العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الأطفال أمل المستقبل.. حمايتهم مسؤولية مشتركة

بقلم: نبيلة رجب

الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للطفل،‭ ‬الذي‭ ‬صادف‭ ‬يوم‭  ‬أمس20‭ ‬نوفمبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬تستيقظ‭ ‬مشاعر‭ ‬متداخلة‭ ‬في‭ ‬أعماقنا،‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬الفرح‭ ‬والتوجس،‭ ‬بين‭ ‬الأمل‭ ‬والخوف‭. ‬تلك‭ ‬المشاعر‭ ‬تتشكل‭ ‬عندما‭ ‬نتأمل‭ ‬عيون‭ ‬الأطفال‭ ‬ونحاول‭ ‬فك‭ ‬رموز‭ ‬القصص‭ ‬المخفية‭ ‬خلف‭ ‬بريقها‭ ‬الصامت‭. ‬كل‭ ‬طفل‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬عينيه‭ ‬حلما‭ ‬نقيا،‭ ‬لكن‭ ‬قسوة‭ ‬الحياة‭ ‬قد‭ ‬تغتال‭ ‬تلك‭ ‬الأحلام‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬النور‭. ‬في‭ ‬بقاع‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬عالمنا،‭ ‬يمر‭ ‬ملايين‭ ‬الأطفال‭ ‬بتجارب‭ ‬قاسية،‭ ‬ثقيلة‭ ‬على‭ ‬كاهل‭ ‬الكبار،‭ ‬فكيف‭ ‬بالأطفال‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬خطواتهم‭ ‬الأولى‭ ‬نحو‭ ‬اكتشاف‭ ‬الحياة؟

تنبئنا‭ ‬الإحصاءات‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬يصعب‭ ‬تجاهله؛‭ ‬فوفقا‭ ‬لتقارير‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬هناك‭ ‬مئات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬متأثرة‭ ‬بالنزاعات‭. ‬هؤلاء‭ ‬الصغار‭ ‬لا‭ ‬يواجهون‭ ‬خطر‭ ‬الموت‭ ‬أو‭ ‬الإصابة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬خوف‭ ‬دائم‭ ‬بسبب‭ ‬ظروف‭ ‬الصراع‭ ‬والعنف‭ ‬الذي‭ ‬يحيط‭ ‬بهم‭. ‬حياتهم‭ ‬اليومية‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الأمان،‭ ‬ويضطرون‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬واقع‭ ‬قاس‭ ‬يفوق‭ ‬التحمل‭.‬

ليست‭ ‬الحروب‭ ‬وحدها‭ ‬التي‭ ‬تسرق‭ ‬طفولتهم،‭ ‬بل‭ ‬الفقر‭ ‬أيضا‭ ‬يلقي‭ ‬بظلاله‭ ‬الثقيلة‭ ‬على‭ ‬حياتهم‭. ‬إذ‭ ‬نجد‭ ‬أطفالا‭ ‬بأجساد‭ ‬صغيرة‭ ‬وأيادٍ‭ ‬خشنة‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬الشوارع،‭ ‬حاملين‭ ‬أعباء‭ ‬لا‭ ‬تناسب‭ ‬مرحلة‭ ‬تطورهم،‭ ‬محرومين‭ ‬من‭ ‬التعليم،‭ ‬من‭ ‬الحق‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬أطفالا‭. ‬وقد‭ ‬ذكرت‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬الدولية‭ ‬أن‭ ‬ملايين‭ ‬الأطفال‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬يجبرون‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬خطرة،‭ ‬وجوههم‭ ‬منهكة،‭ ‬وطفولتهم‭ ‬مسلوبة‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬قسوة‭ ‬الحياة‭.‬

وسط‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬القاسية،‭ ‬تبرز‭ ‬الحاجة‭ ‬الملحة‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬البراعم‭ ‬الصغيرة‭ ‬من‭ ‬شتى‭ ‬أنواع‭ ‬الانتهاكات،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬المعاملة‭ ‬أو‭ ‬الاستغلال‭. ‬هنا‭ ‬يتجلى‭ ‬دور‭ ‬الأسر‭ ‬والمجتمعات‭ ‬والدول‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬هؤلاء‭ ‬الصغار‭. ‬تتكامل‭ ‬القوانين‭ ‬وأنظمة‭ ‬الحماية‭ ‬مع‭ ‬وعي‭ ‬المجتمعات‭ ‬ومسؤوليتها‭ ‬تجاه‭ ‬حماية‭ ‬الأطفال‭. ‬هذا‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬المؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬والمجتمعية‭ ‬يخلق‭ ‬بيئة‭ ‬آمنة‭ ‬تضمن‭ ‬للأطفال‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬أو‭ ‬تهديد‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬الظروف‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬النزاعات‭ ‬والكوارث،‭ ‬تأتي‭ ‬المبادرات‭ ‬الدولية‭ ‬لتقديم‭ ‬الأمل‭ ‬بطرق‭ ‬تتجاوز‭ ‬الدعم‭ ‬التقليدي‭. ‬منظمات‭ ‬مثل‭ ‬اليونيسف‭ ‬والصليب‭ ‬الأحمر‭ ‬تطلق‭ ‬برامج‭ ‬تعليمية‭ ‬مبتكرة‭ ‬تتيح‭ ‬للأطفال‭ ‬فرص‭ ‬التعلم‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬وتؤسس‭ ‬‮«‬مساحات‭ ‬صديقة‭ ‬للأطفال‮»‬‭ ‬توفر‭ ‬بيئة‭ ‬آمنة،‭ ‬تمنحهم‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬اللعب‭ ‬والنمو‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬أجواء‭ ‬الصراع‭. ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬المادي‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تسعى‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬ثقة‭ ‬الأطفال‭ ‬بالعالم‭ ‬عبر‭ ‬برامج‭ ‬تأهيل‭ ‬نفسي‭ ‬وأنشطة‭ ‬تعيد‭ ‬إليهم‭ ‬ضحكاتهم‭ ‬المفقودة،‭ ‬وتثبت‭ ‬لهم‭ ‬أنهم‭ ‬ليسوا‭ ‬وحدهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المحنة‭.‬

وعلى‭ ‬المستويين‭ ‬المحلي‭ ‬والإقليمي‭ ‬تتجلى‭ ‬جهود‭ ‬تعكس‭ ‬التزام‭ ‬المجتمعات‭ ‬بحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الأطفال‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أصدرت‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬قانون‭ ‬الطفل‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬الذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬مناسبة‭ ‬لنمو‭ ‬الأطفال‭ ‬وضمان‭ ‬حصولهم‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭. ‬تأتي‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬التي‭ ‬تبذلها‭ ‬المملكة‭ ‬لتلبية‭ ‬احتياجات‭ ‬الأطفال‭ ‬المختلفة،‭ ‬ليتمكنوا‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬تدعم‭ ‬طموحاتهم‭.‬

كما‭ ‬نرى‭ ‬نموذجا‭ ‬إنسانيا‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬كفالة‭ ‬الأيتام‮»‬،‭ ‬التابع‭ ‬للمؤسسة‭ ‬الملكية‭ ‬للأعمال‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬حيث‭ ‬يقدم‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬دعما‭ ‬شاملا‭ ‬للأطفال‭ ‬الأيتام‭ ‬في‭ ‬الجوانب‭ ‬المادية‭ ‬والتعليمية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬قدراتهم‭ ‬ويشعرهم‭ ‬بالانتماء‭ ‬والأمان‭. ‬تقول‭ ‬إحدى‭ ‬الأمهات‭ ‬المستفيدات‭ ‬من‭ ‬البرنامج‭: ‬‮«‬بفضل‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج،‭ ‬أصبح‭ ‬لدى‭ ‬ابني‭ ‬فرصة‭ ‬للنمو‭ ‬كأي‭ ‬طفل‭ ‬آخر‭. ‬الدعم‭ ‬الذي‭ ‬نحصل‭ ‬عليه‭ ‬لم‭ ‬يساعدنا‭ ‬فقط‭ ‬ماديا،‭ ‬بل‭ ‬أعاد‭ ‬لنا‭ ‬الأمل‭ ‬والإحساس‭ ‬بالأمان‭ ‬بغدٍ‭ ‬أفضل‭. ‬وقد‭ ‬حقق‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬نجاحات‭ ‬ملموسة‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الأيتام‭ ‬ليعيشوا‭ ‬حياتهم‭ ‬بروح‭ ‬إيجابية‭ ‬رغم‭ ‬الصعوبات‮»‬‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الإطار‭ ‬نرى‭ ‬دور‭ ‬المجتمع‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الأطفال‭ ‬عبر‭ ‬المبادرات‭ ‬التطوعية‭. ‬إذ‭ ‬يتكاتف‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬لتقديم‭ ‬الدروس‭ ‬المجانية‭ ‬للأطفال‭ ‬المحتاجين،‭ ‬وتنظيم‭ ‬أنشطة‭ ‬ترفيهية‭ ‬وتثقيفية‭ ‬تشجعهم‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬وتحقيق‭ ‬أحلامهم‭. ‬تشمل‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة‭ ‬ورش‭ ‬الرسم‭ ‬والقراءة‭ ‬ورحلات‭ ‬الطبيعة،‭ ‬ما‭ ‬يتيح‭ ‬للأطفال‭ ‬فرصة‭ ‬للنمو‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬مليئة‭ ‬بالمحبة‭ ‬والدعم‭.‬

ولا‭ ‬يمكن‭ ‬إغفال‭ ‬الدور‭ ‬الريادي‭ ‬للقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬حيث‭ ‬تسهم‭ ‬المؤسسات‭ ‬الخاصة‭ ‬بشكل‭ ‬فعال‭ ‬عبر‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬المادي‭ ‬والخدمي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رعاية‭ ‬الفعاليات‭ ‬والبرامج‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬تحسين‭ ‬حياة‭ ‬الأطفال‭ ‬المحتاجين،‭ ‬مما‭ ‬يعكس‭ ‬التزاماً‭ ‬حقيقياً‭ ‬بمسؤوليتها‭ ‬الاجتماعية‭.‬

وصفوة‭ ‬القول،‭ ‬يبقى‭ ‬الأطفال‭ ‬جوهر‭ ‬الأمل‭ ‬ونواة‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭. ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬أوسع،‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬عند‭ ‬مجرد‭ ‬التعاطف،‭ ‬بل‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬خطوات‭ ‬ملموسة‭ ‬تدعم‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬وآمنة‭ ‬أينما‭ ‬كانوا‭. ‬فلنبادر‭ ‬بالعمل،‭ ‬سواءً‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬جهود‭ ‬مجتمعية،‭ ‬أو‭ ‬تعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬بحقوق‭ ‬الأطفال‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬من‭ ‬حولنا‭. ‬لنجعل‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬مكانا‭ ‬يزدهر‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬طفل،‭ ‬حيث‭ ‬تحترم‭ ‬حقوقه‭ ‬وتتحقق‭ ‬طموحاته‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬أو‭ ‬قيود‭.‬

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا