭ ‬ولكن‭ ‬الزجاجة‭ ‬أبت‭ ‬أن‭ ‬تفارق‭ ‬فمي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انحشر‭ ‬لساني‭ ‬في‭ ‬فوهتها‭ ‬ثم‭ ‬أحسست‭ ‬بفلفل‭ ‬حار‭ ‬يسري‭ ‬عبر‭ ‬أنفي‭ ‬حتى‭ ‬سالت‭ ‬دموعي،‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬تخليص‭ ‬فمي‭ ‬ولكن‭ ‬نصف‭ ‬محتويات‭ ‬الزجاجة‭ ‬انسكبت‭ ‬على‭ ‬قميصي‭ ‬ورميت‭ ‬الزجاجة‭ ‬بما‭ ‬بقي‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬مشروب،‭ ‬ومنذ‭ ‬يومها‭ ‬وأنا‭ ‬سيء‭ ‬الظن‭ ‬بأمريكا‭ ‬وكل‭ ‬منتجات‭ ‬أمريكا‭.‬

ركبت‭ ‬القطار‭ ‬الداخلي‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الماليزية‭ ‬كولالمبور‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬وأعجبت‭ ‬بنظافته‭. ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬كتبت‭ ‬على‭ ‬ورقة‭ ‬اسم‭ ‬المحطة‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬أغادر‭ ‬فيها‭ ‬القطار،‭ ‬وهكذا‭ ‬ظلت‭ ‬عيناي‭ ‬ترصدان‭ ‬اسم‭ ‬كل‭ ‬محطة‭ ‬يقف‭ ‬فيها‭ ‬القطار‭ ‬ولكنني‭ ‬فوجئت‭ ‬بأنها‭ ‬جميعا‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬كيلوار‮»‬‭. ‬كانت‭ ‬ماليزيا‭ ‬قد‭ ‬بهرتني‭ ‬بإنجازاتها‭ ‬وحسن‭ ‬هندسة‭ ‬طرقها‭ ‬وجسورها‭ ‬وتخطيط‭ ‬مدنها‭ ‬ورقي‭ ‬شعبها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬كان‭ ‬بدهيا‭ ‬أن‭ ‬أحتار‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬غبائهم‭ ‬بإطلاق‭ ‬اسم‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬محطات‭ ‬القطار‭. ‬وهكذا‭ ‬قررت‭ ‬النزول‭ ‬من‭ ‬القطار‭ ‬والتوجه‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬أريد‭ ‬بسيارة‭ ‬أجرة‭. ‬وفي‭ ‬المحطة‭ ‬قلت‭: ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تكن‭ ‬فاعل‭ ‬خير‭ ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬الجعافر‭ ‬وتنبه‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬القطارات‭ ‬إلى‭ ‬الخطأ‭ ‬المزري‭ ‬والمضحك‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬اسم‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المحطات،‭ ‬وهكذا‭ ‬توجهت‭ ‬إلى‭ ‬مسؤول‭ ‬في‭ ‬المحطة‭ ‬وأبديت‭ ‬له‭ ‬‮«‬ملاحظتي‮»‬‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الرجل‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ضحك‭ ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬كيلوار‭ ‬تعني‭ ‬بلغة‭ ‬أهل‭ ‬البلاد‭ ‬‮«‬خروج‮»‬‭. ‬وأضاف‭: ‬طبعا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬إرشاد‭ ‬الركاب‭ ‬إلى‭ ‬منافذ‭ ‬الخروج‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬محطة،‭ ‬وشرح‭ ‬لي‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬محطة‭ ‬تحمل‭ ‬اسما‭ ‬مميزا‭. ‬وأنه‭ ‬ربما‭ ‬فات‭ ‬عليّ‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬لوحات‭ ‬الأسماء‭.‬

المهم‭ ‬أنني‭ ‬بعد‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الهفوات‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬برة‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أضحك‭ ‬على‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬يدخل‭ ‬محلات‭ ‬سيلفريدج‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬ويسأل‭ ‬رجل‭ ‬الأمن‭: ‬عندكم‭ ‬سندويتشات‭ ‬شاورما‭. ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬الذي‭ ‬قيل‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يسافر‭ ‬إلى‭ ‬دوفر‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬الشرقي‭ ‬لإنجلترا‭ ‬ليسافر‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬فسافر‭ ‬إلى‭ ‬ديفون‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬الغربي‭ ‬وتطل‭ ‬على‭ ‬المحيط‭ ‬الاطلنطي‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا