مع فوز «دونالد ترامب»، وإعادة انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة، خلفًا لـ«جو بايدن»، وتوليه مهامه في 20 يناير 2025، توالت تحليلات وتعليقات الخبراء في أوساط السياسة الخارجية، حول الاستراتيجية، التي سيعتمدها الرئيس الجمهوري في توجيه علاقات بلاده مع العالم، سواء مع الحلفاء أو الخصوم.
وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص، تناول «مارك مازيتي»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، طبيعة «المشهد الجيوسياسي»، الذي سيواجهه، مشيرًا إلى أنه سيكون «مختلفًا تمامًا»، عما تركه قبل أربع سنوات، في ظل حروب إسرائيل المستمرة على كل من غزة، ولبنان، وتصعيد المواجهة مع إيران؛ مما يعكس تدهورًا طويل الأمد في مسار السلام والأمن بالمنطقة.
وبالنسبة إلى «مجلس التعاون الخليجي»، فقد أصبحت المواقف الاستراتيجية لدوله مختلفة، عما كانت عليه عندما غادر ترامب البيت الأبيض في يناير2021. وفي هذا السياق، رأى «تشارلز دبليو. دن»، من «المركز العربي للأبحاث»، أن عودة الرئيس السابق، ستعيد على الأرجح العلاقة «النفعية» بين الولايات المتحدة ودول الخليج. وتوقع «بدر السيف»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، أن تسعى الرياض، وأبو ظبي، ودول أخرى خلال السنوات الأربع المقبلة إلى «التعامل» معه، عبر اتباع سياسات تخدم مصالحها الخاصة، وإعطاء الأولوية لأجنداتها الوطنية.
وبشكل واضح، تبدو فوائد انتهاج «واشنطن»، لسياسة خارجية مدفوعة بالمصالح، فيما يخص الصفقات التجارية المحتملة، والتعاون الاستثماري، ومبيعات الأسلحة. ومع ذلك، فإن عودته بما تحمله من توقعات بزيادة الدعم الأمريكي لإسرائيل في حروبها بالشرق الأوسط، وتشديد الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية على إيران، إلى جانب السياسات التجارية، وإنتاج الطاقة التي تخدم مصالح واشنطن الداخلية؛ تثير تساؤلات حول المكاسب الحقيقية لدول مجلس التعاون. وفي هذا الصدد، أشار «دن»، إلى أنه لا يزال «غير واضح»، كيف يمكن لرئاسته أن تحقق «فوائد ملموسة» لهذه الدول.
ووفقًا للباحث، فإنه من المتوقع أن يشهد تعامله الخارجي، الذي ميز فترته الرئاسية الأولى بين عامي 2017 و2021، استئنافًا لنهج «نفعي» في العلاقات الأمريكية مع دول الخليج، ويشمل هذا التركيز على «مبيعات الأسلحة، والصفقات التجارية، والتعاون الأمني، ومكافحة الإرهاب»، مع إغفال الجوانب السياسية والدبلوماسية الأكثر تعقيدًا. ورأى «جيفري فيلتمان»، من «مؤسسة بروكينجز»، أن «أي دولة تقدم أفضل الصفقات التجارية»، سواء في التجارة أو الاستثمار أو الأسلحة، «قد تميل السياسة الأمريكية في اتجاهها»، خلال السنوات الأربع المقبلة. وبهذا المعنى، أشار «جورجيو كافييرو»، من مركز «ستيمسون»، إلى أن دولا مثل السعودية، والإمارات، ممن «ربطتهم علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة، خلال إدارة ترامب الأولى»؛ هم «الأكثر تفاؤلاً بشأن فوزه الانتخابي».
وفي الوقت الذي يعتمد فيه على معاملاته؛ لتعزيز المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، عبر مفاوضات، وصفقات طموحة؛ يبقى أمامه فترة محدودة لا تتجاوز أربع سنوات لإحداث هذه التغييرات. وفي هذا السياق، أشار «كريستيان كوتس أولريشن»، من «معهد بيكر للسياسة العامة»، إلى أن دول الخليج تأخذ في اعتبارها النظر إلى المستقبل مدة تتراوح بين 10 إلى 15 سنة، بهدف تقييم التبعات المحتملة للانسحاب الأمريكي من المنطقة، وتأثير ذلك على «إعادة تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط».
وحول تأثير سياساته على دول الخليج، يرى «السيف»، أن نوايا إدارته، فيما يتعلق بالتجارة والطاقة، قد تكون «الأكثر تحديًا». وعلى الرغم من اعترافه بأن الزيادات المخطط لها في الرسوم الجمركية على الواردات إلى الولايات المتحدة – ما يصل إلى 20% من البضائع من دول في جميع أنحاء العالم و60% من الصين – سيكون لها تأثير أكبر ضد بكين ودول في أوروبا، فقد حذر من أن دول الخليج سوف تتأثر بالحروب التجارية في الدول الأخرى.
وفيما يتعلق بالطاقة، أشار «دان إيبرهارت»، من «شركة كناري إل إل سي»، إلى أن إعادة انتخابه، «أحدثت تحولاً محوريًا في مشهد الطاقة في الولايات المتحدة»، بعيدًا عن «السياسات المناخية»، لإدارة بايدن نحو «التركيز على تعظيم إنتاج النفط والغاز الطبيعي المحلي». ومع كون «واشنطن»، بالفعل أكبر منتج منفرد للنفط الخام في العالم، أوضح «السيف»، أن «زيادة الاستكشافات والإنتاج بها ستخفض الأسعار» عالميًا؛ وبالتالي تؤثر في أرباح شركات النفط الخليجية؛ ما يؤثر في برامجها للتنويع الاقتصادي التي تسعى إليها هذه الدول.
وبالنسبة إلى مسائل الأمن والدفاع، سلط «دان»، الضوء على كيف أثبتت رئاسته الأولى، أنها «غير متوقعة» بالنسبة إلى دول الخليج، مع «اللامبالاة العامة»، من جانب الجمهوريين تجاه هجمات سبتمبر 2019، التي استهدفت منشآت النفط السعودية، والتي قوضت بشكل خاص الثقة في «واشنطن»، كشريك أمني. ومع ذلك، فمنذ يناير 2025 فصاعدا، أثار «تشيب آشر»، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، كيف يمكن لهذه الدول أن تجمع بين «إمكانية تقاربها مع إيران، وبين نواياها «لمتابعة الالتزامات الأمنية بقوة مع واشنطن». وفي حين رأى «مازيتي»، أن «الرياض»، على وجه الخصوص، «قد تدفع إدارة ترامب المقبلة إلى إبرام اتفاق دفاع رسمي، من شأنه أن يلزم بلاده بالدفاع عن المملكة إذا تعرضت للهجوم»؛ فقد رأى «دن»، أن دول مجلس التعاون، لا ينبغي أن تتوقع أي «التزام حازم» من الإدارة الأمريكية القادمة، حتى «في حالة المواجهة مع إيران».
وإلى جانب فشل عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين، سلط «برايان كاتوليس»، و«أثينا ماستوف»، من «معهد الشرق الأوسط»، الضوء على كيف أن السياسة والإجراءات ضد إيران، «ستهيمن على الأجندة الإقليمية للإدارة الأمريكية المقبلة»، ومع تقييم «دن»، بأنها «من المرجح أن تميل إلى سياسات نتنياهو، التي تدعم «نهج أمريكي عدواني تجاه إيران، وبرنامجها النووي، بما في ذلك إمكانية العمل العسكري»؛ توقع «فيلتمان»، أن تظل دول الخليج ملتزمة «بخفض التصعيد مع طهران»؛ نظرًا لأنها «ليس لديها أي ثقة بشأن الضمانات الأمنية الأمريكية».
ومن بين الديناميكيات الإقليمية الأخرى التي قد تسعى إلى تعزيزها «الإدارة الأمريكية»، القادمة، هو توسيع «اتفاقيات التطبيع في المنطقة».
وفي حين أشار «السيف»، إلى أن الرئيس الأمريكي المقبل «من المرجح أن يعود إلى هذه الاتفاقيات»، كجزء من سياسة خارجية مستمرة؛ تهدف إلى تعزيز مصالح بلاده على المدى الطويل؛ فقد رأى «أولريشن»، أن «أنصاره الذين يعتقدون أنهم قادرون على استكمال ما بدأوه، يسيئون فهم الموقف تمامًا»، مضيفًا أن «هذا سيصبح واضحًا بسرعة كبيرة».
وفي هذا الصدد، أشار «السيف»، إلى أن طموحات «ترامب»، ومستشاريه، قد لا تتماشى مع مطالبات دول المنطقة، بما في ذلك «السعودية»، بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لغزة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة كـ«شرط أساسي»، لأي مفاوضات مستقبلية بينهما، مضيفا أنه «من المنطقي»، أن تحاول هذه الدول إقناعه «في وقت مبكر»، بأهمية هذه المتطلبات الضرورية، مؤكدا أن هذا من شأنه أن «يثبت أن طموحاته في تقديم صفقة سلام قد تبدو مستحيلة في الوقت الراهن».
على العموم، في ضوء إشارة «جريجوري أفتانديليان»، من «المركز العربي»، إلى «الطبيعة المتقلبة لترامب»، بمجرد عودته إلى السلطة؛ من المتوقع أن تؤثر سياساته في مجالات التجارة والاقتصاد والأمن في المنطقة بشكل كبير؛ وفي هذا الصدد، تمت الإشارة إلى تعليقه في أكتوبر2024، بأن «أفضل رد أمريكي على التهديدات الإيرانية هو «الضرب النووي أولًا، والقلق بشأن البقية لاحقا»، وعليه، علق «السيف»، بأن «دول الخليج «أفضل حالًا في الاستمرار في تعزيز استقلالها الذاتي، والمصالحة الإقليمية»، بغض النظر عن أي إغراء أو ضغط لدفعها إلى العودة عن هذا المسار.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك