العدد : ١٧٠٩٦ - الأحد ١٢ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٩٦ - الأحد ١٢ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ رجب ١٤٤٦هـ

اطلالة

هالة كمال الدين

halakamal99@hotmail.com

الآلة الحية

بالفعل،‭ ‬نحن‭ ‬نعيش‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬العجائب‭ ‬والغموض‭ ‬والغرابة،‭ ‬زمن‭ ‬مخيف‭ ‬باتت‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬فيه‭ ‬معكوسة،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬العقل‭ ‬يختل‭ ‬أثناء‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الوقائع‭ ‬والحوادث‭ ‬وسيطرة‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المعاصرة‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬والإنسانية‭. ‬

يدهشني‭ ‬في‭ ‬عوالم‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬تلك‭ ‬القدرات‭ ‬العبقرية‭ ‬التي‭ ‬تفاجئنا‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬يومي‭ ‬وأقربها‭ ‬تحول‭ ‬هذا‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي‭ ‬الذي‭ ‬كنا‭ ‬نشاهده‭ ‬وننبهر‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬والمسلسلات‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬مؤخرا‭ ‬ابتكار‭ ‬أول‭ ‬كمبيوتر‭ ‬حي‭ ‬مصنوع‭ ‬من‭ ‬أنسجة‭ ‬المخ‭ ‬البشرية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كشفت‭ ‬عنه‭ ‬صحيفة‭ ‬ديلي‭ ‬ميل‭ ‬البريطانية‭ ‬مؤخرا‭.‬

هذا‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬الحي‭ ‬يتألف‭ ‬من‭ ‬16‭ ‬جزءا‭ ‬عضويا‭ ‬أو‭ ‬كتل‭ ‬من‭ ‬خلايا‭ ‬الدماغ‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬زراعتها‭ ‬في‭ ‬المختبر،‭ ‬وتعمل‭ ‬بشكل‭ ‬يشبه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬شريحة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬التقليدية،‭ ‬حيث‭ ‬ترسل‭ ‬وتستقبل‭ ‬الإشارات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خلاياها‭ ‬العصبية‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬مثل‭ ‬الدوائر‭.‬

ما‭ ‬يميز‭ ‬تلك‭ ‬الآلة‭ ‬الحية‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬تستخدم‭ ‬طاقة‭ ‬أقل‭ ‬بمليون‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬المعالجات‭ ‬الرقمية‭ ‬الحالية‭ ‬المستخدمة‭ ‬حاليا،‭ ‬كما‭ ‬وجد‭ ‬العلماء‭ ‬أنها‭ ‬تعمل‭ ‬بنفس‭ ‬السرعة‭ ‬وبذاكرة‭ ‬أكبر‭ ‬بمقدار‭ ‬ألف‭ ‬مرة،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تصنيعها‭ ‬بأخذ‭ ‬الخلايا‭ ‬الجذعية‭ ‬وزرعها‭ ‬لتشكيل‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬العضوائيات‭ ‬مدة‭ ‬شهر‭ ‬تقريبا‭ ‬حتى‭ ‬تشكل‭ ‬ميزات‭ ‬مثل‭ ‬الخلايا‭ ‬العصبية،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬صناعة‭ ‬تلك‭ ‬الآلة‭ ‬تتطلب‭ ‬استخدام‭ ‬ما‭ ‬يقدر‭ ‬بعشرة‭ ‬آلاف‭ ‬خلية‭ ‬عصبية‭ ‬حية‭.‬

نحن‭ ‬نعيش‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬عجيب‭ ‬يتسارع‭ ‬فيه‭ ‬التقدم‭ ‬التقني‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجال،‭ ‬زمن‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والآلة‭ ‬التي‭ ‬اخترعها‭ ‬وطورها‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬الاستغناء‭ ‬عنها‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬أسيرا‭ ‬لها‭ ‬تتحكم‭ ‬فيه‭ ‬كيفما‭ ‬تشاء،‭ ‬زمن‭ ‬يشهد‭ ‬عملية‭ ‬تغير‭ ‬عميقة‭ ‬ومتصلة‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬أو‭ ‬سقف‭.‬

هناك‭ ‬رأي‭ ‬يؤكد‭ ‬أنه‭ ‬مهما‭ ‬تطورت‭ ‬الآلة‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬محل‭ ‬العقل‭ ‬الذي‭ ‬اخترعها،‭ ‬وعلى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬من‭ ‬عبقريات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يستطيع‭ ‬تدمير‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬اخترعه،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الجدل‭ ‬الدائر‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬اليوم‭ ‬وبقوة‭. ‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬العقل‭ ‬البشري‭ ‬أجاد‭ ‬صياغة‭ ‬تفاصيل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬بما‭ ‬يرقى‭ ‬بحاضر‭ ‬البشرية‭ ‬ومستقبلها،‭ ‬وهي‭ ‬أعظم‭ ‬مظاهر‭ ‬الخلود‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬حلم‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬تقنية‭ ‬جديدة‭ ‬تمثل‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬التجربة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وفي‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬نعيش‭ ‬بها،‭ ‬وأن‭ ‬لكل‭ ‬زمان‭ ‬سلبياته‭ ‬وإيجابياته،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭ ‬من‭ ‬أقسى‭ ‬وأعجب‭ ‬الأزمنة‭ ‬التي‭ ‬عاشتها‭ ‬البشرية‭.‬

ويبقى‭ ‬التطور‭ ‬البشري‭ ‬مرهونا‭ ‬ومتواصلا‭ ‬باستمرار‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬انتاج‭ ‬الخيال‭.‬

إقرأ أيضا لـ"هالة كمال الدين"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا